الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الفصل الرابع: اضطرابات الوظائف المعرفية‏ الأخرى (10) اضطرابات الذكاء

الفصل الرابع: اضطرابات الوظائف المعرفية‏ الأخرى (10) اضطرابات الذكاء

نشرة “الإنسان والتطور”

 الأثنين: 23-6-2014

السنة السابعة

العدد:  2488

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسية

الفصل الرابع: اضطرابات الوظائف المعرفية‏ الأخرى (10) 

اضطرابات الذكاء

استهلال باستدراك عن اللغة وحيرة التعريف:

بعد كل محاولات تعريف الذكاء  أو التعرف على ماهيته، ثم الحيرة أمام تعدد أنواعه، ثم الخلط بينه وبين سمات الشخصية، وأيضا بينه وبين عديد من الصفات والقيم النفسية الإيجابة، ثم محاولة تعميم وظائفه حتى أغارت ليس فقط على القدرات المعرفية الأخرى، بل على معظم الوظائف النفسية، بعد كل ذلك كيف يمكن الانتقال إلى ما يسمى اضطرابات الذكاء مثلما اعتدنا مع سائر الوظائف؟

حيرتى هذه ليست جديدة، ففى كتاب متواضع قديم سجلتها بدءا من إشكالة التعريف اللغوية،وأعلنتها صريحة، وإليكم بعض مقتطفات ما جاء فى هذا الكتاب الباكر باسم “مبادىء الأمراض النفسية” الصادر سنة 1977 بالاشتراك مع المرحوم أ.د. عمر شاهين، حيث وجدت أنها يمكن  أن تضيف مزيدا من التفاصيل التى قد تصلح لفضّ التداخل (أو لا تصلح).

محاولة تعرف من مدخل اللغة العربية:

…المعاجم‏ ‏اللغوية‏ – ‏لاسيما‏ ‏العربية‏ – ‏مليئة‏ ‏بالهرب‏ ‏من‏ ‏التعريف، ‏فنجد‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏المعاجم‏ ‏يعرف‏ ‏الكلمة‏ ‏باستعمالها‏ ‏فى ‏جملة‏ ‏مفيدة‏ ‏ولا‏ ‏يزيد‏، أو بالإشارة إلى ضدها.

بالبحث عن مادة “ذ ك ى” نجد‏ أن ‏الزمخشرى ‏فى ‏أساس‏ ‏البلاغة‏ ‏يقول‏ ‏فى ‏هذه المادة ‏ذ‏ ‏ك‏ ‏ى: ‏أذكيت‏ ‏النار‏ ‏وذكيتها‏ ‏وذكت‏، ‏وهكذا‏ ‏ارتبط‏ ‏الذكاء‏ – ‏لغة‏ – ‏بالتوقد‏ ‏والتوهج، ‏فإذا‏ ‏بحثنا‏ عن ‏معنى ‏الفطنة‏ ‏فى نفس المصدر وجدناه‏ ‏يقرنها‏ ‏بالمعرفة‏ ‏والانتباه‏ ‏فيقول‏ ‏ف‏ ‏ط‏ ‏ن‏: ‏مررت‏ ‏به‏ ‏فما‏ ‏فطن‏ ‏لى، ‏أما‏ ‏الفيروزبادى ‏فيقول‏ ‏عن‏ ‏الفِطنة‏ ‏:‏ ‏الحذق‏ (‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏معنى ‏الذكاء‏ ‏الذى ‏يتداوله‏ ‏العامة فى مصر‏ ‏بعد‏ ‏قلب‏ ‏الذال‏ ‏دالا‏ ‏فيقولون‏ ‏فلان‏ ‏حـِدِقْ، ‏ومنه‏ ‏الحداقة‏) ‏ثم‏ ‏يقول‏ ‏الفيروزبادى ‏والتفطين، ‏التفهيم‏ . . . ‏

ومن‏ ‏معانى ‏الذكاء‏: ‏السطوع‏ ‏والشدة‏ ‏واللمعان، فالألمعى: ‏الألمعى ‏الذ‏‏ي يظن‏ ‏بك‏ ‏الظن‏ ‏كأنْ‏ ‏قد‏ ‏رأى ‏وقد‏ ‏سمِعَا

وقد‏ ‏حاولوا‏ ‏تعريف‏ ‏الذكاء‏ ‏بالمقارنة‏ ‏بينه‏ ‏وبين‏ ‏عكسه‏ – ‏فهو‏ ‏ضد‏ ‏البلادة‏  ‏فيقال‏ . ‏ذكـُوَ‏ ‏بعد‏ ‏بلادة‏ .‏

عودة إلى تعريفات علم النفس:

فى ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏اختلفوا ‏‏على ‏معنى ‏الذكاء‏ ‏أيما‏ ‏اختلاف كما ذكرنا، ‏وبالإضافة إلى ما سبق ذكره نورد ما يلى:

 ‏ ‏الذكاء‏ ‏هو‏ ‏قدرة‏ ‏العقل‏ ‏على ‏استنباط‏ ‏العلاقات‏ ‏الأساسية (كما ذكرنا)

و‏‏هو‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏مواجهة‏ ‏المواقف‏ ‏الجديدة‏ ‏بنجاح‏، وكذلك القدرة على ‏تعلم‏ ‏ذلك‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏التكيف‏ ‏لاستجابات‏ ‏جديدة‏ ‏(Drever دريفر)

أما‏ ‏بيرت‏ Burt ‏فقد‏ ‏عرفه‏ ‏بأنه‏ ‏القدرة‏ ‏المعرفية‏ ‏الفطرية‏ ‏العامة‏

‏وعرفه‏ ‏وكلسر‏ Wechsler ‏بأنه‏ ‏القدرة‏ ‏الشاملة‏ ‏على ‏العمل‏ ‏ببعد‏ ‏نظر‏ ‏واستنباط‏ ‏العلاقات‏ ‏والمعاملة‏ ‏الناجحة‏ ‏مع‏ ‏البيئة‏

‏أما‏ ‏جرين‏ Green ‏فقد‏ ‏عرفه‏ ‏بأنه‏ ‏قدرة‏ ‏الفرد‏ ‏على ‏التعلم‏ ‏ومدى ‏مرونته‏, ‏كما‏ ‏عرفه‏ ‏كذلك‏ ‏بأنه‏ ‏القدرة‏ ‏الفطرية‏ ‏لاكتساب‏ ‏مهارات‏ ‏‏في مجال‏ ‏التفكير‏ ‏التجريدى

‏أما‏ ‏وودورث‏ Woodworth ‏فقد‏ ‏عرفه‏ ‏بأنه‏ ‏مقابلة‏ ‏المواقف‏ ‏الجديدة‏ ‏باستعمال‏ ‏خبراتنا‏ ‏السابقة،

‏وأما‏ ‏هندرسن‏ ‏وجلسبى Henderson & Gelipsy (‏طبيبان‏ ‏نفسيان‏) ‏فقد‏ ‏عرفاه‏ ‏بأنه‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏إستخلاص‏ ‏المحسوسات‏ ‏والمدركات‏ ‏وإتقان‏ ‏توفيقهما‏ ‏مما‏ ‏يؤدى ‏إلى ‏السلوك‏ ‏التكيفى, ‏وأنه‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏الإستفادة‏ ‏من‏ ‏الخبرة‏ ‏السابقة‏ ‏والعمل‏ ‏ببعد‏ ‏نظر‏ ‏ ‏وتبصر(1) .‏

وهكذا‏ ‏تعددت‏ ‏التعريفات‏ ‏واختلطت‏ ‏حتى ‏قال‏ ‏وودورث‏ ‏أن‏ ‏الذكاء‏ ‏ليس‏ ‏شيئا‏ ‏يمتلك‏ ‏منه‏ ‏الفرد‏ ‏الكثير‏ ‏أو‏ ‏القليل‏ ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏طريقة‏ ‏السلوك‏ ‏وقد‏ ‏أورد‏ ‏وكلسر‏ ‏هذه‏ ‏المشكلة‏ ‏وتعجب‏ ‏لها‏ ‏حتى ‏استشهد‏ – ‏ساخرا‏ – ‏بقول‏ ‏أحد‏ ‏علماء‏ ‏النفس‏ ‏حين‏ ‏سئل‏ ‏عن‏ ‏الذكاء‏ ‏أنه‏ ‏الشئ ‏الذى ‏يقاس‏ ‏باختبارات‏ ‏الذكاء‏، ‏الأمر‏ ‏الذى ‏شكك‏ ‏أيزينك‏ Eysenck ‏فى ‏طبيعته‏ ‏حين‏ ‏أجاب‏ ‏عن‏ ‏ما‏ ‏تقيسه‏ ‏إختبارات‏ ‏الذكاء‏ ‏بأنها‏: ‏إنما‏ ‏تقيس‏ ‏نتائجها‏ ‏فحسب‏.‏

وقد انتهينا إلى العريف الذى أوردته فى بداية هذا الفصل فى حوارى مع الطالب الذكى‏ وهو:

 ‏الذكاء‏ ‏هو‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏التعلم، ‏والاستفادة‏ ‏من‏ ‏الخبرات‏ ‏السابقة، ‏وهو‏ ‏يشمل‏ ‏استنباط‏ ‏العلاقات‏ ‏وبعد‏ ‏النظر

أذكر الآن مداعبات مع أ.د. عمر شاهين (المولف المشارك) ونحن نحاول الهرب من التعريف حين اقترحت طريقة للهرب أن ننهج نهج الشاعر الظريف الذى قال :

ﺍﻷﺭﺽُ ﺃﺭﺽٌ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﺀُ ﺳﻤﺎﺀُ  ….. ﻭﺍﻟﻤﺎﺀُ ﻣﺎﺀٌ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀُ ﻫﻮﺍﺀ
ﻭﺍﻟﻤﺴﻚ ﻋﻄﺮُ ُ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻣﺤﺒﺐ …. ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺃﺷﻴﺎﺀُ
ﻛﻞ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﻣﺬﻛﺮ.ُ…..ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻓﻜﻠﻬﻦ ﻧﺴﺎﺀ

فقلت: على منواله نقول:

والفطنة اللمعاء يبرق نورها     والفهم فهمٌ والذكاء ذكاء

والألمعىّ يظنّ: يصدقُ حدسُهً     وذوى البلادةِ كلهم بـُلهاء

كل القياس على العموم مخلخل   والحذق حذق والغباء غباءُ

فضحك أ.د. عمر واستظرف الفكرة، وعقب أنها تساير القول العربى السائر، “وفسّرالماء بعد الجهد بالماء”، لكنه فى النهاية  رفض أن نثبت ذلك فى المتن، بل وفى الهامش أيضا، وقبلتُ، فقد كان  أعلم بأمور دنيانا.

اضطرابات الذكاء وقصوره وتدهوره

تمهيد:

بعد كل هذه المناقشات فى محاولة تحديد ما هو الذكاء، كيف بالله عليكم يمكن الحديث عن اضطراب ظاهرة أو وظيفة لم نتفق تماما على حدودها وطبيعتها؟ ومع ذلك فإن الممارسة الإكلينيكية كثيرا ما تعلن أن التعرف على ذكاء المريض جنبا إلى جنب مع طبيعة مرضه الحادث هو عامل شديد الأهمية فى العلاج، فنحن قد نستغل ذكاءه فى علاقتنا التأهيلية معه لصالحه، وبعض المرضى قد يستغلون ذكاءهم فى الاستهانة بالمعالج والتهرب من التزامات العلاج.

وعادة ما يسير تقييم الذكاء جنبا إلى جنب مع أى تشخيص آخر، إلا أننا فى هذا الجزء بالذات سوف نقصر الحديث نقص القدرة على الربط بين العلاقات الأساسية سواء من البداية وهو ما يقع تحت ما يسمى “قصور الذكاء” أو ” التأخر العقلى”، أو بعد اكتمالها وهو ما يقع فيما يسمى “العته”

أولا : النقص العقلى (التأخر العقلى)

اتفق‏ ‏العلماء‏ ‏على ‏تعريف‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏بأنه‏ ‏حالة‏ ‏من‏ ‏توقف‏ ‏نضج‏ ‏العقل‏ ‏قبل‏ ‏سن‏ ‏الثامنة‏ ‏عشر، ‏وينشأ‏ ‏من‏ ‏عوامل‏ ‏وراثية‏ ‏أو‏ ‏مكتسبة، ‏وتكون‏ ‏الأخيرة‏ ‏إما‏ ‏نتيجة‏ ‏لمرض‏ ‏أو‏ ‏إصابة‏ ‏و‏ ‏قد‏ ‏حاول‏ ‏الباحثون‏ ‏منذ‏ ‏القدم‏ ‏تمييز‏ ‏درجات‏ ‏محدودة‏ ‏من‏ ‏ضعف‏ ‏العقل، ‏وإن‏ ‏كنا‏ ‏نحب‏ ‏أن‏ ‏نؤكد‏ ‏ابتداء‏ ‏أنه‏ ‏لايوجد‏ ‏حد‏ ‏فاصل‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏التقسيمات‏ ‏مهما‏ ‏اتضحت‏ ‏معالمها‏ ‏وأنها‏ ‏إنما‏ ‏وضعت‏ ‏لتيسير‏ ‏الفهم‏ ‏وليس‏ ‏لمحاولة‏ ‏الفصل‏ ‏الحاد‏ – ‏وقد‏ ‏اتفق‏ ‏الباحثون‏ ‏على ‏جعل‏ ‏درجات‏ ‏ضعف‏ ‏العقل‏ ‏درجات‏ ‏ثلاث‏ ‏رئيسية‏, , ‏وتقع‏ ‏بينها‏ وبين ‏بعضها، ‏وكذلك‏ ‏بينها‏ ‏وبين‏ ‏الذكاء‏ ‏العادى ‏درجات‏ ‏انتقالية‏: ‏ولكن‏ ‏الباحثين‏ ‏اختلفوا‏ ‏على ‏تسميه‏ ‏هذه‏ ‏الدرجات، ‏فقد‏ ‏أطلق‏ ‏الباحثون‏ ‏الإنجليز‏ ‏على ‏المجموعة‏ ‏بصفة‏ ‏عامة‏ ‏اسم ‏النقص‏ ‏العقلى ‏ ‏ Mental Deficiency‏وسموا‏ ‏درجاته Feeble – Minded ‏: Idiot & lmbecil، أما فى الولايات المتحدة الامريكية فقد سمو المجموعة  ‏عامة‏ ‏باسم‏ ‏ضعف‏ ‏العقل‏ Feeble – Mindedness ‏وسموا‏ ‏الدرجات‏ ‏الثلاث‏ Idiot, Imbecile & Moroon ‏أما‏ ‏الباحثون‏ ‏العرب‏ ‏فقد‏ ‏احتاروا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏التسمية‏ ‏كذلك‏ ، ‏حتى ‏وقع‏ ‏أغلبهم‏ ‏فى ‏تسميات‏ ‏بها‏ ‏شبهة‏ ‏الخلط‏ ‏بين‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏منذ‏ ‏الولادة‏ ‏أو‏ ‏من‏ ‏سن‏ ‏مبكرة، ‏وبين‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏بعد‏ ‏نضجه‏ ‏وهو‏ ‏التدهور‏ ‏العقلى Mental Deterioration ‏ويطلق‏ ‏عليه‏ ‏بالعربية‏ ‏”عته”،(2) ‏ففى ‏القاموس‏ ‏المحيط‏ (‏الفيروزبادى) ‏عته‏: ‏نقص‏ ‏عقله‏ ‏فهو‏ ‏معتوه‏, ‏لكن‏ ‏العته‏ ‏يعنى ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏علامات‏ ‏مرضية‏ ‏أخرى ‏تدل‏ ‏على ‏ذهاب‏ ‏العقل‏ ‏مما‏ ‏يجعل‏ ‏اللفظ‏ ‏لائقا‏ ‏لهذه‏ ‏التسمية، ‏فهو‏ ‏يعنى ‏فى ‏معجم‏ ‏آخر‏ ‏الجنون‏ ‏فيقول‏ ‏الزمخشرى ‏فى ‏الأساس‏ “‏فلان‏ ‏يتعته‏ ‏عليه‏ . . ‏أى ‏يتجنن‏ ‏عليه‏”  ‏لذلك‏ ‏رأينا‏ ‏أن‏ ‏نقصر‏ ‏لفظ‏ ‏عته‏ ‏على ‏ما‏ ‏يعنيه‏ ‏لفظ‏ Dementia ‏بالإنجليزية‏.‏

ولهذا‏ ‏فقد‏ ‏استبعدنا‏ لفظ “عته” من وصف أية  درجة من درجات ضعف العقل من سن مبكرة – وبقيت لدينا ألفاظ “البله”، و”الأفن” و”الخرق” و”الحمق” و”الهوك”، وقد اتجه مختلف الباحثين إلى استعمال أى اثنتين من هذه الألفاظ بالإضافة إلى لفظ “عته” الذى قصدوا به أدنى درجات النقص العقلى… ذلك اللفظ الذى استبعدناه ‏أصلا، ‏ثم إننا‏ ‏بعد‏ ‏استقصاء‏ ‏المعاجم‏ ‏وتحليل‏ ‏الألفاظ‏ ‏وموازنتها‏ ‏معنى ‏ومبنى ‏رأينا‏ ‏أن‏ ‏نطلق‏ ‏على ‏أقل‏ ‏درجات‏ ‏ضعف‏ ‏العقل‏ ‏لفظ‏ ‏البله‏ ‏وهو‏ ‏يقابل‏ ‏لفظ‏  Idiot ‏ويعنى ‏لغة‏ (‏فيروزبادى) ‏رجل‏ ‏أبله‏ . . . ‏أحمق‏ ‏لا‏ ‏تمييز‏ ‏له‏، أما‏ ‏الدرجة‏ ‏التالية‏ ‏والمقابلة‏ ‏للفظ‏ Imbecil ‏فقد‏ ‏اخترنا‏ لها ‏لفظ‏ ‏الأفن‏ . . . . ‏فالمأفون‏ ‏لغة‏ ‏هو‏ . . . “‏الضعيف‏ ‏العقل‏ ‏والرأى” . ‏وواضح‏ ‏أن‏ ‏ضعيف‏ ‏العقل‏ ‏أحسن‏ ‏درجة‏ ‏ممن‏ ‏لا‏ ‏تمييز‏ ‏له‏ . ‏أما‏ ‏ثالث‏ ‏الدرجات‏ ‏وأخفها‏ ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏يقابل‏ ‏مصطلح‏ Feeble Minded ‏عند‏ ‏الإنجليز‏ ‏ولفظ‏ Moroon ‏عند‏ ‏الأمريكيين‏ ‏فقد‏ ‏أخترنا‏ ‏له‏ ‏لفظ‏ ‏الحمق‏: ‏وهو‏ صحيح ‏لغة‏: ‏أحمق‏: ‏قليل‏ ‏العقل‏ .‏

وهكذا‏ ‏نرى ‏أن‏ ‏اللغة‏ ‏العربية‏ ‏غنية‏ ‏بألفاظها‏ ‏بحيث‏ ‏يمكن‏ ‏انتقاء‏ ‏ما‏ ‏نشاء‏ ‏منها‏ ‏ليفى ‏بالغرض، ‏فإذا‏ ‏راجعت‏ ‏الألفاظ‏ ‏التى ‏اخترناها‏ ‏وجدت‏ ‏أنها‏ ‏تبدأ‏ ‏بعدم‏ ‏التمييز‏ ‏ثم‏ ‏الضعف‏ ‏ثم‏ ‏القلة‏ . ‏وهى ‏درجات‏ ‏متتالية‏ ‏بعضها‏ ‏تحت‏ ‏بعض، ‏وقد‏ ‏استبعدنا‏ ‏لفظىْ ‏أخرق،و ‏أهوك‏ ‏اللذان‏ ‏استعملهما‏ ‏بعض‏ ‏الباحثين‏ ‏بدل‏ ‏لفظ‏ ‏أحمق‏، ‏وذلك‏ ‏أولا‏: ‏لترادف‏ ‏استعمال‏ ‏لفظ‏ ‏أخرق‏ ‏مع‏ ‏الحمق‏ ‏ولكنه‏ ‏يعنى ‏أيضا‏ ‏ضد‏ ‏الرفق‏, ‏أما‏ ‏لفظ‏ ‏أهوك‏ ‏الذى ‏استعمله‏ ‏آخرون‏ ‏فقد‏ ‏وجدناه‏ ‏غريبا‏ ‏ولا‏ ‏حاجة‏ ‏لاستعماله‏ . . ‏فالحمق‏ ‏فى اللغة‏ ‏يعنى ‏التهوّر‏ ‏أيضا‏ .‏

وإنا‏ ‏إذ‏ ‏نعتذر‏ ‏عن‏ ‏هذه‏ ‏الإطالة‏ ‏اللغوية‏ ‏نقول‏ ‏أننا‏ ‏وجدنا‏ ‏أنفسنا‏ ‏مضطرين‏ ‏لها‏:‏

أولا‏: ‏لمنع‏ ‏الخلط‏ ‏الذى ‏وقع‏ ‏فيه‏ ‏أكثر‏ ‏الباحثين‏ ‏النفسيين‏ ‏العرب‏ .‏

ثانيا‏: ‏لإقرار‏ ‏مفهوم‏ ‏لغوى ‏نأمل‏ ‏أن‏ ‏يجد‏ ‏حظه‏ ‏فى ‏الانتشار‏ ‏والاستعمال‏ ‏السليم.

مدى ‏انتشار‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏فى ‏المجتمع‏:‏

يعتبر نقص‏ ‏العقل‏ ‏مشكلة‏ ‏اجتماعية‏‏ ‏وتأهيلية أكثر منها مشكلة طبية، ‏فناقص‏ ‏العقل‏ ‏يعجز‏ ‏عن‏ ‏التكيف‏ ‏الاجتماعى , ‏وعن‏ ‏الاستقلال‏ ‏بحياته‏ ‏دون‏ ‏التعرض‏ ‏للأخطار‏ ‏والصعوبات‏ ‏لذلك‏ . . . ‏فهو‏ ‏يحتاج‏ ‏دائما‏ ‏إلى ‏الرعاية‏ ‏والتوجيه، ‏وتبلغ‏ ‏نسبة‏ ‏ناقصى ‏العقول‏ ‏فى ‏مجتمع‏ ‏ما‏ ‏ثمانية‏ ‏فى ‏كل‏ ‏ألف، ‏أى ‏أنها‏ ‏تبلغ‏ ‏فى ‏جمهورية‏ ‏مصر‏ ‏العربية‏ ‏حوالى ‏ما يقترب من المليون.

