الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (75) الوعى الجماعى والخلود الإيجابى فى الناس ( 2 من 2)

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (75) الوعى الجماعى والخلود الإيجابى فى الناس ( 2 من 2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 28-10-2013

السنة السابعة

العدد:  2250

  الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (75)

الوعى الجماعى والخلود الإيجابى فى الناس ( 2 من 2)

مقدمة:

نشرنا أمس مقتطف من الدراسة النقدية التى أقوم بها مقارنة بين جنون جلال صاحب الجلالة (الحكاية السابعة فى ملحمة الحرافيش) وبين لا نهائية الحياة عند عثمان بيومى بطل رواية حضرة المحترم، كلاهما لمحفوظ، وكنت قد وعدت أمس فى نهاية النشرة أن أحاول أن أقدم مزيدا من الشرح عن “الخلود فى الناس” ، وبالذات كما قرأته نقدا فى الملحمة ، وهأنذا أفى بوعدى، برغم علمى بصعوبة قراءة هذا الجزء منفصلا عن السياق.

قبل أن أقدم المقتطف ، أحب أن اعترف بفضل العلاج الجمعى فى نقلتى النقدية هذه بعد ما ألفت تخليق ما أسميته “الوعى الجماعى” أثناء ممارستنا هذا النوع من العلاج، فقد اصبح هذا الوعى بالنسبة لى حقيقة ماثلة تتكون من الناس “هنا والآن” ثم إنها تنفصل عن صانعيها من افراد، لكنها تظل المجال الذى يحتويهم “دخولا وخروجا ” كما بينا فى شرحنا لبرنامج “الدخول والخروج” أحد أساسيات عملية النمو والتطور.

يبدو أن هذا الوعى الجماعى له بعد طولى أيضا يتجاوز صانعيه إلى وجه الله أيضا، وقد أعدت قراءة خلود عاشور الناجى الأول فى رحلته إلى الله وهو يقاوم الموت لا يهرب منه، فى مقابل خلود جلال صاحب الجلالة الذى تمثله المئذنة العقيم بلا أذان ولا صلاة ولا ناس،

وفيما يلى تفسير ما وصلنى من موقف اختفاء عاشور إلى عودة واعدة فى وعى جماع الناس

عاشور ذهب ليعود

…….

….. دعانى هذا التداعى  إلى فتح باب التشكيلات المختلفة لتجليات الخلود فى الدنيا مع ندرة حضورها الصريح المباشر، وفى نفس الوقت غلبة حضورها الخفى المؤثر، وقد كنت فى تنظيرى النفسى السابق من واقع خبرتى الإكلينيكية أفسر هذا النزوع بما فى ذلك ضلالات المهدى المنتظر إلى ما نحمله فى قاع وعينا بشرا من “الخوف من الموت جوعا”،  لكن هذا الرعب الكامن كان يفسر لى الرغبة الممتدة، اللامتناهيية (بلغة عثمان)، فى الجمع للجمع، وهو ما أطلق عليه عادة لفظ “التكاثر”، وهو تفسير يمكن أن يمتد إلى بعض انحرافات السياسة وأنواع معينة من الاقتصاد الجشع، لكننى اكتشفت أيضا من الخبرة أن هذا الجمع مرتبط ضمنا بالعجز عن الارتواء، وأيضا باستحالة الشبع وكذلك بإلغاء الزمن، وكل ذلك من دوافع النزوع إلى الخلود الخفى، الذى أهم وسائله فى الحياة العادية هو “المال” و”البنون”، بصراحة فى ملحمة الحرافيش لاحظت أن محفوظ لم يأل جهدا فى عرض بعض جوانب هذا “الجمع للجمع”، لكن ليس فقط فى مجال المال، وإنما، وربما اساسا، فى مجال السلطة والسيطرة (الفتونة).

لكن ثم نوعا آخر أعنى خلودا آخر يقع على الناحية الأخرى، يمكن أن اصفه بالخلود فى الوعى الجمعى، ولعل انتباهى إليه حاليا يواكب استغراقى فى التمادى فى ممارسة ما يسمى العلاج الجمعى، وفى نفس الوقت فى التنظير لما أمارس، هذا النوع يمكن أن يسمى “الخلود فى الناس” أو “الخلود فى الوعى الجماعى”،  وهو ما لم أعرض له بالقدر الكافى فى دراستى الأولى لملحمة الحرافيش. ولنبدأ به الآن:

الخلود فى الوعى الجماعى ودورات الحياة

 فى دراستى الأولى كان التركيز على دورات الحياة من خلال تركيز محفوظ على دورات الفصول، وحركية الزمن، الموازية لدورات الإيقاع الحيوى عند الفرد أساسا. وقد كان الفرض المبدئى يقول بالنص:

‏”…. لا ‏معنى ‏لولادة‏ ‏تنتهى ‏بموت‏، ‏إن‏ ‏آجلا‏ ‏أو‏ ‏عاجلا‏، ‏فالموت‏ ‏بالصورة‏ ‏الشائعة‏ ‏يلغيها‏ ‏حتما‏،  ‏لكن‏ ‏الولادة‏ ‏تبدأ‏ ‏حين‏ ‏نعى ‏الموت‏، ‏فنتخلق‏ ‏بالحركة‏، ‏لنتصاعد‏ ‏بالإبداع‏، ‏والاستمرار‏ ‏فيمن‏ ‏يلى،  ‏وليس‏ ‏بأنفسنا‏…”

لم أنتبه آنذاك إلى هذه الجملة الأخيرة بالقدر الكافى، مقارنة بالتركيز الذى سوف يأتى حالا فى النقد الحالى ، وهذا ما جعلنى أنتقل من هذه الجملة التى بدأت كفرض فى أول الدراسة، إلى نهاية الدراسة التى كادت تثبت صحة هذا الفرض قائلة :

“ان‏ ‏الفرد‏ ‏لا‏ ‏يولد‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏ولد‏ ‏نفسه‏ ‏باستيعابه‏ ‏طفرة‏ ‏تخلقه‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏جدلية‏ ‏وجوده‏.‏ وانه‏ ‏لا‏ ‏يلد‏ ‏نفسه‏ ‏إلامن‏ ‏واقع‏  ‏ما‏ ‏يختمر‏ ‏به‏ ‏داخله‏ ‏وخارجه‏ ‏من‏ ‏علاقات‏ ‏ونبض‏  ‏ومواكبة‏ ‏فاعلة‏ ‏متفاعلة‏ ‏مع‏  ‏الناس‏ ‏والطبيعة‏ ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏، وان‏ ‏هذه‏ ‏الولادة‏ ‏ليست‏ ‏حلا‏ ‏وإنما‏ ‏هى  ‏خطوة‏ ‏ضرورية‏ ‏وبداية‏ ‏واعدة‏.‏

وبرغم هذه الإشارات الواضحة، إلا أننى كنت مهتما بدورات الحياة للفرد الواحد حتى لو أكدنا على ضرورة  تفاعله مع الآخرين، كما ورد فى نهاية الدراسة كما يلى :

“….‏ ‏هذه‏ ‏الولادة‏ ‏المتأخرة‏ ‏هى ‏الإبداع‏ ‏البشرى ‏الناتج‏ ‏عن‏ ‏اكتساب‏ ‏الوعى ‏بكل‏ ‏طبقاته‏  ‏وتضفرها‏ ‏معا‏، ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏أسميه‏ ‏إبداع‏ ‏الذات‏، وان‏ ‏هذا‏ ‏الإبداع‏ ‏لا‏ ‏يتمادى ‏إلى ‏غايته‏- ‏للفرد‏- ‏إلا‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏احتمال‏ ‏تكراره‏ ‏عند‏ ‏الناس‏، ‏كل‏ ‏الناس‏، ‏وترجيح‏ ‏فرص‏ ‏هذا‏ ‏التكرار‏ ‏انطلاقا‏ ‏من‏ ‏المبدع‏ ‏الفرد‏، ‏وهو‏ ‏أول‏ ‏علامات‏ ‏التوجه‏ ‏الإيجابى ‏نحو‏ ‏المخرج‏ ‏الحقيقي‏، وان‏ ‏هذا‏ ‏الاحتمال‏-‏ولادة‏ ‏الذات‏-‏لا‏ ‏يتم‏ ‏إلا‏ ‏بوسائل‏ ‏وفرص‏، ‏ليست‏ ‏غاية‏ ‏فى ‏ذاتها‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏هى ‏حق‏ ‏مواكب‏ ‏لمسئولية‏ ‏وعى ‏الإنسان‏، ‏ومن‏ ‏أهمها‏ ‏العدل‏ ‏الذى  ‏شغلت‏ ‏مساحته‏  ‏ما‏ ‏يحق‏ ‏لها‏ ‏أن‏ ‏تشغله‏ ‏طوال‏ ‏الملحمة‏، وان‏ ‏ما‏ ‏يلى ‏خطوة‏ ‏ولادة‏ ‏الذات‏، ‏فالالتحام‏ ‏بالناس‏ ‏فى ‏إطار‏ ‏العدل‏، ‏هو‏ ‏الوعى ‏بما‏ ‏بعد‏ ‏الإنسان‏، ‏طولاوعرضا‏.‏

“من‏ ‏هنا‏ ‏يصبح‏ ‏الموت‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الإطار‏ ‏نقلة‏ ‏فرد‏، ‏لا‏ ‏تحتاج‏ ‏لكل‏ ‏هذا‏ ‏الجزع‏ ‏مادام‏ ‏ثمة‏ ‏من‏  ‏يكمله‏ ‏ويمثله‏ ‏عرضا‏، ‏وما‏ ‏دام‏ ‏ثمة‏ ‏ما‏ ‏يذوب‏ ‏فيه‏  ‏ويتمثله‏  ‏طولا‏.  وقد‏ ‏قالت‏ ‏الملحمة‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏”.‏

كل هذا وبرغم طول المقتطف – عذرا– يحتاج إلى مزيد من العرض من واقع الملحمة:

الفرض هنا لا يقتصر على هذا النوع من الامتداد “مع” الناس، وإنما يضيف احتمال الامتداد “فى” الناس، إلى الوعى المطلق إلى وجه الله، وهذا ما سوف أبدأ به هذه الدراسة قبل العودة إلى المقارنة بين الخلود المجنون عند جلال صاحب الجلالة، والخلود التقديس الدنيوى عند عثمان بيومى (حضرةالمحترم)

خلود الوعى “فى” الناس (عاشور الناجى الأول)

منذ البداية، أحضر لنا محفوظ الموت بشكل لا يمكن التغافل عنه وصل إلى عاشور وهو يتابع سلسلة النعوش تتوالى إلى القرافة والقبو، نتيجة للشوطة التى ألمت بالحارة، وباعتراف بسيط  بالخوف البشرى وهو يواجه الموت وهو يلاحقه هكذا، قرر أن يقاومه حتى بالهرب، لكنه لم يكن هربا جبانا  من الموت بقدر ما كان مقاومة تستند إلى سندين، علاقته بالحى الذى لا يموت، وانتمائه إلى جماع وعى الناس، الذى بدا بعد مرورنا بكل هذه الأجيال أن وعيا غائرا عند عاشور كان يدرك ذلك، وبالتالى فهو لم يقل للناس، ولا لأسرته “وداعا” ، ولكن ما وصلنى أنه قال وهو يغادرهم دون استئذان “إلى لقاء”، وقد وصلت التحية والوعد إلى الناس بوضوح تام، فصدقوا أن مقاومته (لا هروبه) انتصرت، وراحوا ينتظرون عودته وكأنها عودة المسيح أو المهدى المنتظر

بدأ  عاشور رحلته المقاومة مستظلاً بالتكية رمز “الغيب” و”الغموض” و”الوعود” و”الخلود”، وراح يعاتب  ساكنيها:

“فى ظلمة داجية تهادت الأناشيد من التكية. لا نغمة رثاء واحدة تنداح بينها. ألم تعلموا يا سادة بما حل بنا؟. أليس عندكم دواء لنا؟. ألم يترام إلى آذانكم نواح الثكالى؟. ألم تشاهدوا النعوش وهى تحمل لصق سوركم؟.(ص 56)

وربط عاشور وعى التكية بالوعى الكونى بالله…

“وشمَّ رائحة غريبة لا تخلو من نفحة ترابية. إنها تتلقى من النجوم أوامر صارمة”.(ص57) 

خاف عاشور الموت فعلا بشرا ضعيفا آملا مؤمنا مجاهدا، واعترف بخوفه المشروع دون هلع مضلل.

 “جرَّب عاشور الخوف لأول مرة فى حياته. نهض مرتعدا، مضى نحو القبو وهو يقول لنفسه إنه الموت. تساءل فى أسى وهو يقترب من مسكنه”

وحين قرر اللجوء إلى الخلاء بناء عن حلم رأى فيه الشيخ عفرة زيدان يلهمه أن يلجأ إلى القرافة نحو الخلاء والجبل دار هذا الحديث مع فـُلـّه.  

“- ماذا حلمت يا رجل؟

– أبى عفرة أرانى الطريق..

– إلى أين؟

– إلى الخلاء والجبل!

– إنك ولا شك تهذى…

– بل رأيت الموت أمس، ورائحته شممت..

– وهل الموت يعاند يا عاشور؟

فقال وهو يحنى رأسه فى حياء:

– الموت حق والمقاومة حق..

– ولكنك تهرب!”

“- من الهرب ما هو مقاومة!”

وظهرت علاقته بالموت وربطه بالمولى مختارا وهو يجيب على سؤال ابنه هبة الله.

 (ص 60) (هبه الله + عاشور)

“-ألا يوجد الموت فى الخلاء يا أبى؟

فقال عاشور وهو يزداد غضبا:

-علينا أن نبذل ما فى وسعنا وأن نقدم الدليل للمولى على تعلقنا ببركته”.

وحين غادر لم يكن يتجه إلى فراغ  (ص 62)  بل إلى الله الأكبر

” وتراءى الجبل شاهقا، رزينا، صامدا، لا مباليا. هتف عاشور:

– الله أكبر…”

فتأكد الفرض أنه  كان هربا إلى رحاب الله وليس هربا من الموت، وبلغة الدراسة السابقة، كانت بداية دورة جديدة وليس نهاية دورة مغلقة، ومن عجب أن هذا هو ما جاء فى نص  حديثه مع فله (ص 63)

“ونظر نحو فلة وقال مشجعا:

-انتهت الرحلة..

ثم وهو يضحك:

-بدأت الرحلة!”

بهذا الوضوح تجلى خلود عاشور الناجى الأول، فنجا فعلا من كلٍّ من الموت الفناء، ومن الخلود الجنون الغباء، وحين قام وحده برحلته الأخيرة المستمره، كان فى صلح واضح مع خالقه  برغم ظاهر ما ارتكبه، وهكذا دام، خالدا فى وعى الناس، وليس فقط فى امتداده فى دورة حياته التالية (فرض الدراسة الأولى)،  وهكذا.

ظل عاشور الناجى الأول خالدا فى وعى كل الناس من أحبه ومن أبعضه، وجاء هذا مكررا فى نص أقوالهم وفيما يلى بعض ذلك: 

  • “وقالوا إن هذا يعنى أن عاشور حى لم يمت”.(ص 104)
  • “وآمن الناس بأن عاشور الناجى لم يمت”. (ص 106)
  • “وهرع إليه الرجل متلهفا: فتخطاه بنظرة باردة وقال بحزم: عاشور الناجى لم يمت“.(ص122) من؟؟
  • واعتبروا  الاختفاء كرامة أولياء: “-ألم يكرم عاشور الناجى بالاختفاء وهو فى عز القوة والكرامة؟!” (ص 133)
  • كما ظهر فى حلم شمس الدين (أو خياله) : “وأقبل نحوه عاشور الناجى حاملا على ذراعيه أمه الجميلة فى كفنها الكمونى، وفرح لظهور عاشور بعد اختفائه الطويل. وقال: “إنه كان على يقين من ظهوره ذات يوم”(ص144)

ووصل أمر خلوده فى وعى الناس إلى حد التقديس فى الحديث الذى دار بين بين بكر وأمه سنيه (ص 158)

  • ……. فجفلت سنية وقالت مخاطبة ابنها بحدة:

– جدك رجل مقدس يا بكر…”

ويتمادى الخيال والحلم والرؤية، فيررد الحرافيش (ص 206)

  • ” … إن عاشور صاحب الحلم والنجاة والعدل الشامل ظاهرة خارقة لا تتكرر.”

 وحتى حين جن جلال أو كان على وشك الجنون بدأ تحديه للموت وإنكاره باستشهاده بخلود جدّه، واستهانته بالموت وأن الاستسلام له ضعف وخيانة: (ص 401)

  • “الهاتفون بأن الموت نهاية كل حى. وبأنه الحق. إنه من صنع ضعفهم وأوهامهم. نحن خالدون ولا نموت إلا بالخيانة والضعف. عاشور حى. أشفق على الناس من مواجهة خلوده فاختفى . أنا خالد. وجدت ما أبحث عنه. وما يغلق الدراويش الأبواب إلا لأنهم خالدون. من شهد جنازة لهم؟ (ص 405)

وحتى المعلم عبد ربه راح يبشر فى البوظة بالعهد الجديد. ويلتف حوله السكارى يتنسمون منه الأخبار فيقول:  رجع عاشور الناجى.  ويفرغ القرعة فى جوفه ويواصل:

وحين يريد أن يثنى جلال ابنه عن جنونه يشير إلى مقارنة بعاشور الناجى (دون تحديد نوع خلوده الرائع)(ص 406)

  • “فتساءل عبد ربه بأسى:

–     ألا تريد أن تحتذى مثال عاشور الناجى؟

–     أين عاشور الناجى؟

–     فى أعلى عليين يا بنى

فقال بازدراء:

–     لا أهمية لذلك..

–     أعوذ بالله من الكفر..

فقال بوحشية:”

 (ص 407)

“- أعوذ بالله من اللاشئ!”

 (ص 418) (المعلم عبد الخالق + جلال)

“فقال جلال بعد تردد :

–      إنى أعتقد أنه مازال حيا !”

ومن هذه النقطة يبدأ انحراف جلال إلى الخلود العكسى.(ص 419)

“وأنه لم يمت!

وبعد

على مدى عشر حكايات (عشر أجيال) ظل عاشور الناجى الأول حاضراً طول الوقت فى وعى الناس، ليس كذكرى تحضر فى الذاكرة الظاهرة ثم تختفى وإنما كقوة حقيقية ماثلة تقترب كلما ابتعدت، ينتظرها الناس كلما غابت عن متناول اللحظة فحسب، وحضورها لم يقتصر على أهل بيتها، وإنما غاص فى كل وعى الناس وكان تأثيره لصالحهم فى معظم الأحيان، من هنا يمكن القول أن عاشور الناجى لم يمت فعلا، فهو الخلود، ولا توجد حاجة أصلا إلى أن يعود فعلا، ذلك أن حضوره المنتظر أقدر على جمع الناس إلى بعضهم البعض من حضوره الفعلى الذى لابد أن يتحدد بالعمر الافتراضى لأى كيان بشرى، أما حضور الوعى فى جماع الوعى، فهو حركية دائبة، وتوجه نمائىً طول الوقت.

إذا قارنا ذلك بخلود جلال صاحب الجلالة، ذلك الخلود الضلالى المتعين الكاذب فكأننا نقارن إيحاءات وابتهالات وتسبيح وأنا شيد التكية النابضة فى الغيب بعقم وقبح المئذنة العقيم بلا مسجد أو مصلين.

وبعد: فضل العلاج الجمعى

هذا بعض فضل ما واجهنى فرأيته يتخلق عبر أكثر من أربعين سنة ، ربما فى الخطوات والتجليات التالية:

1)   رأيت الوعى الجماعى كيانا مستقلا، مرنا مساميا مرحبا

2)   رأيت أن هذا الوعى هو الذى يضم البشر إلى بعضهم البعض

3)   وصلنى علاقة ذلك بحضور الله سبحانه فينا وبيننا ومعنا، نجتمع عليه ونفترق عليه

4)   وصلنى ، ربما الآن وأنا أقوم بدراستى النقدية هذه، أن الوعى الجماعى باق بعدنا أفرادا بشكل او بآخر

5)   وصلنى معنى “فادخلى فى عبادى” أكثر فأكثر (دون تفسيرعلمى للقرآن)

6)   وصلنى نوع ثقافة الإيمان التى نتميز بها، أو المفروض ان نتميز بها، وأن العامل الوصْلى الضام فيها هو اصل جوهرى فى تكوين العلاقات البشرية

أما ما وصلنى من تشكيلات أوهام وضلالات وحقائق الخلود، وعلاقة ذلك بالعلاج الجمعى، فاسمحوا لى أن أؤجله لحين انتهائى من دراستى النقدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *