الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (67): والأصل فى الوحْداتِ أن تُجَمَّعا

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (67): والأصل فى الوحْداتِ أن تُجَمَّعا

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 30-9-2013

السنة السابعة

العدد:  2222

  الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (67)

والأصل فى الوحْداتِ أن تُجَمَّعا (1)

نبذة: استطرادة إلى ذكاء المادة والنبات والأحياء الأدنى حتى الذكاء الجمعى والذكاء الاجتماعى فى الإنسان، وعلاقة ذلك بالتطور والعلاج الجمعى.

مقدمة:

أثناء إعدادى للكلمة الافتتاحية فى ورشة العمل التى عقدتها الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية فى القاهرة بتاريخ 26 سبتمبر وقع فى يدى كتاب كنت قد بدأت فى قراءته منذ بضع سنوات عن “التاريخ الطبيعى للذكاء” (بعنوان أصلى يقول: ما بعد المعلومات) “Beyond Information” The Natural History of Intelligence وإذا بى أكتشف أننى خططت فى بعض صفحاته ما كنت أحتاجه الآن لدعم ما أقدمه فى سياق مفهوم الوعى الجمعى والإدراك، والتطور، ومن ثم العلاج الجمعى والإيمان والثورة جميعا. الكتاب من تأليف: توم ستونير  Tom Stonier (2)

ما همنى تقديمه فى سياق العلاج الجمعى هو اتساع تعريف الذكاء ليشمل الحيوان والنبات بل والجماد فلا يقتصر على الإنسان، وقد ربطت ذلك بما وصلنى من خبرتى فى العلاج الجمعى التى أكدت لى أن الأصل فى الحياة كلها من أول تركيب الذرة حتى غاية مطلق الكون إلى وجه الله هو ما يقابل ما يسميه ستونير “التطور الدينامى لما هو المادة/الطاقة/المعلومات” (3)، انتبهت وأنا أتابع الاحدث فالأحدث فيما كتب فى العلاج الجمعى مع ربطه بخبرتى التى انبثقت منها هذه الكتابات المتعلقة بثقافتنا أساسا إلى احتمال أن تكون هذه التجمعات الإنسانية الإيجابية، وإن انبثقت من ممارسة مهنية محدودة أن تكون دليلا على الإفاقة التى أحلم بها لتكوين الوعى العالمى الجديد فى مواجهة الاغتراب التنموى الكمى المتمادى (النظام العولمى الأمريكى الاسرائيلى الجديد).

نبهت فى كلمتى الافتتاحية لورشة العمل السالفة الذكر إلى عناصر أساسية لم تتح لى فرصة الكلام فيها بالتفصيل وإن كان قد ذكر بعضها فى نشرات هذا الكتاب  المتتالية وفضلت أن أخص نشرة اليوم لذكر أهم هذه العناصر مع إشارة توضيحية محدودة لكل منها ما أمكن ذلك.

أولاً: اتساع مدى تعريف الذكاء: استعمل الكاتب كلمة الذكاء استعمالا خاصا مفيدا جدا، وإن كان مثيرا للجدل، وقد أرجعنى هذا الاستعمال إلى كتاب “دانيال دينينب” “أنواع العقول” الذى سبق تقديمه هنا من قبل (نشرة 2-1-2008 أنواع العقول  – وإلغاء عقول الآخرين -الطريق إلى فهم الوعى) وكيف أنه استعمل كلمة العقل ليفيد بها: منظومة البرامج البيولوجية التى تحافظ على بقاء أى نوع من الأحياء من الفيروس حتى الإنسان، وهو ما يقابل ما استعمله أنا مرة باسم “برامج البقاء” وأخرى باسم “مستويات الوعى”، يقول ستونير فى كتابه التاريخ الطبيعى للذكاء ما يلى:

“تنزع القواميس إلى تعريف الذكاء بأنه “المقدرة على الفهم، والقدرة على الاستيعاب وإدراك مغزى الأفعال أو أحد التواصلات” وندرِّس نحن لطلبة الطب “أن الذكاء هو القدرة على التقاط العلاقات الأساسية” فنلاحظ أن هذا أو ذاك لا يصف إلا نوعا واحد من العمليات العقلية المعرفية الهادفة، وأن كثيرا من العمليات التى نقوم بها بل وتقوم بها الأحياء الأدنى توصف بالذكاء دون أن تتوفر لها تحديدا هذه المواصفات السالفة الذكر، وينتهى مؤلف الكتاب إلى تعريف خاص يتفق مع تخصصه فى المعلوماتية والتطور معا فيقول: “إن الذكاء يعتبر خاصة لنظم المعلومات، وبما أن المعلومات هى خاصة فيزيقية أساسية …، فبمثل ذلك يكون الذكاء نتاجا لتطور نظم المعلومات”، وبالتالى “فإن الذكاء لا يمكن التأكد من أمره إلا بملاحظة “ديناميات النظام أو سلوكه”، ثم يقول: “.. عندما تكون البيئة متغيرة يحتاج الأمر إلى الذكاء للإبقاء على سلامة النظام استجابة للمؤثرات، والاستجابة الذكية قد ينتج عنها أحد الحالات التالية: (1) أن يعزز النظام قدرته على البقاء (2) أن يعزز النظام قدرته على التكاثر (3) إذا كان النظام موجها بالأهداف فإنه يعزز من إنجاز الهدف، وهكذا يتسع مفهوم الذكاء ليشمل كل نظام معلوماتى هادف.

وعلى هذا الأساس سمحت لنفسى أن أربط برامج البقاء بهذا التعريف الأوسع للذكاء

ثانياً: ذكاء “الجماد”: سمح اتساع مفهوم الذكاء السالف الذكر أن تمتد صفة الذكاء إلى ذكاء الجماد، وكان ابسط توضيح لذلك هو ما جاء فى الكتاب ليثبت ذكاء بللورات السكر، حيث ورد بالنص:

“فالجماد فى صورة بلورة السكر مثلاً يبدى أيضا قدرة على معالجة المعلومات، فعندما توضع بلورة السكر فى محلول فوق مشبع، فإنها تمد المحلول بالمعلومات التى تؤدى لبدء تفاعل يؤدى إلى تنامى البلورة فيما يُعرف عامياً بالسكر البنات، والمعلومات هكذا صفة فيزيقية أساسية فى كل النظم الكونية، والذكاء ليس إلا نتيجة لتطور نظم المعلومات هذه، والذكاء – بهذا المفهوم الموسع – يمتد فى طيف متصل من الظواهر تبدأ فى أدنى الدرجات بظواهر ما يشبه الذكاء البدائى فى الجماد، ثم ما هو أرقى من ذلك فى النبات، فالحيوانات البدائية، ثم الحيوانات الراقية، لنصل إلى أرقى الدرجات فى ذكاء البشر كأفراد وكمجتمعات.

ثالثاً: علاقة هذه النزعة الطبيعية للتجمع المنظم بالعلاج الجمعى: بلغنى من واقع الممارسة أن ما يجرى فى العلاج الجمعى (وفى أى تجمع إيجابى بشرى بقائى، إيمانى أو حضارى إبداعى)، هو الأصل وهو الأقرب إلى الطبيعة الأصلية لنظام الكون كما خلقه الله. (أنظر غدًا)

رابعاً: إن التجمعات حتى فى نظام هادف ليست إيجابية على طول الخط، وإلا لما انقرض هذا العدد الهائل من الأحياء 999 من كل ألف.

خامساً: إنه بقدر ما يحتاج التجمع الإيجابى البشرى إلى تفاعل مستويات متعددة من الوعى معا – كما يحدث فى العلاج الجمعى – يقتصر التجمع السلبى على المستوى السطحى الظاهر أو المستوى البدائى الخائف، كما يحدث فى مظاهرات الفوضى والتخريب.

سادساً: إن اللعب فى الوعى بالتحريك المغرض (غسيل المخ) فى تجمعٍ ما على مستوى واحد من الوعى أسهل وأسرع كثيرا فى تحقيق التهييج والإثارة والفوضى، فى حين يستعصى مثل هذا الأمر إذا كان التجمع يجرى على مستويات متعددة من مستويات الوعى، يتخلق منها الوعى الجمعى، هنا يصعب إعادة توجيه أو إجهاض أو إحباط مثل هذا التجمع الإيجابى الهادف إلى تحقيق أهداف الطبيعة الأصلية.

سابعاً: إن التجمع بتنشيط مستويات الوعى المتعددة يتم على مستوى حركية المعلومات بالمعنى الأشمل للمعلومات أكثر مما يتحقق على مستوى الاقتناع بالمعنى الظاهر، ويمكن الإقرار أن تجمع المعلومات هو أصلب وأبقى، أما تجمع الأفكار والأيديولوجيات فهو أضعف وأهوى.

ثامناً: فى حين ينجح أو يفشل الذكاء الجماعى، فيما دون الإنسان حسب صراعات البقاء غير المدركة على مستوى الدراية أى التى تقتصر على البرمجة الوراثية، فإنه يضاف إليه فى حالة الإنسان فى التجمعات الإيجابية – والعلاج الجمعى – كمثال: “تبادل الفهم” و”المواجدة” (التقمص العاطفى Empathy).

تاسعاً: إن ما يسمى “الذكاء الجماعى” غير ما يسمى “الذكاء الاجتماعى” فالأول مرتبط بالتطور والبقاء وتخليق الوعى الجمعى إيجابيا، وأيضا هو فى ناحية مرتبط بغريزة القطيع سواء لحفظ الحياة والنوع أو نحو الهلاك الجماعى، أما الثانى – الذكاء الاجتماعى – فهو مرتبط بالسلوك التكيفى الظاهر بين البشر، وهو أقرب إلى ما يسمى حديثا “ذكاء العاطفة أو الذكاء الوجدانى Emotional Intelligence وفى العلاج الجمعى يتخلق ويتنامى الذكاء الجمعى الإيجابى وهو أهم وأكثر فاعلية من الذكاء الاجتماعى الذى قد يمارس أكثر فى نوع العلاج السلوكى المعرفى، ومنه نوع من العلاج الجمعى أيضا.

عاشراً: يتخلق الذكاء الجماعى الإيجابى (الوعى الجمعى) بالتواصل البينشخصى والجماعى بدرجات متناهية الصغر لكنها قادرة على التراكم فالتوليف فالتخلق فى كيان ضامّ فاعل، كما أن التغيرات الحادثة قد تتم أيضا فى وحدات زمنية متناهية الصغر لا يمكن رصدها عادة فى حينها.

وبعد:

أتوقف هنا اليوم لأواصل الأسبوع القادم ملمحا محدودا من ذكاء النبات، لأنتقل بعد ذلك إلى علاقة أغلب ذلك بثقافتنا الإيمانية والإسلام كمثال من حيث تمحوره حول التوحيد فى حركية ضامة إلى وجه الله، وأيضا حول “المسجد” بوجه خاص، كما التقطها جارودى بحدسه ووعيه معا.

[1] – البيت الأصلى هو عن تقديم المبتدأ عن الخبر فى ألفية ابن مالك يقول:

والأصل فى الأخبار أن تؤخَّرَا     وجوَّزوا التقديم إذ لا ضررا

وكان والدى يداعبنى ويحكى لى على لسان الطلبة المجاورين زملائه قولهم:

 والأصل فى الأخباز أن تقمّرا      وجوزّوا “التلدين” إذ لا ضررا

فجاءنى أن أحذو حذوهم قائلا:

والأصل فى الوحْدات أن تُجمَّعَا    وجوزّوا التفكيك ما دُمْنَا معاَ

[2] – وهو عالم بيولوجيا وفيلسوف ومؤلف مهم فى “المعلوماتية” وقد قام بترجمته الصديق: د. مصطفى فهمى إبراهيم، وصدر فى سلسلة المشروع القومى للترجمة 2001.

[3] – Dynamic evolution of the / energy /power/ information

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *