اليوم السابع
السبت: 30-11-2013
المسلم مسئول عن “إحياء النفوس” وعن “كل الناس”
رضينا أم أبينا، قدرنا أم عجزنا، هذه هى رسالة القرآن الكريم إلى كل المؤمنين، ومن بينهم من تجلى الإيمان فى إسلامهم (مثلما تجلى فى كل الأديان التى لم تشوَّه أو تحرَّف، لا نفرق بين أحد من رسله) ، إلى وجه الله، فى الآيتين الكريمتين اللتين تعلمنا منهما معنى “دفع الله الناس بعضهم ببعض” وليس لبعض حتى الإزالة!! ذكر ربنا سبحانه “الناس” ولم يخص الآية للمسلمين، يرجعنى شيخى محفوظ فى تدريباته إلى سورة “الناس”، فإذا بنا أمام ما يوضح لنا موقع ربنا من الناس، وموقع الناس منه فهو “ربهم” و”مالكهم” و”إلههم”، ونتوقف لنتأكد من أنه لا تكرار ولا ترادف، بل تأكيد وتوثيق، وتعميم ورحمة للجميع، فأرجع أبحث عن كلمة “الناس” وورودها فى القرآن الكريم بحذر شديد، ذلك لأننى لا أحب ولا أنصح أن نتناول ألفاظ القرآن بأى تناول رقمى أو كمى (وأحيانا: ولا لفظى) من منطلق علاقتى بالوعى والإدراك بوجه خاص، إلا أننى سمحت لنفسى أن أقارن بين عدد مرات ورود كلمة “الناس” فى مقابل عدد مرات ورود كلمة “المؤمنون”، و”المؤمنين” وأيضا “المسلمون”، و”المسلمين” فوجدت لذلك دلالة خاصة، أرجو – عزيزى القارئ – ألا تسىء فهمها (وردت كلمة “الناس” 118 مرة كما وردت كلمة “المؤمنين” 86 مرة، كما وردت كلمة “المؤمنون” 29 مرة، كذلك وردت كلمة “المسلمين” 11 مرة، كما وردت كلمة “المسلمون” مرة واحدة) ، بداهة إن هذا لا يقلل من قيمة الإسلام خاتم الأديان، ولا من المسلمين المؤمنين العابدين القانتين عند ربهم، لكنه لابد أن يخفف من غلواء المسلم الذى يميز نفسه عن سائر البشر حين تصله رسالة حمل الأمانة مطلقة، وأن عليه أن يحملها لكل الناس يعملون ويبدعون برغم أنف البنك الدولى، وسورس، وأوباما، وأشتون، يعمرون الأرض، ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر وينيرون الدنيا بحضارات الإيمان المتتالية.
مرة أخرى: إن مجرد ورود كلمة “الناس” بهذا التواتر مقارنة بكلمة “المسلمون” مثلا، لا يعنى أى تفضيل لعامة الناس عن المسلمين، لأن المسلمين ناس أيضا وقبلا، لكنهم ليسوا كل الناس، إن القرآن الكريم نزل إلى الناس جميعا وليس إلى المسلمين خاصة، وهو يخاطب الناس، ويدعو الناس للهداية، وفيما يلى بعض ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ونبدأ بالدعوة للحج، (والذى وصلنى منه أنه دعوة لكل الناس، كلُّ بطريقته).”وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ” (سورة الحج الآية 27) “.وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ …” (سورة التوبة الآية 3) ثم خذ هذه الآية الكريمة عن رحابة رحمة ربنا التى تعم كل الناس: “قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (سورة البقرة الآية 94) وأخيرا (كأمثلة دون حصر) “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ …” (سورة النساء الآية 1)…الخ.
خلاصة القول:إن المسلم الحق هو مسئول عن كل الناس عبر العالم (أى والله عبر العالم والزمان: هنا والآن، هناك ودائما) وليس فقط عن المسلمين، مسئول عنهم أمام ربه سواء أسلموا أو لم يسلموا، فهذا شأنهم، أما هو فيظل مسئولا عنهم وعن الحياة فى كل الأحوال، ثم تأتى هذه الأية الكريمة لتعلى من مسئوليته فتحذره من إزهاق نفس واحدة (ليست بالضرورة مسلمة) وفى نفس الوقت تكرمه بتذكرته بأن علاقته بالحياه وصلت إلى درجة تكريمه بقدرته على إحياء الناس جميعا وليست مجرد استمراره فرداً، “مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”
فماذا يفعل الآن من يرفعون شعار الإسلام بالله عليكم؟
غفر الله لى ولهم، ووقى مصر والمصريين وكافة الناس شرهم، وعواقب عماهم، “فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”.