الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / “… بل الإنسان على نفسه بصيرة”

“… بل الإنسان على نفسه بصيرة”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 11-9-2013

السنة السابعة

العدد:  2203

مقدمة:

تم نشر هذا المقال فى موقع “اليوم السابع” بتاريخ 28-8-2013

 “… بل الإنسان على نفسه بصيرة”

عن ابن عمر قال: اختصم رجلان إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال”إنما أنا بشر، إنما أنا اقضى بينكم بما أسمع منكم، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من أخيه، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار”

رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم عن القصور البشرى الرائع الذى كان يفخر به، “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ..” يعترف بهذا القصور، مع الالتزام بالعدل البشرى الممكن، ثم يُحمـِّل المتقاضين أن يعود كل واحد منهم إلى نفسه، إلى بصيرته، “.. ولو ألقى معاذيره (بلغة العصر : دفاعه وحجته، ومذكراته) لأنه أدرى بما فعل، فإذا كان الذى قضى له من حق أخيه (لاحظ كلمة أخيه وهما متخاصمان) ممن أنارالله لهم بصيرتهم، فإنه سوف يعرف أنه قد نال غير حقه، وغالبا سوف يرده طواعية إلى صاحب الحق، ويستغفر الله أنْ حجبتْ حجته الألحن عن رسول الله الحقيقة، فحكم له بما لا يستحق.

هل رأيتم عدلا أعلى من هذا؟ تواضعا أكرم من هذا؟ بصيرة أنقى من هذا؟ هذا هو الإسلام الذى هو الحل، حل ما لم يستطع الرسول نفسه أن يحسمه بما لديه من أدلة وقرائن وحجج، ففوض أمر المتخاصمين لأنفسهم، والله من ورائهم محيط.

ما لم نفهم التصعيد الرائع لقيمة العدل من أول مبدأ الشرعية حتى حساب الله سبحانه: العدل الحق العليم، فلن يتحقق عدل الإسلام الحضارى الذى يحتاجه العالم هذه الأيام مسلمين وغير مسلمين، (على فكرة هذه القواعد تسرى على غير المسلمين من المتخاصمين).

يا ترى بأى  مقياس يحاسب المتخاصمون أنفسهم وخصومهم هذه الأيام – ليس فقط فى ساحة المحكمة-  بل فى رابعة والاتحادية، وطره وماسبيرو، وخاصة إذا كان أحد الجانبين يتصور أنه “المسلم” الذى يستطيع أن يحقق العدل دون غيره من المسلمين وغير المسلمين.

فى كلمة لاحقة كما وعدت، سوف أعرج إلى  مستويات العدل المتدرجة الواقعية العملية فى حياتنا المعاصرة،  من أول مرحاة النيابة إلى المحكمة الدستورية، مرورا بالمرحلة الابتدائية ثم الاستئناف، ثم تصعيدا إلى بصيرة المؤمن فعدل الله.

استعدت الوجوه التى تطل علىّ أحيانا من المتظاهرين، (وأحيانا من المتحاورين، وفى ساحة المحاكم) فوجدت فى وجوهم ثقة مطلقة بالحق الأوحد الذى يمتلكون ناصيته دون غيرهم، ولم أجد أى رائحة لهذا الملمح الحضارى الأخلاقى النبيل، الذى جعل  نبى هذا الدين عليه الصلاة والسلام يثق فى الطبيعة البشرية إلى هذه الدرجة، ثم يفوض الأمر إلى بصيرة البشر، ثم عد ل الله بكل هذه الثقة، فتتخلق حضارة من هذا الدين العظيم الذى يجرى تشويهه الآن من المنادين به والخائفين منه على حد سواء!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *