نشرة “الإنسان والتطور”
27-1-2010
السنة الثالثة
العدد: 880
اللوحة (18)
أبواب وسراديب (1 من 4)
هذه الحالات ليست حالات إكلينيكية واقعية، ولا حتى مـُتخيلة بشكل روائى شعرى مطلق، ولا هى تصف أشخاصا بالذات، إنها من وحى الفروض العلمية العملية التى استلهمناها من مزيج من الحالات المرضية، والأصدقاء المشاركين، وتراكم الخبرة، وإلهامات الأسطورة الذاتية للمؤلف.
مقدمة
هذه اللوحة تمثل واحدة من أصعب الخبرات التى مررت بها فى هذا الاستكشاف، كنت كلما وصلت فيها إلى تصور لمستوى من مستويات الوعى (أو حالة ذات أو سمّها كما شئت) أطمئن كأنى حللت اللغز، لكننى أجد وراء هذا المستوى من الأسرار والمفاجآت ما لم أكن أتصور، وقد تتالت السراديب والأبواب المسحورة، حتى إذا ما انتهيت إلى آخر سرداب، أو ما تصورته كذلك، فوجئت بأننى ربما كنت أسير إلى عمق صعب لايزال مغلقا علىّ، أكثر منى مستكشفا لما حيرنى باباً من وراء باب، وسردابا بعد سرداب.
قراءة اللوحة
دعونى أعترف أننى أخرت تشكيل هذه اللوحة أثناء المحاولة الشعرية الأولى شهورا طويلة، إذ يبدو أننى كنت أتوقع تلك الصعوبة فعلا، أما من ناحية الشكل فقد وجدت أنها أقرب اللوحات إلى القصص الشعبى وهو كما أشرت فى البداية أقرب إلى هذا العمل الذى أقدمه ربما كجزء من هذا الفن الذى كاد ينقرض تحت وطأة ضربات التقنية والسرعة، إلا أننى بعد أن انتهيت من صياغتها شعرا، على مراحل، تماما كما كان استكشافى لها على مراحل، رحت أقرأها مجتمعة، وإذا بى أكتشف أنها ليست لهذا الشخص الذى استلهمت منه اللوحة، ولا لغيره، ربما هى صورة طبقات الوجود البشرى وتراكماته بشكل أو أو بآخر.
نحن الآن فى مجال استكشاف “فقه العلاقات البشرية”، هذه اللوحة بالذات، لا تتناول هذه القضية بشكل مباشر مثل ما سبقها أو ما سوف يلحقها، إنها تشكيلات “واعدة طارده” طول الوقت، وكأنها بقدر ما تغرينا أن العلاقات البشرية ممكنة، وأن التعرية لا تمنع تحمل رؤية بعضنا البعض ومن ثم مغامرة الاقتراب، هى تكشف لنا أن وراء كل باب سرداب، ولكنه سرداب لا ينتهى إلى الحجرة المسحورة التى تكشف السر كما يبدو لأول وهلة، وإنما ينتهى إلى باب آخر لا نعرف ما وراءه إلا بما يشبه الوعد، فأى مغلق، يغرينا أن نتصور أن وراءه شىء يحتاج أن يغلق عليه باب ما.
أكاد أشفق على قارئ المتن أن يرفض الصورة برمتها من كثرة تتالى الإحباط، وقد يجعلنى ذلك أفضّل أن أنشرها على ثلاثة أجزاء أو أكثر، أو كما تسير الأمور
أحب أن أشير ابتداءً إلى ضرورة الصبر فى إصدار الأحكام فى مجال العلاج النفسى خاصة (والحياة عامة) وإلا عوقت الأحكام مسيرة التقارب والنمو، وعلى المعالج أن يكون متفتحا للمفاجآت ..، وأن يتذكر أن أى تفسير إمراضى (سيكوباثولوجى) هو مجرد فرض، وأن الفرض الجيد هو القادر على توليد فروض أجود، وليس بالضرورة أن ترتبط جودته بمدى صحة إثباته.
وبرغم ضرورة التمسك “بنظريةٍ ما” كبداية، إلا أن المعالج ينبغى أن يكون هو سيد النظرية لا عبدا لها، وفى رأيى أن فرويد رغم تطويره نفسه ورؤيته ونظرياته باستمرار، إلا أنه كان سجين فكره خاصة بالنسبة لما اعتبره هو أهم فتح فتحه التحليل النفسى عليه، وهو تفسير الأحلام، أردد كثيرا رأيى آسفا: أنه سجن نفسه فيما فرحَ به إلى هذه الدرجة، ثم إنه، لظروف تطوره واكتفائه بعمله العيادى الخاص، لم تُتَح له فرصة ممارسة علاج الجنون بالعلاج النفسى، ولا معايشة المجانين كما كان الحال مع جاك لاكان مثلا أو مع سيلفانو أريتى، تلك الخبرة التى أتاحتها لنا العقاقير الحديثة، أكثر فأكثر حتى سمحت لنا أن نتخطى حدود فرويد، مع احترامنا لكل محاولاته.
كانت واجهة عيون صاحب هذه اللوحة رائقة هادئة، قوية النداء، وكأنها سوف تبوح بكل ما فيها إلى ما بعدها لمن يتقدم نحوها، إذا ما اقترب منها، كانت واعدة بأسرار جاهزة، لكننى كنت كلما اقتربت منها، أكتشف – كما قلت – أن وراء الأسرار أسرار، ووراء كشف اللغز، ما هو ألغـَزْ.
نبدأ بالفقرة الأولى من المتن:
(1)
وعيون عمّالة بتوعدْ من غير وعْـد.
بِتْشاوِرْ: على باب مكتوب فوق منه:
“سرداب السعد”،
بوابة تصب فْ بوابةْ،
والجنَّى بينفُخْ فى الغابةْ،
والبَنُّورةْ قْـدَّام الساحرْْ،
والآخِـرْ: ما بايِـنْـلُوشْ آخِـرْ.
يا ترى حانـْلاقى قلب نضيفْ وصْـغّيـر وبرئ،
كما قلب العصفور فى الجنّة،
ولاّ حانـْلاقىِ نَقَايـَةْ مـِشْمـِشْ: جامدة وخايفة وملمومة،
واذا حـَتّـى اتكسرتْْ، مرارِتْهـَا صـَعْـبْ؟
هذا التساؤل البادئ هو ما جاء حالا فى المقدمة، وهو يشير بوضوح إلى مدى حاجتنا إلى فتح هذا الملف الصعب، إن عمق الوجود البشرى هو نتيجة لتراكم وتداخل مستويات تطوره، وأنه فى جدل دائم لن يتم أبدا حالة كونه يتشكل باستمرار فى رحلة تطور كتب عليه أن يعى بعضها، وأن يشارك بقدر ما يستطيع فى توجيه مسارها.
يبدو أن الاستقطاب فى نهاية المقطع هو ضد ما عشته بعد كتابة هذا المتن منذ خمس وثلاثين سنة، إن عمق الوجود البشرى لا يمكن اختزاله إلى “إما……أو”، ربما كان ما تركتنى فيه هذه العين من حيرة بعد هذه الرحلة الطويلة هو الذى جعلنى أتصور أن استقطابا ما يمكن أن يريحنى من طول ومشقة هذه الرحلة المحيرة، هذا الاستقطاب يرجعنا إلى بؤرة إشكالة الوجود البشرى: هل أصل الفطرة هو تلك الطفولة الطاهرة البريئة المنطلقة، أم هى قلق المادة غير الحية الجافة التى تولدت منها الحياة بفضل الله، مهما كان هذا التصور حقيقة مرة تهز أحلامنا عن أنفسنا بشكل أو بآخر. لقد تناولنا بعض جوانب هذه القضية فى هذه النشرة فى أكثر من موضع بأكثر من عنوان (نشرة 6-11-2007 عن الفطرة والجسد وتَصْنيم الألفاظ)، (نشرة 30-9-2007 الصوفية والفطرة والتركيب البشرى)؟ (قضية ماهية الفطرة وطبيعتها) ولن أُستًدرج الآن للعودة إليها الآن، فأكتفى بأن أعلن رفضى لهذا الاستقطاب الذى جاء بالمتن هكذا، وإن كان لا بد أن أختار فأنا أميل إلى ترجيح هذا القلق المخفى وفى نفس الوقت المفجر للحياة: مهما كان مرا، أو مهما بدا مرا، أفضل من السذاجة التى قد يثبت عجزها برغم أنها “قلب نضيف وصغير وبرئ كما قلب العصفور فى الجنة” فأنا أميل أن نفهم الفطرة كقانون وبرنامج حركى قادر أن يخلق الحياة مهما بدا : “نقاية مشمش جامدة وخايفة وملمومة“
ما وراء “الباب الأول”
بمجرد أن فتحتُ هذا الباب الأول، اختفى هذا النداء الواعد الذى لاح لى وأنا لم أطرقه بعد، فأطلت على نعيب هو نذير بالتشاؤم، والخراب، ينعق بسخرية لاذعة.
أول طبقة فى الوجود الإنسانى المغترب هى طبقة تبدو خاوية (خراب) يمكن أن تتصف باللامبالاة، ولكن بالتأمل فيها قد يثبت أنها دفاع ضد الانجرار إلى النفاق من خلال التعبير السطحى بالامتلاء، أو تردي أصوات أوهام حب عابر أو انجذاب ظاهر.
هذا هو ما نحاول التأكيد عليه باستمرار ونحن نشرح للأصغر كيف أن وصف الفصامى مثلا (ناهيك عن الشخص العادى) باللامبالاة، أو التبلد، أو فقد المشاعر، هو وصف سريع جائر، فكما ألمحت سابقا فإن مثل هذه الأعراض ماهى إلا إعلان خراب “وجود” ما، وعدم جدواه، وميزتها الأساسية – رغم طبيعتها المرضية – أنها تعلن فشل هذا الوجود وعجزه، ومن هنا أصبحت ، برغم وصفها عادة بالسلبية، ذات قيمة دالة إذا أحسنّـا ترجمتها إلى ما تقوله. وإن كانت فى ذاتها تمثل مصيبة لصاحبها إن لم يستفد منها ويستوعب ماوراءها.
المجتمع (نحن) عادة ما يرفض المريض النفسى (المجنون خاصة) لأنه يعلن فشل وجودنا المغترب هذا، فنقابل ذلك بأن نهاجم المريض، أو ننفيه، أو ننظر إليه من أعلى بنفس منطقنا الذى انفصل عنه ليحكم عليه. إن دفاعاتنا لتغطية ما فى داخلنا مما يشبه هذا الذى يعلنه المجنون هى دفاعات هامة ومطلوبة فى كثير من الأحيان، لأنها تحمينا من مواجهة هذه الحقيقة:
فينا من يخاف المجنون ويفر منه فراره من الأسد،
وفينا من يشفق عليه شفقة تنفيه تماما وتبعده عنا ونحن ننظر إليه من أعلى نمصمص شفاهنا.
قابلت فى خبرتى أشخاصا عاديين أصيبوا برهابات مختلفة، من بينها رهاب فقد السيطرة، لمجرد أنهم قابلوا مجنونا من الذين يهيمون فى الشوارع
وثمة مجموعة أخرى من الأسوياء الدارسين للطب العام، أو لعلم النفس، أصابهم مثل ذلك وغيره، بعد زيارة عابرة، هى جزء من مقرر دراسى، لمستشفى أمراض عقلية،
صحيح أن نعيق البومة ليس رمزا كاملا يصلح لمقابلة بصيحة المجنون، لكننى اخترت جزئية تشاؤمنا من نعيقها، وتطيرنا من رؤيتها.
المجنون – على لسان البومة هنا – ينبهنا إلى أن البومة المتهمة بأنها لا تهوى إلا العيش فى الخرابات (الخراب)، إلا أن هذا الخراب الظاهر هو أقل خطرا وأجهزللتعمير من خراب خفى قد يعشش داخنا، (بتبصـُّولـِى ليهْ؟ أنا مالِى؟حوَالىّ خرابْْ؟ دا خرابـْكُمْْ إٍنتمْ. دانا كترَّ خيرى.
عمالهْْ بازَعّق وأقولْْ: “فيه لسَّهْْ حياة .. حتى فى خرابهْ”). ونحن لا نفعل إلا أن ننكر هذا الخراب، ونغطيه برفضنا أى تلميح له إو إعلان عنه كما يرمز إليه نعيق البومة هنا.
إذا كان الجنون عارا سلبيا فى طريق مسيرة الحياة، فهو الوجه الآخر للوجود المفرغ الذى نعيشه، وميزة الجنون أنه يعلن ذلك صريحا.
المرض بهذه الصورة هو رفض للموت النفسى الخبيث إذا لبس ثوب الحياة العادية المتجمدة المغتربة، لكنه رفض فاشل، لانه هو فى ذاته موت آخر متحلل.. لكنه عموما صيحة منذرة قد تبعث حياة فيمن يحسن تلقيها، حتى لو لم يتحمل مسئوليتها من أطلقها: (المريض).
ولقيت فى الأول صورة البومة
بتبصْ، وتبحلقْ:
وتقول جرَى إٍيهْْ؟
بتبصـُّولـِى ليهْ؟
أنا مالِى؟
حوَالىّ خرابْْ؟
دا خرابـْكُمْْ إٍنتمْ.
دانا كترَّ خيرى.
عمالهْْ بازَعّق وأقولْْ:
”فيه لسَّهْْ حياة .. حتى فى خرابهْ”.
تكونوش عايزينْهَا، تِخْرَب فى السرْْْ؟
“خليها تعدّى”، “خلّيها تمرّ”!
ولا حد ينبّه، ولا حد يزنّ
والإسم حياة، والفعل ” كإن”
وبدال ما نغيّر، نحكى ونْـفِـنّ؟
مرت علىّ فترة من فترات حماسى فى تحقيق نبض فكرى “حالا”، كنت أميل فيها إلى رفض الفن كمهرب بديل عن الحياة، كما رفضته كتفريغ إسقاطى لما يعتمل بنفوسنا، ولم أفهم رفض أفلاطون للفن واعتباره “تقليد التقليد” إلا خلال هذه الفترة تحديدا، رفضت الفن التنفيثى، أو التفريغى أو الإبدالى، أو حتى بلغة أرسطو: “التطهيرى”، رفضته – فى تلك الفترة- واعتبرته خدعة مخدرة تؤجل مواجهتنا بالتزام اللحظة الراهنة، وكنت آنذاك فى أشد حالات إصرارى على أننا “إما نعيش الآن .. أو .. لا نعيش”، ثم مرت الأيام وصدمنى الواقع والفشل، وأدركت أن بعد الزمن ضرورى للتطور ورأيت قصور مرحلة وجودنا البشرى الحالى .. وعدت أتصالح مع الفن كرؤية للمستقبل، وإيقاظ للوعى، وبديل عن الجنون وتعلمت أنه لا يضير الفنان ألا يعيش - شخصيا- رؤيته العميقة فى الحياة اليومية، فهو يبلغ الرسالة إلى أهلها، ويقوم بدوره بغض النظر عن نوعية وجوده الشخصى، كما تعلمت أن إيقاظ الوعى التنويمى السائد إنما بتم بنجاح أكبر بصدمة الفن الحى .. وإلا فقد يتم بثورة الجنون بسلبياته. ومخاطر التناثر من جرائه.
ويبدو أننى حين كتبت هذه اللمحة كنت أعلن احتجاجى على لسان المريض الذى يعلن خراب حياتنا على هذه الصورة لو أننا اكتفينا بطرح وجودنا الآخر ومشاكلنا فى صورة فن “بديل عن الحياة” (مرة أخرى كما قال أفلاطون: تقليد التقليد) ، لكننى تراجعت كثيرا كما ذكرت.
تجمدت الصورة، تصنمت اللمبالاة، وصارت العين التى كانت نذير الشر من الزجاج تعمل كزر للباب الثانى
(3)
وِأقَرَّبْ أكتر مالصَّورهْْ،
وأبص فْْ عين البومه.
واستغرَبْْ!
دى عيونها إزاز.
عاملين كده ليه؟
حسِّس، جرَّب، يمكنْْ،
وألاقى العين مش عين،
دِى زْرَارْْ،
وأجرّب أزقُّّ. تتحرك كُـلِّ الصوره،
والباب التانى يْبان:
الباب الثانى:
أشعر أن من الأفضل أن اتوقف عند هذا الباب اليوم، لأكمل نفس اللوحة المرة القادمة،
لكن هل ياترى سوف نظل نذكر ما قلناه اليوم؟
ربما يكون مناسبا لصعوبة اللوحة أن نطرح المتن كله اليوم فى نهاية هذه النشرة، لمن شاء أن يمر به جميعه دون شرح (مشوِّه) قبل أن نعود إليه، وربما نطرحه مرة أخرى فى نهاية حلقات هذه اللوحة، إذ يبدو أنه يستحق ذلك.
وفى نفس الوقت قد يكون فى نشر هذا المتن بالذات مجتمعا، ما يفسر ما جاء فى المقدمة من تعدد النقلات، وتكرار الإحباط
(1)
وعيون عمّالة بتوعدْ من غير وعْـد.
بِتْشاوِرْ: على باب مكتوب فوق منه:
“سرداب السعد”،
بوابة تصب فْ بوابةْ،
والجنَّى بينفُخْ فى الغابةْ،
والبَنُّورةْ قْـدَّام الساحرْْ،
والآخِـرْ: ما بايِـنْـلُوشْ آخِـرْ.
يا ترى حانـْلاقى قلب نضيفْ وصْـغّيـر وبرئ،
كما قلب العصفور فى الجنّة،
ولاّ حانـْلاقىِ نَقَايـَةْ مـِشْمـِشْ، جامدة وخايفه وملمومة
واذا حـَتّـى اتكسرتْْ، مرارِتْهـَا صـَعْـبْ؟
(2)
ولقيت فى الأول صورة البومة
بتبصْ، وتبحلقْ:
وتقول جرَى إٍيهْْ؟
بتبصـُّولـِى ليهْ؟
أنا مالِى؟
حوَالىّ خرابْْ؟
دا خرابـْكُمْْ إٍنتمْ.
دانا كترَّ خيرى.
عمالهْْ بازَعّق وأقولْْ:
”فيه لسَّهْْ حياة .. حتى فى خرابهْ”.
تكونوش عايزينْهَا،
تِخْرَب فى السرْْ؟
“خليها تعدّى”، “خلّيها تمرّ” !
ولا حد ينبّه، ولا حد يزنّ
والإسم حياة، والفعل ” كإن”
وبدال ما نغيّر، نحكى ونفنّ ؟
(3)
وِأقَرَّبْ أكتر مالصَّورهْْ،
وأبص فْْ عين البومه.
واستغرَبْْ!
دى عيونها إزاز.
عاملين كده ليه؟
حسِّس، جرَّب، يمكنْْ،
وألاقى العين مش عين،
دِى زْرَارْْ،
وأجرّب أزقُّّ. تتحرك كُـلِّ الصوره،
والباب التانى يْبان:
(4)
الشيخ قاعدْ وِشُّهْ منوّرْ،
مركون على عصا بيفكر.
وعنيه بتشع الحكمةْْ.
دا شبـهْ سيدنا سليمان
وعيالْ لاِيّامْ دِى غـَلاَبـَهْ،
لافى عَـصـَا تـرِْْحَـمْـهُمْْ ولا حـِكْمَة،
مـِن مـَسَّ الجـَانْْ
والجانْ أيَّامْنَا، لابسين جلد الإنسانْ.
ولا عادْْ بـِيْهم الواحدْْ منهم سورة “الكرسى”،
ولا سورة “الناسْ”.
والحكمةْْ مـَا مَـاتـِتْ مـِنْ مُدَّهْْ.
ما فاضلشى إلا الحكمة الموضهْْ،
تِلقَاهَا مَلْفُوفهْ،
حوالين حِتَّةْ شكولاتهْ، جوّا الصالونات.
- إٍلحقنا يا عمّى الشيخ شُفْـنَا .
– “أَلحقكو ازاىْ؟
إنت اهبلْ؟ ولاّ بْـتـِسـتهِبلْ؟
دَانـَا صورهْ”.
وأَبُص كويسْ.
”دى النملة بتزحف فى بياضها”.
وعيون الحكمة الصابرة الغرقانة فْ بحر آلام الناس،
تستنجد بىَّ:
- إعمل معروف شيل النملة دى بتقرصنى،
دَانَا صورهْْ، دَانـَـا ميِّـتْ،
وعَصاتى السوسْ بهدلها،
حانْكِفىِ عـَلـَى وِشِّى تَوْ مَا تبقى دِقـِيقْ،
والكل حايفرح.
“دقِّـى يا مزيكا ،
شمِّمنا يا ويكا”.
“إعمل معروف شيل النملة” .
وِأَحاول اشيِلها،
أًتاريها التانية زرار،
والباب المسحوْر بـِيْــزَيـَّقْ.
(5)
هوّا انْتِ؟
بالبسمة الهاديهْ الناديةْ،
والعين اللى بْتجرِى وراكْ بِحنانْهاَ،
وْبتـنِـْدهـَلـَكْْ ماطْرحْ ماتْـرُوحْ.
هوّا انتِ؟ موناليزا الطاهرة الفاجرة؟
الواحد عايز إِيه غير بسمة حُبْ، وِحنَانْْ،
والصدق الدافىِ وْكُلَّ الطيبَهْ يـْـلِـفــُّـونى،
وكإن الشر عمرُه ما كان.
وكإن الدنيا أمان فى إيمان،
وكإِن البسمهْْ الصادقة تْدَوِّبْ أيها حقد، وأيـُّـهَا خوف.
….
جرى إيه؟ الواحد كان حايصدق، وكإن الصورهْْ حقيقـَهْ؟
يا أخينا:
مين المسئول عن بعضيـنَا؟
عن أكل العيشْ؟
عن قتل الغدر؟
عن طفل عايزْ يِتَربَّى وِسْط المْكَنِ، القِرْشْ الدَّوْشَه الدَّمْ؟
عن جوع الناسْ؟
عن بيع الشرف الأَمل اْلبُكْرَه: امبارحْْ؟
وأبصّ لْهَــا تانى واقول:
بالذمه بتضحكى على إيهْْ؟
دى البسمةْْ الحلوةْْ الرايقةْْ المليانـَهْ حنانْ .. وخلاصْ،
يمكن تبقى مصيبه الأيام دِى!
حا تخلِّى الواحد يتهيأ لـُه إٍن الدنيا بخير، وينْامْ،
يحلم بالجنهْْ…،
وِخلاصْْْ!
وعشان أبـْعـدِْْ تأثيرها:
قهقهت كما بْـتُـوع الحـتِِّــهْ،
فى المُــولـدِْ.
بصِّيتْ لـلصـُّورَهْ،
طَلَّعتِ لـْسـَانـِى:
تكشيرهْ امّال..! .. كـدَِهـُهْْ!
تبويزه امّال..! .. كـدَِهـُه!”
وتغيظنى ولا تـبـوزش.
وأنا أعمل عقلى بعـقلـيـها من كـتر الغـيظ،
“بـلا نيلة بتضحكى على إيه ؟”
وأحاول اشوه ضحكتها، وأغطيها،
يا خرابى !!
الصوره دى رخره بتتحرك،
وبيفتح باب:
(6)
الشاب وسيم وحليوه .. واقف مـنـطور،
والوش بريء ربـانـي.مافيهوش ريحة التعبير،
واسمه “دوريان”
هوا انتَ الصوره اياها؟
ودا صاحبك إللى اتمنى ف يوم يخدعنا
ما يبانـشـى عليه بصمات السن،
ولا خـتم الشـر، ولا صـوت لـضمـير.
وان كان لازم تتسجل كل عمايـلـه:
راح عامل صورة يبان فيها التغيير.
وكإنها صـورة الحــق الجـوانـى الـبـشع العـريـان”.
إنما دى الصورة هنا مايعه ؟.
ما يكونشى جواها البـِشــعه؟
أقلـبـها:
يظهر لى الباب الأخراني.
دا مفيش ورا آخر باب، ولا أوده ولا بواب!!
(7)
والاقيلك بحر التيه، من تحت البحر الميت،
والطفلة الغلبانة بتبكى، ولا حد شايـفــها.
والميه مية نار، والجلد صدف ومحار،
لا هى قادره تصرخ، ولا راضية تموت.
يا ترى يا جماعه الطفله دهه “صورة، صورة” دوريان؟
ولا أنا غلطان؟
أنا نفسى أطلع غلطان،
أحسن ما اشوف:
طفل بيتشوه،
من كتر الخوف،
وسط العميان.