الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / العولمة الجارية؟ كيف وإلى أين؟ نوعان من التواجد البشرى

العولمة الجارية؟ كيف وإلى أين؟ نوعان من التواجد البشرى

“نشرة” الإنسان والتطور

16-1-2008

العدد: 138

العولمة الجارية؟ كيف وإلى أين؟

نوعان من التواجد البشرى (1)

مقدمة

تساءلنا فى يومية أمس عن “هل عندنا ما نضيفه”، وانتهينا بالاجابة أن “نعم”، وإن كنت اعترفت أن ما عندنا ليس محددا، ولا جاهزا، ولا حاضرا للاستعمال الآنى ناهيك عن التصدير!!

لكننا تساءلنا فى نفس الوقت من نحن هؤلاء الذين تشير إليهم بـ.. “عندنا”؟ فى مقابل ما عندهم؟

وهل مازال مجال فى العالم للحديث عن “نحَنَ” و”هم”؟

الأغنية القديمة التى كنا نغنيها أطفالا حين نقسم أنفسنا إلى فريقين للعب أو التنافس فى أى مجال كانت تقول “يا احنا يا همّا يا كوم الريش، همّا يموتوا، واحنا نعيش“، أظن أن الأوان قد أن تتحور الأغنية إلى: “إحنا وْهمّا وغير ده مافيش، هما يعيشوا واحنا نعيش“، لكن الحذر كل الحذر هو أن يتم ذلك من خلال الميوعة، أو التوفيق الساكن، أو التلفيق، أو الحل الشويَّاتى أو الحل الوسط (يومية 13/1 “عن الثقة والتخويْن وحركية النمو” ، يومية 15/ 1 هل عندنا بديل؟)، كل هذا باطل وعمره قصير.

فما هو غير الباطل ذو العمر الأطول.

لقد آن الأوان ان نتوقف عن تقسيم العالم جغرافيا أو عقائديا، ليس بادعاء أممية جديدة، ولكن سعيا إلى الوعى بإنجازات البشر الأحدث فى كل مكان، وهى التى يمكن أن تسمح لهم أن يرتقوا ليحافظو على نوعهم ولو اقتداءً بالنمل الأبيض مقالة الأهرام 31-7-2007 (…. أدنى من النمل الأبيض).

بهذه المداخلة أحاول أن أضئ زاوية صغيره قد تساعد فى هدايتنا إلى بعض هذا التوجه.

حديث معاد

كثر الحديث عن العولمة، وعن العالم الذى أصبح قرية صغيرة، وعن ثورة الاتصالات التى سمحت للإنسان المعاصر بأكبر قدر من الحرية‏(حرية ماذا؟‏)‏ عبر التاريخ، وعن الشفافية التى جعلت كل شئ متاحاً لكل أحد، وعن النظام العالمى الجديد الذى به حلت “نهاية التاريخ”‏!!!,‏ وعن صراع الحضارات الذى لابد بالتالى أن ينتهى لصالح الحضارة المنتصره،[‏على فرض ان الحضارة الامريكية قد إنتصرت جدًا، إذا كانت قد وجدت اصلا‏!!].‏

“كيف” الجنس البشرى الأن”

يبدو أن كل ذلك قد شغلنا عن الأهم والأولى بالنظر، وهو محاولة التساؤل بعد كل هذا، ومع كل هذا عن‏:‏ إلى أين‏..‏؟‏(و‏)‏ إذن ماذا؟‏، وقبل ذلك: من نحن – الجنس البشرى – الآن؟

ونحن إذ نتساءل نحاول أن نرتقى بوعينا وفعلنا إلى مسئوليتنا عن وجودنا، وعن نوعيته، هذا إذا كان لنا أن نختار ما فضلنا الله به، وهو الوعى بما هو نحن، ومن ثم الإسهام فى اختيار ما يمكن أن نكونه‏.‏

لقد أنهى بيل جيتس كتابه الطريق يمتد قدما (‏1995)‏ المترجم باسم المعلوماتيه بعد الانترنت ‏(فى سلسلة عالم المعرفة ترجمة عبد السلام رضوان (مارس‏1998)‏ بأمل واعد يقول‏…‏ ويمكننا بالتأكيد أن نواصل توفير برمجيات أفضل وأفضل من أجل جعل الكمبيوتر الشخصى أداة تمكين معممه فى كل مكان‏…”‏ ولم يقل، ولا يبدو أنه شغله أن يقول لنا، أداة تمكين من ماذا؟ ولا أداة تمكين للوصول إلى أين‏..‏؟ اللهم إلا إشارة عابره لانشاء شركات جديدة، وعلوم جديدة تحقق ما يتصوره عن تحسيننوعية الحياة‏.‏

فهل يوجد تعريف إجرائى لنوعية الحياة التى نريد ان نحسنها؟

أهى إطاله العمر،

أم مجتمع الرفاهية،

أم أوهام الحرية،

أم تعميق الوعى والإمتداد الايمانى،

أم مزيد من تأنيس الإنسان؟‏.‏

كذلك انهى الكاتبان هانز بيترمان، وهارالد شومان كتابهما فخ العولمة‏(المترجم أيضا فى نفس السلسلة أكتوبر‏1998‏ ترجمه د‏.‏ عدنان عباس) بعرض عشرة أفكار رائعة لإنقاذ اوروبا من غباء العولمة ‏(الأمريكية‏)،‏ وليس لإنقاذ الجنس البشرى من الانقراض المحتمل،

وقد بدت لى هذه الافكار الغربية التى لوح بها المؤلفان بدت لى أفكاراً مثالية خاصة بهم جداً، آملة، وقصيرة الأجل‏.‏

سوف اتجنب أن أركز على فتح ملف الفروق بين ثقافة الشرق‏(المتخلف أو الوجدانى أو الإشراقي‏)‏ وثقافة الغرب والشمال‏(المتقدم، البالغ الوفرة، المحقق للرفاهية‏)‏ فهو ملف مفتوح دائما، والنقاش فيه مغلوط عادة،(مثلاً بالمعايرة أو التشفى أو الفخر والهجاء).

كذلك لن أحاول أن أعدد فضائل الأخلاق‏(المنقرضة)‏ التى كنا نتمتع بها، أو التى يمكن أن نفخر بها، أو التى ينبغى أن نتصف بها فمثل هذه الدعوات لا جدال حول وجاهتها، (وكذبها أحياناً) من حيث أنه على الإنسان أن يكون على خلق عظيم، سواء بإحياء تعاليم دينه او باتباع مواثيق حقوق الإنسان، أو بأية دعوى مثالية براقة،

إن المطلوب الآن ليس محاولات التوفيق بين الماضى والحاضر، أو بين الشرق والغرب، وإنما المطلوب هو محاولة التساؤل المبدئي‏ عن جوهر ما هو نحن، وإلى أين.

الزعم بأن العولمة المعروضة فى الوقت الحاضر من الأسياد السابقين قد أزالت أو أنها تزيل الفروق بين الناس عبر العالم هو زعم خبيث متعجل؟

على كل واحد، وجماعة، وشعب أن يبحث أين هو، وأن يبدأ من حيث هو، ليفيدنا نحن جميعا معا – بما- يستطع.

عولمة واحدة أو عولمات عديدة؟

يقول بطرس غالى فى شأن العولمة حالة كونه سكرتيراً للأمم المتحدة‏:‏ ليست هناك عولمة واحدة، بل ثمة عولمات عديدة، فعلى سبيل المثال، هناك عولمة فى مجال المعلومات، والمخدرات، والاوبئة والبيئة، وطبعاً، وقبل هذا وذاك، فى مجال المال أيضا، ثم يتكلم غالى عن الجرائم العابرة للحدود كما يتكلم عن الأموال العابرة للحدود،

لكنه، ربما من باب الحذر- لا من قبيل الغفلة- لم يشر إلى عولمة التدين، وعولمة التوحيد، والأخلاق الحميدة العابرة للحدود، والوجود الإيمانى العابر للحدود‏.‏

المبدعن حاولوا ويحاولون

تناول ديستويفسكى حضور الله سبحانه فى وعى الإخوه كارامازوف واحداً واحداً ليعلن بطريق مباشر أو غير مباشر أن هذا المتغير “حضور الله فى الوعى”، هو أساسى فى بناء الشخصية، ومن ثم فى تحديد نوعية الحياة، بحضورها الآنى فى الفعل اليومى، يستوى فى ذلك تسليم إيفان الملحد بأنه‏..‏ “إذا فقدت الإنسانيه هذا الإعتقاد بالخلود فسرعان ما ستفيض جميع ينابيع الحب‏..(و‏)‏ أكثر من ذلك أنه “لن يبقى شئ، يعد منافياً للأخلاق، وسيكون كل شئ مباحاً، أو رأى ديمترى أنه‏:‏ إنك إذا أنكرت الله تنتهى إلى زياده سعر اللحم‏..‏ الخ‏.‏ وقد فسرت المؤسسات الدينية أن هذا الحدس الابداعى ليس إلا دعوة إلى الدين الفلانى أو إلى التدين بالشكل العلانى، مما أفسد غائية هذا الإبداع النابض.

كذلك ظل نجيب محفوظ يلح حول هذه القضية بكل إصرار ومثابرة من أول زعبلاوى حتى الحرافيش إلى أصداء السيرة، مارين “بالطريق” دون استبعاد “أولاد حارتنا”، ومن أنصت إلى عمر الحمزاوى فى الشحاذ وهو يستمع لذلك الصوت يعاتبه فى نهاية الرواية إن كنت تريدنى، فلم هجرتنى، لابد أن يدرك أين وضع محفوظ هذه القضيه محوراً فى تحديد نوعية الوجود البشرى.‏

كل ذلك وغيره خليق بأن يلح علينا بضرورة اكتشاف وتاكيد حقيقة جوهرية فى الوجود البشرى تقول‏:‏

إن وجود الله – بالمعنى التكاملى الآنى والممتد- هو ضرورة حيويه ليكون البشر بشراً، وأن هذه القضية يستحيل أن تكون مجرد مسألة منطقية شبه عقلية، ناهيك عن أن تختزل إلى إستسلام دينى غيبى.‏

وجود الله: متغير أساسىّ فاعلٌ هنا والآن

إننا ونحن نتناول هذا التمادى المطرد فيما هو أدوات التمكين التى تتيحها لنا وسائل الحياة المعولمة، لابد وأن نضع هذا المتغير الأساسى فى حسباننا، وإلا فسوف نستدرج إلى التسليم ضمنا بموقع العقيدة والإيمان كإضافات اختيارية ‏Options (مثل كماليات السيارات‏)‏ يمكن أن يتحلى بها من يشاء بعض الوقت تحت زعم أن الدين لله والوطن للجميع، أو أن ما لقيصر لقيصر وما لله لله وكلام من هذا، مما يخدعنا تحت وهم تسامح كاذب لا يصل إلى عمق حقيقة التواصل البشرى تحت مظلة الحق‏..‏ سبحانه وتعالى طوال الوقت.‏

حين نتكلم عن وجود الله، حتى نتجنب الاختزال والاحتكار، نشير إلى حضور ماثل هنا والآن وأبدا، وبذلك يستبعد التعيين المحدد لذاته التى ليس كمثلها شئ – استغفر الله -، وكذا يستبعد الاغتراب المنفصل، حاشا لله.

إننى أزعم أن هذه المسألة: وجود الله سبحانه فى الوعى البشرى (أقرب من حبل الوريد) وفى نفس الوقت فى الكون المفتوح (وسع كرسيه السماوت والأرض) أزعم أن وجود هذه الحقيقة الماثلة “هنا والأنكمتغير فاعل طول الوقت هى الجوهر الذى ينبغى أن نعتنى باستعمال الأدوات الأحدث لبرمجته بطريقه تميزنا نحن، وفى نفس الوقت قد تضيف إلى احتياجاتهم ما يمكن أن ينقذهم من أوهامهم حول الإكتفاء بالحرص على الرفاهية والتنافس الكمى المتنامى، والاستغناء عن الله بآثاره الفنية فى إبداعهم؟ مع أنه باعتراف أكثرهم إبداعاً هو حاضر مضئ فى كل ابداع أصيل.

نوعان من التواجد البشرى  

يبدو أن الحياة البشرية المعاصرة تختلف نوعياً إذا كان الله موجوداً بمعنى: “الآن، والوعى، والوصْل، والامتداد” عنها إذا ما أنكرناه أو أبعدناه أو حددنا أوقات لقائه دون غيرها أثناء العبادات أو أيام الأحاد أو الجمع‏!‏ ولعل هذا، فى رأيى، هو الفرق بين الإسلام الموقف الوجودى، (وما يقابله فى أى دين لم يتشوه) وبين الإسلام المغترب، او المختزل، او الإسلام المستعمَل من الظاهر لتولى سلطة، أو إعلان وصايه، وبألفاظ أخرى: بين الإسلام الفطرة وبين التشويهات التى لحقت بممارسات الإسلام المؤسسة.

أن التاريخ الحيوى للتطور يعلمنا أن أى نوع من الأحياء ينقرض إذا تمادى عدم التناسب بين مجالات وجوده، ونوعيات قدراته، وطبيعه فطرته، وأيضا ينقرض نتيجه عدم التناسب بين احتياجاته ومعطيات الوسط المحيط، هكذا تعلمنا دروس إنقراض الديناصور مثلا حين تمادى عدم التناسب بين ضخامة جسده وصغر حجم مخه وسرعة حركته (وإن كان هذا الزعم يعاد النظر فيه مؤخرا) إلخ، وما تعرضه علينا الآن أدوات العولمه يكاد يضعنا فى موقف مشابه اذ نتهدد بدرجة من عدم التناسب بين سرعة الحصول على المعلومات وبين إمكانية استيعابها، وايضا بعدم التناسب بين غلبة الحسابات الظاهرة على حسابات الحس الكونى التناسقى الإيمانى التواصلى الاعمق‏.‏

إن الحياة تختلف كل الإختلاف إذا كان هذا العامل المشترك الأعظم (الحق سبحانه وتعالى) موجوداً وجوداً حيّا حقيقيا غير مؤجل، عنها إن لم يكن موجوداً‏ فى وعى الناس.

الإحسان الذى هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ليس له عندى تطبيق عملى إلا ما أعنيه من حضور الله فى الوعى، فى الكون معاً طول الوقت.

أننى أتصور أن المسألة كالآتى‏:‏

هناك نوعان أساسيان متميزان من الوجود البشرى يطرحهما التاريخ بوجه حق، ويؤكدهما الحاضر،

النوع الأول هو النوع الذى يقف شامخاً فخوراً لينتهى وجوده عند أعلى نقطة فوق هامة رأسه وقد زانه عقله ولمّعته أدواته ‏(وهو ما يمثله اغلب – وليس كل- ما يسمى الحضارة الغربية الشمالية التكنولوجية، الخ‏).‏

هذا النوع الذى تمثله هذه الحضاره قبل إفاقتها مؤخراً هو نوع جميل البريق وافر الرفاهيه كثير المواثيق المكتوبة رائع الإنجاز، رضى بواقعية آنية أعفته من الإفراج عن وعيه الأعمق الممتد عبر البشر وعبر الأكوان‏.‏

أما النوع الثانى فهو الذى تمثله الحضارات الممتدة إلى “الما بعد“، بأشكالها التوحيدية التواصلية النابضة لا يحد وجودها عقل ظاهر، او وصاية إمكانيات، او تكنولوجيا آلات مهما بلغت قدراتها المحدودة‏.‏

إن هذين النوعين من الوجود يختلفان اختلافاً جوهرياً، بحيث تصطبغ الحياة بطعم مغاير عند من يعيش هذا النوع أو ذاك، على الرغم من تشابه الأدوات والإمكانات المتاحة‏.‏

أتصور أن كل المؤمنين من كل الأديان التى لم تُشوّه، ذلك الإيمان الفطرى الأولى الذى يتجلى فى ممارسات دينية مختلفة، متضفرة، وضامة فى آن، ينتمون إلى هذا النوع الأول من الوجود، بل يبلغ بى الأمل فى رحمة ربنا أنه يضيف إلى هذا النوع كثيرا من المبدعين الذين يبتغون وجهه تعالى حتى لو لم يعلنوا ذلك صراحة أو يعرفوه أو يعترفوا به.

إن حقيقه وجود الله فى كل مكان وزمان هى حقيقة لا تتجلى فعلاً يومياً إلا إذا ملأت الوعى البشرى طول الوقت، وهى حقيقة قد اثبتتها – برغم أنها لا تحتاج إلى إثبات- اختبارات التاريخ، لا حجج العقل، أو خطابة المفسرين، إن العودْة الجماعية إلى الممارسات الدينية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى لا ينبغى أن تؤخذ لصالح المؤسسات الدينية التقليدية، وإنما هى تتجاوز ذلك باعتبارها إعلانا يقول: إن الإنسان – متى ما اتيحت له الفرصة – يسارع بأن يستكمل وجوده ويصحح اختزاله لا أكثر.

هل آن الآوان؟

هل قد آن الأوان لإفاقة شاملة فى الوقت المناسب لكى نعد برمجياتنا الجديدة ونحن نضع هذا المتغير المتكامل فى بؤرة وجودنا.

إننى أتصور أن التمادى فى تقديس الحضاره الكتابية قد أدى إلى إهمال الحضارة الشفاهية حتى أصبح احترام ميثاق حقوق الإنسان مثلاً أهم من احترام الإنسان نفسه، وأيضاً أصبح الإلتزام بمواد القوانين المكتوبة ‏(بما فى ذلك حذق التحايل عليها‏)‏ أهم من الالتزام بما كتبت هذه القوانين من أجله.

إن وجود الحق سبحانه وتعالى كحقيقة يومية طول الوقت هو الذى يمكن ان يقرب بين ما هو مكتوب وما هو معاش‏.‏

كثير من الخيال كثير من الشطح

كما قلت أمس: ليس عندى اقتراحات محددة، لكن هل تسمحوا لى باستحضار خيالكم معى ونحن نتساءل:

هل يمكن برمجة برامج قادرة تستطيع أن تصنف إنجازاتنا الفردية والجماعية، لنعرف من خلالها إن كانت خطواتنا تسير فى الاتجاه الصحيح الذى يعمق إنسانية الإنسان، أم أنها تتعملق فى ذاتها لذاتها كوسيله بلا هدف واضح، او هى تسعى نحو هدف هدام؟

إننى أتصور أن هذه البرامج ربما تشبه برامج كشف فيروسات الكمبيوتر، التى تختبر أية تداخلات غريبة على فطرة الإنسان كما خلقها الله، تدخلات يمكن أن تضرب المحتوى، أو العتاد أو البرامج الصالحة.

على هذا القياس دعونى آمل (أتخيل) أن نصل إلى ابتداع برامج تقيس إنجازنا اليومى فردا فردا، فتجيب لكل واحد منا عن أسئلة بسيطة يعتبر نسيانها هو آفة اغترابه وهلاكه، (ثم هلاك نوعه) أسئلة تحدد له نوع انجازه هذا اليوم ‏- مثلا – سواء اشترى فيه عربة جديدة، أم أصدر قراراً برفع ثمن دواء مهم فى شركة أدوية لتكسب شركته اكثر، أم شاهد غروب الشمس، أم ساهم فى إطعام جائع لا يعرف جنسيته أو دينه‏، هل يمكن أن تتصور كيف يكون العالم لو انتبه كل منا إلى توصيات هذا البرنامج قبل أن ينام كل ليلة، ليعلم إن كان هذا الذى أنجزه طول يومه قد زاده إمتداداً فى الكون‏(إيماناً‏)‏ أو قرباً من آخر‏(حباً‏)‏ أو عمقاً فى الوعي ‏(ابداعاً‏)،‏ أم أن العكس هو الذى حدث‏.‏

الحاجة إلى ملايين الأنبياء

كتبت فى “حكمة المجانين” منذ أكثر من ثلاثين عاما “لسنا فى حاجة إلى دين جديد، ولكننا فى حاجة إلى ملايين الأنبياء” ربما هذا ما كان يعنيه محمد اقبال كما ذكرت فى يومية السبت 13-1-2008 “عن الثقة والتخويْن وحركية النمو” تفسيرا لختم النبوة بمحمد عليه الصلاة والسلام،

أهم شئ أن أكبر ما يميز ملايين الأنبياء هؤلاء، هو أنهم ليسوا أنبياء.

لم يعد هناك مجال لهبوط الوحى على نبى جديد على الرغم من ظهور ديانات شاذه ومريبة كل يوم فى كل مكان يسمح بذلك،

لكن الذى حدث أننا استبعدنا الفاعلية الابداعية الخلاقة للأديان القائمة بالجمود أو بالإنكار فلم تعد تساهم باعتبارها فعلاً يومياً نحدد به ما حاولتُ فى هذا المقال

ولن تستعيد العبادات دورها الرائع فى تسليك مسار الانسان إلى مطلق الطبيعة فالكون توجهها إلى الحق سبحانه وتعالى، إلا إذا انفتحت كل ابواب الاجتهاد والابداع فيها بأقل قدر من الوصاية والاحتكار.

ثم علينا أن نبحث كيف نضع الإبداع الأصيل فى مكانه الحقيقى الذى يفتح أبواب ونوافذ الوعى انطلاقا إلى وجه الحق تعالى لحفظ هذا النوع الرائع الذى اسمه “الإنسان”.

وبعـد

هل هناك علاقة بين كل ذلك وبين ممارسة الطب النفسى عموما، وفى ثقافتنا نحن بوجه خاص؟

الإجابة هى “نعم”

ولسوف نرى

[1] – كتبت أصل هذه المداخلة ونشرت فى الاهرام بتاريخ 14-5-1999 بعنوان “العولمة ونوعية الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *