نشرة “الإنسان والتطور”
نشرة السبت: 11-3-2017
السنة العاشرة
العدد: 3479
الطبنفسى الإيقاعيوى التطورى (170)
القواعد الأساسية، والفروض الهادية
مقدمة
عند رجوعى إلى نشرة الاثنين الماضى وجدت أنها كانت عرضا موجزا لما اسميته “الخطوط العشرة”، فتذكرت أننى قد سبق لى أن كتبت تحت صفة “العشرة” عددا من المنطلقات أو المبادئ أو الافتراضات الأساسية، فرجعت أبحث عن ما سبق حتى لا تختلط ذلك الأوراق، فوجدت أننى فعلا فى نشرة سابقة بتاريخ 12 فبراير 2017 كتبت تحت عنوان فرعى يقول: “المنطلقات العشرة”.
يا ترى هل أى من المتابعين قد لاحظ وجه الشبه أو الفرق بين النشرتين، ولماذا “عشرة” هنا و”عشرة” هناك؟ وما هى الفروق؟ وإن كانت ثمة علاقة، فما هى؟
بصراحة رحت أطرح هذه الأسئلة على نفسى، ووجدت صعوبة فى الإجابة ، وبالذات لم أجد تفسيرا للرقم “عشرة”، ورفضت تماما أى تشبيه أو اقتراب من الوصايا العشر.
وسوف أعيد نشر العشرتين من النشرتين معا حتى يمكن المقارنة أو التكامل إن وجد، وذلك بعد أن غيرت العنوان، ووضعت هامشا (لا عنوانا) قبل كل فقرة.
النشرة الأولى بتاريخ 12-2-2017
القواعد الأساسية
(كانت: المنطلقات العشرة)
أولاً:
ربى كما خلقتنى
إن الطبيب يتعامل مع “الظاهرة البشرية” ممثلة فى فرد منها كما خلقها بارؤها، وقد أصابها ما أعاقها أو شوَّهـَهـَا أو انحرف بها إلى غير غايتها الطبيعية، فهو لا يتعامل مع مجموعة أعراض أو أسماء أمراض فحسب.
ثانياً:
فن الطب وتنشيط الوعى
إن الطبيب النفسى يمارس مهنته أساسا من خلال تنشيط مستويات وعيه بالإضافة إلى علمه – دون قصد إرادى ولكن بمجرد انتمائه إلى الحياة كما وهبنا الله إياها – للمشاركة فى إعادة بناء ما اهتز أو تخلخل أو تشوه فى الظاهرة البشرية التى يتصدى لمساعدتها، وليس فقط من خلال تسجيل ملاحظاته والربط بين مفردات ما جمع لفظيا.
ثالثاً:
برامج البقاء من تسبيح كل شىء إلى الإيمان بالغيب
إن دوائر توازن الوجود، بدءًا بذكاء المادّة (1)، إلى مطلق تناغم حركية تخليق إبداع الوعى المتنامى، مرورا بالعقل الوجدانى الاعتمالى (2)، إلى الغيب، هى برامج متواصلة مع بعضها البعض بقوانين قد لا يثبتها إلا استمرار من استمرَّ من الأحياء فى الكون دون انقراض بفضل خالقها حتى الآن!!.
رابعاً:
دوامية الإيقاع بغض النظر عن تعريفه أو رصده برموز زمنية
إن هذا كله يتواصل باستمرار بإيقاع تناسقى عملى دائم سواءً وصل ذلك إلى تسميته بمصطلحات لفظية، أو علمية، أو دينية ، أو لم يصل (كما هو الحال عند سائر كل شىء: أحياء وغير أحياء لم تَعُقْهُمْ لغة مغتربة أو اغتراب خبيث).
خامساً:
الوجود لا يحتاج إلى إثبات وجوده
إن مظاهر هذا الهارمونى المتوازن والممتد لا تحتاج إلى إثبات من خارجها، وهى لا تُنْكِرُ أىَّ حضورٍ فوقىٍّ مسئول عن وجودها فدوامها واضطرادها فبقائها، ولا تتنكر له. بل تستعين به وتتواصل معه وتتوجه إليه.
سادساً:
الاستغناء عن الأسماء
إن كل ما هو دون الإنسان، وغير الإنسان يمارِسُ كلَّ هذا، دون دراية ظاهرة، أو إرادة معلنة، وغالبا دون أن يسميه تدينا أو إيمانا أو إبداعا .
سابعا:
هذه الفروض تُثْبَتُ بالتطبيق وليس بالضرورة بالتحقيق
إن النتائج العملية التى تقاس بمقاييس النمو والتطور والإبداع، بما فى ذلك استيعاب برامج البقاء إلى تنشيط حركية الإبداع نحو تخليق الإيمان هى التى يمكن أن تدعم هذه الفروض بتصاعد تدريجى، فهذه الفروض تثبت بالتطبيق لا بالتحقيق.
ثامناً:
وراثة الجينات تكتمل بوراثة الميمات
إن الوراثة تشمل انتقال الميمات، والميم هو “وحدة المعلومات الثقافية” التي يمكن نقلها من عقل لآخر بطريقة مشابهة لانتقال الجينات من فرد لآخر خلال عملية التكاثر حيث تعتبر الجينات وحدة المعلومات الوراثية (3)
تاسعاً:
الإيقاع الحيوى ينظم الطاقة لاستيعاب المعلومات باضطراد مستمر
يولد الشخص بنسب متفاوته بالنسبة لزخم حركية الطاقة مع احتمال وجود بعض ما تراكم من معلومات كأجسام غريبة، تحتاج إلى اجترار وبسط مناوب (الإيقاعحيوى) لإمكان تمثـِّلها لتتناغم مع الجديد من الكلّ النامى.
عاشراً:
دعم الفطرة السليمة بالتربية السليمة والعلاج والمواكبة
تتدعم نشاطات المستويات الموروثة بحسب نوع التربية التى تسمح لهذا النوع أو ذاك من الحياة (نوع التعامل مع الذات ومع الآخر ومع الواقع ومع الإبداع ومع الإيمان) والعامل المشترك فى كل هذا هو توازن وتناسب زخم الطاقة، واتساق وهارمونية النبضات الدورية دائمة التجديد والتشكيل والإبداع والإيمان.
*****
النشرة الثانية: بتاريخ 5-3-2017
تضمنت عنوانا فرعيا هو “الخطوط العشرة” وأفضل أن أغيره إلى:
الفروض الهادية للتطبيق.
أولاً:
امتداد نظرية الاستعادة: حتى الآن وباستمرار
امتداد نظرية الاستعادة (= القانون الحيوى) إلى استعادة تاريخ التطور مع كل نبضة إيقاعحيوى: (نشرة: 16-5-2016) يسمح لنا بأن ندرك كيف يَحضر الماضى فى الحاضر، فنتناوله بالمواجهة وليس بالحكى والاستنتاج.
ثانياً :
أطوار منتقاة، لا مواقع تثبيت
تطوير مدرسة العلاقة بالموضوع من التركيز على “مواقف” Positions فى الطفولة أساسا إلى “أطوار” Stages دائمة التكرار (نشرة:4-6-2016) ربما يسمح لنا أيضا بتعديل مسار أى طور انحرف بكل ما نملك من وسائل علاجية، بديلا عن الرجوع إلى آثار “موقف” غائر فى الطفولة، فما مضى، ها هو ذا يحضر دائما وباستمرار فى الاستعادة، “الآن”، حتى بأخطاء توجهّه فى حالة المرض، بما يسمح بتعديل المسار إلى ما خلق له.
ثالثاً :
حالات الوجود دائمة التبادل
تبنى فروض “حالات الوجود الخمسة”12-3-2016 ، 14-3-2016، 15-3-2016، 21-12-2010 ، يفتح أفاق التفاؤل أكثر، لأن هذه الفروض تعرض بعدا آخر لدورية الإيقاع فى الصحة فى ثلاث أحوال تزيد إلى خمس أحوال مع احتمالات المرض، وهذا التكرار هو الذى يتيح لنا فرصة توجيه التوجه بهذه الأحوال (والحالات) إلى مسارها الإيجابى، وهذه الدورات موازية ومتكاملة مع دورات النوم/الحلم/اليقظة، إلى دورات إرهاصات الإبداع النمو، والإبداع المعلن، والابداع الايمانى الخلاّق.
رابعاً:
كل الأمخاخ (مستويات الوعى) تشارك فى لحن الوجود
لا بديل عن احترام كل مستويات الوعى (الأمخاخ/الأحياء) وتنظيم حركيتها معا بالتبادل والتكافل والجدل والإبداع والنمو: وهو ما يحتاج إلى استلهام وتكافل كل الأساليب العلاجية التى تساعدنا فى ذلك.
خامساً :
تأثير العقاقير المنتقاة على مستويات مختلفة.
استعمال العقاقير الفاعلة استعمالا إكلينيكيا انتقائيا يمكن أن نتعرف من خلاله (وقد تعرفنا فعلا، خلال أكثر من نصف قرن على كثير من معالمه) على مستوى الوعى (المخ) الذى يعمل عليه كل عقار (أو مجموعة عقاقير) أكثر نسبيا، فهناك عقاقير تثبيط الأمخاخ الأقدم فالأقدم، وعقاقير تعمل على الأمخاخ الأقل قِـدَما، وعقاقير تعمل على الأمخاخ الأحدث، ولا يمكن تمييز هذا من ذاك بالركون إلى “طريقة عمل” العقاقير Mode of Action كما تأتينا من المعامل، وإنما نتحصل عليه بجمع معلومات أمينة متضفرة من واقع الممارسة الإكلينيكية واستعمال أعداد أقل وأقل من العقاقير بقدر من التكامل الهادف مع المراجعة الدائمة.
سادساً :
الحاجة العملية إلى اختزال الأمخاخ لما يمكن التعامل معه.
الاكتفاء – اضطرارا- بالتعامل مع أقل عدد من الأمخاخ (مستويات الوعى) لاستحالة التعامل مع هذه الآلاف المؤلفة منها، علما بأن هذا لا يلغى بقية وجود المستويات (والأحياء والأمخاخ) وإنما يقلل عمليا من عدد ما يمكن التعامل معه، وقد بدأنا بالمستويات (الأطوار) الثلاثة التى استلهمتـُهـَا ابتداءً من واقع مدرسة العلاقة بالموضوع (الموقف الشيزيدى – البارانوى– الاكتئابى) وهى التى تحورت بعد تعديل ما هو “موقف” إلى ما هو “طور” فصارت: “المخ التقوقعى (4)” (بديلا عن الموقف الشيزيدى) والمخ القتالى (بدلا من الموقف البارانوى) المخ العلاقاتى البشرى المتألم (بديلا عن الموقف الاكتئابى)، ثم أضيف إليها المخ الاجتماعى (التكيفى الحديث) ثم المخ الجدلى الابداع التطورى المشتمل، فأصبح لدينا خمس مستويات (تنوب عن الآلاف التى تمثلها) وانطلاقا من هذا الفرض يمكن استعمال العقاقير: ليس بوصفها تزيد أو تنقص أو تغلق مسار عمل هذه المادة البيوكيميائية فى المشتبكات النيوروبيولوجية المعينة، (وهى تفعل ذلك فعلا!) وإنما بوصفها تثبّط هذا المخ الناشز أو ذاك انتقائيا بما يسمح للمخ (الأصلى الأسلم) المـُزَاح أو المـُفـَكـَّك أو المُعـَطـَّل أن يستعيد دوره مع تواصل التنشيط والتأهيل.
سابعاً :
تواصُل “التنشيط” أنتقائيا مقابل انتقاء “التثبيط” أنتقائيا
تواصُل التأهيل والتنشيط للأمخاخ التى أزيحت أو توقف نشاطها بالمرض نتيجة نشوز وعشوائية طغيان الأمخاخ الأقدم، التى غالبا تحاول أن تأخذ بالمرض ما حُرمت منه خلال سوء التنشئة أو اغتراب المجتمع، أو كليهما أو غير ذلك، لهذا فإن العلاج المتكامل لا يُغفل ولا ينسى حق هذه الأمخاخ الأقدم فى تبادل الإمساك بالقيادة والمشاركة فى ظروف تناسبها بما يشمل دورات النوم والأحلام على مسار التكامل لتحقيق ما كان يريده المريض بالمرض ولكن عن طريق ما أتاحه له العلاج المحتوى لكل المستويات، وهو ما يشمل: التأهيل النشط، ومعظم أنواع العلاج النفسى والسلوكى والجمعى وعلاج الوسط.
ثامنا:
دوامية الإبداع وتواصل الجدل واضطراد النمو
يتواصل التأهيل والتنشيط واستعادة الهارمونية للأمخاخ المزاحة مع تواصل التثبيط الانتقائى بالعقاقير للأمخاخ الناشزة حتى تستعيد مجموعة الأمخاخ تكاملها وتناغمها، فيتواصل جدلها إلى الابداع الايمانى الخلاق، الذى يتواصل باضطراد إلى المَا بَعْد.
تاسعاً :
حركية الوعى الممتدة بلا نهاية محدودة
يتم كل ذلك من خلال ما نمارسه معا من جدل نيوروبيولوجى نابعٍ مِنْ، وغائرٍ فى، “ما يسمى” حركية الوعى بدوائره الممتددّة بحيث تتواصل عملية الابداع فالنمو والتطور إلى مداها الذى لا نعرفه طول الوقت، (الغيب) مستعينين فى ذلك باحتواء ما تسمح به مستويات الثقافة الخاصة والمحيطة إلى ما تعد به من إمكانات البشر على أرض الواقع، بتنوعاته المختلفة.
عاشراً :
إعادة تشغيل كل الأمخاخ فى الوقت الذى يناسبها، يسهم فى استعادة التوازن.
فى الوقت المناسب بعد الاطمئنان إلى تنشيط مناسب للمخ الأقدر على القيادة (فالابداع) بطريقة أسلم وأنشط، ومع الاطمئنان إلى إعادة ترتيب مستويات الدماغ (الأمخاخ) كلها بقدر مناسب، ومع تذكـّر نعمة الله، التى جعلت المخ البشرى قادر على إعادة بناء نفسه ليعود إلى ما خـُلـِقَ به، ليحقق ما خـُلـِقَ له، نعطى فرصة “إعادة تشغيل الأمخاخ مجتمعة” Restart بما يسمى جلسات تنظيم الإيقاع (التى كانت تسمى الصدمات) والتى تقيـّم فاعليتها بقدر نتائجها “واحدة” “بواحدة” لنتعرف من خلال ذلك إذا كنا قد وفقنا فى تحديد التوقيت، أم أننا قد تعجلنا، أم أنه كان لا لزوم لها أصلا، وهذا يحتاج إلى خبرة متواصلة وتعاون علاجى من كل المعالجين فى إطار خطة علاجية ممتددة.
وبعد
يا تُرى هل أطمع فى ملاحظة أى تكرار لا لزوم له، وفى نفس الوقت هل آمل فى أن يكون فى جمع هذه القواعد والفروض معا ما يسهل مهمة التطبيق حين نعرض الأمراض الواحد تلو الآخر ونحن نستهدى بكل ذلك، ونواصل عرض ما تيسر عن الفصام بدءًا من الغد.
[1] – أنظر نشرة: عن النظام التساهمى من ذكاء المادة إلى مطلق الهارمونى نحو “الغيب”، وعلاقته بالعامل العلاجى فى العلاج الجمعى، وثقافتنا الخاصة (نشرة 27-8-2016)
[2] – Emotionally Processing Mind
[3] – والميم يمتد كوحدة للتطور وبعض النظريات والأفكار تقترح أن الميمات تتطور من خلال اصطفاء طبيعي بطريقة مشابهة لأفكار تشارلز داروين فيما يخص التطور البيولوجي باعتماد أفكار مثل التنوع، الطفرة، والتنافس.
[4] – كنت قد أسميته قبل ذلك التحوصلى، ثم الانسحابى، لكننى فضلت أخيراً أن أطلق عليه التقوقعى من القوقعة.