الأسباب‏:‏

يشترك‏ ‏عاملى ‏الوراثة‏ ‏والبيئة‏ فى تكوين ‏ناقصى ‏العقل‏:‏

1- ‏الوراثة‏: ‏تختلف‏ ‏طريقة‏ ‏الوراثة‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المرض‏ ‏حسب‏ ‏درجة‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ; ‏فقد‏ ‏لوحظ‏ ‏أن‏ ‏الدرجات‏ ‏الدنيا‏ ‏تنتقل‏ ‏بصبعى ‏منفرد‏ Single Gene ‏وأن‏ ‏والديهم‏ ‏يكونون‏ ‏فى ‏مستوى ‏ذكاء‏ ‏عادى ‏ولكن‏ ‏الانتقال‏ ‏يحدث‏ ‏بتحويل‏ ‏الصبغيات‏ ‏بطفرة‏ Mutation ‏أثناء‏ ‏انقسام‏ ‏الخلية‏ .‏

أما‏ ‏الدرجات‏ ‏الأعلى ‏فتنتقل‏ ‏بطريقة‏ ‏متعددة‏ ‏العوامل‏ Multifactorial ‏ويكون‏ ‏ذكاء‏ ‏أبويهم‏ ‏أقل‏ ‏من‏ ‏المتوسط‏ . ‏وهناك‏ ‏اعتقاد‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏أنواع‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏الدنيا‏ ‏تنتقل‏ بمورّث ‏طاغ‏ Dominant ‏مثل‏ ‏مرض‏ ‏التليف‏ ‏المتدرن‏ Tuberous Sclerosis ‏فى ‏حين‏ ‏تنتقل‏ ‏أنواع‏ ‏أخرى ‏بمورث‏ ‏متنح‏ Recessive Gene ‏مرض‏ ‏عمى ‏البله‏ ‏العائلى Amaurotic Family Idiocy ‏

‏2- ‏العوامل‏ ‏البيئية‏: ‏قد‏ ‏توجد‏ ‏هذه‏ ‏العوامل‏ ‏فى ‏أى ‏مرحلة‏ ‏من‏ ‏مراحل‏ ‏النمو‏:‏

‏(‏أ‏) ‏قبل‏ ‏الولادة، ‏فقد‏ ‏تصاب‏ ‏الأم‏ ‏بالحمى ‏مثل‏ ‏التيفود‏ ‏أو‏ ‏الحصبة‏ ‏الألمانية‏ ‏وقد‏ ‏تكون‏ ‏عرضة‏ ‏لعدم‏ ‏توافق‏ ‏نوع‏ ‏دمها‏ ‏مع‏ ‏زوجها‏ ‏وقد‏ ‏تتعرض‏ ‏للإصابات‏ ‏أو‏ ‏للأشعة‏ ‏السينية، أو لتعاطى أى من العقاقير المحدثة للتشوهات الجنينية والتى تتزايد رقعتها باستمرار.

كل‏ ‏ذلك‏‏ ‏قد‏ ‏يؤدى ‏إلى ‏اضطراب‏ ‏نضج‏ ‏خلايا‏ ‏مخ‏ ‏الجنين‏ ‏فيؤدى ‏بالتالى ‏إلى ‏نقص‏ ‏العقل‏ .‏

‏(‏ب‏) ‏أثناء‏ ‏الولادة‏: ‏قد‏ ‏تكون‏ ‏الولادة‏ ‏المبكرة‏ Premature labour ‏والولادة‏ ‏العسرة‏ ‏والنزيف‏ ‏أثناء‏ ‏الولادة‏ ‏واختناق‏ ‏الوليد‏ Asphixia Neonatorum ‏مسؤلة‏ ‏عن‏ ‏كثير من حالات‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ .‏

‏(‏ج‏) ‏بعد‏ ‏الولادة‏: ‏وتشمل‏ ‏الأسباب‏ ‏هنا‏ ‏الإصابات‏ (‏لاسيما‏ ‏إصابات‏ ‏الرأس‏ ‏الشديدة‏ ‏فى ‏سن‏ ‏مبكرة‏) ‏والالتهابات‏ (‏لاسيما‏ ‏الالتهابات‏ ‏المخية‏) ‏والتشنجات‏ (‏لاسيما‏ ‏النوبة‏ ‏العظيمة‏ ‏المتكررة‏ ‏للصرع‏) ‏وسوء‏ ‏التغذية‏ ‏والافتقار‏ ‏إلى ‏مثيرات‏ ‏الإحساس‏ ‏البيئية‏ Sensory Deprivation ‏أو‏ ‏إلى ‏الحواس‏ ‏الأساسية‏ ‏للنمو‏ ‏والبصر‏..الخ‏ ‏

التغير‏ ‏العضوى: ‏

نقابل‏ ‏أغلب‏ ‏التغييرات‏ ‏العضوية‏ ‏التى ‏تصاحب‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏فى ‏الحالات‏ ‏الدنيا‏ (‏أى ‏البله‏ ‏والأفن‏) ‏فقد‏ ‏لوحظ‏ ‏أن‏ ‏عدد‏ ‏الخلايا‏ ‏العصبية‏ ‏قد لا تزيد عن ‏ثلاثة‏ ‏ملايين‏ ‏فحسب‏ ‏فى ‏حين‏ ‏أنها‏ ‏تبلغ‏ ‏فى ‏الإنسان‏ ‏العادى ‏أربعة‏ ‏عشر‏ ‏مليونا‏, ‏كما‏ ‏لوحظ‏ ‏أن‏ ‏حجم‏ ‏المخ‏ ‏ووزنة‏ ‏أصغر‏ ‏ ‏من‏ ‏الطبيعى ‏وأن‏ ‏تعقد‏ ‏تلفيفات‏ ‏القشرة‏ ‏أبسط، ‏هذا‏ ‏ويصاحب‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏تشوهات‏ ‏فى ‏الجمجمة‏ ‏فتبدو‏ ‏أصغر‏ ‏أو‏ ‏أكبر‏ ‏أو‏ ‏أقل‏ ‏انتظاما ‏كما‏ ‏يكون‏ ‏تكوين‏ ‏الأسنان‏ ‏ونظامها‏ ‏مضطربا، ‏وكذلك‏ ‏الحال‏ ‏فى ‏علامات‏ ‏الاضمحلال Stigmata of Degeneration ، ‏فى ‏سقف‏ ‏الفم‏ ‏والأذن‏ ‏والعين‏ . . . ‏والأطراف‏ ‏وغيرها‏، أما‏ ‏عن‏ ‏التغير‏ ‏المجهرى ‏مثل‏‏ ‏طبقات‏ ‏الخلايا‏ ‏المعقدة‏ ‏التركيب‏ ‏والمسماة‏ ‏الطبقات‏ ‏فوق‏ ‏المتحببة‏ Supragranular layers ‏فإن ‏الطبقات‏ ‏تحت‏ ‏المتحببة‏ Infra-granular ‏لاتتأثر‏ ‏كثيرا‏ ‏حيث‏ ‏أنها‏ ‏مختصة‏ ‏بالوظائف‏ ‏البدائية، و‏أن‏ ‏الخلايا‏ ‏العصبية‏ ‏غير‏ ‏تامة‏ ‏النضج‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏المعتاد، ‏وأن‏ ‏نظام‏ ‏الأوعية‏ ‏الدموية‏ ‏وغناها‏ ‏أقل‏ ‏من‏ ‏الطبيعى. ‏

التغير‏ ‏فى ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏:‏

تبين‏ ‏من‏ ‏دراسة‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏لناقصى ‏العقل‏ ‏ما‏ ‏يلى: ‏

‏1- ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يفتقر‏ ‏إلى ‏غريزة‏ ‏المحافظة‏ ‏على ‏الذات‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏شديدة‏ ‏جدا‏ ‏من‏ ‏البله، ‏فهو‏ ‏يصيح‏ ‏ويرضع‏ ‏ثدى ‏أمة‏ ‏فى ‏العادة‏ .‏

‏2- ‏أن‏ ‏الدرجات‏ ‏الدنيا‏ ‏تفتقر‏ ‏إلى ‏غريزة‏ ‏الجنس‏ ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏الدرجات‏ ‏الأعلى ‏تكون‏ ‏سليمة‏ ‏جنسيا‏ ‏بل‏ ‏ومُعيلة، وهذا قد يمثل إشكالات اجتماعية وأخلاقية خاصة بعد البلوغ لأن نشاط هذه الغريزة مع قصور الذكاء الذى المفروض أنه يساعد على الكف، يعرض المحيطين، خاصة من الصغار، إلى انتهاكات ضارة وخطيرة.‏

‏3- ‏يظل‏ ‏المريض‏ ‏محتفظا‏ ‏بانتباهه‏ ‏السلبى ‏دون‏ ‏الإيجابى.‏

‏4- ‏يصاب‏ ‏عادة‏ ‏بنوبات‏ ‏عدوانية‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏البله‏.‏

‏5- ‏تتصف‏ ‏الحالات‏ ‏الأعلى ‏من‏ ‏البله‏ ‏بحب‏ ‏الاسنطلاع‏.‏

‏6- ‏يتصف‏ ‏ناقص‏ ‏العقل‏ ‏عادة‏ ‏بالقابلية‏ ‏للاستهواء‏ ‏والتبعية، ‏كما‏ ‏لوحظ‏ ‏فى ‏النادر‏ ‏أن‏ ‏غريزة‏ ‏الذات‏ ‏قد‏ ‏تدفع‏ ‏الدرجات‏ ‏العليا‏ ‏إلى ‏محاولة‏ ‏السيطرة‏ ‏والعناد‏ .‏

‏7- ‏يضطرب‏ ‏الكلام‏ ‏تماما‏: ‏فيتأخر‏ ‏النطق‏ ‏ويشمل‏ ‏كل‏ ‏أنواع‏ ‏الخلل‏ ‏كالعقلة، ‏والتهتهة، ‏واللغة‏ ‏الطفلية، ‏والمصاداة، ‏والتحدث‏ ‏والتحدث‏ ‏بلغة‏ ‏خاصة‏ .‏

‏8- ‏قد‏ ‏يصاب‏ ‏بالعجز‏ ‏التام‏ ‏عن‏ ‏الحركة‏ ‏أو‏ ‏عدم‏ ‏التوازن‏ ‏أو‏ ‏المحاركة‏ ‏أو‏ ‏القلق‏ ‏الحركى .‏

الصور‏ ‏الإكلينيكية‏:‏

إن محاولة التمييز الإكلينيكى بين درجات التأخر العقلى مفيدة تمهيدا للتأهيل وتجنب المضاعفات وهذا التمييز لا يعتمد فقط على اختبارات الذكاء، وفيما يلى الخطوط العريضة للفئات المختلفة.

– البله‏ ‏ ‏Idiocy ‏:

هو‏ ‏أشد‏ ‏درجات‏ ‏النقص‏ ‏العقلى (أى ‏أدنى ‏درجات‏ ‏الذكاء‏) , ‏وتبلغ‏ ‏نسبتهم‏ ‏فى ‏مجتمع‏ ‏ما‏ 0.03 % ‏من‏ ‏التعداد‏ ‏العام، ‏وهم‏ ‏يتصفون‏ ‏بأنهم‏ ‏لا‏ ‏يستطيعون‏ ‏تمييز‏ ‏الخطر‏ ‏العادى ‏فى ‏الحياة‏ . ‏وبالتالى ‏لا‏ ‏يستطيعون‏ ‏تجنبه‏ . ‏ومن‏ ‏ذلك‏ ‏أنهم‏ ‏قد‏ ‏يضعون‏ ‏أيديهم‏ ‏فى ‏النار‏ ‏دون‏ ‏مهابة‏ . ‏أو‏ ‏يسيرون‏ ‏أمام‏ ‏العربات‏ ‏المسرعة‏ ‏دون‏ ‏حساب‏: ‏أو‏ ‏يعرضون‏ ‏أنفسهم‏ ‏للغرق‏ ‏بالاقتراب‏ ‏من‏ ‏المياه‏ ‏العميقة‏ ‏دون‏ ‏مبالاة، ‏وهم‏ ‏لا‏ ‏يستطيعون‏ ‏تعلم‏ ‏القواعد‏ ‏الأساسية‏ ‏للنطق‏ ‏أو‏ ‏القيام‏ ‏بالأعمال‏ ‏البسيطة‏ ‏كارتداء‏ ‏الملابس‏ ‏دون‏ ‏مساعدة‏ – ‏والنوع‏ ‏الشديد‏ ‏منهم‏ (‏البله‏ ‏التام‏) ‏يفتقر‏ ‏أساسا‏ ‏إلى غريزة‏ ‏حفظ‏ ‏الذات، ‏فهو‏ ‏إذ‏ ‏يعرض‏ ‏نفسه‏ ‏للخطر‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏ذلك‏ ‏عن‏ ‏عدم‏ ‏تمييز‏ ‏فحسب، ‏وإنما‏ ‏يكون‏ ‏نتيجة‏ ‏لافتقاره‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏الغريزة‏ ‏أصلا، ‏وهذا‏ ‏النوع‏ ‏لا‏ ‏ينطق‏ ‏إلا‏ ‏ببضعة‏ ‏مقاطع‏ ‏أو‏ ‏همهمة‏ ‏من‏ ‏الأصوات‏ ‏وقد‏ ‏لا‏ ‏ينطق‏ ‏بتاتا‏ – ‏والأبلة‏ ‏عادة‏ ‏ما‏ ‏يتميز‏ ‏بنقص‏ ‏فى ‏التكوين‏ ‏الخلقى ‏أو‏ ‏اضطراب‏ ‏فى ‏التكوين‏ ‏مما‏ ‏يصاحب‏ ‏ضعف‏ ‏العقل، ‏ومثال‏  ‏ذلك‏ ‏الصرع‏ ‏وشلل‏ ‏بعض‏ ‏الأطراف‏ ‏والتشوة‏ ‏الخلقى ‏للرأس‏ ‏واضطراب‏ ‏نمو‏ ‏الأسنان‏ ‏ونظامها‏ ‏وتشابك‏ ‏أصابع‏ ‏اليدين‏ ‏أو‏ ‏الرجلين‏ ‏أو‏ ‏زيادة‏ ‏عددها‏ ‏وغير‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏التشوهات‏ ‏الخلقية‏ ‏فى ‏القلب‏ ‏والصدر‏ ‏والأحشاء‏ . ‏والأبلة‏ ‏معرض‏ – ‏بداهة‏ – ‏للإصابة‏ ‏بسائر‏ ‏الأمراض‏ ‏الجسمية‏ ‏مثل‏ ‏السل‏ ‏وربما‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏الأمراض‏ ‏هى ‏السبب‏ ‏فى ‏وفاته‏ ‏فى ‏سن‏ ‏مبكرة‏ . ‏فهو‏ ‏نادرا‏ ‏ما‏ ‏يصل‏ ‏إلى ‏سن‏ ‏الخامسة‏ ‏عشر‏ ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏العناية‏ ‏الصحية‏ ‏قد‏ ‏زادت‏ ‏حديثا‏ ‏من‏ ‏متوسط‏ ‏عمره‏ ‏بشكل‏ ‏ملحوظ، ‏ولا‏ ‏يتعدى ‏العمر‏ ‏العقلى ‏للأبلة‏ ‏سنتين‏.

– الأفن‏ Imbecility ‏:

وهو‏ ‏الدرجة‏ ‏التالية‏ ‏للبله‏ ‏صعودا، ‏وتبلغ‏ ‏نسبة‏ ‏المأفونين‏ ‏فى ‏مجتمع‏ ‏ما‏ ‏أربعة‏ ‏أضعاف‏ ‏نسبة‏ ‏البلهاء، ‏أى ‏حوالى 0.12% ‏من‏ ‏التعدا‏ ‏دالعام، ‏ويتميز‏ ‏المأفون‏ ‏أنه‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يتجنب‏ ‏الأخظار‏ ‏وأن‏ ‏يتكلم‏ ‏بصعوبة‏ ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏تعلم‏ ‏القراءة، ‏والممتازون‏ ‏منهم‏ ‏يستطيعون‏ ‏القيام‏ ‏بعمل‏ ‏رتيب‏ ‏تافه، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏يمكن‏ ‏تعليمهم‏ ‏مبادئ ‏النظافة‏ . ‏قد‏ ‏يصاحب‏ ‏المرض‏ ‏تشوهات‏ ‏خلقية‏ ‏أو‏ ‏شلل‏ ‏أو‏ ‏صرع، ‏ويتراوح‏ ‏العمر‏ ‏العقلى ‏للمأفونين‏ ‏بين‏ ‏ثلاثة‏ ‏وسبعة‏ ‏أعوام‏ . ‏

– الحمق‏ ‏ ‏Feeble – Mindedness‏:

الحمق‏ ‏هو‏ ‏أحسن‏ ‏أنواع‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏الثلاث، ‏ويبلغ‏ ‏عدد‏ ‏الحمقى ‏فى ‏مجتمع‏ ‏ما‏ ‏أربعة‏ ‏أضعاف‏ ‏المأفونون‏ ‏أى ‏حوالى 0.05% ‏من‏ ‏التعداد‏ ‏العام، ‏ويمكن‏ ‏تعليم‏ ‏هذه‏ ‏الفئة‏ ‏عامة‏ ‏الأعمال‏ ‏الراتبة، ‏فتقوم‏ ‏بها‏ ‏بدون‏ ‏إشراف‏ ‏مباشر‏ . ‏هذا‏ ‏ويفتقر‏ ‏الأحمق‏ ‏إلى ‏التلقائية‏ ‏والانتباه‏ ‏الإيجابى . . ‏تلك‏ ‏الصفات‏ ‏التى ‏عادة‏ ‏ما‏ ‏يتصف‏ ‏بها‏ ‏الطفل‏ ‏الطبيعى – ‏وهو‏ ‏يتعلم‏ ‏الكلام‏ ‏متأخرا، ‏وقد‏ ‏يعانى ‏صعوبات‏ ‏فى ‏الكلام‏ ‏كالتعلثم‏ ‏والتهتهة‏ ‏والعقلة، ‏ويتصف‏ ‏الحمقى ‏بأنهم‏ ‏سهلوا‏ ‏الاستهواء، ‏فينقادون‏ ‏للأكثر‏ ‏ذكاء‏ ‏وهم‏ ‏عرضة‏ ‏للاستغلال‏ ‏كأدوات‏ ‏في تنفيذ‏ ‏الجرائم‏ . ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏القانون‏ ‏يعرف‏ ‏هذه‏ ‏الطائفة‏ ‏بأنهم‏ ‏غير‏ ‏القادرين‏ ‏على ‏حماية‏ ‏أنفسهم‏ ‏أوتجنب‏ ‏المشاكل‏ .‏

هذاوقد‏ ‏لوحظ‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏أفراد‏ ‏هذه‏ ‏الطائفة‏ ‏ ‏يظهر‏ ‏نبوغا‏ ‏خاصا‏ ‏من‏ ‏الذكاء‏ ‏فى ‏ناحية‏ ‏معينة‏ ‏من‏ ‏القدرات‏ ‏الخاصة‏ ‏كالذاكرة‏ ‏الموسيقية‏ ‏أو‏ ‏القدرة‏ ‏الحسابية‏ .‏

أنواع‏ ‏النقص‏ ‏العقلى ‏من‏ ‏حيث‏ ‏أسبابها‏:‏

أولا‏: ‏النقص‏ ‏العقلى ‏الأولى:‏

وهو‏ ‏النقص‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏له‏ ‏سبب‏ ‏ظاهر‏ ‏فى البيئة ‏وتختلف‏ ‏درجاته‏ ‏باختلاف‏ ‏أنواعه، ‏وقد‏ ‏يصاحبه‏ ‏تغيرات‏ ‏عضوية‏ ‏مميزة‏ ‏فى ‏المخ‏ ‏أو‏ ‏تغيرات‏ ‏أخرى ‏فى ‏سائر‏ ‏الأعضاء‏ ‏وأحيانا‏ ‏فى ‏التمثيل‏ ‏الغذائى , ‏وصفات‏ ‏خاصة‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏طرق‏ ‏الوراثة‏ ‏ومدى ‏النقص‏ ‏العقلى ‏الموجود‏ ‏مما‏ ‏جعل‏ ‏تصنيفه‏ ‏إ‏لي أمراض‏ ‏محددة‏ ‏مثل‏ ‏مرض‏ ‏التليف‏ ‏التدرنى Tuberous . Sclecorosis ‏ومرض‏ ‏عمى ‏البله‏ ‏العائلى Amaurotic Family Idiocy .‏

ثانيا‏: ‏النقص العقلى‏ ‏الثانوى:

وهو‏ ‏النقص‏ ‏الذى ‏يحدث‏ ‏نتيجة‏ ‏لسبب‏ ‏ظاهر، ‏ويمكن‏ ‏تصنيفه‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏يلى: ‏

‏1- ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏نتيجة‏ ‏للإصابات‏: ‏ويمثل‏ ‏نسبة‏ 5% ‏من‏ ‏كل‏ ‏حالات‏ ‏نقص‏ ‏العقل، ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏يتضمن‏ ‏الإصابة‏ ‏أثناء‏ ‏ولادة‏ ‏عسرة‏ ‏أو‏ ‏مبكرة‏ Premature ‏أو‏ ‏عاجلة‏ Precipitate ، ‏وقد‏ ‏تكون‏ ‏الإصابة‏ ‏كسر‏ ‏أو‏ ‏كدم‏ ‏أو‏ ‏تهتك‏ ‏فى ‏المخ‏ ‏أو‏ ‏نزيف‏ ‏للجمجمة‏ .‏

‏2- ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏نتيجة‏ ‏للالتهابات‏ . ‏ويمثل‏ ‏نسبة‏ 11% ‏من‏ ‏كل‏ ‏حالات‏ ‏نقص‏ ‏العقل، ‏وأهم‏ ‏أنواع‏ ‏الالتهابات‏ ‏المسئولة‏ ‏هى ‏الالتهابات‏ ‏المخية‏ ‏والسحائية‏ ‏والزهرى، ‏وقد‏ ‏يصحب‏ ‏هذه‏ ‏الالتهابات‏ ‏أعراض‏ ‏الاستسقاء‏ .‏

‏3- ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏نتيجة‏ ‏الضمور، ‏ويمثل‏ ‏نسبة‏ 3% ‏من‏ ‏كل‏ ‏حالات‏ ‏نقص‏ ‏العقل، ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏يحدث‏ ‏نتيجة‏ ‏خلل‏ ‏فى ‏تمثيل‏ ‏النحاس‏ ‏كما‏ ‏فى ‏مرض‏ ‏ولسون‏ Wilson’s Disease ‏أو‏ ‏نتيجة‏ ‏للصرع‏ .‏

‏4- ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏نتيجة‏ ‏لنقص‏ ‏لوازم‏ ‏أخرى ‏ضرورية‏ ‏لنمو‏ ‏العقل، ‏وتكون‏ ‏هذه‏ ‏الضروريات‏ ‏عضوية‏ ‏مثل‏ ‏هورمون‏ ‏الثيروكسين‏ ‏الذى ‏ينتج‏ ‏عن‏ ‏نقصه‏ ‏حالات‏ ‏الكثم، ‏كما‏ ‏تكون‏ ‏هذه‏ ‏الضرورة‏ ‏نفسية‏ ‏اجتماعية‏ ‏نتيجة‏ ‏للعزلة‏ ‏وسوء‏ ‏التربية‏ ‏الذى ‏يحدث‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏مؤسسات‏ ‏الأحداث‏ ‏مثلا‏ ‏حيث‏ ‏يعجز‏ ‏أغلب‏ ‏الأطفال‏ ‏عن‏ ‏الكلام‏ ‏نظرا‏ ‏لعزلتهم‏ ‏وافتقارهم‏ ‏إلي الفرص‏ ‏التى ‏تسنح‏ ‏لهم‏ ‏بتعلمه‏ .‏

وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏يترتب‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏على ‏ذهان‏ ‏مبكر‏ ‏يخل‏ ‏تماما‏ ‏بانتظام‏ ‏وظيفة‏ ‏المخ‏ .‏

العلاج والتأهيل‏: ‏

يتلخص‏ ‏علاج‏ ‏نقص‏ ‏العقل‏ ‏فيما‏ ‏يلى: ‏

‏1- ‏العلاج‏ ‏الوقائى: ‏ويتم‏ ‏بتعقيم‏ ‏بعض‏ ‏ناقصى ‏العقول‏ ‏ممن‏ ‏يحملون‏ ‏صبغيات‏ ‏طاغية‏ ‏والحد‏ ‏من‏ ‏الزواج‏ ‏والإنجاب‏ ‏للباقى، ‏وتجنب‏ ‏التهابات‏ ‏المخ‏ ‏ والإصابات‏ ‏لاسيما‏ ‏فى ‏سن‏ ‏الطفولة، ‏والعمل‏ ‏على اجتناب‏ ‏العزلة‏ ‏النفسية‏ ‏التى ‏ينتج‏ ‏عنها‏ ‏الافتقار‏ ‏إلى مثيرات‏ ‏البيئة‏ .‏

2- ‏العلاج‏ ‏العضوى: ‏ويشمل‏ ‏العلاج‏ ‏بالوسائل‏ ‏الطبية‏ ‏دون‏ ‏تدخل‏ ‏جراحى ‏مثل‏ ‏الاهتمام‏ ‏بالتغذية‏ ‏الكافية‏ ‏الغنية، ‏ومحاولة‏ ‏علاج‏ ‏أى ‏خلل‏ ‏فى ‏أعضاء‏ ‏الإحساس‏ ‏المختلفة‏ ‏لا‏ ‏سيما‏ ‏السمع‏ ‏والبصر‏ – ‏ويشمل‏ ‏أيضا‏ ‏محاولات‏ ‏إزالة‏ ‏سبب‏ ‏النقص‏ ‏إن‏ ‏أمكن‏ (‏مثل‏ ‏إعطاء‏ ‏هورمون‏ ‏الثيروكسين‏ ‏فى حالات‏ ‏الكثم‏) ‏كما‏ ‏يشمل‏ ‏العلاج‏ ‏الجراحى ‏الذى ‏قد‏ ‏يتجه‏ ‏إلى ‏علاج‏ ‏الاستسقاء‏ ‏الرأسى ‏أو‏ ‏الالتحام‏ ‏المبكر‏ ‏لعظام‏ ‏الجمجمة‏ ‏وأخيرا‏ ‏شق‏ ‏الفص‏ ‏الأمامى ‏فى ‏الحالات‏ ‏المصحوبة‏ ‏بتهيج‏ ‏مزمن‏ ‏شديد‏ .‏

‏3- ‏العلاج‏ ‏التدريبى ‏والتعليمى: ‏ويهدف‏ ‏هذا‏ ‏العلاج‏ ‏إلى ‏المحافظة‏ ‏على ‏ما‏ ‏بقى ‏من‏ ‏مواهب، ‏وتنمية‏ ‏الميول‏ ‏الاجتماعية‏ ‏والأخلاقية، ‏وتهذيب‏ ‏أى ‏نزعة‏ ‏مضادة‏ ‏للمجتمع، ‏وإتاحة‏ ‏الفرصة‏ ‏للمريض‏ – ‏إن‏ ‏أمكن‏ – ‏أن‏ ‏يقوم‏ ‏بعمل‏ ‏ما‏.‏

هذا‏ ‏وينبغى ‏أن‏ ‏يبدأ‏ ‏التدريب‏ ‏منذ‏ ‏سن‏ ‏مبكرة، ‏وأن‏ ‏يستعمل‏ ‏فيه‏ ‏كل‏ ‏مثيرات‏ ‏الانتباه‏ ‏من‏ ‏أضواء‏ ‏وألوان‏ ‏وموسيقى ‏وغيرها، ‏ومن‏ ‏المستحسن‏ ‏أن‏ ‏تضعه‏ ‏فى ‏مؤسسة‏ ‏خاصة‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏المنزل‏ ‏غير‏ ‏لائق‏ ‏لهذا‏ ‏التدريب‏ .‏

مظاهر‏ ‏واضطرابات‏ ‏إكلينيكية‏ ‏متعلقة‏:‏

‏(1) ‏الخرف .. (‏العته‏): ‏لا‏ ‏يعتبر‏ ‏الخرف‏ ‏من‏ ‏أنواع‏ ‏التخلف‏ ‏العقلى ‏إذ‏ ‏أنه‏ ‏تدهو‏ ‏فى ‏الذكاء‏ ‏والقدرات‏ ‏المعرفية‏ ‏عامة‏  ‏بعد‏ ‏اكتمال‏ (‏أنظر‏ ‏الشكل‏)، ‏وينبغى ‏تمييزه‏ ‏من‏ ‏التخلف‏ ‏الذى ‏يظهر‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏، ‏وخاصة‏ ‏وأن‏ ‏الخرف‏ – ‏بصفة‏ ‏
23-6-2014عامة‏ – ‏لا‏ ‏يحدث‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏سن‏ ‏متأخرة‏ ‏عادة‏

‏(2) ‏الخرف‏ ‏الكاذب‏: ‏Pseudo-dementia ‏توجد‏ ‏أمراض‏ ‏نفسية‏ ‏وعقلية‏، ‏يبدو‏ ‏فيها‏ ‏المريض‏ ‏وكأن‏ ‏قدراته‏ ‏العقلية‏ ‏العامة‏ ‏قد‏ ‏تدهورت‏، ‏فلا‏ ‏يكاد‏ ‏يستطيع‏ ‏يحسب‏ ‏أويفكر‏ ‏تفكيرا‏ ‏منطقيا‏، ‏أو‏ ‏يحل‏ ‏المشاكل‏، ‏وذلك‏ ‏مثلما‏ ‏يحدث‏ ‏فى ‏الاكتئاب‏ ‏الشديد‏ ‏حيث‏ ‏يعوق‏ ‏التأخر‏ ‏الحركى ‏والنفسى ‏الأداء‏ ‏المعرفى ‏بصفة‏ ‏عامة‏، ‏أومثلما‏ ‏يحدث‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏الانشقاق‏ ‏الهستيرى ‏حيث‏ ‏يمارس‏ ‏المريض‏ -‏بطريقة‏ ‏غير‏ ‏شعورية‏- ‏عجزا‏ ‏شبه‏ ‏إرادى ( ‏فهو‏ ‏مقصود‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏دائرة‏ ‏الوعى ‏الظاهر‏)، ‏وفى ‏الحالين‏ ‏فإن‏ ‏القدرات‏ ‏المعرفية‏ ‏تعود‏ ‏إلى ‏كفاءتها‏ ‏بمجرد‏ ‏الشفاء‏ ‏أو‏ ‏التحسن

‏(3) ‏إعاقات‏ ‏خاصّة‏: ‏فى ‏بعض‏ ‏الأحيان‏ ‏غيرالقليلة‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نرصد‏ ‏توقفا‏ ‏فى ‏الدراسة‏ ‏الأكاديمية‏ ‏مع‏ ‏سابق‏ ‏التحصيل‏ ‏الواعد‏.  ‏ويسارع‏ ‏الأطباء‏ -‏فى ‏مصر‏ ‏خاصة‏ – ‏بتشخيص‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏التوقف‏ ‏باعتباره‏ ‏فصاما‏ ‏أو‏ ‏إنذارا‏ ‏بالفصام‏ ‏أو‏ ‏صورة‏ ‏مجهضة‏ ‏منه‏، ‏وهذا‏ ‏ليس‏ ‏دائما‏ ‏صوابا‏، ‏وبالتالى ‏نقترح‏ ‏وضع‏ ‏مفهوم‏ “‏التدهور‏ ‏الانتقائي‏” ‏فى ‏الاعتبار‏ ‏لعله‏ ‏يحل‏ ‏هذا‏ ‏الإشكال‏ ‏إذ‏ ‏يرصد‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏التوقف‏ ‏بشكل جاد‏، ‏دون‏ ‏الإسراع‏ ‏فى ‏لصق‏ ‏لافتة‏ ‏الفصام

‏(4) ‏تدهور‏ ‏انتقائى ‏نتيجة‏ ‏عدم‏ ‏الاستعمال‏: ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏نقابل‏ -‏حتى ‏فى ‏الحياة‏ ‏العامة‏ -‏نوعا‏ ‏من‏ ‏الإعاقة‏ ‏اللاحقة‏ ‏فى ‏مجالات‏ ‏معرفية‏ ‏بذاتها‏ ‏رغم‏ ‏أنها‏ ‏كانت‏ ‏تمارس‏ ‏فيما‏ ‏سبق‏ ‏بكفاءة‏ ‏مميزة‏، ‏ومن‏ ‏المهم‏ ‏أن‏ ‏ننتبه‏ ‏إلى ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏حتى ‏نتجنب‏ ‏التعميم‏، ‏ومثل‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏نقابل‏ ‏حاملا‏ ‏لدرجة‏ ‏دكتوراه‏ ‏فى ‏تخصص‏ ‏أكاديمى -‏ مثلا‏- ‏ثم‏ ‏نجده‏ ‏أعجز‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يلتقط‏ ‏جوهر‏ ‏إشكالة‏ ‏سياسية‏ ‏فى ‏الصحف‏ ‏اليومية‏  ‏غاية‏ ‏فى ‏البساطة‏، ‏أو‏ ‏أن‏ ‏نجد‏ ‏جراجا‏ ‏فائق‏ ‏المهارة‏ ‏لا‏ ‏يمكنه‏ ‏الإحاطة‏ ‏بأبعاد‏ ‏مشكلة‏ ‏اجتماعية‏ ‏مثارة‏ ‏فى ‏الصحف‏ ‏اليومية‏ ‏بدرجة‏ ‏تبدو‏ ‏وكأنها‏ ‏عجز‏ ‏عن‏ ‏إدراك‏ ‏علاقات‏ ‏بسيطة‏،  ‏وهذا‏ ‏وذاك‏ ‏يرجع‏ ‏أساسا‏ ‏لعدم‏ ‏الاهتمام‏ ‏من‏ ‏جهة‏، ‏وفرط‏ ‏التخصص‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخرى، ‏ثم‏ ‏التوقف‏ ‏عن‏ ‏استعمال‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏القدرات‏ ‏المعرفية‏ ‏فى ‏مناطق‏ ‏بذاتها‏، ‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يندرج‏ ‏تحت‏ ‏أى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الإعاقة‏ ‏أو‏ ‏الاضطراب.

‏(5) ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏التجريد والتفكير‏ ‏العيانى: ‏ذكرنا‏ ‏سابقا‏ ‏علاقة‏ ‏الذكاء‏ ‏بالتفكير‏ ‏التجريدى، ‏فكلاهما‏ ‏يعتمد‏ ‏على ‏القدرة‏ ‏على ‏تمييز‏  ‏العلاقات‏  ‏الأساسية‏ ‏والربط‏ ‏بينها‏،  ‏وعادة‏ ‏ما‏ ‏يوجد‏ ‏عجز‏ ‏عن‏ ‏التجريد‏ ‏مع‏ ‏التخلف‏ ‏العقلى، ‏لكن‏ ‏العكس‏ ‏ليس‏ ‏صحيحا‏ ‏دائما‏ (‏وإن‏ ‏كان‏  ‏يصح‏ ‏أحيانا‏)، ‏فالعجز‏ ‏عن‏ ‏التجريد‏ ‏قد‏ ‏يوجد‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏الفصام‏ ‏دون‏ ‏تدهور‏ ‏عام‏ ‏فى ‏القدرات‏ ‏المعرفية‏ ‏الشاملة‏، ‏وعادة‏ ‏ما‏ ‏يصاحبه‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏التفكير‏ ‏العيانى (‏الذى ‏يوجد‏ ‏أيضا‏ ‏بدرجة‏ ‏ما‏ ‏مع‏ ‏لمتخلفين‏ ‏عقليا‏)، ‏وفى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏يكون‏ ‏الأداء‏ ‏على ‏اختبارات‏ ‏الذكاء‏ ‏ناقصا‏ ‏فى ‏الاختبارات‏ ‏الفرعية‏ ‏التى ‏تقيس‏ ‏التجريد‏ ‏أساسا‏. ‏

[1] – وصلني فى بريد الجمعة من الإبنة د. نجاة أنصورة مزيد من التعريفات فضلت أن أثبتها هنا بدلا من بريد الجمعة، وهى: الذكاء: هو القدرة على الحكم الصحيح والفهم الصحيح والتفكير الصحيح (” بينيه )”، وهو القدرة على تكوين المفاهيم وفهم دلالاتها تيرمان

وهو  القدرة على مواجهة المواقف المستجده وتصور إستجابات جديدة بناءه ومرنة ( ثيرستون)  وهو قدرة الفرد الكلية على التصرف الهادف والتفكير العقلاني المنطقي والتعامل بكفاءه مع البيئه المحيطة (وكسلر) وهو الطاقة العقلية للتكيف مع مستجدات البيئة المحيطة بالفرد كما يتضمن القدرة على التعلم والإستفاده من الخبرات إلى جانب حث الذات للوصول إلى تحقيق الأهداف المرجوة سترنبرج

[2] – كما يطلق على من يصاب فى الشيخوخة لفظ “سبه” ويعنى “ذهاب العقل من الِهـَرم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *