جريدة التحرير
26-11-2011
تعتعة التحرير
الفاتحة للعسكرى، قلع الطربوش وعمل وَلِى !! نجيب محفوظ
هذه الأغنية الشعبية، جاءت فى حديث شيخى نجيب محفوظ منذ ستة عشر عاما، وبالتحديد يوم 2 يناير 1995، وقد أثبتها أولا فى كتابى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” والذى ظهر الكترونيا فى موقعى بتاريخ 5/9/2009 كما اقتطفتها فى تعتعة الدستور الأصلى بتاريخ 2/9/2009. كان ذلك فى سياق نقاشنا المتجدد حول مثل ما تدور حوله حوارات هذه الأيام، كنا كلما ذكرناه باحتمال أن من سيتولون أمرنا قد يكونون من الذين كفروه وكاد يدفع حياته بسبب عماهم، كان يصر أكثر على احترام حق الناس لأن يختاروا من يشاؤون، وأن الزمن كفيل أن يفرز الأحسن من الأسوأ. تصورت أنه لو كان مازال بيننا حتى هذه اللحظة، كان سيرضى بنتيجة رأى الناس حتى لو أتت النتيجة بمن أرادوا اغتياله .
ولأبدأ بإثبات ما سجلته منذ ستة عشر عاما بتاريخ 2 يناير 1959 وظهر حيث ذكرت فى بداية المقال:
2/1/1995
“… رحت أحكى للأستاذ عن ما آلت إليه حال الناس مما يبدو كأنه شكل المحافظة على القيم الدينية، دون التزام بالقيم الإيجابية الإسلامية الحقيقية، فرد قائلا: “ألا يعني هذا أنهم قد كسبوا الوعى المصرى بشكل أو بآخر، فهمت منه أنه لابد من احترام ما وصل إليه مجموع عامة الناس، وأن الحال التى آلت إليه مرحلتنا، والذى يمكن أن نرصده من خلال ما يمكن أن يسمي ”المد الديني”، هو إعلان عن توجه أغلب الناس إلى ما اختاروا أن يتوجهوا إليه، ومادام قد حدث ما حدث، وأنه لا يوجد بديل واضح سوى بعض التكنوقراطيين والبيروقراطيين والعسكر، فلابد من إعطاء الفرصة، أربع سنوات فأربع سنوات، وما يكون يكون فنحن-فى كل مرحلة- لا نستأهل إلا ما هو نحن،
لم أهمد، ورحت أعيد بتكرار سخيف قائلا: “فأنت ترى أن علينا أن نتحمل أربع سنوات حتى تتاح الفرصة لنغير من لم يصلح ليحقق ما كنا نأمله فيه ومنه؟ ليكن، لكن هذه الأربع سنوات قد تمتد لتصل إلى أربعين أو أربعمائة، فيهز الأستاذ رأسه بغير إصرار، ويقول: “كم سنة مرت الآن علي الجزائر منذ أن رفضوا رأى الناس، وكم ضحية ذهبت من الجانبين، لقد كتبت في ”وجهة نظر” آنذاك أنهم لو كانوا تركوا الجزائر لجبهة الإنقاذ، إذن لكنا احترمنا رأى الأغلبية، ثم لأظهرت السنوات الخمس التى تولوا فيها الحكم مدى صلاحيتهم، وربما كانوا قد فشلوا بعد هذه السنوات في الحصول على الأصوات التي سلمتهم الأمر”، فيقول محمد إبنى - أحد حضور الجلسة- إن أول شىء سوف يعملونه هم أنهم سيغيرون الدستور ليحولوا دون احتمال زوالهم، لأنهم سيعتبرون زوالهم ليس زوال الأشخاص وإنما هو رفض الإسلام، إن المصيبة أن القانون الذي سيأتي بهم لن يبقي قائما ليزيلهم ، فيقول الأستاذ “ولو!، إن التجربة كفيلة أن تعلمهم وتعلمنا أن أحدا لا يستطيع أن يقف في وجه التطور أو الواقع إذا ما استمر الخطأ أو الفشل أو الفساد، لقد أعلن رئيس إمبراطورية نووية (يقصد روسيا) انهيار كيان إمبراطوريته حين أدرك حجم الواقع المر الذي وصلوا إليه نتيجة تجاهلهم لغة المرحلة الزمنية التى يعيشونها، وإغفالهم نبض الناس، “ثم يضيف” لقد تحملنا خمسين سنة (مازال الحديث سنة 1995) فلنجعلهم خمسا وخمسين، ستين!، ماذا سنخسر أكثر؟ ثم يستطرد: إن حدس الشارع المصرى حين كان يغني الناس: ‘الفاتحة للعسكري، قلع الطربوش وعمل ولى”كان يشير إلى عمق وعى الناس الساخر وهو يكشف كيف أن الحاكم الدينى المتسلط، ليس إلا حاكما عسكريا دكتاتوريا يلبس عمامة، بعد محاولة تخفيه بخلعه الرمز العسكرى (الطربوش)، هذا الحدس الشعبى هو الذى سيزيح العسكر، وهو هو الذى يستطيع أن يزيح مدعى الولاية تحت أى اسم سلطة، الواحد تلو الآخر !!…”
(انتهى المقتطف مع تعديل طفيف للإيجاز)
حين أعدت قراءة ما كتبت منذ ستة عشر عاما على لسانه لم أكد أصدق ورحت أراجع ما نحن فيه الآن 2011، وما ثار حول دور الجيش، والشكوك فى تواطئه مع الاخوان فى البداية وربما حتى الآن، بل والشكوك فى تواطئهما معا مع عناصر خارجية لها مصالح فى انهيار الاقتصاد الوطنى، وإجهاض الزخم العربى القومى، لصالح الاحتكارات المالية العولمية، ثم ما أثير بعد ذلك من تنافس هذين الفريقين فى إرضاء الأيدى المحركة، ثم انتباه الثوار والشباب وعموم المصريين إلى كل هذا حتى كاد الأمر ينتهى إلى أن يكون العسكر والاخوان (أو الاسلاميين) فى ناحية، والثوار والمصريون فى الناحية الأخرى، رحت أراجع كل هذه الظنون ولا أحسم فيها رأيا، لكنها هى التى جعلت أغنية الاستاذ ترن فى أذنى وتصورت لو أن جماهير التحرير يعرفونها ويعرفون تاريخها لغنوها فى ميدان التحرير إما ليعروا اتفاقا لسنا متأكدين من صحته، وإما لينبهوا المجلس العسكرى إلى أن أية اتفاقات تحتيه سوف يكشفها الشعب بذكائه وثوريته وقوته.
حضرنى الأستاذ وكأنه لم يرحل فعدت كعادتى أتعلم منه بعنادى وغبائى معا وهو يقرص أذنى وينبهنى إلى احتمال أن المجلس “العسكرى” لم يقلع الطربوش ويعمل وليا، وإلا لما أصدر الوثيقة التى اختلف عليها مع التيار الاسلامى، فأعود أشكك فى ذلك وأشير إلى احتمالات وراء الكواليس، وأخبره عن تصريحات الست كلينتون المشبوهه بأن أمريكا ليس عندها مانع أن تتعاون مع الاسلاميين إذا جاؤوا باختيار ديمقراطى، فيسألنى وما اعتراضك على هذا؟ فأقول له إنها ديمقراطية ملتبسة، ثم إنى أعترض على الذين يسيرون أمريكا وحكام أمريكا، نحن بالنسبه لهم لسنا إلا مواد خام وأسواق غبيه وتابعون، ثم إن القوى الأمريكية الوطنيه نفسها تحاول أن تنقذ اقتصاد أمريكا من هذه الألعاب المالية العالمية الشرسة، فيقول لى، ها أنت ذا قلتها، فلتحاول أية أغلبية تأتى بها انتخاباتنا أن تنقذ اقتصاد مصر، وأموال مصر، ومواد خام مصر والعرب من هذه القوى نفسها، وإلا فنحن لا نستأهل إلا ما يريدونه بنا، أو يحيكونه لنا، كل ما علينا هو أن نحترم الانتخابات القادمة ثم نرصد أداء من يكسبها حتى نتبين تقاعس أو خيانة من تولى أمرنا إذا حدث ذلك، فنحل محلهم من يحافظ على استقلالنا الاقتصادى، واسهامنا الابداعى، وكرامتنا الانسانية، فأقول له: يا خبر، ومتى يكون ذلك، فيقول: نحن وشطارتنا.
ياه!! يا شيخنا الجليل
حاضر! نحن وشطارتنا.