الرئيسية / حوارات وأحاديث / الدكتور يحيى الرخاوى فى حوار عن”كورونا” سجن وخوف.. وأمل! لـ “طبيبك الخاص”

الدكتور يحيى الرخاوى فى حوار عن”كورونا” سجن وخوف.. وأمل! لـ “طبيبك الخاص”

 10/يونيو/2020

العالم الكبير الدكتور يحيى الرخاوى:

أستاذ الطب النفسي بكلية طب قصر العينى في حوار لـ«طبيبك الخاص»

 عن “كورونا” سجن وخوف .. وأمل!

 حوار: أحمد محمود

إنه العالم الكبير. والمفكر والأديب صاحب البصيرة الراجحة. دائما ما يطل علينا بين الحين والآخر برؤية العلم والعلماء.. يرصد ويكشف برؤية الحكيم بخطواته على جسر الزمن الأحداث بواسع من علومه المتنوعة وخبراته المتراكمة.

كورونا هذا العدو الخفى والقاتل المجهول الذى غير شئون العالم بأثره دولا وحكومات.. وأريك العظماء وغضب منه الباحثون والعلماء.. وأباطرة وحكام.

تحاورنا مع العالم والمفكر الأستاذ الدكتور يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسى بكلية طب قصر العينى حول هذا العدو الشرير. تحاورنا معه ليحلل لنا هذا الوضع الذى تعيشه الأسرة والمجتمع من جراء جائحة كورونا فى ظل حالة السجن “الحجر المنزلى” وتجنب آثاره السيئة.. وإلى نص الحوار.

1- كورونا أصدرت حكماً ببقاء أفراد الأسرة في البيت، حجزا منزليا، وهذا الوضع له أثر كبير على الجانب السيكولوجى والنفسى، فما تأثير ذلك…؟

د. يحيى:

طبعا هذا وضع غير مألوف، ولا أظن أن أسرة من أسر الشعب المصرى قد وضعت هذا الاحتمال في حسابها، ولو من باب الخيال الحر، فلا هو موضوع مرغوب فيه يصلح لأحلام اليقظة، ولا هو موضوع مثير للرعب البدائى الذى يمكن أن يخطر على جو الأسرة مجتمعة.

ثم أنتقل إلى الجزء الثانى من السؤال: إذا ما كان لهذا الوضع تأثير على الجانب السيكولوجى أم لا؟ والاجابة مرة ثانية طبعا له تأثير ونصف، فأى وضع جديد لم يألفه الشخص أو لم تألفه الأسرة، أو لم تألفه جماعة من الجماعات صغرت أم كبرت، لابد وأن تشغله آليات إدراكنا باعتباره تجربة جديدة بكل معنى الكلمة، ربما كما يستقبل الطفل حديث الولادة العالم الخارجي الذى لم يعقده أثناء تواجده في الرحم، الأمر معكوس هنا في الحجر الصحى، فالحجر المنزلى هو بمثابة إعادة الفرد إلى الرحم مع اختلاف التفاصيل والمثيرات والمفاجأت.

2- هل هذا التقارب والتواجد مع بعضهما البعض لفترة طويلة بالبيت له أثر على السلوكيات الطبيعية بينهما..؟

د. يحيى:

بلا أدنى شك

مرة أخرى لا يمكن تعميم السلوكيات المتوقعة من كل الناس لمثل هذا الإجراء الجماعى، وحين أقول الجماعى لا أخص مصر بوجة خاص، وإنما أذكـّر وأتذكر أنه جماعى عالمى لم يسبق له مثيل مع تواجد هذه الشبكة الخلاقة من التواصل وتبادل المعلومات، وأيضا تبادل المخاوف والتخويف والاختلافات لا تقتصر على أثر التقارب لفترة طويلة، ولكنها تمتد لفرض إعادة النظر في كل ما هو علاقات بشرية، من أول العلاقات الثنائية إلى العلاجات الأسرية بالنسبة للمجموعة المحجوزة معاً، لكنها تمتد إلى العلاقات الوطنية والعلاقات الطبقية والعلاقات العالمية والعلاقات الإنسانية، ثم تكمل امتدادها أيضا إلى العلاقات مع “المابعد”، أعنى مع الكون المفتوح النهاية، ومع الله سبحانه انطلاقا من هذا الاختناق المفروض إلى رحاب المطلق الموعود.

 

3- وهل يترتب عليه آثاراً سلبية مع زيادة طول المدة؟

د. يحيى:

أي إجراء بهذه الغرابة، وهذه الحيرة، ومهما كانت مبرراته الإيجابية، ومهما بلغت أثاره الطيبة له أثار سلبية بلا أدنى شك، تماما مثل الدواء الضرورى الناجح في علاج مرض ما، فإن له أثاره الجانبية التي توضع في الاعتبار مع إعطاء أي عقار مهما كان حسن السمعة.

 

4- وهل كورونا تؤثر على العلاقة الجنسية بينهما – بعداً أو تقارباً … وهل هذا يرجع إلى طبيعته والحالة النفسية بينهما من وقت لأخر؟

د. يحيى:

أي تغيير في القرب أو في البعد، في فرص الحوار أو فرص الشجار، يؤثر على العلاقات البشرية، ومن أهمها وأكثرها حساسية العلاقة الجنسية، وقد يكتشف أى طرف أو الطرفان معا بعد هذا الاضطرار كم كانا بعيدين عن بعضهما البعض فيتقاربان أو العكس، فقد يشعر أحدهم أو الاثنان أنهما اقتربا أكثر من احتمال كل منهما للآخر فيبادر واحد أو آخر بالبعد أو بالرفض، فالقرب في المكان ليس دائما موازيا للقرب العاطفى أو القرب الجسدى، وفى حالة التوجس والشك يصبح القرب خطر لا فرصة.

وقد كتبت فى ذلك فى ديوانى “سر اللعبة” هذا المعنى:

لا‏ ‏تقتربوا‏ ‏أكثر‏ .. ‏

إذ‏ ‏أنِّى‏: ‏

ألبسُ‏ ‏جلدى ‏بالمقلوب، ‏

حتى ‏يُدمى ‏من‏ ‏لمسِ‏ ‘‏الآخرْ‏’ ‏

فيخاف‏ ‏ويرتد‏ ‏

إذْ‏ ‏يصبغ‏ ‏كـَـفـَّـيـْـِهِ‏ ‏نزفٌ‏ ‏حىّ!!!

….. الخ

 

5- وجود الأطفال أو المراهقين في هذا الحجر المنزلى هل يؤثر على الحالة المزاجية والنفسية بينهما؟

ومن ثم على المشاعر الخاصة والعلاقة الجنسية بينهما؟

د. يحيى:

يؤثر حسب عدد أفراد الأسرة، وحسب طبع كل فرد فيها وطبع الأسرة مجتمعة قبل هذا الحشر الجماعى، فقد يزداد الوالدان حرجا من التقارب أمام الأطفال والمراهقين، أو قد يتناسوا وجودهم فيظهرون ما ينبغي أن يـُستر، ويكون التأثير حسب عادات الأسرة السابقة من ناحية، وحسب سن الطفل أو المراهق، وحسب درجة ما نال من ثقافة جنسية أو نفسية أو علاقاتية قبل هذه الأزمة.

6- أم أن هذا الوضع والمفروض من الممكن إعادة اكتشاف المناطق المجهولة والمسافات المفقودة بينهم وبالتالي إعادة زرع ثمار الأمل وطاقة إيجابية تساعد على التغلب على هذه الظروف الصعبة؟

د. يحيى:

هي فرصة حقيقية للتجديد تبدأ بالدهشة مما لم نعتده من اقتراب حميم (أو مثير مزعج) ثم تنتقل الدهشة إلى القبول: سواء قبول الترحيب أو قبول المضطر، ثم يتصرف كل واحد حسب تركيبه وشخصيته، وحسب احتياجاته السابقة التي لم تكن أمامه فرصه لتحقيقها مثل الاقتراب الكافى من أفراد أسرته أو مثل الابتعاد المفروض عن من ألف حياته معهم، وبناء عليه يمكن أن تتفجر طاقات الأمل عند الذين كانوا ينتظرون مثل هذه الفرصة للمراجعة، حتى ولو فرضت عليهم فرضا، لكن هناك من ينطفئ عندهم النور حين لا يجدون فيمن يحيطون بهم اضطرارا مثل ما كان ينتظره.

 

7- يعتقد البعض بأن العلاقة الخاصة بين الطرفين هي جواز مرور لتقارب الأشخاص وفرصة زمنية حالية لإعادة تجديدها وخلق معادلة تفاعل حسية وجسدية وجنسية بين الطرفين فتكون هذه الظروف إيجابية عند البعض ومشكلة عند الآخرين؟

د. يحيى:

هذا ما سبق أن أجبت عليه تفصيلا في الأسئلة السابقة.

8- هل تفريغ الطاقة الجسدية تعيد التوازن النفسى بين الأفراد ؟ بدءًا بالزوجين أم أن المشاكل الناجمة عن تداعيات مرض كورونا ألقت بنتائجها السيئة على الزوجين فزدادت من التوتر والقلق ومن ثم زادت الفجوة بين الطرفين؟

د. يحيى:

كل شيء جائز، فالذى كان ينتظر فرصة التعرف على شريكه أفضل، وفى ظروف تسمح بالتروى والمراجعة، قد يجدها فرصة للقرب والمراجعة، أما الذى كان يمارس علاقته مع شريكه “على حرف” فإنه قد يزداد ضيقا بشريكه فلا يطيقه أكثر.

9- كيف يمكن الخروج من هذا الوضع دون ترك آثار نفسية على كلا الطرفين ؟

د. يحيى:

قدره الإنسان على التأقلم هي قدة هائلة ينبغي أن نثق فيها، والإنسان المصرى له تاريخ عريق مع تغير الجو وتغير فيضان النيل وتغير النظام السياسى، وتغير النظام الإقتصادى، وأظن أنه قادر على التكيف مع الوضع الجديد بشكل مناسب، مع الاعتراف بأن هناك قلة لا تحتمل التغيير في العادات، ولا في الوجوه التي ألفتها، ولا في نظام العمل ولا في ملء الوقت.

10- وهل كورونا من الممكن أن يكون لها تأثير مباشر على الحالة الجنسية بين الطرفين سواء بزيادة المرض أو قلة حدوثه؟

 د. يحيى:

سبق الإجابة على هذا السؤال تقريبا، فقط أود أن أضيف أن الجنس الذى يمارس بالصدفة، أو لمجرد الاقتراب في المكان أو لتزجية الوقت، ليس هو الجنس الإنسانى الذى يوظف للتواصل بين الزوج والزوجه أو بين أي حبيبين متجاذبين لكيمياء بينهما.

 

11- من وجهة نظر عالمنا الكبير أ.د.يحيى الرخاوى ما هي روشته العلاج المناسبة لتكون علاجا للأسرة والزوجين ليعيشا معاً بشكل مستقر وآمن بلا توتر أو انفعال للعبور من هذه المحنة بسلام دون آثار سلبية ؟

د. يحيى:

أن يعتبر كل منهما أنهما يتعرفان على بعضهما البعض من “أول وجديد” وأن يبحث كل منهما في الآخر عن مزايا وإيجابيات لم يكن يراها وهما يلهثان في الشوارع، وفى العمل، وفى الشجار، وفى الاغتراب، وأن يثقا في رحمة ربنا، وأنه هو القادر على أن يبارك في الجهود الرسمية والشعبية لعبور هذه الأزمة بالصبر والعلم والوقاية والإيمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *