الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (79) الشغل فى المستحيل الشغل فى المستحيل أن يحب أحدنا الآخر

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (79) الشغل فى المستحيل الشغل فى المستحيل أن يحب أحدنا الآخر

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 11-11-2013

السنة السابعة

العدد: 2264

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (79)

من وحى مجموعة المواجهة

الشغل فى المستحيل

أن يحب أحدنا الآخر بما يليق بالكائن البشرى المعاصر

قبل النشرة:

لاحظت ترحيبا غريبا أفرحنى بقدر ما آلمنى، وهو أننى حين نشرت فى حلقة سابقة شرح المتن الشعرى “أغوار النفس” مستقلا – بدون المتن -، قوبل بترحيب شديد، أكثر مما قوبل به باعتباره شرحا على المتن، فامتلأت غيظا، وقلت “لعله خيرا” أتعلم، وهأنذا أحاول مرة أخرى.

تمهيد

تأملت – من جديد – المأزق الذى وجدت نفسى فيه مؤخرا (كما هو حال أغلب الناس ممن ينتمون إلى ما يسمى “الإنسان المعاصر”، وليس “الإنسان العصرى”) فوجدت أنه يتأرجح بين تناول العلاقات البشرية بعد أن بلغ هذا الكائن الحى الشقى الرائع: هذه الدرجة من الوعى بنفسه، وبضرورة الآخر شرطا لتواجده بشرا سوياً، أو ما يسمى عادة الحب ، وبين ما أسميه جدل الموت والحياة، والقضيتان متعلقتان بدرجة الوعى/الأمانة التى تورط فيه هذا الكائن الخاص جدا المسمى الإنسان

اكتشفت أن تناولى لإشكالة العلاقات البشرية من خلال العلاج الجمعى من خبرة “جماعة المواجهة” تحتاج إلى توضيح مبدئى قبل المضى قدما فى ذلك، رحت أكتب مقدمة لهذه الحالة الخامسة فإذا بها تصلح مقدمة للعمل كله:

 مقدمة (1)

نلتقى حين نسعى

لاحظت حتى الآن – للأسف- أن تعريه العلاقات المسماة “الحب” هكذا، تنتهى إلى ما يشير إلى يأسٍ ما، أو قل، إلى إيحاء باستحالة أن يتحاب البشر فيما بينهم بما وصلوا إليه من أزمة “الوعى، والوعى بالوعى” وأضيف الآن: “بما يشمل “مسئولية المشاركة فى جدل نمو الإنسان فردا ونوعا”، فكرت أن أتوقف عن التمادى فى توصيل رسائل مثل هذه قد تحمل فى ظاهرها جرعة من اليأس أو العجز لم أقصدها، قلت أنبه القارئ ببعض التوصيات التى قد تعيننى على توضيح ما قصدت إليه من هذه المحاولة التى أحاول أن أوصل بها خبرة العلاج الجمعى بوجه خاص:

أولاً: أن يتذكر القارىء أنها محاولة لفك شفرة النص البشرى بتعبير الابن والصديق د.جمال التركى، أو لعلها “نقد النص البشرى” كما اقترحت سابقا، فهى ليست حكما دامغاً

ثانياً: أن هذا العمل مرتبط بنص محدد هو متن شعرى كتب منذ 36 سنة.

ثالثا: أن أعمال الكاتب تكمل بعضها بعضا، فإذا وصلت رسالة مثل الرسالة الحالية بها هذا القدر من التعرية لدرجة التلويح باليأس أو الاستحالة، فهى ليست فصل الخطاب، ومثل حروف وأرقام الشفرة (الكلمة المفتاح فى بريدك الالكترونى “مِيِلَكْ” مثلا) لا يمكن أن تفتح الشفرة إلا باكتمال إدخال الكلمة المفتاح حَرْفا رقماً.

رابعاً: إن ما أحاول توصيله لا ينتهى بحكمٍ يحتاج إلى تعليق، بقدر ما هو دعوة لتحريك الوعى فى اتجاه أرى أنه يصلح أن يجمعنا معا كلما مضينا قدماً أكثر فأكثر،

 وعندى يقين بأننا نلتقى حين نسعى إلى أن نلتقى، لا حين نلتقى فعلا (أنظر بعد):

فرض قبل الفروض:

هيا نوجز الإشكالة فى هذا الفرض:

إن أى علاقة بين إنسان وإنسان هى علاقة بين عدة أناس، وعدة أناس أُخرْ، بداخلنا معا: فهى علاقة متشابكة متداخلة، بها من التنافس (والمناورات والمخاوف بين الذوات داخلنا) بقدر ما بها من التكامل والجدل.

هذا تفسير العنوان الأول الذى تغير إلى العنوان الحالى، العنوان الأول كان كالآتى:

“مناورات ومخاوف الذوات داخلنا (فى ملعب الحب والحياء)”

أما أنها مناورات ومخاوف فهى كذلك نفيا أن تكون – فقط- صراعا أو سباقا تنافسيا حاضراً، مع أنها صراع محتمل وتنافس مشروع ، علما بأن المناورات والمخاوف هى خطوات نحو هذا الجدل الواعد.

أما أنها تجرى فى ملعب الحب والحياة، فذلك لأن كلمة “الحب” هى التى شاعت أكثر من غيرها فى توصيف العلاقات البشرية،

مستويات التواصل البشرى (فروض عاملة):

المستوى الأول: الجذب النداء والانجذاب الذاهل.

وهو ما يشار إليه أحيانا بالحب من أول نظرة، أو التقاء موجات التواصل، أو سلامة الكيمياء العاطفية التفاعلية…، أو الانجذاب غراما

المستوى الثانى: اللذة المشتركة بعض الوقت.

وهو ما يمكن أن يخفى (أو يعلن) صفقة لذّية طيبة أو غير ذلك، تنظمها القواعد الثقافية والأعراف السارية.

المستوى الثالث: اللعب الحر معا – أحيانا.

وهو مستوى أنضج قليلا، به من الائتناس والحرية المتبادلة المغذية لبعضها البعض ما يسر المشاركين.

المستوى الرابع: تبادل الاعتمادية

وهو يعلن صفقة جيدة أيضا إذا توفر فيها الاحترام والعدل ودرجة من العلانية.

ملحوظة: الخوف كل الخوف هو من أن نتوقف عند هذه التعرية وكأننا نرفض هذه المستويات ابتداء ودائما، وهذا ضد الطبيعة البشرية الحالية،

وقد ساءلت نفسى عن مدى واقعية المستويات التالية، من الخامس حتى العاشر، فوجدت أنها مستويات تبدو نظرية أو مستحيلة، ومع ذلك فبما أنها “حالة كونها” فى التكوين فى العلاج الجمعى بالذات بأية درجة متزايدة، فهى واقعية مهما ندرت.

المستوى الخامس: انتشار الفرحة “معا” تواصلا إلى محيط من البشر أوسع فأوسع.

وهذا يحتاج إلى تعرّف على مانعنيه بالفرح والفرحة حالة كونهما وسادة المشاركة معا.

 المستوى السادس: جدل النمو .

مع الانتباه إلى أن الجدل الذى يستحيل التحدث عنه دون اختزاله أو تشويهه ، هو حقيقة ما نمارسه فعلا دون تسمية، “لنكون فنصير”، رضينا أم لم نرضَ.

المستوى السابع: إعادة الولادة.

وهذا ما يجعل تقييمنا للتواصل البشرى شديد التواضع ونحن نتذكر أننا نولد رضّعا ثم ننمو على مدى السنين.

المستوى الثامن: الامتداد إليهم حمْدًا.

فنجد أنفسنا فى دائرة الوعى الجمعى، وهو مرحلة لا بد من السعى إليها لأنه ابتداء من هذه المرحلة يبدأ هذا الوعى الجمعى فى “الاستقلال دون انفصال”، فالحضور ككيان جامع هادف مسامِىّ مرن طول الوقت حتى بعد افتراقنا، أما “الحمد” على كل مستوياته، فوظيفته هنا تدعيم أى قدر من الانجاز مهما كان ضئيلا وغير مرصود.

المستوى التاسع: الألم الخلاّق كدْحا إليه.

إذ تمتد بنا العلاقة إلى مستويات أعلى فأعلى من الوعى المشتمل، فنجد أنفسنا نعزف اللحن الأرحب مع الطبيعة المنفتحة إلى الوعى الكونى المفتوح النهاية إلى وجه الحق تعالى، ونتحمل فى ذلك ما هو مطلوب.

المستوى العاشر: إعادة دورة جدل الايقاع الحيوى فى نبضة جديدة على مستوى أعلى، وهكذا.

غنى عن البيان أن هذا التصعيد ليس خطا مستقيما أو درجة بعد درجة، بقدر ما هو دورات معادة تتقدم مع كل دورة إلى ما تيسر من إمكانية تجعل المستحيل ممكنا مع استمرار الدورات حسب كفاءة الإيقاع الحيوى المفتوح النهاية)

رجعة إلى العنوان الحالى أقول:

الشغل فى المستحيل

بعد الرجوع إلى مادة “شغل” فى المعجم الوسيط اطمأننت إلى استعمالها لوصف ما خطر ببالى وأنا أتناول القضية تلو الأخرى بوصف الاستحالة، ثم أصر على أن نقتحم الاستحالة لنقلبها إمكانية، هو ما أصفه أحيانا بـ “إمكانية المستحيل” وهو شرف الكفاح لنكون بشرا،

هذه هى قضيتنا الممتدة بـ الشغل فى المستحيل لنجعله ممكنا-

بعض تشكيلات المستحيل الممكن

عدل مستحيل: تخنقه، وفى نفس الوقت تحقق ما تيسر منه: قواعد مكتوبة خانقة مختنقة، مع أنها خطوة اضطرارية على الطريق إليه.

حرية مستحيلة:  تزيفها وتطمسها ديمقراطية عاجزة أو زائفة مع أنها خطوة اضطرارية على الطريق إليها.

حب مستحيل: يزيحه ويحل محله المستويات “الأربعة الأولى”، مع أنها خطوة اضطرارية على الطريق إليه.

تعقيب ختامى:

 دعوة لإعادة النظر فى بعض القيم “المستحيلة”، و”إنما”:

لم تعد القيمة المجردة كيانا ثابتا له معالم محددة، وإنما تكون القيمة بقدر ما هى  العملية الجارية فيها وبها وحولها وإليها

  • لا يوجد شىء اسمه “حرية”، وإنما يوجد سعى دائم لزيادة جرعة ما تيسر من الحرية
  • لا يوجد شىء اسمه “الإنسان”، وإنما يوجد تطور مفتوح النهاية نحو ما يمكن أن يكون إنسانا
  • لا يوجد شىء اسمه “العدل” ، وإنما توجد معادلة متحركة لتحقيق أكبر قدر من التوازن بين وحدات الوجود المتكافلة لتعود على الجميع بما يحافظ عليها وينميها معا بقانون واحد قادر مرن عام.
  • بل إن الحق تبارك وتعالى لا نؤمن به إلا حالة كوننا نتعرف عليه بتحريك” الكدح” إليه

وعلى هذا القياس

  • لا يوجد شىء اسمه الحب، وإنما يوجد شغل طول الوقت لتحقيق تصعيد جدلى خلاق بين أفراد البشر وجماعاتهم لتتلاحق مستويات التواصل فيما بينهم ما أمكن ذلك، إلى إمكانية المستحيل.

 يا ترى سهلتها أكثر؟ أم صعبتها لدرجة الاستحالة؟

وهل أمامنا سبيل آخر إلا أن نجعل المستحيل ممكنا؟

وماذا يفعل العلاج الجمعى وما يقابله من ممارسات إيمانية “معا”؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *