نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 22-6-2014
السنة السابعة
العدد: 2487
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية
الفصل الرابع: اضطرابات الوظائف المعرفية الأخرى (9)
الذكاء الوجدانى
انتهت نشرة الاثنين الماضى بهذا الحوار:
الطالب: لا ..لا..لا .. يكفينى هذا وزيادة وإن كنت سمعت مؤخرا عن شىء اسمه ذكاء العواطف
المعلم: يا خبر!! تعنى الذكاء الوجدانى، لقد تجنبت الخوض فيه اليوم
الطالب: لكنه أشهر من كل ما فات
المعلم: دعنا ننتظر للأسبوع القادم.
وبعد
حين هممت بالحديث عن ما شاع باسم الذكاء الانفعالى، الذى فضلت أن أترجمه إلى “الذكاء الوجدانى”، بالرغم من أن الانفعال ليس مرادفا للوجدان، وجدت نفسى عازفا عن إكمال الحوار مع هذا الطالب الذكى، خاصة وأنه قد جاءتنى بعض الاعتراضات على هذه الطريقة، ووجدت أننى أميل إلى احترامها، خاصة فيما لم تتطرق إليه النسخة الباكرة من هذا الكتاب القديم.
وهأنذا أقدم رأيى فيما أسميته الذكاء الوجدانى الذى وجدت انه مفهوم جامع ليس مانعا، فقد احتوى “كل شىء” يمكن أن يصف الشخصية السوية (جدا) بكل قدراتها وسماتها!!!، وعندى أن لفظ الوجدان فى العربية هو القادر على احتواء كل شىء هكذا، لكننى عدت فاستخسرت فيه لفظ الوجدان بصراحة، وقلت أقدم رأيى في هذه النشرة دون حوار، مستأذنا صديقنا الشاب وأنا أعلم مدى حرصه على المعرفة، وليتابعنا إن شاء، أو لينتظر إلى أن أصالحه، أعنى أصالح نفسى على طريقته.
عن الذكاء الوجدانى
أنا شخصيا غير موافق على هذا الاسم، والأكثر من ذلك أننى غير موافق على ما احتواه من سمات وقدرات ومصطلحات ومفاهيم تشمل كل شىء، نعم تشمل كل شىء!!
الذكاء الوجدانى مصطلح يعتبر حديثا نسبيا، وقد فرحت به فى أول الأمر، وذلك قبل أن اقرأ عنه، لأننى تصورت أنه سوف يسمح للعلماء والممارسين أن يـُرجعو للوجدان موقعه الجوهرى فى المعرفة والكشف والبرمجة والإبداع، وقد انتبهت أثناء تناولى لملف الإدراك إلى مدى علاقة الوجدان بالإدراك، وكيف أنهما، مع ما تيسر من فهم عن الوعى، قد يصححوا مفاهيم أساسية تقربنا من التعرف على ماهية هذا الكائن الرائع المسمى “الإنسان”، وقد اكتشفت أن هذا المدخل، مدخل الإدراك والوجدان والوعى، هو الأقرب إلى ثقافتنا بشكل أو بآخر، وبعد أن أخذ “الإدراك” حقه (إلا قليلا) فى نشرات الإنسان والتطور، توقعت أن يتضح لنا أكثر فأكثر دور الوجدان فى المعرفة، ونحن نتناول الوظائف المعرفية باحترام ومراجعة بأكبر قدر من الموضوعية، وحين كنت منغمسا فى محيط الإدراك كنت أقترب دون قصد من فعلنة الوجدان للمعلومات مستقلا أو مع تنشيط الإدراك فى الوعى بشكل أو بآخر، وحاولت أن أؤجل كل ذلك حتى أصل إلى فصل الوجدان ثم نرى، لكننى الآن اضطررت إلى هذا الاستطراد وأنا أرفض ما يسمى الذكاء الانفعالى لأنه حوى ما لا يمكن أن يوصف بأنه جامع مانع كما ذكرنا ، فهو جامع فقط كما ألمحت.
حين بدأت القراءة عن هذا الذى يسمى الذكاء الانفعالى أو ذكاء العواطف، وجدته أبعد ما يكون عن تصورى فى علاقته بالإدراك واعتمال (معالجة) المعلومات كما خطر لى، فاتخذت موقفا ناقدا حذرا مغيظا من هذا المصطلح، بل إن ما وصلنى هو أن المسألة انقلبت إلى أن يكون الذكاء العاطفى هذا هو مصطلح للشخصية السوية فى كل ناحية، ولكن، ربما من منطلق : كيف تنجح فى الحياة الكمية العملية، وكيف تكسب الأصدقاء وتؤثر فى االناس، وكيف تحسن صفاتك وتكون إنسانا اجتماعيا لطيفا ظريفا مجلجلا لا عيب فيك(1)، اتهمت نفسى طبعا، وحذرتها من الاندفاع فى الرفض، علما باننى لم أرفض ما جاء تحت العنوان، وإنما رفضت أن كل هذه، القدرات، والسمات والمواصفات توضع تحت هذا العنوان “الذكاء الانفعالى” (2)
قلت أستشير عمنا جوجل لعله يصالحنى على هذا المصطلح، وإذا به يوسع الدائرة، ويؤكد لى جهلى، ويكاد يعايرنى، قلت الطيب أحسن، وسوف أستعير منه مجرد شكلين، قمت بترجمة الشكل الأول ترجمة عبرت فيها عن نقدى وغيظى، فهى ليست ترجمة تماما، أما الشكل الثانى فقد اكتفيت بترجمته ترجمة حرفيا وأنا غير راض عن ما فعلت، وقلت أترك الشكلين أمامكم، وأطلب من أى منكم أن ينسى أن كل هذه السمات والقدرات والظواهر تندرج تحت اسم الذكاء أصلا، وليختر أى منكم لها الاسم المناسب ، لأننى لم أنجح فى ذلك حتى الآن.
الشكل الثانى باللغة الإنجليزية
الشكل بعد الترجمة الحرفية
(ثم ظهر الطالب الذكى فجأة، ويبدو أنه كان مختبئا وراء ظهرى)
الطالب: هل هذا اسمه كلام، وما ذا تبقى فى صفات الشخصية لم يدرج فى هذا الذكاء الحاوى لكل شىء؟
المعلم: من أين جئـت يا إبنى، ومالك أنت، لو كنت أعمل حسابك لكنت شرحت الأمر بشكل آخر
الطالب: لا يا عم يكفينى هذا، سوف أجمع كل هذه الصفات وأبحث لها عن عنوان يليق بها
المعلم : مثل ماذا؟
الطالب: مثل “لا يـِقـْدَر على القـُدرة إلا الله”
المعلم: ونعم بالله، الله يسامحك.
[1] هذه هى الترجمة لكلمة gentleman التى كان أبى يداعبنى بها ليغيظنى
[2] – وسوف أتراجع مرحليا عن تسميتى الخاصة له بالذكاء الوجدانى، فهو مفهوم أكثر ترهلا من أن يحظى بكلمة “وجدان” (أنظر علاقتى بهذه الكلمة: فى نشرة 18-11-2007 “ماهية الوجدان وتطوره “.