“يومياً” الإنسان والتطور
العدد: 295
21-6-2008
تعتعة
أين الأزمة؟ صعوبة الأسئلة؟ أم نفاق الجميع؟
كتبت فى هذا الموضوع عدة مرات، وبالرغم من يقينى من أن العودة إليه لن تغير شيئا، فقد وجدت أن اشتراك إعلام المعارضة والحكومة (والمستقلين) فى دغدغة مشاعر الناس صغارا أو كبارا، بدون مسئولية، هو نوع من اتفاقهم أخيرا (!!).
طالعتنا صحف الأربعاء 11 الماضى بعناوين وصور مثيرة، فى الصفحات الأولى غالبا: عينا فتاة جميلتان، وبعض شعرها، الصورة تملأ ثلث نصف الصفحة الأعلى، والدموع تنساب على خديها، صورة تليق بالإعلان عن مسلسل لحبيبة شابة فقدت خطبيها فى حادث سيارة!!، لكنك تفاجأ بالمكتوب تحت الصورة عن “اليوم الحزين بسبب صعوبة امتحان التفاضل وحساب المثلثات”، صورة أخرى لفتاة محجبة، جميلة رقيقة، تلبس عوينات أنيقة، وتضع يدها على فمها شاهقة وتحتها “طالبة تبكى من صعوبة الامتحان”، صورة ثالثة لأم وابنتها وكل منها تضع يدها على وجهها فى جزع لم أر مثله إلا يوم وفاة جمال عبد الناصر. صورة رابعة لفتاة أحنت رأسها فلم يظهر وجهها ووضعته بين كفيها، تقف زميلتها بجوارها تواسيها وهى فى أسى بالغ!! تحت عنوان “شكاوى بجميع المحافظات من صعوبة أسئلة التفاضل والتكامل” نجد تحته صورة خامسة لبنتين رقيقتين واحدة تضع يدها على فمها ووجها كله أسى!! والأخرى تضع يدها على عينيها فى جزع ساحق، وتحت الصورة “صدمة وبكاء من صعوبة الامتحان!!”،
تسارع الحكومة بإصدار بيانات متلاحقة كأنها اعتذار واجب ومحاولة تصحيح “الخطأ”، وهى تعد بتعديل توزيع الدرجات وعمل اللازم: ترتفع التوسلات إلى الرئيس فيلوح فى الأفق ما يشبه الوعد بالاستجابة، ولم يبق إلا أن يتعهد وزير التعليم ألا يعقد امتحانات من أصله.
يبدو أن بعض الأهالى قد اشفقوا على الناس مقدما، فسارعوا بحل المشكلة بالجهود الذاتية، من باب الوقاية من هذه الآلام النفسية، فنجد العنوان التالى فى اليوم التالى “.. امتحان اللغة الإنجليزية يتم توزيعه على الأرصفة فى محافظة كفر الشيخ، وورقة الأسئلة تخرج بعد خمس دقائق من بداية الامتحان للإجابة عليها وإعادتها للجان، (ويا دار ما دخك شرّ) وفى صحيفة أخرى فى نفس اليوم: “بيع نموذج إجابة امتحان اليوم بثلاثمائة جنيه”. (عالبركة!!)
ما هذا بالضبط؟ ما الذى يجرى؟ ما الهدف؟ ما هو هدف صحف المعارضة، ما هدف الصحف القومية (وهل صحف المعارضة ليست قومية؟) أخيرا: تساوت الرؤوس وإن اختلف الهدف.
الحمد لله!!! يوم الجمعة يظهر عنوان فى الصفحة الأولى أيضا تحت صورة طالبتين جميلتين ضاحكتين راضيتن هانئتين، يقول “البسمة عادت للثانوية”، “.. خرج الطلاب سعداء بأسئلة اللغة الإنجليزية … إلخ”،
وأخيرا يظهر تحقيق فى الدستور له دلالة ختامية يتساءل “هل يكون واضع امتحان التفاضل سببا فى إقالة الحكومة” ولا أظن أن أحدا انتبه إلى إيجابيات ما جاء فى هذا التحقيق على لسان أ.د. حسام بدرواى، برغم أنه من الحزب الوطنى.
تساءلت فى تعتعة الأسبوع قبل الماضى عن هذا الذى يدس مثل هذه “المقالب” لصناع القرار فيضعهم فى مواقف حرجة تكاد تخل بتوازن الحكومة، وضربت لذلك مثلا حكاية قرار العلاوة ولحسها، أتساءل الآن: هل يجوز أن واضعى أسئلة التفاضل وحساب المثلثات هو من ضمن هذا الطابور الخامس الذى يعمل على إحراج أولى الأمر هكذا جدا؟.
أختم التعتعة بعنوان أخير، تحته صورة أم طيبة حزينة باكية تدفن ابنتها رأسها فى صدرها، أجّلت الإشارة إليه لما فيه من بيان للدور النفسى – بالمرة- للوقاية من هذه الكارثة، يقول العنوان “مذبحة التفاضل والتكامل: دموع وانهيارات فى لجان الامتحانات وخبير يطالب بإجراء اختبارات نفسية لـ”واضعى الامتحانات”، وتفصيل هذا الجزء الأخير جاء هكذا:
“من ناحية أخرى طالب “فلان” استشارى الطب النفسى بإجراء اختبارات وتقييم لواضعى الامتحانات فى مصر من قبل لجنة تضم علماء نفس وتربية للتأكد من خلوهم من العقد النفسية، وتمتعهم بضمير حى، مشيرا إلى أن بعض واضعى الامتحانات، يعانون قهرا اجتماعيا ووظيفيا (ولم يشر طبعا أنهم لذلك “ينتقمون من الطلبة وأسرهم!” وفى نفس الوقت يحرجون الحكومة) أنا لا ألوم الزميل فلست متأكدا أن هذا نص كلامه، لكن الجو العام يبرر مثل هذه الآراء!!
هل يحتاج الأمر إلى تعليق؟
الجميع ينتطرون توجيهات الرئيس حفظه الله. فهو المنقذ فى كل أزمة فى آخر لحظة، فقط على المستشارين الأفاضل – رحمة بنا – أن يحددوا لنا وله أولا: ما هى الأزمة بالضبط؟
هل هى فى صعوبة أسئلة التفاضل والتكامل وحساب المثلثات؟
أم فى دلالة كل ما جاء فى هذه التعتعة؟