الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (68) : الوعى الجماعى، وثقافتنا الخاصة، والله هو الشافى

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (68) : الوعى الجماعى، وثقافتنا الخاصة، والله هو الشافى

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 6-10-2013

السنة السابعة

العدد:  2228

  الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (68)

الوعى الجماعى، وثقافتنا الخاصة، والله هو الشافى

نبذة: عن النظام التساهمى من ذكاء المادة إلى مطلق الهارمونى نحو “الغيب”، وعلاقته بالعامل العلاجى فى العلاج الجمعى، وثقافتنا الخاصة

مقدمة

انتهيت الأسبوع الماضى إلى أنى سوف أقدم هذا  الأسبوع ملمحا محدودا من ذكاء النبات، لأنتقل بعد ذلك إلى علاقة أغلب ذلك بثقافتنا الإيمانية والإسلام – كمثال- من حيث تمحوره حول التوحيد فى حركية ضامة إلى وجه الله، وأيضا حول “المسجد” بوجه خاص، كما التقطها جارودى بحدسه ووعيه معا.

حين جلست اليوم لأوفى بوعدى، وجدت أنه علىّ إعادة ما جاء فى تعريف الذكاء على الأقل، حتى لا تختلط الأمور، لكننى أكتفى بأن أذكر تنبيه المؤلف إلى أن ” الذكاء يعتبر خاصة لنظم المعلومات” مع التوسع فى طيف ما هو معلومات، وأيضا الانتباه إلى كلمة “نظم” التى قد تقابل كلمة “برنامج” التى أبالغ شخصيا فى استعمالها خاصة فيما يتعلق بالتطور والوراثة ونظرية الاستعادة، والتى تقابل بدورها كلمة عقل (وعقول) التى استعملها دانيال دينيت فى كتابه “أنواع العقول” (نشرة 2-1-2008 أنواع العقول  – وإلغاء عقول الآخرين -الطريق إلى فهم الوعى)، والتى استقبلتها مرة على أنها “برامج بقائية”، ومرة على أنها “مستويات وعى قائمة” .

المتن

توقفت طويلا بألم مناسب عند تعبير “ذكاء النبات”، ذلك أنه عندنا –فى الطب النفسى- حين يتدهور المريضا الذهانى (الفصامى السلبى خاصة) تدهورا شديدا، نقول إنه وصل إلى “حالة نباتية”، ومع ندرة هذه الحالات هذه الأيام كنت أجد صعوبة فى شرح هذا المصطلح لتلاميذى، وأحيانا اخجل حين أصف إنسانا أنه اصبح كالنبات، وكنت أيضا أقع فى حيرة مترددة تشعرنى أننى على خطأ، حين اشرح لهم، ولنفسى، أن الذى يحافظ على الحياة، استمرار الحياة، أعنى الحياة الجسدية والنفسية معا، هو وجود “معنى” أو “غاية” ما، لا نعرفها عادة فى الأسوياء، فما بالك فى عمق الوجود الفصامى المزمن، وكان عندى صديق جميلن ظل صديقى عشرات السنين حتى أصبحنا هو وأنا كهلين، رحمه الله، كان قد انسحب من كل شىء – قبل أن يستأذن- حتى من الكلام، وفشلت معه كل محاولات العلاج، وظل صامتا لسنوات طويلة قبل أن يرحل إلى خالقه، وكنت أسأل عنه كل فترة، ويخبروننى أنه ما زال كما هو، وأقابله فأجده كما هو يذهب للمطعم فى المواعيد، ويجلس تحت شجرته المفضلة، وينظر إلى من حوله بين الحين والحين نظرات ذكية (هكذا نصفها جميعا)، ويعتنى بدرجة متوسطة بنظافته الشخصية، وينام ليلا، وكنت أصفه لطلبتى  بأنه اصبح فى هذه الحالة التى نسميها “نباتية”، وحين يسألونى عن ما ذا يعنى التعبير، أشير إلى احتمال أنه أصبح مثل الشجرة التى يحبها ويجلس فى ظلها معظم الوقت، وكنت أذهب أحيانا أتأمل الشجرة، سواء كان جالسا تحتها أم لا، وأسأل نفسى هل هذه الشجرة لها هدف فى الحياة حتى تبقى حية، وأرد على نفسى أن نعم، لها، و..و لهُ. وأتوقف عند ذلك ولا أحاول أن أتمادى فى الإجابة، وإن كان يخطر لى أن يكون هدفها أن تظلل صديقها هذا، حتى أننى خفت أن تذبل وتموت بعد رحيل صديقى هذا وقد تجاوز السبعين.

تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ عن ذكاء النبات فى هذا الكتاب عن “التاريخ الطبيعى للذكاء”، ثم إنى عدلت عن العروج تفصيلا  إلى ذكاء النبات، فضلا عن أننى لم أعثر على الفقرة التى انتبهت إليها فى القراءة السابقة، والتى اشار فيها المؤلف إلى بعض أنواع الزهور التى تميز الحشرة الضارة لها فتنقبض أوراقها عليها، من الملمس العادى وما إلى ذلك!

الذى لفت نظرى أكثر هو ذكاء الجماد، مع التوسع طبعا فى مفهوم طيف الذكاء، وكيف أن التنسيق الذرى للمادة يمكن أن يكون نوعا من الذكاء، وأنه إذا اختل، ترتب عنه ما نعرف من آثار  هائلة مدمرة وغير ذلك حين نسمع عن تفتيت الذرة، الأمر الذى قد يكون تدخلا فى ذكائها الذى يحفظ عليها تماسكها

ما فائدة كل هذا فى موقفى من الذكاء الجمعى الذى أفضل أن أسميه “تخليق الوعى الجماعى”، والذى أرى أنه الأصل فى الحياة والعلاقات كما بينت الاسبوع الماضي، حين أشرت أيضا إلى كيف انه يختلف عن الذكاء الاجتماعى (نشرة 30-9-2013 والأصل فى الوحْداتِ أن تُجَمَّعا)، وقبل ذلك نبهت إلى اختلافه عما يسمى عقل الجماعة المرتبط بغريزة القطيع (نشرة 2-6-2013 ماذا يحدث بالضبط مما هو ضد “جماعة القطيع”؟) بشكل أو بآخر.

أعتبرت  كل هذا تمهيدا للنقلة التى ألمحت إليها أيضا بالنسبة لمسألتين جوهريتين سواء بالنسبة لممارستنا العلاج الجمعى فى ثقافتنا الخاصة، أو بالنسبة للنقلة من الوعى البين شخصى، إلى الوعى الجماعى، إلى الوعى الطبيعى، إلى الوعى الكونى، إلى وجه الله.

انطلاقا مما أشرت إليه الأسبوع الماضى من أن الأصل فى الوجود (وليس فقط فى الحياة) هو “التجمع فى نظام”، يسمح أو لا يسمح فى التفكك إلى وحداته، بنظام أيضا، ونادرا بغير نظام، لاحظت أثناء ممارستى العلاج الجمعى، ذلك تماما دون أن أنظّر له مسبقا، أو حتى أقرأ عنه، ورحت أتابع تكوين المجموعات العلاجية الواحدة تلو الأخرى، ثم انفضاضها، وطفقت ألاحظ أن ثم رباط غير مرئى يربط بيننا يحفظ علينا تماسك المجموعة من جهة، وقد يكون هو ما يستحق أن يسمى “العامل العلاجى” من جهة أخرى، ثم ربطت ذلك – كما ألمحت مرارا- بتخليق الوعى الجماعى المرتبط بشكل أو بآخر بالوعى الكونى ربما مرورا بالوعى الجماعى خارج المجموعة، وربما الوعى الاجتماعى.

رحت بعد ذلك ألاحظ ما يتردد فى ثقافتنا عن أن “الله هو الشافى” بالمعنى الإيجابى البسيط، وما أعرفه وما يصلنى من فعل الدعاء، وما أومن به وأمارسه من “اجتمعا عليه وافترقا عليه” فقدّرت أن هذا التجمع النظامى هو أعمق من، وأسبق عن، ما نعرفه عن ما هو حياة، وأيدنى فى ذلك ما ورد فى الكتاب الذى أناقش بعض ما جاء فيه عن “التاريخ الطبيعى للذكاء” فى حدود ما ورد من تحديث، بل تثوير لمفهوم الذكاء، واسترشدت ببعض العلاقات الطبيعية فى المادة مثل الرابطة التساهمية، ووصلنى شىء أشبه بتجمعنا فى دائرة بالذات فى العلاج الجمعى، الأمر الذى لاحظته فى كل الصور التى حصلت عليها مما تحت يدى من مراجع.

6-10-2013_1

“وقد سبق أن أشرت فى الأسبوع الماضى كيف أن الجماد فى صورة بلورة السكر مثلاً يبدى أيضا قدرة على معالجة المعلومات، فعندما توضع بلورة السكر فى محلول فوق مشبع، فإنها تمد المحلول بالمعلومات التى تؤدى لبدء تفاعل يؤدى إلى تنامى البلورة فيما يُعرف عامياً بالسكر البنات، …إلخ

ثم إننى من خلال رحلتى فى ملف الإدراك (من نشرة  10-1-2012)  إلى (نشرة 10-3-2013) وأيضا من خلال ألعاب عدم الفهم لعبة “دانا لما ما بافهمشى يمكن” ، وكذلك من خلال لعبة “أنا خايف أقول كلام من غير كلام لحسن” وغير ذلك تبين لى كيف أن هذه الحلقة الجماعية فى العلاج الجمعى تقوم بتنشيط مستويات الوعى المتعددة – كما ذكرنا- عند سائر أفراد المجموعة بدرجات متفاوتة تسهم كل بالقدر المتاح فى تكوين الوعى الجماعى الذى هو أكثر نشاطا وحركية نحو مستويات وعى تدركها ثقافتنا بلغة الدين الشعبى، والإيمان الفطرى بشكل أوضح وأرسخ من الدين المؤسسى، والإرشاد الدينى اللفظى.

من هنا خطر لى معنى جديد لتسبيح الجماد لله سبحانه وتعالى، والسماء والأرض، وما بينهما، والطير، وكل شىء، الأمر الذى لو استقبلناه – دون الحديث عن سبق أو إعجاز- باعتباره من أساسيات ذكاء المادة، وارتباطها بكل دورات وتشكيلات ونغمات تشكيلات ما حولها، تصعيدا إلى ما هو أعلى فأعلى حتى ما لا نعرف (الغيب)، إذن لأمكن أن تسعفنا فروض عاملة قد تفسر “العامل العلاجى” فى العلاج الجمعى، بما يتفق مع ثقافتنا من جهة وبما يتواصل مع دوائر التوازن الجمعى من أول ذرات المادة حتى مطلق الغيب من جهة أخرى مرورا بجماعات البشر.

رجعت إلى جارودى وانبهاره بدور “الجامع” فى الإسلام، وتصورت أنه التقط معنى الحث على صلاة الجماعة ، وفى المسجد بوجه خاص، كما حسبت أن هذا الانتظام المتواكب مع الإيقاع الحيوى الطبيعى، جنبا إلى جنب مع التلاقى البشرى الخلاق (دون وعظ لفظى مبالغ فيه أو ترهيب أو ترغيب) مع التأكيد على معنى أن يتوجه كل أصحاب هذا الدين إلى نفس البؤرة من كل أنحاء المعمورة العالم فى نفس التوقيت النسبى، تصورت أن كل ذلك يتسق مع هذه الحقائق التى وصلتنى من العلاج الجمعى دون تأكيد أو حماس أو مغالاة، لكننى لم أجد جارودى قد انتبه لذلك، برغم كل تقديره لدور المسجد على أكثر من مستوى.

ملحوظة

سبق أن ذكرت أنه بالرغم من وضوح الأسس الإدراكية لهذه الفروض التصاعدية هكذا، فإننى أتجنب فى جلسات العلاج الجمعى،  إلا نادرا، استعمال اللغة الدينة، اللهم إلا لفظ الجلالة أحيانا، وكثيرا ما أنبه أننى لا أعنى به ما يتبادر للذهن مما اعتدنا عليه، وإنما أربطه بحضوره فى الوعى “هنا والآن” ، ولا أستبعد أننى أنجح أحيانا، لا أعلم إلى أى مدى.

هل يكون هذا هو العامل العلاجى الذى نبحث عنه ؟

لا أدرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *