نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 14-7-2014
السنة السابعة
العدد: 2509
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية
الفصل الخامس:
ملف الوجدان واضطرابات العواطف (4)
وقفة واعتذار وتوضيح
طبيعة الوجدان: هل تصل أسهل للأطفال؟!
ما وصلنى من تعليقات غير كاف، بل هو غير موجود أصلا بما يطمئننى أننى أوصّل ما أريد، فقلت أعيد قراءة ما كتبتُ حتى الآن فى هذا الملف قبل أن أكمل، وإذا بى أجدنى مقتنعا به تماما، بل وفرِحا به جدا، لكننى وجدتنى بين غابة حيرة التعاريف وجفاف التنظير وفرط الفروض وجمود المعاجم، فوجدت فى ذلك ما قد يفسر هذا الصمت الذى وصلنى، وأيضا تلك التساؤلات التى جاءتنى مع بعض التعقيبات وقد توقفتُ عندها لأن لها إجابات شديدة الوضوح فيما نشر!!!
لكننى اعذر الجميع إذْ:
- كيف يمكن أن يقبل طالب معرفة، أو متدرب، أو عالم كل هذا الإصرار على وجود العواطف كأصل بيولوجى جوهرى للوجود؟ وأن تسمَيتَها بأسماء تفصيلية فرعية هى مرحلة فرعية لاحقة قد تساعد فى فهم بعض مظاهرها أحيانا، وقد تحيطها بهالة مناسبة، لكن لا ينبغى أن تحل محل الأصل؟
- وكيف يمكن أن نقبل كل هذا التداخل بين العواطف والإدراك، بعد أن أوضحنا أن الإدراك يكاد يكون وسيلة المعرفة الأقدر، فهى الأوْلى بالعناية والاحترام والاعتبار؟
- وكيف نتصور أن الوجدان (دعونى أستعمل من الآن الكلمة الأصلح لثقافتنا) هو أحد أوجه “الوعى”، فى حين أننا نعترف أن الوعى هو مازال أبعد ما يكون عن التحديد والتوصيف؟
- وكيف أصر على تقديم الوجدان باعتباره “عقلا آخرا”، يتعامل مع المعلومات ببرمجة منظمة فى عملية “اعتمال للمعلومات Information Processing بطريقة موازية تكافئ وقد تفوق ما يسمى التفكير التقليدى (بعيدا عن آليات النجاح الاجتماعى المسماة “الذكاء العاطفى”!!؟) (نشرة 22-6-2014 الذكاء الوجدانى).
- وكيف اصر على أنها برامج بقائية قبل أن تكون تفاعلات وتعبيرات مريحة أو سارة على ناحية أو مزعجة ومرعبة على الناحية الأخرى؟
- وكيف نتعامل مع الأصل ونفحصه وندرسه ما دام كل المتاح لنا هو “اسم” أو “وصف” أو “تعبير”؟
- وأخيرا: كيف تطورت هذه الوظيفة (الظاهرة) عبر تاريخ التطور إلى أن اصبحت بالصورة التى نعرفها الآن، وما علاقة ذلك بتطورها عند الإنسان الفرد منذ الطفولة؟
كنت أنوى أن أبدا فى نشرة اليوم بالإجابة على هذا السؤال الأخير لأنه الأقرب إلى العنوان الأول لنظريتى ونصّه “ماهية الوجدان وتطوره: من التهيج البروتوبلازمى العام إلى المعنى”، إلا أننى وجدت أننى سأبدأ كالعادة بمناقشة المناهج، فازيد الأمور صعوبة على القارئ المتابع، وقد كاد يُتْخَم بهذا التقعير اللغوى فى النشرتين السابقتين.
فجأة، تذكرت ما كتبته كأرجوزة للأطفال فى نفس الموضوع، وبرغم أننى قصدت أن يكون بأبسط الألفاظ واقربها إليهم، إلا أننى حين رجعت إليها الآن، وجدتها الأنسب لتوصيل ما أردت أن أقوله، وأريد أن أكمله، للكبار قبل الصغار، بشكل أو بآخر، خذ مثلا:
(1) العواطف مش حكاية حبّ، أو دمْع الولايَا
هيه لمـَّانِى على بعضِى معايَا،
رحت أتأمل كيف أن الوظيفة الأهم للوجدان عبر التطور هى أن تتناسب مع المثيرات، وتستجيب للمتطلبات، ببرامج تحفظ هذه الواحدية هكذ “هيَّا لمّانى على بعضى معايا”، يا خبر!!
(2) اصل باينْ إنّ يعنِى: إلعواطف عقل تانى
مش بعيد مالأوّلانى
هكذا ببساطة، إذن لا يوجد شىء اسمه أن العقل هو نقيض العاطفة استقطابا، ولا أن الوجدان هو مجرد طاقة دافعية لا علاقة لها ببرمجة المعلومات، بل هى “عقل تانى”، فى تكامل وتكافل مع العقل المفكر الطاغى عادة “مش بعيد ما لأولانى” ، لكنه ليس هو، وليس مثله.
(3) وحين شبهت العواطف بالمهر الجامح، أشرت إلى ضرورة ترويضه بواسطة فارسه الماهر.
العواطف زى ما تكون مُهر جامح
وانت فارِسْ، بس فالح
يعنى راكبهْ تلجّمُه، مش تكتمه
……..
آه: تورِّيهْ انه يطلع كل مطلعْ:
واحده واحده
وامّا يرمح، برضه يرمحْ، واحده واحده
(4) على شرط ألا يكون الترويض هو نهاية المطاف ، وإلا سوف يظل دور الوجدان ثانويا تابعا ، فلحقتُ نفسِى قائلا (ما زلت أوجه الكلام للأطفال):
بعد حبةْ وقت وشوية علامْ،
مش حا تحتاج اللجامْ
تلقى نفسك، وانت فارسْ: إلفرسْ
والفرسْ تلقاه بقى ضِمنِ الحرسْ
يعنى يحرس شطحه من حُسن علامُه،
بعد ما تكون سِـبت إيدكْ مِن لجامهْ
وقد تعجبت الآن كيف جرؤت أن أخاطب الطفل بكل هذه المباشرة، ليكون هو نفسه وجدانه،”تِلْقَى نفسك، وانت فارسْ: إلفرسْ”، ثم لا يعود الفارس قائدا ولا مروِّضا وإنما حارسا أمينا على هذه الثروة المعرفية الدافعة النابضة، وهو يتماهى معها لتكونه فيكونها: “تلقى نفسك، وانت فارس، الفرس، والفرسْ تلقاه بقى ضِمنِ الحرسْ”، ولم أجد حتى الآن غرابة فى أن أخاطب الأطفال هكذا وأنا أتذكر قدرة مجلة ميكى على طرح مثل هذا الخيال بكل ثقة وبكل شجاعة وإبداع.
(5) وقد تأكد لى هذا التماهى بين الوجود وأصل الوجدان فى أرجوزة مكمِّلة فى نفس الموضوع حين قلت (للأطفال أيضا):
العواطفْ تحلـَى خالصْ لمّا تبقى الأصْلانيـّةْ
يعنى نبقى إحنا بيها فينا بينا: يعنى هيـَّهْ
(6) وفى هذا الجزء الثانى جاء أيضا ما يفيد كيف أن هذا التقسيم والاستقطاب بين ما هو عقل وحس وقلب ليس إلا مأزق اضطرارى للوصف والشرح والتقسيم، وأن القدرة المعرفية الوجدانية هى متواصلة بشكل لا يمكن فصله:
يبقى عقلكْ
هوّا حسّكْ
هوّا قلبكْ
(7) وكل ذلك إنما يتم فى محيط وتحت مظلة التواصل عبر ما يسمى حديثا “الوعى البينـ – شخصى” إلى “الوعى الجماعى”، إلى الوعى المطلق إلى وجه الله:
تلقى كل الناس معاكْ،
زى ما ربك خلقهم، مش على رسمةْ هواكْ
تحتملْ إللّى مخالفْ
برضه تفرح باللى يستحمل بلاويكْ، مهما كانت، أصله شايفْ،
ربنا يبارك ويرضى عاللى جارى، واللى كانْ،
يرضى عنّك
غصب عنّك
ترضى عنّه انت كمانْ.
………………..
وبعد
أنا آسف مرة أخرى، فقد شوهت الأرجوزة غالبا، ولكننى أردت أن أعترف بمدى انتمائى إلى هذه الأفكار بهذه الدرجة، دون أن أدرى، حتى خاطبت بها الأطفال هكذا،
وإليكم الأرجوزة مكتملة كما سبق نشرها، ولكن قبل قراءتها أرجوا منكم أن تنسوا كل ماجاء فى هذه المقدمة الشارحة الوصية:
العواطف : الجزء الأول
-1-
…. والعواطف هيَّا خالصْ
آنا زعلان، وانتَ هايصْ،
بس هيّه مشْ مجرّد يعنِى فرحهْ
ولاّ غمّ وهمّ، أو غيظ أو مقاوْحَهْ.
العواطف مش حكاية حبّ، أو دمْع الولايَا
هيه لمـَّانِى على بعضِى معايَا،
-2-
اصل باينْ إنّ يعنِى: إلعواطف عقل تانى
مش بعيد مالأوّلانى
العواطف ما فيهاش إنك تـِتَـنّحْ: يعنى تِتّطمن وبسْ
أو تموتْ فى اللى احتواك مِـنْ دُونْ تحسْ
-3-
العواطف زى ما تكون مُهْر جامحْ
وانت فارسْ، بس فالحْ
يعنِى راكبه تْلجّمهْ،
مشْ تِكْتِمُـهْ
يعنى قصدى تـْعـلِّـمهْ
مشْ تِـشـْكُمُـهْ
آه: توريه انه يطلع كل مطلعْ:
واحده واحده
وامّا يرمح، برضه يرمحْ، واحده واحده
-4-
بعد حبةْ وقت وشوية علامْ،
مش حا تحتاج اللجامْ
تلقى نفسك، وانت فارسْ: إلفرسْ
والفرسْ تلقاه بقى ضِمنِ الحرسْ
يعنى يحرس شطحُه من حُسْن علامُه،
بعد ما تكون سِـبت إيدكْ مِن لجامهْ
العواطف : الجزء الثانى
-1-
العواطف هيَّا حاجة كلـّهَا على بعضهَا
مش ضرورى تسمِّى يعنى كل واحدهْ باسْمهَا
هىّ حلوة بدونْ كلامْ
حتى مش محتاجة حضنْ، أو سلامْ
هىّ حلوة لما تطلع فى أوانها
لما تتحط فْ مكانها
-2-
العواطفْ تحلـَى خالصْ لمّا تبقى الأصْلانيـّةْ
يعنى نبقى إحنا بيها فينا بينا: يعنى هيـَّهْ
لو تعبّر عنها ماشى، قومْ تشاركْ،
لو تعيشها حتى وحدك:
تملا روحك “باللى هـُـوّا”، الله يباركْ.
-3-
لما تتبادِلْها مع غيركْ، تِرَعْرَعْ
هِىّ سـرَّكْ، لو تهدِّى أو تولـّـعْ
سوف تِلقَى الكون دا مليانْ كل حاجةْ
تبقى كاره ما يسمى: اللجاجة والسماجةْ
يبقى عقلكْ
هوّا حسّكْ
هوّا قلبكْ
تلقى كل الناس معاكْ،
زى ما ربَّك خلقْهُمْ، مش على رسْمِهْ هواكْ
تحتملْ إللّى مخالفْ
برضه تفرح باللى يستحمل بلاويكْ، مهما كانت، أصله شايفْ،
ربنا يبارك ويرضى عاللى جارى، واللى كانْ،
يرضى عنّك
غصب عنّك
ترضى عنّه انت كمانْ.