أخبار الأدب
نشرت بتاريخ: 27 يناير 2013
نبض الناس
العامية والفصحى والمعاجم المتاحف!
أنا أحب لغتى العربية الفصحى حبا جما!، وأحب أيضا، وجدّا، لغتى العامية المصرية الجميلة، وحين أبحث عن كلمة مثل “الحزن” فى أى معجم عربى أتعلم عن ظاهرة الحزن أكثر بكثير مما يصلنى من التراجم من المراجع العلمية النفسية، ذلك لأننى أجد فى معاجمنا نبضا وتاريخا وحركة تكشف الظاهرة البشرية بما ينير لى طريقى أثناء ممارستى مهنتى وأنا أتعرف على الثقافة القائمة فى جذورها العميقة، ثم إنِّى لم أستطع أن أكتب حتى حوار رواياتى وقصصى بالعامية مع استمرار عشقى لها، كما أننى تعرفت على حضارة العرب مِن مَنْ ملك ناصية هذه اللغة من الشعر الجاهلى، إلى القرآن الكريم وما بعده، أكثر مما وصلتنى من مزاعم المؤرخين المصفقين أو المشوِّهين، وأقرب مما يدعيه القوميون المعاصرون. هذه لغة عبقرية لا يمكن أن يخلّقها إلا وعى حضارى أصيل، نحن المعاصرين مسئولون عن اندثاره.
برغم كل ذلك فأنا أخاف من وصاية معاجمها المحيطة مهما كانت أصيلة ورائعة، لأننى أعتبر المعاجم ليست إلا علامة تاريخية جيدة على مرحلة تطور لغةِ ما، وشعبٍ ما، وما لم تفتح المعاجم صدرها لاستقبال حيوية وحركية اللغة من الشعر والشارع (مقال الأسبوع الماضى) فإنها ستنقلب سجنا ليس للغة أهلها فحسب، بل لتطورهم أيضا، (تدخل اللغة الإنجليزية كل عام 450 كلمة جديدة، فكم كلمة تدخل عربيتنا الفصحى؟).
فى تنافس شديد بين حبيبتى الفصحى، وعشيقتى العامية المصرية، كسبت الثانية بعض جولات شعرى حتى اضطررت أن أعتذر لحبيبتى الفصحى فى مقدمة ديوانى بالعامية “أغوار النفس” الذى قمت بشرح متنه فى مرجع إلكترونى فى موقعى باسم “فقه العلاقات البشرية”، قلت فى ذلك:
طَبْ وحَبيبْتِى؟.. راحَ اقولّها إيه؟
إِللى ما عمرها قالت لأ،.. ولا “مِشْ قادره”
ولا فيها شئ يتعايبْ: حلوهْْ، وغَنِـيّهْ، وبنت أصولْ!
معْلشِّى النُّوبهْ، المّرا دى سَمَاحْ.
أصل الَحُّدوَتةْ المّرا دِى كان كُلــَّـهاََ حِسّ،
والحِسْ طَلِعْ لِىِ بالعَامَّى بالبَلَدى الحِلْو، والقلم اسْتَعْجلْْ.
ما لحِقْشِى يتْرجمْ، لَتفوتُـه: أيُّهاَ هَمْسَةْ، أَو لَمْسَهْ، أو فَتْفُوتِة حِسّ.
معلشى النوبهْ.
وَاهِى لسَّهْ حَبِيْبتِى..،
حتَّى لَوْ ضُـرَّتْها غَاِزيّهْ، بِتْدُق صَاجَاتْ.
وبرغم فضل المعاجم على تعرفى على لغتى العربية العبقرية الأصيلة التى صالحتنى على حضارة العرب أكثر من جمال عبد الناصر، إلا أننى عانيت من وصايتها على حركية اللغة وإحيائها بما يشمل تفسير القرآن الكريم.
رحت أصارع المعاجم – خاصة حين أكتب شعرا بالفصحى – بكل احترام لقيمة ما هو “متحف”- حتى صرّحت بذلك فى قصيدة تقول:
يا ليتَ شعـْرى لستُ شاعرَا:
لا أضرب الدفوفَ فى مواكبِ الكلامْ،
ولا أدَغْدِغُ النغمْْْ.،
لا أنحتُُُ النقوشَ حولَ أطرافِ الجُـمَلْ، أو أطلبُ الرّضَا.
ولا أقولُ ما يقرّظُ الجمالَََ..، (يحتضرْ!)،
أو يُسكر الثوّار بالأمل.
-2-
تدقُّ بابى الكلمهْ، ..أصدّها.
تُغافل الوعْىَ القديمَِ، .. أنتفضْ.
أحاولُ الهربْ،
تلحقنُى، أكونُها، فأنسلخْْ.
-3-
أمضِى أغافلُُُ المعاجِمَ الجحافلْْْ،
بين المَخاض ِ والنحيبْ.
أطرحُنِى: بين الضياعِ وَالرُّؤَى،…،
بين النبىِّ والعدَمْ.
أخلـّـق الحياة أبتعثْْْ، أقولُنى جديدا،
فتولًدُ القصيدةْ.