الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (100) أن تكون “ذاتك” معه، معهم! وبهم (1 من 2)

الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (100) أن تكون “ذاتك” معه، معهم! وبهم (1 من 2)

 

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 26-1-2014

السنة السابعة

العدد: 2340   

 

 الكتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (100)

أن تكون “ذاتك” معه، معهم! وبهم (1 من 2)

مقدمة:

‏هذه اللوحة مستوحاة من حالة استلهمها خيالى من حالة قريبة منى جدا، لم أسمح للخيال أن يقترب من حقيقتها الطيبة، إلا بعد أن أخفيت معالمها.

هو شخص‏ ‏ذو‏ ‏طبع‏ ‏صامت‏ ‏هادئ، يوحى بالطمأنينة لكل من يقترب منه، أو يسأله، أو يستنصحه، أو يستعين به، ‏كان من البديهى‏  ‏أن‏ ‏أشارك‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏لشدة‏ ‏حاجتى. . ‏للطمأنينة‏، والدعم، والتصديق، بل والاعتماد، ‏أحسست‏ ‏أن‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏ظلم‏ ‏له‏، ‏فمعنى ‏أن‏ ‏يطمئن‏ ‏الجميع له ‏بهذه‏ ‏الدرجة‏ ‏وبهذا‏ ‏الإجماع‏ ‏أنه‏ ‏لن يأخذ حقه بدوره فى مثل ذلك، وقد ينوء بحمله، أو تتعثر خطاه، المعنى الأصعب هو أن يستمد هو معنى وجوده من هذه الطمأنينة إليه، والاعتماد عليه، فتتوقف خطى نموه شخصيا.

فى ‏العلاج‏ ‏النفسى‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏المعالج‏ ‏على ‏وعى ‏كامل‏ ‏باعتماده‏ ‏على ‏مرضاه‏..، أو بتعبير أدق باعتماده على اعتماد مرضاه عليه.

وفى ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏الجمعى ‏خاصة‏ ‏قد‏ ‏يظهر‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏ المغرى بالاعتماد عليه من بين المرضى، ‏فيقوم‏ ‏بهذا‏ ‏الدور‏ ‏المطمْئِن‏ طول الوقت (على العمال على البطال). . ‏فيعوق‏ مسيرة ‏اعتماد‏ ‏الآخرين‏ ‏على ‏أنفسهم‏ ‏بشكل‏ ‏ما‏. . ويستمد وجوده – على حساب نموه – من ذلك الاعتماد الذى يلعب فيه بشكل غير مباشر دور المعالج Playing Psychiatry ‏.‏

‏ينبغى ‏أن‏ ‏نفرق‏ ‏بين‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏مستويات‏ ‏الوجود‏ ‏البشرى ‏للفرد‏ ‏بعيدة‏ ‏عن‏ ‏بعضها‏، ‏من‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏متصارعة‏ ‏مع‏ ‏بعضها‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏متصادمة‏ ‏مع‏ ‏بعضها‏. .

وعلى الجانب الآخر أن تكون: ‏.. ‏متعاونة‏ ‏مع‏ ‏بعضها‏ ‏أو متفقة ساكنة مع بعضها أو ‏ ‏متكاملة‏ ‏فى ‏بعضها‏.‏

فى هذا التشكيل نحن أمام أول صفة : أن تكون بعيدة عن بعضها.

 وصلنى أن هذا البعد الذى بدا لى أكبر من تصور الجميع (ومن هنا ثقتهم واعتماديتهم) هو نتيجة لتنامى قشرة صلبة اضطر صاحبها لتقويتها بكل ما أوتى من صبر وعناد، وقد رجحتُ ‏أن‏ ‏ظروف الواقع طوليا قد اضطرته أن ينمى هذه القشرة لمواجهة العالم الخارجى القاسى المتحفز من البداية، هذا الاضطرار هو مشروع من حيث المبدأ، شريطة أن يكون مرحليا، أما إذا كان نهائيا وثابتا حتى تطغى هذه القشرة ‏على‏ ‏حاجاته‏ ‏الفطرية‏ ‏وحقه‏ ‏فى ‏الضعف‏ ‏والأخذ‏. . ‏فإن الأمر يصبح تقزيما وإعاقة دائمة معجزة.

أن يبتعد بعضنا (مستوى من مستويات وجودنا) عن بعضنا (مستوى آخر) هو مقبول لو كان مرحلة ضرورية لها عمرها الافتراضى، ثم تنبعث الحركة وتتغير المسافات باستمرار.

فى العلاج النفسى كثيرا ما نواجَه بهذه القشرة وقد تجمدت لدرجة تكاد تعلن أن التوقف دائم وأنه لا سبيل إلى التعتعة للتقريب بين المتباعدين، وعلينا أن نحترم ذلك، ونعطى الفرصة الكافية من الزمن والإصرار، ونحن حريصون كل الحرص ألا ننخدع بحركة زائفة، أو عقلنة تعلن الحاجة إلى الحركة، لكنها لا تؤدى إلا إلى مظهر الحركة دون حركة، بمعنى الحركة الزائفة (أو المغلقة فى المحل) بشكل أو بآخر.

فى اضطراب الشخصية، وفى العصاب المزمن، وفى فرط العادية Hyper-normality نقابل هذا الابتعاد ويحتاج الأمر إلى ما ذكرنا.

فى المرض الجسيم تتشقق هذه القشرة وتنفلت منها فقاعات طاقة عشوائية، أو تتكسر تماما، ويحدث التناثر.

وقد يتم التفاهم أو التعاون بالتناوب بين المستويين (وأى مستويين أو أكثر) مما يتفق مع قانون جيد هو أساس جوهرى فى تفكيرى، ألا وهو الإيقاع الحيوى، ويحدث هذا التناوب بطريقة منظمة أظهرها التناوب بين النوم واليقظة، وبين الحلم واللاحلم أثناء النوم، وكذلك التناوب‏ ‏بين‏ ‏العمل‏ ‏والراحة‏، ‏بين‏ ‏المنطق‏ ‏الأرسطى‏ ‏والانطلاق‏ ‏الجدلى المتكاتف‏، ولكن هذا التناوب يكون صحيا وصحيحا إذا لم يتم فى دائرة مغلقة‏، وهو يصبح ضابط إيقاع التكامل حين تنتهى كل دورة أعلى من موقعها بأى قدر حتى لو لم يكن النمو ملموسا حالا.

هذا هو ما نأمل أن نوضحه فى مسيرة كل من العلاج النفسى، والنمو، فما العلاج النفسى إلا موجز مهنى مبرمج يتوجه نحو إطلاق سراح الطبيعة فى نبضها النامى، المفروض أن العلاقة بين هذين المستويين تنقلب بفضل هذا النبض الحيوى إلى تناقض تأليفى حيوى نابض، ‏فيصبح‏ ‏عمل‏ ‏القشرة‏ ‏ ‏فى ‏ذاته‏ ‏إثراءا‏ ‏للجوهر‏ ‏الأعمق‏، ‏ويصبح الجوهر الأعمق هو الطاقة المختزنة القادرة على خلخلة جمود القشرة، ومن ثم تهيئة مسامية سامحة منضبطة فى نفس الوقت، ‏ولا‏ ‏يتم‏ ‏هذا‏ ‏التكامل‏ ‏إلا‏ ‏بحوار‏ ‏تطورى ‏يؤلف‏ ‏بين‏ ‏الأضداد‏ دون تسوية حْلوسَطِيّةْ.

حاولت أن أرصد مثل هذا النبض بطريقة تطمئننى إليه مثل سائر المتطمئنين، فعجزت، وكثيرا ما عزوت هذا العجز لطمعى فى تحريكه، ربما لنفسى، أكثر مما ينبغى، أو يستطيع.

‏‏البعد‏ ‏ ‏بين‏ ‏أجزاء‏ ‏صاحبنا‏ ‏(أصله بعيد عن بعضه قوى) لم يصلنى فى شكل الصراع أو التصادم، وإنما حضرتنى صيغة أكثر عدلا، فأسميته “‏تصالح‏ ‏مؤجَّل“، وقد‏ ‏كان‏ ‏علىّ ‏أن‏ ‏أرصد‏ ‏محاولات‏ ‏اقتراب‏ ‏صاحبنا‏ ‏هذا‏ ‏من‏ ‏بعضه‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏أسمح‏ ‏لنفسى ‏بالتفاؤل‏ ‏باستمرار‏ ‏مسيرة‏ ‏التكامل‏.

فى العلاج النفسى، لا بد من هذا الإصرار على رصد أية بارقة حركة مهما ضؤلت أو خفت صوتها، إن أى تراخ يبعد بنا عن صلابة التفاؤل من خلال احترامنا المطلق للطبيعة البشرية هو ضد ما هو علاج نمائى حقيقى، الأمر الذى أصر على ترادفه بأنه ضد “خلقة ربنا”. ‏

‏‏ولأن‏ ‏هذا‏ ‏البعد‏ ‏بين‏ ‏أجزاء صاحبنا‏ ‏ليس‏ ‏صراعا‏ ‏أو‏ ‏تصادما‏. . ‏فإنه‏ ‏كان‏ ‏كثير‏ ‏الصمت‏، ‏حاد‏ ‏الانتباه‏..، ‏حاذق‏ ‏الحسابات‏..، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏كله‏ ‏كان‏ ‏مدعاة‏ ‏لتساؤلى ‏وانتظارى ‏للمفاجآت‏.‏

‏كان‏ ‏هذا‏ ‏الوجود‏ ‏الخاص‏ ‏المتباعد‏ عن بعضه ‏إلى هذه الدرجة – من وجهة نظرى- ‏ ‏يعلن العجز عن التعبير عن‏ ‏الخبرة‏ ‏الداخلية‏ أو ‏معايشتها إلا بتفجرات تكاد تصل إلى ما يشبه التشنج أحيانا، كانت أحيانا تفجرات ضاحكة، وأحيانا انقضاضات صاعقة، يتبادل ذلك مع صمت دفاعى ممتد، وكانه قَلَبَ النبض الحيوى المتبادل إلى نبض أخر (فى المحل غالبا) بين طورين بديلين هما: الانقضاض الصارخ، والانسحاب الصامت. صمته هذا كان يصل إلى الأغلبية على أنه حكمة هادئة، فى حين أننى كنت أشعر وراءه بمزيج من خوفه الذى قد يصل إلى الجبن، واحتمال التأجيل الذى يدل على متانة الأمل فى الخطوة الواثقة التالية، فأطمئن إلى التفسير الأخير، لكن لا يستمر هذا الاطمئنان طويلا.

فى العلاج النفسى، لا ينبغى أن يسمح المعالج لنفسه بالاستقرار فى مرحلة معينة أكثر من اللازم، إن مايصلنا من معلومات نبنى عليها رأينها فى مرحلة ما، هو مجرد فرض قابل للاختبار باستمرار على طول مسيرة العلاج المتغير أبدا:

الاقتراب من هذا التركيب المتباعد عن بعضه البعض، الصلب القشرة، الواعد بتفاؤل هادئ عنيد، المهدد بتفجر صاخب خطر، ينبغى أن يتم بمنتهى الحذر حتى لا يتفجر منك بغير احتمال رأب الصدع، وهنا تصبح الحسبة مع مثل هذا التركيب من أصعب ما يمكن، لكن لا مفر من المحاولة، كنت كلما اقتربت منه بأمل أن يطمئن هذا الذى يطمئن إليه الجميع فيحرمونه من حقه فى الطمأنينة بدوره، كان يقابلنى بمقاومة لا حدود لها، تظهر فى اعتراضات غاضبة، أو انفجارات صاخبة، أو عشوائية خائبة، وكل ذلك لا يسمح بأى تمهيد للسبيل إلى تواصل مهما بدت المحاولات جادة من الجانبين.

فى العلاج الجمعى خاصة يكون الأمر شديد الصعوبة، وبالتالى فإن الحذر وضبط الجرعة هو من أهم أسلحة التعامل مع مثل هذا التركيب، وقد كنت‏ ‏أخشى ‏طول الوقت ‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏الصمت‏ ‏والحكمة‏ ‏المبكرة‏ ‏هو‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏التبلد‏ الدفاعى ‏الخادع الذى يبدو كأنه الحكمة، وهو ليس سوى الحذر من الاقتراب.

‏اقتحام هذا التركيب بالتلويح بالعطاء، والطمأنة، والاقتراب الواعد، يقابل عادة بالرفض، والتأجيل، والثقة بالقدرة على الاعتماد على النفس، دون حاجة لأى عون خارجى، وبرفض عنيف لأية مبادرة بالعطاء مهما كانت جادة وأصيلة: ‏

لا ينبغى أن تؤخذ هذه الدرجة من المقاومة على أنها علامة سلبية تحول دون استمرار العملية العلاجية الآملة فى إزالة عرقلة حركية النمو، إن المبالغة فى الحرص على الاستقلال، وعلى تفضيل البدء من داخله دون اعتمادية ‏(‏أنا‏ ‏حا‏ ‏تصنفر‏ ‏من‏ ‏جوه‏)‏، قد تثبت فى النهاية أنها طريق أضمن تجنبا للتقليد أو الاعتمادية أو التبعية.

فى ‏العلاج‏ ‏النفسى الجمعى خاصة تصعب تماما التفرقة بين هذا العناد الاعتزازى الصريح الواعد بانطلاق مستقل منضم إلى التوجه المشترك المحيط، وبين العناد المغرور المعتز بذاته على حساب أية علاقة حقيقية فيها تهديد لما استقرت عليه صورة الذات بما يشمل الثقة المفرطة التى تصل إلى الغرور،

دعونا نتعرف بأمانة على هذه الصعوبة الجديدة من شخص له كل هذا الحضور الواعد الإيجابى ظاهرا، ومع ذلك هو يمارس كل هذه المقاومة بكل هذا العناد الذى قد يتمادى حتى ‏يحمّل‏ ‏صاحبه‏ ‏ما‏ ‏لا‏ ‏طاقة‏ ‏له‏ ‏به‏، مما قد يوقفه فى النهاية.‏

هذا بعض ما حيرنى طول الوقت وأنا أصر على ترجيح إيجابية محاولته (يتهيأ لى الهو بيصغر، ويقرب حبه من نفسه، ويقرب بعضه على بعضه)

‏ ‏ ‏طريق‏ ‏العلاج‏ ‏الصحيح‏ (‏والنمو‏..مهما كررنا) ‏هو‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏المسيرة‏ ‏صحبة‏ ‏إيجابية‏، ‏صحبة تسمح “بالانفراد” بقدر ما تمارس احترام المسافة والاختلاف، وفى نفس الوقت تكون حاضرة جاهزة لرفض الانسحاب مهما بلغ الخوف من الاعتماد والتبعية، لا أريد أن أكرر تعبير “أن تكون وحدك معto be alone with بشكل يفقده أهميته، دعونا نستعمل تعبير “أن تكون نفسك معهم وبهم” بدلا من أن “تكون وحدك مع” ونترجمه بالمرة حتى لا يزعل أحد To be yourself along with = them

‏ ‏الإنسان‏ (‏مريضا‏ ‏أو‏ ‏متطورا‏) ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏رفيق‏ ‏سلاح‏. . ‏ولا‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏محفة‏ ‏نقل، ولا إلى مخبأ مصفحة، وهكذا، هكذا فقط يمكن أن تقرب أبعاضنا من بعضها، مهما بلغت المشقة وتضاعف للجهد.

‏فى ‏النهاية‏ -‏كما‏ ‏هو‏ ‏فى ‏البداية‏- ‏فإن‏ ‏الضمان‏ ‏الأوحد‏ ‏ ‏طول‏ ‏الطريق‏ ‏هو الاستمرار بجدية الكدح المثابر، ‏أما‏ ‏تبادل‏ ‏الطمأنينة‏ مؤقتا ‏فهو‏ ‏دور‏ ‏محدود‏ لكنه لازم أيضا لخدمة عاجلة، وقد يكون مقبولا لفترة، ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يقوم‏ ‏مقام‏ ‘‏جهاد‏ ‏البقاء‏’ ‏وهو‏ ‏الجهاد‏ ‏الأكبر‏.‏

‏مواصلة‏ ‏السير‏، ‏مع‏ ‏الائنناس‏ ‏بأن‏ ‏هناك‏ ‏من‏ ‏يقوم‏ ‏بنفس‏ ‏المحاولة‏.. ‏لنفس‏ ‏الهدف‏ ‏العام‏ ‏هو‏ ‏السبيل‏ ‏الوحيد‏ ‏للطمأنينة‏ ‏والأمان‏. ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏النمو‏.‏

وهكذا تصبح كل صعوبة هى بعث لأمل واقعى جديد.

وغدًا نعرض المتن شعرا دون تشويه بالشرح الذى آمل أن ينكره أو يعود إليه من يشاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *