الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (84): التحذير من تعرية مؤلمة، بلا حركة مشاركة

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (84): التحذير من تعرية مؤلمة، بلا حركة مشاركة

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 1-12-2013

السنة السابعة

العدد:  2284

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (84)

التحذير من تعرية مؤلمة، بلا حركة مشاركة

مقدمة:

هل توجد تعرية ليست مؤلمة؟ حتى لو كانت منيرة وكاشفة وضرورية ومفيدة؟ هل كل هذا يخليها من الألم؟

 منذ استفطب فرويد، أو من أساؤوا فهمه، اللذة وجعلها نقيض الألم ونحن نتخذ موقفا سلبيا من الألم، آلام النمو طبيعة حيوية بشرية وأبسط حضورها آلام الركبة لفتى فى فترة المراهقة حين يزيد طوله بسرعة أكثر من المعتاد، ثم خذ عندك “آلام المخاض” الرائعة أثناء الوضع تلك التى حرمت منها الأم المعاصرة بتدخل هدهدة الطب الترفيهى الحديث والتخدير المضاد للطبيعة.

الألم إذا كان متوقفا وطبيعيا ومصاحَباً بحركية التوليف قد يكمن فى عمق الفرحة نفسها، أو يغلفها فتنقلب دهشة نشطة ممتزجة بخوف وإقدام معا.

فى العلاج، وخاصة العلاج الجمعى تتوقف مصداقية النقلة النوعية، وهى التى يطلق عليها عادة التغير (كما لاحظت فى نشرة 17/3/2008 فى اللعبة: “أنا خايف اتغيّـر، لحْسَنْ..!!”) بمصاحبتها بهذا النوع من الألم المصاحب بالدهشة وقدر من الخوف والغموض حتى تلوح فرحة تتشكل تدريجا فى الوصف السالف الذكر.

على المعالج دائما أن يضبط التوقيت والجرعة مثلما كررنا دائما، ويساعده فى  ذلك أن التحريك الجماعى فى العلاج الجمعى، يسمح بقدر من المشاركة فى المواجهة والنقلات وذلك من أكثر من مصدر، ومن ثَمْ فى معايشة متنوعة لجرعات من الألم تصل إلى المشاركين، وتحركهم بدرجات مختلفة غير مرصودة أو معلنة فى كثير من الأحيان.

فى هذه النشرة سوف نرجع أيضا إلى شرح أحدى حالات مجموعة المواجهة دون المتن والذى لم أستطع إلا أن ألحقه فى النهاية كملحق، أيضا.

أولا: تعرية الاغتراب التسكينى المخمّد

المواجهة أثناء العلاج النفسى بأن الوجود المغترب (مرضاً أو فرطَ عادية) هو موت نفسى بشكل أو بآخر، تعتبر من الصدمات العلاجية المفيدة أحيانا، الضارة غالبا إذا ما زادت جرعة التعرية فالرؤية فالألم، أو إذا ما أخطأنا فى اختيار التوقيت المناسب، الحياة التراكمية الاغترابية تواصل مسيرتها بسلسلة من الرشاوى التسكينية والنكوصية، وبالتالى يتمادى الخمود حتى ما يسمى الموت، أى توقف النمو الذى إذا دام فهو خطر الجمود التام، يحدث ذلك عادة تحت غطاء من اللذائذ المؤقتة المنفصلة عن بعضها البعض، وعن عائدها.

إن هذا الموت لا يسمى موتا عادة، بل إنه يبدو أبعد ما يكون عن ذلك، حيث أنه يتسحب تحت عناوين شديدة الرشاقة بالغة الإغواء، مثل اللهو التفريفى الصاخب، أو الجنس اللذى لذاته، بل إن لذة الأكل أو تعاطى المسكرات، قد تنضم بشكل أو بآخر إلى هذه النشاطات المغتريه حين تصبح ِأهدافا فى ذاتها، كل ذلك قد يندرج تحت بند الرفاهية واللذة والمتعة والترييح، ليكن، ولنعترف أنه لا يوجد مبرر فى الحياة العادية يدعونا أن نرفض ذلك أو أن ننكر حقنا فيه “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق”، لكنه حق مشروط بالتفرقة بين الغاية والوسيلة، بين حق المتعة تصعيدا إلى متعة أرقى فأرقى وبين المتعة اللذيه كنهاية للمطاف.

هذا العمى الجيد فى الحياة العادية يصبح معطلا فى العلاج النفسى، لأن كثيرا من الأمراض النفسية إنما تظهر لتعلن، أو على الأقل لتعرّى، التوقف عند هذه المرحلة اللذية التراكمية المغتربة، ولو فى البداية قبل أن تغلب سلبياتها، الاعتراف للمريض بأنه على حق فى رفضه هذا، ينبغى أن يكون اعترافا صادقا، لكنه مشروط بعدم التمادى، وهذه مهمة علاجية فنية شديدة الصعوبة، لكن إذا نجح المعالج فى ضبط الجرعة فإنه قد يجعل بصيرة مريضه تحتد أكثر فأكثر مما يسمح للمعالج أن يواصل مهمته بالحذق الممكن.

ثانيا: تشكيلات أخرى للاغتراب

الاغتراب له تجليات وتشكيلات بلا حصر بعضها ظاهر وأغلبها خفى، حتى يصبح مبرر للتوقف حتى الموت النفسى، وأخفى الاغتراب المعاصر هو فى الكلام وفى المناقشات وفى تبادل الآراء للآراء (طق الحنك)، ومن مظاهر الاختيار زعم الحرية بلا حرية حقيقية، حيث لا تتجلى الحرية إلا فى وجود بدائل للقرارات المطلوب الاختيار فيما بينها، مع قدرة على التمييز، ثم على الحسم، ثم على اختبار نتيجة الاختيار، ثم على تحمل مسئولية هذه النتيجة واحتمال إعادة الاختيار .. بدون ذلك يصبح الاختيار مظهراً خادعا يضم إلى تشكيلات الاغتراب (موتا سريا متدحلبا) حتى لو سمّى حرية.

ثالثا: التحذير من الإيلام دون فِعْل

حين تتعرى الأمور هكذا فى سياق العلاج النفسى، الجمعى خاصة، تصبح مهمة الطبيب (المعالج) أن يواصل التحريك بعد التعرية آملا فى عرض بدائل علاجية نمائية، وهنا يتجلى مأزق اختيارى جديد:

إذا توقف العلاج عند مرحلة تعرية هذه التشكيلات العادية باعتبار أنها ليست إلا اغترابا مكافئا لموت تخديرىّ (فرط الدفاعات المسكنة)، وأن المرض لم يظهر إلا لأن داخل المريض رفضها قبل أن يقوم العلاج بتعريتها، أو بإكمال تعريتها حدّ الألم، إذا توقف العلاج عند هذه المرحلة دون مشاركة حقيقية من المعالج تصبح المسألة أقرب إلى الفرجة والتجريح، أكثر منها مواكبة ومواجدة علاجية.

 وقد يلتقط المريض ذلك منبها باحتجاج ساخر إلى سلبية إعلان هذه الرؤية بتسميتها “موتا” تحت زعم رفض الاغتراب، دون طرح بديل تظهر معالمه مع البداية فى التحرك نحوه مهما بلغت الآلام.

فى كثير من الأحيان يلتقط المريض مدى جدية المعالج، والمشاركين، فى مشاركته آلام النقلة والإسهام فى تحمل مسئوليتها، وكثيرا ما يكون حدسه أصدق من مبادرات النصائح والتطمين وأحيانا الشفقة.

رابعا: إما الألم فالنمو .. وإما التسليم بالوقفة أو الحركة الزائفة (فى المحل أو فى دائرة مغلقة).

أحيانا يصل اليأس بالمعالج أمام المقاومة المتزايدة من جانب المريض إلى الإقرار باستحالة تحريك الجمود المتحوصل داخل سياج من الدفاعات الاغترابية، وهنا يصبح التمادى فى تعتعة حركية النمو مخاطرة بمضاعفة الألم بلا أمل، وهذا الموقف يتطلب أيضا مهارة خاصة لاكتشافه، فهو يحتاج إلى حسن استعمال عامل “فن الانتظار” واستثمار الزمن والمثابرة لصالح تجزىء الجرعة وضبطها على مدى أكثر امتدادا.

وقد تتضاعف المقاومة وتتضخم، وتشتد الدفاعات القائمة بالإضافة إلى دفاعات جديدة حتى يصبح التسليم أمرا واقعا ولو أدى ذلك إلى النصحية باختيار علاج آخر، أو التوصية بانتظار جولة أخرى.

ملحق النشرة

(المتن كاملا)

‏(1)‏

لا‏ ‏يــاعْم‏. ‏كده‏ ‏أحسن‏.‏

‏……‏

أصل‏ ‏الموت‏ ‏علناً‏ ‏بيخُضْ‏.‏

ولا‏ ‏حدْ‏ ‏يقول‏، ‏ولاحد‏ ‏يرد‏ْْ.‏

ولا‏ ‏فيه‏ ‏مزّيكا‏،‏

ولا‏ ‏جنس‏ ‏يا‏ ‏ويكا‏،‏

ولا‏ ‏فيه‏ ‏كل‏ ‏واشكر‏ ‏بالفستقْ‏،‏

ولا‏ ‏كفتة‏ ‏وكبدة‏ ‏وحتة‏ْْ ‏كيف‏،‏

ولا‏ ‏فيه‏ ‏تصنيف‏.‏

‏(2)‏

خلّينا‏ ‏كده‏ ‏نلعب‏ ‏فى ‏السر‏،‏

قال‏ ‏إيه‏ ‏عايشين‏.‏

وأقول‏: “‏أنا‏ ‏رأيى ‏ياجماعة‏”.‏

وكإنى ‏عندى ‏رأى ‏صحيح‏.‏

وراح‏ ‏اعمل‏ ‏زى ‏ما‏ ‏اكون‏ ‏باخْـتار‏ْ.‏

أو‏ ‏أرفع‏ ‏حاجبى ‏وانا‏ ‏مِحتارْ‏.‏

كده‏،.. ‏شبـــَـه‏ ‏الجـــدْ‏.‏

‏(3)‏

يا‏ ‏أخينا‏:‏

لما‏ ‏انت‏ ‏عرفت‏ ‏انى ‏ميّت‏، ‏بتقرّب‏ ‏ليه؟‏ ‏

ماتكونشـِى ‏عايز‏ ‏تتفرّج؟‏ ‏

على ‏إيه؟‏ ‏

عايـــز‏ ‏تعرف‏ ‏ازاى ‏المّيت‏ ‏بيحسّ‏. ‏

إزاى ‏بيطلّع‏ ‏حس‏. ‏

ولا‏ّّ ‏حاتاخد‏ ‏تفاصيل‏ ‏النَـعـْى؟‏ ‏

تكتب‏ ‏إعلان‏ ‏وبخط‏ ‏اسود‏ ‏وببنط‏ ‏عريض‏:‏

‏”‏إن‏ ‏المرحوم‏ ‏كان‏ ‏واحد‏ ‏بيه‏،‏

ولاخدْشـِى ‏نصيبُه‏ ‏فى ‏الدنيا‏ ‏ويا‏ ‏عينى ‏عليه‏.‏

والمعزى ‏من‏ ‏ستة‏ ‏لتسعة‏، ‏

بــ‏ “‏معاد‏ ‏سابق‏.”‏

‏(4)‏

بس‏ ‏ما‏ ‏تـِنْـساش‏:‏

ضرب‏ ‏المّيت‏ ‏أكبر‏ ‏حُـــرمه‏.‏

إزرع‏ ‏صبّار‏ ‏جنب‏ ‏التربهْ‏،‏

والشيخ‏ “‏عارف‏” ‏يقرا‏ ‏سورة‏ ‏الرحمن‏.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *