الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (125) عودة إلى المقابلة الإكلينيكية: مستويات الصياغة (من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى)

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (125) عودة إلى المقابلة الإكلينيكية: مستويات الصياغة (من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 26-11-2016

السنة العاشرة

العدد:  3375

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (125)

عودة إلى المقابلة الإكلينيكية:

مستويات الصياغة

(من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى)

مقدمة:

فى نشرة السبت الماضى (السبت: 19-11-2016  العدد:  3368) بينت أسباب تفضيلى لتقديم  الموجز (التلخيص)، ثم “التقرير” قبل الحديث عن “الصياغة”، وحين انتقلت إلى الصياغة ، بدأت بتقديمها وتمييزها عن الموجز بأنها “رسالة‏ ‏موجهة‏ ‏إلى ‏شخص‏ ‏بذاته‏ (زميل أو أى معالج، أو تمريض)  ‏نريد‏ ‏أن‏ ‏نلفت‏ ‏إنتباهه‏ ‏من‏ ‏خلالها‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏ينبغى ‏الانتباه‏ ‏إليه‏ ‏أولا‏ ‏فتاليا‏، ‏وهكذا،  وأضيف اليوم أن لتلك الصياغة التى أفضل تسميتها الآن “الصياغة الوصفية” أهمية عملية فى التخطيط العلاجى لترتيب المعلومات بما هو أهم فالأقل أهمية بشكل دقيق، وأرى إعادة ذكر عناوين هذا الترتيب، تميهدا لتقديم الصياغة  النفسمراضية “السببية”، “فالتركيبة” (1) والتى أرى أنهما ترتبطان أكثر فأكثر: ليس فقط بالتخطيط العلاجى، وإنما بما توصى به، أو تعد به: الخطوط العامة للطبنفسى الإيقاعحيوى التطور كما سنرى.

نبدأ أولاً بإعادة التذكرة بعناوين ترتيب المعلومات فى “الصياغة الوصفية” السابق تفصيلها فى النشرة المذكورة:

أولا: ذكر احتمالات الخطورة (بما فى ذلك الانتحار، والهرب)

ثانيا: وجود ما يحتاج تجنب المضاعفات (أمراض القلب- الحمل- السكرى..إلخ)

ثالثا: الأسباب الدوامية (هنا والآن) التى تعمل على استمرار أو تقافم الحالة المرضية

رابعا:  الأعراض الأوْلى بالتركيز

خامسا: العوامل المحيطة التى يمكن أن تساعد أو تعطل العلاج

سادسا: “التشخيص ” و”التكهن” و”المآل” المحتمل

وننتقل الآن إلى المستويات الأخرى:

الصياغة النفسمراضية Psychopathological Formulation

المشهور عن النفسمراضية أنها لا بد أن ترتبط بنظرية نفسية بذاتها، محددة المعالم، واضحة الفروض، وهذا صحيح بدرجة ما، لكنه جعل هذه الصياغة تكاد تقتصر على تطبيق نظرية التحليل النفسى،، وخاصة الفرويدى، كما جعلت للأسباب القديمة والأقدم أهمية قصوى فى التعرف ليس فقط عما أدّى إلى المرض، وإنما فى كثير من الأحيان على طبيعة المرض، مع درجات أقل من العناية بما آل إليه تركيب المخ العلاقاتى “هنا والآن” (أقول تركيب المخ العلاقاتى ولا أقصر الكلام على اضطرابات العلاقات الإنسانية وتركيب الشخصية).

وكل هذا مقبول بدرجة ما، وهو لا يغلق الباب أمام إسهام معطيات نظريات أخرى تحليلية أحدث مثل نظرية العلاقة بالموضوع  Object Relations أو نظرية التحليل التفاعلاتى  Transactional Analysis  …… ألخ

حين بدأت فى التدريس والتدريب على كيفية الوصول إلى هذه الصياغة  من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى وجدت استعدادا جيدا للأصغر من المتدربين للقبول على ممارسة “قراءة المخ” من منظور النيوروبيولوجى عامة، ثم من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى بشكل أكثر تحديدا، وقد تعجبت لهذه المبادرة التى تلقى مقاومة شديدة من الأكبر والأكبر الذين اعتادوا على (1) “قراءة المخ” من منطلق كيميائى كمىّ أساسا ودائما أو (2) قراءة الشخصية من منطلق سلوكى ظاهر أو (3) قراءة الشعور (الذى هو ليس بالضرورة مرادفا للوعى) فى مقابل اللاشعور من منطلق تحليلى تفسيرى.

بعد هذا العمر من الممارسة ومع تدرج تنظيرى وفروضى وقراءاتى وجدت أن هذا الاقتراب مما هو مرض نفسى ومحاولة تفسيره هكذا: يختزل الإنسان إلى معادلة كيميائية كميّة تحتاج إلى تصحيح كيميائى أو يختزله إلى قصص ورموز تحتاج إلى تفسير تحليلى تحت زعم أنها تمثله.

من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى رحت أواصل ممارستى وتدريسى وتدريبى فى توثيق مبادئ أساسية لهم فى “قراءة المخ” (كل الأمخاخ، جميعا) قراءة نيوروبيولوجية “هنا والآن”، وأعيد إثبات الخطوط العامة اللازمة لتحقيق ذلك وهى كالتالى:

أولاً: الاستهداء فى هذه القراءة بكل الفروض والنظريات التى تسهم فى ربط نمو المخ بتاريخه بتطوره بوظائفه الهيراركية.

ثانياً: التعامل مع الأمخاخ جميعا وليس فقط مع المخ الأحدث

ثالثاً: الانتقال إلى فهم أن هذا الذى جرى (ويجرى) فى المخ والأمخاخ  له ظاهر سلوكى يسمى الأعراض التى يمكن التأليف بين مجاميع منها تسمى كل مجموعة بمرض معين.

وعلى ذلك يمكن تقسيم الصياغة النفسمراضية إلى مرحلتين:

الأولى: هى ما اسمتيه بالقراءة النفسمراضية السببية Psychopathological  Etiological وهى لا تبحث عن الأسباب التى تتسبب فى ظهور أعراض بذاتها أو أمراض بعينها بقدر ما تحدد كل العوامل التاريخية التى أسهمت فى إفساد أو تعطيل حركية المخ البناءة الإيقاعحية الإبداعية إلى هذه الحالة من التوقف والإنحراف الذى أدى إلى ما نحن فيه.

(وهذا ما فصَّلته فى كل الفصول السابقة تحت عناوين مختلفة من أول الأسباب حتى الوراثة  التى امتدت بها حتى التاريخ الآنى).

الثانية: وهى تشمل قراءة المخ/الأمخاخ باللغة التى استعملناها لبيان ذلك مثلا: “الطاقة الحيوية” و”تعدد التركيبات النيوربيولوجية” (تعدد العقول أو مستويات الوعى أو حالات الذات.. الخ) و”الترتيب الهيراركى” لكل ذلك، ثم “التنظيم الإيقاعى” و”تبادل القيادة” حسب طور النبض الإيقاعحيوى وأيضا مثيرات وأهداف اللحظة باستمرار، فهى قراءة مستعرضة فى “هنا والآن” فيما آل إليه التركيب النيوربيولوجى للمخ حالا، وهى ما أسميته:

الصياغة  السيكوباثولوجية التركيبة”    Structural Psychopathology

وبعد

 وسوف أكتفى الآن بإعادة ما يعين على قراءة “المخ البشرى” من هذا المنطلق الذى اختلت نبضاته فأعيق عن مواصلة “إعادة بناء نفسه” بالطريقة السليمة كما خلقه الله عبر التطور

أولاً: إن الطبيب يتعامل مع “الظاهرة البشرية” ممثلة فى فرد منها كما خلقها بارؤها، وقد أصابها ما أعاقها أو شوهها أو انحرف بها إلى غير غايتها الطبيعية، وهو لا يتعامل مع مجموعة أعراض أو أسماء أمراض فحسب.

ثانياً: إن الطبيب النفسى يمارس مهنته من خلال تنشيط مستويات وعيه – دون قصد إرادى ولكن بمجرد انتمائه إلى الحياة كما وهبنا الله إياها – للمشاركة فى إعادة بناء ما اهتز أو تخلخل أو تشوه فى الظاهرة البشرية التى يتصدى لمساعدتها، وليس فقط من خلال تسجيل ملاحظاته والربط بين مفردات  ما جمع خطيا.

ثالثاً: إن دوائر توازن الوجود، بدءًا بذكاء المادّة (2)، إلى مطلق تناغم حركية تخليق إبداع الوعى المتنامى، مرورا بالعقل الوجدانى الاعتمالى (3)،  إلى الغيب،  متواصلة بعضها مع بعض بقوانين قد لا يثبتها إلا استمرار الأحياء فى الكون دون فناء بفضل خالقها حتى الآن!!

رابعاً: إن هذا يتواصل بإيقاع تناسقى دائم سواءً وصل ذلك إلى تسميته بمصطلحات لفظية، أو علمية، أو دينية ، أو لم  يصل (كما هو الحال عند سائر كل شىء: أحياء وغير أحياء).

خامساً: إن مظاهر هذا الهارمونى المتوازن والممتد لا تحتاج إلى إثبات من خارجها، وهى لا تُنْكِرُ أىَّ حضورٍ فوقىٍّ مسئول عن دوامها واضطرادها، ولا تتنكر له (4). بل تستعين به وتتواصل معه وتتوجه إليه.

سادساً: إن كل ما هو دون الإنسان، وغير الإنسان يمارِسُ كلَّ هذا، دون دراية ظاهرة، ودون أن يسميه تدينا أو إيمانا أو إبداعا (كما سنفصِّل فيما بعد).

سابعا: إن النتائج العملية التى تقاس بمقاييس النمو والتطور والإبداع، بما فى ذلك استيعاب برامج البقاء إلى تنشيط حركية الإبداع نحو تخليق الإيمان هى التى يمكن أن تدعم هذه الفروض بتصاعد تدريجى.

ثامناً: إن الوراثة تشمل انتقال الميمات، والميم هو “وحدة المعلومات الثقافية” التي يمكن نقلها من عقل لآخر بطريقة مشابهة لانتقال الجينات من فرد لآخر خلال عملية التكاثر حيث تعتبر الجينات وحدة المعلومات الوراثية (5)

تاسعاً:… يولد الشخص بنسب متفاوته بالنسبة لزخم حركية الطاقة مع ما‏ ‏تراكم‏‏ ‏من‏ ‏معلومات كأجسام‏ ‏ ‏غريبة‏، تحتاج إلى اجترار وبسط مناوب لإمكان تمثلها لتتناغم من جديد.

عاشراً: ‏تتدعم‏ ‏نشاطات‏ ‏المستويات‏ ‏الموروثة‏ ‏بحسب‏ ‏نوع‏ ‏التربية‏ ‏التى ‏تسمح‏ ‏لهذا‏ ‏النوع‏ ‏أو‏ ‏ذاك‏ ‏من‏ ‏الحياة‏ (‏نوع‏ ‏التعامل‏ ‏مع‏ ‏الذات‏ ‏ومع‏ ‏الآخر‏ ‏ومع‏ ‏الواقع ومع الإبداع ومع الإيمان‏) ‏‏والعامل‏ ‏المشترك‏ ‏فى ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏زخم‏ ‏الطاقة‏ ‏المفرط‏، ‏وجسامة‏ ‏النبضة‏ ‏الدورية‏.

………….

………….

وغدًا نحاول معرفة كيف نطبق هذه العموميات فى حالة ماثلة “هنا والآن”.

[1] – Psychopathological Formulation (Etiological & Structural)

[2] – أنظر نشرة: عن النظام التساهمى من ذكاء المادة إلى مطلق الهارمونى نحو “الغيب”، وعلاقته بالعامل العلاجى فى العلاج الجمعى، وثقافتنا الخاصة (نشرة 27-8-2016)

[3] – Emotionally Processing Mind

[4] –  كما يصل بعض إلى المتدينين التقليدين على إلصاق الأفكار بمن  لم ينكر.

[5] – والميم كما يقول ينتشر ويمتد كوحدة للتطور وبعض النظريات والأفكار تقترح أن الميمات تتطور من خلال اصطفاء طبيعي بطريقة مشابهة لأفكار تشارلز داروين فيما يخص التطور البيولوجي باعتماد أفكار مثل التنوع، الطفرة، والتنافس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *