الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (80): حكاية التغيّر، والشغل فى المستحيل،

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (80): حكاية التغيّر، والشغل فى المستحيل،

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 17-11-2013

السنة السابعة

العدد: 2270

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (80)

حكاية التغيّر، والشغل فى المستحيل،

ثم : طبيعة التغيير من خلال لعبة فى العلاج الجمعى (1)

بعد الرجوع إلى ما سبق نشره فى هذا الكتاب فيما يتعلق بطبيعة التغير ووسائله فى العلاج الجمعى أساسا وفى النمو عامة، ثم إنى رجعت أيضا إلى كتاب “فقه العلاقات البشرية” ، الذى تناول بالتفصيل أغلب الاصدقاء الكرام الذين شاركوا فى خبرة “مجموعة المواجهة”، فإذا بى اكتشف أنه قد تمت تعرية، أو أغلب كل محاولات التغيير الزائف، والتغيير المجهض، والتغيير العكسى، وغير ذلك، وحين حاولت أن أقتطف من هذا الكتاب ما تيسر مما يناسب هذا المدخل الآن، وجدت أننى قد أضطر إلى اقتطاف أغلب ما جاء فيه، وأن اجتزاء جزء صغير من سياقه، قد يسىء إلى فكرة التغيير بكل تعقيداتها وتكثيفها.

وقد خطر لى مؤخرا منذ أيام أن اختبر مدى تحمل الشخص العادى (القارئ العادى) تحمل معايشة فكرة صعوبة، وضرورة التغيير فى نفس الوقت، وذلك باستخدام نفس اللعبة التى لعبناها فى إحدى جلسات العلاج الجمعى، وإذا بى أفجأ بالصمت (الرهيب)، وأنه ولا واحد من القراء العاديين غامر ولعبها كما أوصيت، ولا واحد أرسل لى ردا ولو على محاولة واحدة، فاضطررت أن أتراجع فاشلا وأنا أتساءل: هل ما قام به مرضاى وزملائى الأصغر هكذا هو موقف خاص بما هو مرض وما هو علاج؟ وما هو تفسير هذا  الفرق بين استجاباتهم فى موقف العلاج الجمعى، وبين عدم استجابة ولا واحد من القراء لهذه الدعوة،

اضطررت إزاء ذلك أن أكتب فى اليوم التالى تعليقا على فشل التجربة دون تفسير.

 وسوف أكتفى اليوم بنشر المقال الذى حاولت تقديم اللعبة فيه للشخص العادى، ثم  التعليق المتألم المعتذر،

ثم أكرر الدعوة لأصدقاء الموقع للمشاركة كما اعتدت من كرمهم لنناقش الفروق.

المقال الأول:

ماذا حدث للمصريين؟! والعلاج الجمعى

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013  (موقع اليوم السابع)

أنا تعلمت وأتعلم من العلاج الجمعى الذى أمارسه فى قسم الطب النفسى قصر العينى أكثر مما تعلمت من أى مصدر آخر، وقد وددت أن أنقل هذا الذى أتعلمه للناس خارج مجال الطب النفسى تماما، لكننى أجد صعوبة شديدة فى ذلك. خطر لى اليوم أن أنتهزها فرصة لأوصل لبناتى وأبنائى من الإعلاميين ما يخفف من إلحاحهم بأسئلة “التغيير” “التغيير”، وما الذى حدث للمصريين؟ بأن يشاركونى ما وصلنى من صعوبة فكرة التغيير أصلا، واستحالة تناولها بهذه الطريقة المباشرة: “سؤال وجواب”، قلت نجرب مع القارئ العادى بدءاً بأبسط المحاولات التى يمكن أن يشارك فيها أى قارئ انطلاقا مما يسمى “لعبة” كما تجرى فى “العلاج الجمعى”:

فكرة اللعبة فى العلاج الجمعى هى أن يحاول كل واحد من المجموعة (حوالى عشرة مرضى وثلاثة أطباء) أن يقولوا جملة ناقصة أو أكثر، ثم يكملونها بتلقائية سريعة كيفما اتفق، يكملونها “بأى كلام” بأقل درجة من الانتظار، (ملحوظة:المرضى يمثلون شريحة الطبقة الوسطى محدودة الدخل فما هو أدنى، حيث يجرى العلاج فى مستشفى جامعى بالمجان)

أقدم اليوم نص اللعبة وعينات من الاستجابة أولا داعيا القارئ لإكمالها إن شاء (يمكن أن يكملها كتابة، أو مع نفسه بصوت مسموع، أو يشرك فيها أصدقاء دون مقاطعة أو تعقيب وأن يرسلها أو لا يرسلها).

اللعبة:

التعليمات: قل ما يلى بصوت مسموع، موجها كلامك لآخر (حتى لو لم يكن موجودا أمامك) وأكمل بسرعة وتلقائية، وحاول أن تعبر بوجهك وجسدك وأنت تلعبها: عن ما تقول وتشعر: (عن خوفك، أو رغبتك أو ما شئت حسب نص الالفاظ).

نص اللعبة: يا (فلان حاضر أو متخيل)

1) يا فلان أنا خايف أتغير لَحْسَن……… (أكمل من فضلك)

2) يا فلان أنا نِفْسِى أتغير لكن…………. (أكمل من فضلك)

3) يا فلان أنا مستحيل أتغير علشان………(أكمل من فضلك)

****

وحتى أسهّل الأمر قليلا، سوف أعرض عينات من الاستجابات من جلسة العلاج الجمعى التى لعبنا فيها هذه اللعبة، ربما تقتدى بها، عزيزى القارئ ويفضل عدم تكرار ما جاء فى الأمثلة المطروحة.:

العينة الأولى:

حليم: يا محمد أنا نفسى أتغير لكن مش لاقى حاجة فىّ عاوزة تتغير.

حليم: يا محمد أنا مستحيل أتغير علشان مش لاقى تغيير.

حليم: يا محمد أنا خايف أتغير لحسن أكون أسوأ من كده

(لاحظ كيف أن هذه الاستجابة تؤكد التمسك بما هو “الآن”، وأنه لا داع للتغيير أصلا، مع الخوف من التغيير إلى أسوأ)

****

العينة الثانية:

فاطمة: يا سعاد أنا خايفة أتغير لحسن معرفشى

فاطمة: يا سعاد أنا مستحيل أتغير علشان معرفشى غير كده

فاطمة: يا سعاد أنا نفسى أتغير لكن بحاول بس مش عارفة.

(لاحظ هنا الفرق الذى يُظهر درجة من الوعى بأن التغيير مجهول، وأن فاطمة تخطو إلى ما لا تعرف، ومع ذلك فالمحاولة مستمرة).

وبعد:

المقصود من تقديم هذه الألعاب مع هذه العينة التى ربما تمثل الشعب المصرى أكثر من متظاهرى التحرير وماسبيرو ورابعة والنهضة والإسماعيلية والمنشية والمنصورة وأسيوط، المقصود هو أن أنبه أبنائى وبناتى فى الإعلام كيف أنإجاباتنا على أسئلتهم – مهما كان المختص- عن التغيير الذى حدث للشعب المصرى هى أبعد ما تكون عن الواقع، وأن علينا أن نستمع للناس (الحقيقيين) وأن نحتمل الإجابات الناقصة، والغامضة والمتناقضة وأن نواصل التوعية والصبر، إن كنا نريد تغييرا حقيقيا نصنع به شعبا يستأهل اسم مصر.

عزيزى القارئ

هل أكمل؟

وهل تساعدنى فى تحريك الوعى فى الاتجاه الصحيح بدلا من التهييج، والنصح، والإرشاد، والترهيب، والترغيب، والحِكَم، والأمثال

المقال الثانى:

التغيير بين الأمانى والمخاطرة والاستحالة

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013 – (موقع اليوم السابع)

  • لو أن شيئًا يمكن أن يدوم على حال فلم تتعاقب الفصول؟ “ص 189”
  • على الحياة أن تغير وجهها… كل دقيقة تمر بلا تغيير هى انتصار للذل والتعاسة.. ولكن كيف تخوض المعركة؟ “ص 334”
  • يجب أن تتغير هذه الحياة الضحلة. “ص 252”

(ملحمة الحرافيش: نجيب محفوظ).

كم مرة تكررت كلمة التغيير فى مصر فى الثلاث سنوات الأخيرة؟، وكم مرة طاف حلم التغيير بوعى المصريين فى النصف قرن الأخير؟، وكم مرة حدث التغيير فعلاً؟، وكم مرة كان التغيير ضروريًا ومهمًّا؟، وكم مرة كان استعجالاًوضجرًا؟، وكم مرة كان موضوعيًا وهادفًا؟، وكم مرة كان خداعًا وشكليًا؟ وكم مرة كان فاشلاً وانتكاسًا؟

أمس حاولت أن أختبر طريقة أخرى لتحريك وعى الشخص العادى نحو حمل مسئولية ما هو “تغيير” وذلك بدعوته للمشاركة فى الإحاطة بحقيقة مفهوم “التغيير”، وضرورته ومخاطره، وصعوبته أحيانًا حتى الاستحالة، كل ذلك فى نفس الوقت، وللأسف فشلت التجربة فى استثارة أى من القراء للمشاركة فى محاولة اختبار نفسه عن مدى تحمله مسئولية الوعى بأن التغيير هو قانون الحياة نفسها، وأنه عملية مركبة، ومخاطرة ممتدة، كما جرت فى العلاج الجمعى، لعله يستطيعالإحاطة بأبعادها المتنوعة وهى تحضر “فى الوعى معًا”.

أولا: تجاوز مجرد الأمل والرغبة فى التغيير

كانت اللعبة الأولى التى تقول: “أنا نفسى أتغير ولكن”… بمثابة دعوة لتعميق حسابات من يأمل فى التغيير، بأن يصّعد إلى وعيه مخاوفه دون أن يتنازل عن مواصلة سعيه مثلما يحدث فى العلاج الجمعى، لكنَّ أحدًا لم يستجب، كأن أغلب الجارى هو أننا نكتفى بإعلان الرغبة فى أن نتغير، ونغيِّر وخلاص، بدون “لكن”…..!! وبدون حسابات، وربما بدون مسئولية.

ثانياً: الخوف من التغيير لا يوقفه

ثم كانت اللعبة الثانية “أنا خايف اتغير لحسن…”.، التى لم يستجب لها أحد أيضًا، وهى تهدف كذلك إلى تحريك مخاطر التغيير، حتى يمكن تجاوزها، فالتغيير لا يكون تغييرًا بمجرد إعلان بدايته، ولا بدون التخطيط الذى يضمن مسيرته، ولا بمجرد الاكتفاء بحسن النية، وإنما يكون التغيير حقيقيا وضروريًا وطبيعيًا حين نخاف من مخاطره، فنعمل حسابها ونخترقها، وحين نحسب نتائجه لنحسن توجيه إيجابياته، وحتى لو ترتب على هذه الحسابات بعض التردد فإن الخوف من التغيير لا يمنع الإقدام عليه، ولا يجهض خطواته، وإنما يدعم بناءه ويقوى صلابته ويدفع استمراره.

ثالثا: تحدى استحالة التغيير

أما الشعور باستحالة التغيير “أنا مستحيل أتغير عشان”… فإنه يحل فى الوعى حين تتعاظم الصعوبات فى الداخل “داخل النفس” أكثر من واقع المخاطر، وحين يزداد القهر من الخارج أكثر من دفع الغضب، لكن الوعى بالاستحالة مع قبولالتحدى هو الذى يجعل المستحيل ممكنًا، أما إنكار الاستحالة ابتداءً فإنه قد يعرض عملية التغيير إما للاكتفاء بتغيير شكلى باعتبار أنه “الممكن”، وإما بالعدول عن التغيير أصلا.

وبعد

غداً ننشر استجابات المرضى والمعالجين حرفياً علما بأنهم يمثلون عينة حقيقيه من عمق الشعب المصرى، كما ذكرنا، فمنهم من لا يفك الخط، ومنهم من يقرأ ويكتب بالكاد، وقد مارسوا اختبار سبر غور طبيعة التغيير وكيف يجتمع الأمل مع الخوف مع تحدى الاستحالة فى نفس الوقت، بشجاعة وتنوع سوف نراه معا غداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *