أخبار الأدب
نشرت بتاريخ: 2-6-2013
نبض الناس
الشعور بالذنب بلا ذنب
للشعور بالذنب قصة طويلة مصاحبة لظهور الوعى عند الكائن البشرى، وله خلفيات عميقة وعريقة، قديمة، وحديثة، من أول خروج آدم عليه السلام وأمنا حواء من الجنة حتى صلب سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام، ثم مقتل الحسين رضى الله عنه…الخ، ثم زادت وفاضت المسألة حين أضيف إلى ذلك عملية خبيثة مصنوعة ومغرضة هى “التأثيم” وهى بمثابة صناعة الذنب وإقحامه على من لا ذنب له، مثل زعم الهولوكوست، الذى وظفوه لتمكين أهل الظلم من أصحاب الحق ثم تداعيات ومضاعفات مؤامرة البرجين (11سبتمبر).. الخ.
كتبت كثيرا فى هذا الموضوع، لأبين للناس ومرضاى خدعة توهم ذنب لم يقع أصلا، وكذلك تصور من يقر بالذنب أنه نال العفو بلا قيد ولا شرط، فيمضى إلى ذنوب جديدة بلا ألم حقيقى أو تغير، كما علمنا مولانا “النفرى” وهو ينقل لنا استلهامه من ربنا وهو يقول له فى موقف “الصفح الجميل”: “لا ترجع إلى ذكر الذنب فتذنب بذكر الرجوع”،”وأن ذكر الذنب يستجرّك إلى الوجد به، والوجد به يستجرّك إلى العود فيه”
على أن الشعور بالذنب هو أعمق من مجرد تذكر ذنب معين والاستغفار له، إذْ يبدو أنه أصل غائر فى الوجود البشرى كما يتجلى الإبداع، نستمع أولا إلى صلاح جاهين وهو ينهى قصيدة “المرافعة” قائلا :
“دفاعى بسيط، كلامي ماهواش غويط ، ماهواش عبيط.
بسيط، بساطة هدوم الغلابا الفقارى الحُفاه.
…سيادى الحدادى اللى حايمه على رمِّتى، حأقول كلمتى
لكن قبل ما انطق واقول كلمتى، قولوا انتوا ..إيه تهمتى”
فى حين يغوص بالمسألة نجيب سرور ويرجعها إلى أصلها قائلا:
“خطايانا على أكتافنا صلبان ، ولكن فيم أذنبنا؟ لماذا دون ما ذنب تعذبنا ؟ خطايانا – ويا للعار – أنا من بنى الانسان .الينا أيها النسيان ..فليس لخاطئين بغير ما ذنب سوى النسيان”
أما سارتر، فهو يجسدها فى مسرحية “الذباب” هكذا: “اننى أندم يا إلهى .. وابنتى أيضا نادمة، وصهرى يضحى كل عام ببقرة، وحفيدى يناهز السابعة، وقد ربيناه على الندم، إنه عاقل كالصورة، وهو ممتلىء بشعور الخطيئة الأصلية”
وفى ديوانى “سر اللعبة”، وهو عرض تشريحى للنفس، فى الصحة والمرضى، قلت:
“كانَ علىَّ أن أضغط روحى حتى ينتظمَ الصفْ،
فالصفُّّ المُعْوَجُّ خطيئهْ،
حتى لو كانت قبلتنا هى جبل الذهب الأصفرْ،
أو صنم اللفظ الأجوفْ،
أو وهْج الكرسِىِّ الأفخمْ”
وفى نفس الديوان تفسيرا لمواصلة فعل الانكار بالقهر قلت:
“وصعدت إلى جبل الوحدة
أنحتُ فى حجر الصبر أدراى سوأة فعـلى
ووضعتَ الصخرةَ فوق الصخرهْ
وبنيت الهرم الأكبرْ،
عـلَّ السخرةْ، تغفرُ ذنبى”
لماذا كل هذه الذنوب الوهمية منغرسة هكذا فى عمق وعى البشر؟ حين كتبت ديوانى سر اللعبة كنت أحاول أن أجيب على هذا السؤال فى المقدمة قائلا:
“ألقيت بحيـّاتِى السبعهْ
تلتقطـُ الديدانَ المرتجفةَ فى أيديهمْ
وحملتُ أمانة عمرى وحدى
وشهرتُ السيفَ أكفــّر عن ذنبى الوهمىّ”
أما كيف قدمت هذه القضية للأطفال فى أراجيزهم، وما هو البديل عن الشعور بالذنب، وما هو عكس الشعور بالذنب، وأين يقع الذنب فى حياتنا الآن : كيف ثم ماذ؟ فلهذا حديث قادم.