الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (78): الوعى الجماعى: حيرة تحتاج إلى عودة

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (78): الوعى الجماعى: حيرة تحتاج إلى عودة

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 10-11-2013

السنة السابعة

العدد: 2263

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (78)

الوعى الجماعى: حيرة تحتاج إلى عودة

مقدمة:

بمراجعة بريد الجمعة فى الأسابيع الماضية وجدت حيرة جيدة، ورفض ضمنى، وغموض مهم حول مفهوم الوعى الجماعى بصفة عامة، وبالذات فى أقصى أطرافه طولا: من وعى المادة إلى وعى المطلق فالغيب وعرضا من الوعى الذاتى فالبين شخصى إلى الوعى الممتد فى آفاق الدنيا ثم أفلاك السماوات والكون، ثم علاقة كل ذلك بالوعى بالموت والنزوع إلى الخلود، ونظرا لأننى أعرف  – أو أرجح – أن الأصدقاء الذين يتابعون ملف “العلاج الجمعى” لا يتابعون بالضرورة بريد الجمعة، فأسمح لنفسى أن أعيد بعض ما جاء فى آخر بريد كعينة للحيرة والصعوبة والمحاولة.

الوعى الجماعى من أصل الحياة إلى غيب المُطلق

د. طلعت مطر

أستاذنا الفاضل: كلام جميل وتنظير رائع وخصوصا أنى اعتقد- منذ زمن بعيد- ان الوعى بالموت هو أساس السلوك الانسانى بشتى أنواعه أى العادى والصحي والمرضى بل وهو الباعث على الابداع بشتى صوره. ويمكن تقسيم الامراض النفسية على أساس هذا الوعى. غير ان لى بعض التساؤلات قد تبدو ساذجة ولكن ارجو ان يتسع صدرك لى

أولا : لم أفهم وعى الجماد أو حتى وعى الروبوت

د. يحيى:

أهلا طلعت: هذه مسألة لا تُفهم، وإن كنت قد قرأت فيها كثيرا، وناقشت فيها الدكتور نبيل على طويلا وهو رائد المعلوماتية فى العالم العربى (1) ، وإذا كنا يا طلعت لا نعرف ماهية الوعى فى الإنسان فما بالك فى الجماد، والروبوت ليس إلا جمادا مهما بلغت قدراته، لكننى حين امتد بى القياس والخيال والإدراك إلى معايشة تسبيح الجبال لله سمحت لنفسى أن أتصور أن هارمونية تماسك ذرات الجماد فى نظام هارمونى رائع هو نوع من الوعى، ثم أحيلك إلى الكتاب الرائع الذى أشرت إليه مرارا والذى كان عنوانه الفرعى “نحو محاولة فهم الوعى”، وقد نشرت كلمة عنه فى النشرات هنا (نشرة 2-1-2013 أنواع العقول  وإلغاء عقول الآخرين …الطريق إلى فهم الوعى) وقد تكلم مؤلفه دانيال دينيت عن طبقات ومستويات الوعى على أنها “أنواع العقول” إلا إنه لم يرجعها للجماد، فأرجعتها أنا افتراضا وامتدادا وقياسا لا أكثر.

د. طلعت مطر

ثانيا : هل الوعى الجمعى هو حارس الوعى الفردى من امكانية الانحراف كما ورد فى مقالكم. أم ان الوعى الجمعى قد يكون معطلا لمسيرة تطورالفرد فى بعض الأحيان وبالتالى تطور البشرية بل وتجمدها إن لم تهتز بما يحرك وعيها فى اتجاه آخر.  

د. يحيى:

لم يرد فى مقالى ما وصلك، وخاصة تعبير “حارس الوعى الفردى” وهذا الكلام!، لقد فرّقت فى نشرة سابقة بين “غريزة القطيع” Herd Motive وهى ما يعبر عنه أحيانا عند البشر بـ”عقل الجماعة” Group Mind وبين الوعى الجماعى   Collective Consciousnessويمكنك الرجوع إلى هذه التفرقة، (نشرة: 6-10-2013 ، الوعى الجماعى، وثقافتنا الخاصة، والله هو الشافى(، (نشرة 2-6-2013 ماذا يحدث بالضبط مما هو ضد “جماعة القطيع”؟) وأذكرك أيضا بشعر أحمد شوقى الذى يتفق مع خوفك وتحذيرك:

انظر الشعب ديونو كيف يوحون اليه

ملأ الجو هتافا بحياتي قاتليه

أثّر البهتان فيه وانطلى الزور عليه

ياله من ببغاء عقله في أذنيه

ولولا أننى لا أحب أن أكرر لرددت بالتفصيل، فأكتفى هنا بأن أذكرك أن الوعى الجماعى يكاد يكون عكس مخاوفك فهو يتخلق مستقلا ومساميا ومرنا وحركيّا يسمح ببرامج التطور الثلاث التى سبق أن شرحتها (“الدخول والخروج” والإيقاع الحيوى والجدل)، ومع هذه الحركية تصبح التفرقة بين الصورة السلبية التى تُحذر منها وبين حقيقة وجوهرية هذا الكيان الذى يتخلق بنا ولا يسجننا ولا يلغينا ولا يستغنى عنا، تصبح تفرقة ضرورية، وتتراجع المخاوف على شرط أن ننجح فى التمييز.

د. طلعت مطر

ثالثا : وهل الأنبياء قد تفردوا بوعى آخر أو وعى أعمق؟ ولا أقصد بالانبياء هنا أنبياء الدين فقط.

د. يحيى:

فى رأيى أن هذا هو فعلا ما يميز الأنبياء خاصة (عليهم الصلاة والسلام)، والمبدعين عامة، ولهذا تفصيل آخر متى أتيحت الفرصة

د. طلعت مطر

رابعا:هل تعتقد إن كل العلاجات النفسية تفسح الطريق الى وعى جمعى فكدح الى الله أم أن بعضها قد يعطل هذا الوعى تماما ولو مرحليا كما تفعل العلاجات الكيميائية؟

 وأكرر شكرى وإعجابى بهذا الطرح .

 د. يحيى:

كل العلاجات التكاملية الهادفة تسمح بتكون وعى جماعى وبالذات العلاج الجمعى وعلاج الوسط وأغلب العلاج المعرفى.

أما العلاجات الكيميائية فهى ليست ضد تكوين الوعى الجماعى بهذه البساطة التى يغرينا بها التفكير الاستقطابى، صحيح أن استعمالها وحدها، وباختزال تثبيطى، ولمدة طويلة جدا، قد يهمّد النبض الحيوى والجدل معا، إلا أن استعمالها انتقائيا بجرعات متغيرة حسب فروض حركية تبادل وتنافس وتكافل نشاطات مستويات معينة من الوعى (المخ) ومن ثـَمَّ انتقاء العقار الذى يثبط هذا المستوى دون ذاك حتى يحقق التوازن الضرورى للسماح بتحفيز الجدل المتعدد القنوات بين مستويات الوعى المختلفة المشاركة فى تخليق الوعى البينشخصى والوعى الجمعى، كل هذا معا هو الذى يعطى للعلاجات الكيميائية وللأدوية النيورلثبات العظيمة دوراً رائعا وأهمية فائقة للمشاركة فى تشكيل الوعى البينشخصى والوعى الجماعى معا، وخاصة حين تشمل المجموعة العلاجية أو علاج الوسط ذهانيين، وهذا ما نمارسه طول الوقت فعلا، ولولا العقاقير وخاصة النيورولينات الجسيمة لما استطعنا أن نشركهم فى هذه العلاجات بهذه الشجاعة.

وقد شرحت ذلك أيضا فى نشرة سابقة وسوف أعود إليه غالبا مع عرض حالات.(نشرة 11-3-2013  علاقة هذا العلاج بالعلاجات الأخرى – العلاجات  الفارماكولوجية-  بالعقاقير).

د. طلعت مطر

وأخيرا:  قال السيد المسيح \”إن كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا\”

د. يحيى:

شكراً

برجاء قراءة يومية السبت الماضى عن “وعْىُ الشوق” وهى حوار مع مولانا النفرى وفيها رائحة ذلك.

د. محمد جمال

ايه وعي الروبوت ده!!

د. يحيى:

أولاً: برجاء الرجوع إلى ردى على الابن د. طلعت مطر حالا .

ثانياً: هذا موضوع صعب ورائع وأنا لست مؤهلا للرد عليه، وأذكرك كما ذكرت للابن طلعت حالا أننا لا نعرف الكفاية عن “الوعى البشرى” فما بالك “بوعى الروبوت”.

د. محمد جمال

 انا كنت متوقع ان الوعي ده يخص كل ما هو فيه روح، او يمكن اقصد ما خلق الله مش اللي من صنع البشر، وان ما ليس به روح هو ربما يكون مكمل للوعي الخاص بالكائنات التي لها روح !! ده غير اني اول مرة اخد بالي فعلا ان ممكن يكون وجود الاديان السماوية ووصفها للحياة الاخرى، محاولة ربانيه لتسكين خوف الانسان من الموت واشباع رغبته في الخلود!!

د. يحيى:

برجاء قراءة مقال يوم الأثنين (نشرة 4-11-2013 “الخلود والوعى الجماعى فى العادى والصحة والمرض” العلاج الجمعى (77) ، ففيه تفصيل، وفيه فرض محدود عن موقع الخلود فى الآخرة قبولا ومحاولة فهم.

وعموما أنا لا أتكلم عن الروح مستقلة، وقد كررت ذلك مرارا احتراما لتحذير ربنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي”.

د. رجائى الجميل

الحياة هى ليست عكس الموت ومن المستحيل تعريفها

الخلود من صفات الابدية

نحن مخلوقات حملنا الإمانة اختيارا فخلودنا متصل بحمل الامانة لكى يحملها بعدنا من يحملها

الخلود هو تفعيل الامانه لغائيه حاضره هنا والآن طول الوقت

نحن خالدون بخلود الحياة

ولكن يظل اللغز المحير هو ما هى الحياة وما هى الروح وماذا قبل وماذا بعد

لذلك تقدس “هنا والآن” وخلق الانسان ضعيفا

د. يحيى:

أعلنتُ مرارا – كما ذركت حالا – أننى لا أبحث فى الروح التى هى من أمر ربى فقط، وأحدد أننى أتجنب استعمال اللفظ أصلا.

كما أننى لم أعد أهتم كثيرا بالإجابة على مثل هذه الأسئلة: ما هى الحياة؟ وماذا قبل؟ وماذا بعد؟ حتى لا أصاب “بطلقات” الإجابات الجاهزة، هذه أسئلة جيدة على شرط ألا نجيب عليها بما يمسخها.

د. رجائى الجميل

المقتطف:  رأيت الوعى الجماعى كيانا مستقلا، مرنا مساميا مرحبا ؟؟؟

التعليق: هل الوعى الجماعى يظهر جليا فى ازمات النمو او المرض فقط ام هو محرك فاعل داخلنا طول الوقت ونحن الآن فى ازمه تخلى عن هذا الوعى الجماعى فعلا.

د. يحيى:

فى حدود خبرتى، خاصة فى الآونة الأخيرة: أفضل أن أراه كيانا قائما خارجنا، حتى لا نسمح بتصورات إسقاطية أو خيالية، هذا إن لم يعد خارجنا منفصلا عن داخلنا أصلا، فهو كيان دائم التكوّن وسط وحول كل جماعة لها شكل ونظام وبرامج واستمرار، وهو يكاد يكون مستقلا ومساميا، فضلا عن مرونته وحركيته الإيقاعية .

أما أننا فى أزمة تخلى عن هذا الوعى فهذا وارد، لكنه ليس تخليا بمعنى التنازل، ربما يكون بمعنى العجز والاغتراب أكثر.

****

وأختم بإشارات محدودة للتذكرة حتى لو كانت قد سبقت:

أولا:  إن الأصل فى الوجود (وليس فقط فى الحياة) هو “التجمع فى نظام”: يسمح بالحركة فى نظام: يسمح لوحداته بالابتعاد فالتآلف باستمرار.

ثانيا:  يوجد رباط غير مرئى يربط بين الأحياء وبعضها، وبين أفراد وجماعات كل نوع من الأحياء، إذن: هو يربط فيما بيننا نحن البشر،، فيحفظ علينا تماسك المجموعة من جهة، فى حركيتها النامية الضامة المتناغمة طول الوقت.

ثالثا: إن تخليق الوعى الجماعى مرتبط بشكل أو بآخر بالوعى الاجتماعى، ومن ثم بالوعى الثقافى إلى الوعى مع الطبيعة إلى الوعى الكونى إلى الوعى المطلق (إلى الغيب – إلى وجه الله).

رابعاً: إن هذه الحلقة الجماعية، وهى وحدة العلاج الجمعى، تقوم بتنشيط مستويات الوعى المتعددة – كما ذكرنا- عند سائر أفراد المجموعة بدرجات متفاوتة، إذ يسهم كل بالقدر المتاح فى تكوين الوعى الجماعى الذى هو أكثر نشاطا وحركية لتشكيل مستويات وعى متصاعدة تدركها ثقافتنا بلغة الدين الشعبى، والإيمان الفطرى بشكل أوضح وأرسخ من الدين المؤسسى، والإرشاد الدينى اللفظى.

خامسا: إنه لا يمكن الإلمام بهذه الحقائق من مدخل التفكير المسمى “حل المشاكل” الأقرب إلى المنطق الأرسطى وإنما من مدخل الإدراك بالمعنى الأشمل الحسى والمتجاوز للحواس المعروفة، وهو ما استغرق مئات الصفحات فى النشرة اليومية “الإنسان والتطور” حتى الآن (من نشرة 10-1-2013 إلى نشرة 10-3-2013).

سادسا: إن صعوبة الاستيعاب وغموض الشرح لا يبرران إغفال موضوع كهذا، موضوع اعتبره من أساسيات معرفة النفس البشرية وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين البشر على كل المستويات.


[1] – العرب و عصر المعلومات ـ سلسلة عالم المعرفة الكويتية ـ العدد 184 ـ أبريل 1994

  –   التقافة العربية و عصر المعلومات – سلسلة عالم المعرفة الكويتية ـ العدد 265 ـ يناير 2001

  –   الفجوة الرقمية – سلسلة عالم المعرفة الكويتية (بالاشتراك مع د. نادية الحجازي) ـ العدد 318 ـ أغسطس 2005

  – العقل العربي و مجتمع المعرفة (جزءان) – سلسلة عالم المعرفة الكويتية – العددين (369,370) – ديسمير 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *