“يوميا” الإنسان والتطور
17-5-2008
العدد: 260
تعتعة
أما لديكَ بلـْسمًا يعيدُ فى أمّـتنا الرجولة؟!!
العنوان ليس من عندى، كتبته لأنقده، أو حتى أرفضه. أكره شتم امتنا هكذا!! بل إننى لا أرى مبررا أو فائدة حتى من سب رئيس أو مسئول كبير. هل سينصلح المسئول إذا قلنا له أنت لست رجلا؟ هل سيكف اللص الكبير عن السرقة إذا كتبنا فيه عشرات المقالات تولول أنه “إمسك حرامى إبن ستين كذا…”؟ علينا أن نوظف الكلمات كى تساهم فى تخليق آلية تبعد المسئول السىء (الذى نريد قذفه من كثرة الغيظ) عن موقعه، إما بالقانون العادل، أو بالانتخاب إن شاء الله وعليك خير.
ثم ما هذه النغمة الذكورية القديمة الخائبة؟، من قال إن الأنوثة الحقيقية الواعية بحب الحياة والإبداع والحرية، القادرة على تفعيل ذلك كله، ليست هى التى تنقص أمتنا؟ ثم ما ذنب الأمة تحت كل الأحوال حتى نسبها هكذا إذا أصيب قادتها بالعنّة السياسية وغير السياسية؟
العنوان هو شطر بيت شعر للوزير الدكتور غازى القصيبى من قصيدة يقول فيها “.. يا سيدى المخترع العظيم، يا من صنعت بلسما قضى على مواجع الرجولة، وأيقظ الفحولة، أما لديك بلسما يعيد فى أمتنا الرجولة”؟ جاء ذلك فى صحيفة “الحياة” فى صفحتها الأولى بمناسبة إقامة احتفالية: “العرب يحتفلون بالعيد العاشر للفياجرا”، احتفالا باستعادة الرجال أدواتهم الاغترابية، دون الحاجة إلى رجولة طبيعية مستثارة كما خلقها ربنا، وقد تواكب هذا المؤتمر – بفارق نصف قرن – مع تظاهرات وبكائيات: “الذكرى الستين لنكبة فلسطين”، وهى الوجه الآخر لاحتفال اسرائيل بالذكرى الستين أيضا لقيامها (هل لاحظت المصادفة!!؟) إسرائيل بلغت تعدادها بهذه المناسبة 307 مليون نسمة (فى حالة مواجهتها للإرهاب، وهى دائما فى هذه الحال، وذلك حسب تصريحات السيد دبليو بوش من خطابه فى الكنيست: الأهرام 16 مايو 2008)، فكيف بالله عليكم نطالب العرب بمواجهة هذا العدد الحاشد المجهز بكل المال والسلاح والوغدنة القاتلة؟
يبدو أن حدسى الأدبى سبق رأيى السياسى بأكثر من ثلث قرن، فقد تداعى إلى ذاكرتى وأنا أقرأ هذه الأخبار، حوارا جاء فى صفحة 234 من الجزء الأول (الواقعة) من ثلاثيتى “المشى على الصراط”، كان هذا الحوار بين بطل الرواية“عبد السلام المشد”، وبين شاب وشابة أثناء التظاهرات الطلابية الشبابية فى ميدان التحرير فى ربيع 1973 قبيل الحرب، جاء فيه:
قالت الفتاة:
– نحن ميتون فعلا ولا انتحار لميت
قال الشاب (لعبد السلام)
– ألا تحس يا هذا؟ كيف تستطيع أن تواجه أولادك كل صباح؟ كيف تستطيع أن تتمتع بزوجتك والبلد محتلة منذ سنوات؟
فتتوارد الخواطر على “عبد السلام المشد”: “..أحسست بزهو خفى لأنى لا أتمتع بزوجتى فى ظل الاحتلال! وكدت أسأل (الشاب) “هل من الوطنية أن أكون عنّيناً حتى يزول الاحتلال؟ ..إلخ.
(انتهى المقتطف)
ثم تذكرت ما كتبته فى الوفد بتاريخ 6 يونيو 2002 بعنوان “فياجرا للتخدير السياسى”، قلت آنذاك:
“… ثم إننا لو راجعنا اللغة التى تُستعمل مع المسألة الفلسطينية لوجدنا تركيز الإدارة الأمريكية هو على ضخ المعونات، والقروض، والوعود بالخدمات دون النظر فى إزالة الأسباب” (تماما مثل ضخ الدم بالفياجرا).
وأخيرا،
فقد حضرنى نفس القياس بالنسبة للعلاوة الرئاسية الأخيرة، حيث خيل إلى أنها بمثابة ضخ شوية نقود (30%) فى جيوب الجوعى كإجراء إسعافى، سرعان ما انتهى مفعوله بعد يومين بالكشف عما وراءه من عجز اقتصادى كبّد الجيوب والبطون أضعاف ما ضُخ من قروش.
رجعت إلى مقالى فى الوفد لأقرأ
“…..العلاقة الجنسية هى لغة إنسانية رائعة، هى ليست قهرا مفروضا لتزجية الوقت. أو لإثبات الذات،…”، “…… حين ظهرت أقراص الفياجرا للمساعدة فى هذا الشأن فرِح الرجال (فالنساء) فرحا شديدا باعتبارها الحل السهل الذى يمكن أن يحفظ ماء وجوه الرجال بإرضاء النساء. هذا أمر وارد فى حالات طارئة مؤقتة”، “…….أما أن تكون الفياجرا هى وسيلة التواصل الإنسانى باستمرار، فهذا هو الخداع الذى يقلب العلاقة البشرية الحميمة إلى ميْكنة قهرية مغتربة” “…..(وبالقياس) فإن الحل الحقيقى هو أن نستعمل الضخ الإسعافى (فى الاقتصاد مثلما فى الجنس) للضرورة القصوى فقط، وذلك حتى نتمكن من التقاط أنفاسنا لنتدارس سبب ومعنى العنّة الاقتصادية (أو الجنسية) المتزايدة. ثم نتحمّل مسئوليتنا”.
أختم التعتعة باقتطاف شعر قديم أقرب إلى وصف منح العلاوة الأخيرة ثم سحبها، وأنا لا أعرف قائله، لكننى أعرف راويه، وهو والدى رحمه الله، قال:
فإنك إذا أطمَعتنى منك بالرضا وأيأستنى من بعد ذلك بالغضبْ
كمُمْكِنةٍ من كفها ضرَّ حالبٍ ودافقةٍ من بعد ذلكَ ما حلبْ