الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الحلقة: (66) المعلــِّـم….. (5)

الحلقة: (66) المعلــِّـم….. (5)

نشرة “الإنسان والتطور”

19-5-2010

السنة الثالثة

العدد: 992

photo-28-4-2010

مقدمة:

مازلنا ننطلق من السيرة الذاتية إلى العلاج النفسى

هذه الحلقة تظهر محاولة رؤيتى شخصيا لما هو “أنا”  ليس بالضرورة من خلال ما يسمى استبصارا كما ذكرت سالفا،

كما تنتهى الحلقة بتساؤلات عن احتمال “خلط الأدوار” من زاوية أخرى (فقد سبق أن أشرنا إليها).

الحلقة: (66)

المعلــِّـم….. (5)

مقدمة:

وانا مين يشوفنى؟

 أنا أبقى مين؟

‏ليسوا‏ ‏هم‏ ‏فقط‏ ‏الذى ‏يرونى ‏شاطرا‏ ‏وحاذقا أو دكتاتورا أو نصابا‏ .. ‏إلخ‏ ‏ولكنى ‏أنا‏ ‏أيضا‏ ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏كنت‏ ‏أتفرج‏ .. ‏على ‏هذا‏ ‏الشخص‏ ‏الخارجى ‏الشاطر‏ ‏الحاذق‏ -الذى هو “أنا”- ‏وكأنه ‏لا‏ ‏يجارى ‏فى ‏مجالات‏ ‏النجاح‏، ‏والجمع،‏ ‏والصعود‏ ..، حتى أن بعض من انبهر بى، وصدق مبادئى، أو صدق ما أعلنه من مبادئ على الأقل، قال لى ذات مرة أنه من غير المعقول أن أحقق هذا النجاح بوسائل نظيفة، معتقداً أنه لا أحد يستطيع أن يحقق مثل ذلك فى بلد مثل هذا، فى عصر مثل هذا، إلا لو استعمل وسائل النجاح المتاحة، وهى ليست دائما، ولاغالبا، وسائل نظيفة، مرة أخرى : لم أكن أرفض ذلك بشكل متشنج أو مباشر، حتى أستطيع أن أعود لنفسى، وأبحث فى وسائلى، وليس فقط فى نتائجى، كان هذا الهاجس يدفعنى دائما –كما ذكرت- أن أعيد النظر هكذا:

 (5)‏

‏… ‏وساعات‏ ‏أبص‏ ‏لإيدى ‏وانا‏ ‏بالعب‏ ‏ببيضتين‏ ‏والحجر‏،‏

أو‏ ‏لما‏ ‏باقـلـب‏ ‏فى ‏التلات‏ ‏ورقات‏ ‏واخبـى ‏فى ‏الولد‏.‏

وأقول‏ ‏يا‏ ‏ناس‏ : ‏بقى ‏دول‏ ‏إيدىّ ‏اللى ‏بصحيح‏ ‏؟

‏ ‏بقى ‏ده‏ ‏أنا‏ ‏؟‏ ‏

أعرف أن التكرار أصبح أكثر مما ينبغى، لكننى أريد أن أقتطف من جديد جزءا محدودا مما ورد فى الحلقة السابقة من شعرى بالفصحى ، بالذات ديوان “سر اللعبة”

“هذبت‏ُ ‏أظافر‏ ‏جشعى، ‏ولبست‏ ‏الثوب‏ ‏الأسمر‏ ‏، ولصقت‏ ‏اللافتة‏ ‏الفخمة‏ ‏، وتحايلت‏ ‏على ‏الصنعة، وتخايلت‏ ‏طويلا‏ ‏كالسادة‏ ‏وسط‏ ‏الأروقة‏ ‏المزدانة‏  برموز‏ ‏الطبقة‏.. ،.. ‏، هأنذا‏ ‏أتقنت‏ ‏اللغة‏ ‏الأخرى، حتى ‏يُسمع‏ ‏لى،  ‏فى ‏سوق‏ ‏الأعداد‏ ‏وعند‏ ‏ولى ‏الأمر”

لا اعتقد أنه قد سُمِع لى، فى سوق الأعداد وعند ولى الأمر، وحين سُمِعَ لى، لم يكن ذلك بسبب ما أنجزت، أو ما حققت من نجاح أفخر أنا به بينى وبين نفسى، ولكن كان إما بالمصادفة، أو لأسباب لا أعرفها،

حصلت على جائزة الدولة التشجيعية فى الأدب بمحض الصدفة، وها هى ذى تفاصيل تلك الصدفة:

المرحوم أ.د. ابراهيم توفيق ، أستاذ أمراض القلب فى جامعة الإسكندرية، أصبح صديقى لظروف خاصة، تعرفت عليه عن طريق المرحوم أستاذى أ.د. عبد العزيز عسكر، وزرته فى بيته فى الإسكنرية، وتحدث معى طويلا فى أشياء كثيرة، من ضمنها السياسة، وعلى قدر ما تسعفنى ذاكرتى كان خاله هو “ضياء الدين داوود” وكان دائم الحديث عنه، وكان حوارنا يجرنا عادة إلى عبد الناصر، ونتفق ونختلف،، وأشياء أخرى، عرفنى د. إبراهيم توفيق على بعض أصدقائه (ثلته)، وكان من بينهم الناقد الطيب الحاذق “يوسف الشارونى”، (والكاتب والشاعر  -أركان حرب !!- محمد الحديدى وغيرهم)، فى زيارة ما لعيادتى حضر مع د. إبراهيم- الأستاذ يوسف الشارونى وقدمنى صديقى د.إبراهيم على أنى كاتب وكذا، وعرفه بكتابى الأول “عندما يتعرى الإنسان، طلقات من عيادة نفسية”، وهو كتاب لم أتحمس له أبدا كما ذكرت من قبل، فانتهزتها فرصة، وأخبرت الأستاذ يوسف الشارونى أن لى رواية من جزأين طبعتها على حسابى الخاص، فرحب ترحيبا شديدا بطيبة فائقة أن يطلع على هذا وذاك .

فهى المصادفة..

نفس هذه الرواية كتبتها ونشرتها بمحض الصدفة أيضا هكذا:

الحكاية أننى كنت أكتب فى مجلة الصحة التى كانت ترأس تحريرها د. نوال السعداوى فى السبعينات سلسلة من المقالات تحت عنوان “يوميات مريض نفسى”، أناقش فيها –ساخرا- كيف يشخص المريضُ الطبيَب مثلما يشخص الطبيب المريض، وكيف يلف المريض النفسى على التخصصات المختلفة وهو يبدى رأيه فى كل منها، حتى يصل إلى تشكيلات الطب النفسى بأنواعها، فينقدها –المريض- الواحد تلو الآخر أيضا، وكلام من هذا، ثم توقفت المجلة، وحين أتيحت الفرصة لى أن أرجع إلى ما كتبت وجدته يصلح مخططا لمسودة رواية ما، فكتبت الجزء الأول باسم “الواقعة”، وكنت أود أن أشير من خلالها إلى أن خبرة الجنون هى أقرب إلى “قيام القيامة” “إذا زلزلت النفس زلزالها، وأخرجت الذات أثقالها يومئذ تحدث أخبارها”، فإذا  ما أكمل صاحب مثل هذه الخبرة المزَلْزِلة الطريق إلى وجه الحق تعالى، فقد نجح فى المشى على الصراط بالسلامة، ثم إنى بعد ذلك دخلت هذه الخبرة الجماعية التى هى أصل هذا العمل الحالى (متن هذه النشرات)، وخرجت منه بالجزء الثانى “الذى أسميته “مدرسة العراة”، إذن فهى هى نفس تلك الخبرة التى أفرزت ديوان “أغوار النفس” الذى يصدر شرحه تباعا بعنوان: “فقه العلاقات البشرية”(1)أقول إننى بعد أن أتممت الجزأين الأول والثانى من الرواية تراجعت عن النشر معتقدا أنهما لا يستأهلان، وإذا بصديق مهم هو المخرج “توفيق عبد اللطيف” يقرأ مسودة الجزأين، الواحد تلو الآخر، ويقول فيهما كلاما طيبا، ثم  يأمرنى أمراً أن أطبعهما دون أن أغير حرفا، وفرحت بقدر ما ترددت.

فى نفس الآونة كنت أطبع بالاشتراك مع زميلى المرحوم أ.د. عمر شاهين كتابا دراسيا فى الأمراض النفسية بهدف ترقيته أستاذا أو شيئا من هذا القبيل، وانتهينا من طباعته فى مكتبة ابن المرحوم كامل الكيلانى بعابدين، وكان يملكها ويديرها “رشاد” ابنه (على ما أذكر)، وبعد انتهاء الطباعة حين كنت أودع الأستاذ “رشاد الكيلانى” شاكرا، سألنى إن كان لدى كتاب جاهز للطباعة، لأن المطبعة لا تجد ما تطبعه هذه الأيام، فقلت له نعم، وأخذت المسودة من الإبن توفيق عبد اللطيف، وأعطيتها له فخرج الجزءان، على ورق صحف قبيح أسمر لضيق ذات اليد، وعلى حسابى الخاص، ثم جاءت مقابلتى مع الناقد الكريم يوسف الشارونى كما ذكرت سابقا

بعد أقل من أسبوعين حضر إلى فى العيادة، حضر الأستاذ يوسف الشارونى بنفسه يستأذن أن يقدم الرواية إلى لجنة الجوائز “وتصورت أنه يجاملنى من أجل خاطر أ.د.إبراهيم توفيق، لكنه كان جادا، ثم إنه بعد شهور، حضر متفضلا قبل إعلان الجوائز رسميا وأخطرنى بنيل الجائزة”، وفى اجتماع لاحق بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أخطرنى المرحوم الأستاذ محمد أحمد خليفة بأن الرواية نالت الجائزة بالإجماع..إلخ ، بعد إعلان حصولى على الجائزة ثارت ثائرة كثير من الأدباء وبعض النقاد، واتهمنى بعضهم مباشرة أننى حصلت على الجائزة لأننى وافقت (أو شاركت) فى التطبيع مع إسرائيل، وكلام كثير من هذا، وعزاها آخرون لعلاقة شخصية مع الشارونى.

هذه جائزة تشجيعية لم أنل غيرها طوال حياتى، (حتى الآن)(2)

هذا الاستطراد –كجزء من السيرة الذاتية- ربما يبين كيف أنه لم “يُسمع‏ ‏لى،  ‏فى ‏سوق‏ ‏الأعداد‏ ‏وعند‏ ‏ولى ‏الأمر” إلا مصادفة.

لكن فى مرة أخرى، جاء التقييم عفوا من جهة غير رسمية، وذلك حين اتصل بى أ.د. أحمد مجاهد ثم أ.د. أحمد نوار، وأخبرانى أن جماعة الأدباء قد اختارونى رئيسا لمؤتمر أدباء مصر الذى عقد فى سوهاج (12-14 ديسمبر 2006)، بصراحة فرحت بهذا الاختيار أكثر من فرحتى بالجائزة، كان اختيارا من ذى صفة، ودون أن أتقدم إليه، وقد ذهبت، وتعجبت، وشكرت، ورأست، كما كانت فرصة رائعة لأن أتعرف على هذا الإنسان النادر د. أحمد نوار، وأيضا على نقاد وأدباء من أكرم وأشرف من يمكن أن أتعرف عليهم، هل حقيقة أن كل هؤلاء الكرام قد تفضلوا فأكرمونى برئاسة مؤتمرهم، لماذا؟ ومن أنا؟ كان هذا، ومازال أكثر كثيرا مما أستحق، ولا أظن أنه قد حدث لأنى شاطر، أو لأنى أحذق اللعبة ببيضتين والحجر،

لكننى، وقبل انتهاء المؤتمر، وقد كنت قد ألقيت كلمة الافتتاح مع المحافظ وغيره، وكان المفروض أن ألقى كلمة الختام، وجدت نفسى أنسحب، وبدون أدنى سبب حقيقى، اعتذرت عن اليوم الأخير وسافرت فجأة قائدا سيارتى إلى القاهرة، ولم أعرف حتى هذه اللحظة، لماذا اعتذرت ولماذا سافرت هكذا فجأة، ولم يتصل بى أحد بعد ذلك يسأل أو يعاتب، أو يتساءل، لكننى أحسست –ومازلت-  بأن بى شيئا خطأ فعلا يحتاج إلى تفسير لم أعثر عليه حتى الآن، شيئا لعله مرتبط بأننى رفضت ما لا أفهم طبيعته وآلياته حتى لو كان حقى، فهل يصح بعد ذلك أو يروْنى بهذه الشطارة الغامضة، أو أن أرى نفسى بهذا الحِذق المشبوه.

هذا، وقد رأيت أنه من المناسب أن أثبت هنا ما كتبته فى تعتعة الدستور(20-12-2006) بعد المؤتمر مباشرة وهو كما يلى بالنص :

سوهاج، وأدباء مصر، والعلماء البروليتاريا

بتشريف طيب، حظيت بالمشاركة (رئيسيا) فى مؤتمر أدباء مصر فى سوهاج، (12 /2006) ولظروف قاهرة لم أكمل لليوم الأخير، الرسالة التى وصلتنى من معظم مداخلات  المؤتمر كانت بنفس قوة ودلالة الرسالة التى وصلتنى من زيارتى لمنازل بعض أصدقائى من العاملين معى بالقاهرة فى دورهم المتواضعة جدا، الجميلة –بهم- جدا، فى “كوم يعقوب” مركز أبو طشت.

الصعيد هو الصعيد، لا أحد يعرفه إلا إذا اختبر مذاقه مثل مذاق الويكة (البامية المهروسة المشططة)، وصلتنى حركية الناس “بلا لوحات حكومية” مثل حركية التُّك تُـك، كما بدت لى بهلواينة السيارات على الطريق الزراعى كموتيسكلات تجرى رأسيا على جدار دائرى أملس فى سيرك أسطورى ملك “أولاد الحاج أبيدوس”.

من المؤتمر والناس تضاعفتْ آلام تفاؤلى المزمن، حتى قلت للمحافظ اللواء محسن النعمانى، وللدكتور أحمد نوار: “الله يسامحكم، هل أنا ناقص؟ سأعود لأبدأ من جديد، بأمل جديد، وألم جديد، برغم كل شىء”. ردّا ردا طيبا نبّهنى إلى بعض ما أحاوله هنا وهناك. الدكتور أحمد مجاهد لا يهمد، والشاعر مسعود شومان لا ينطفئ، والجميع فرحون بشىء ما، شىء طيب قادم لامحالة، لعله هو ما لاح لنا فى فيلم سيرة  محمد عفيفى الذى عرض ذات مساء،  لتؤكده أمسية  سيد حجاب الشعرية الحيوية المزَلْزٍلةْ.

المؤتمر  كان عن “مراجعة الدور المصرى فى معظم المجالات” (أو كل المجالات)  وليس فقط فى مجال الأدب، تساءلت: هل هذا من حق الأدباء؟ أجبت نفسى:  نعم، بل هو واجبهم. استقبلت العنوان باعتبار أن المقصود هو:” مراجعة دور “الإنسان المصرى”، وليس بالضرورة “دور مصر “الوطن، أو مصر الدولة”.لم يعد الإنسان المصرى مثله  مثل كل إنسان الآن عبر العالم يعمل لنفسه فقط،  ولا حتى لبلده، هو يعمل بالأصالة عن نفسه والنيابة عن كل الناس. إنقاذ البشرية أصبح “فرض عين” على كل فرد حيثما كان، إذا قام به البعض لا يسقط عن الباقى. الأديب المصرى المبدع الحقيقى هو ممثل شرعى  للإنسان، بدءا بالإنسان المصرى حين  يستوعب وعى ناسه  بلحمه ودمه، ليس للزيف فيه نصيب، ليفرزه إبداعا قابلا للتواصل العالمى، بعد أن أتيحت الفرصة بثورة المشتبكات المتلاحمة أمميا دون حدود أو وصاية أو رقابة، الرقم الذى أعلنه الدكتور مصطفى الضبع فى المؤتمر عن عدد “مواقع” الإنترنت الخاصة عبر العالم والذى يربو عن ثلاثين مليونا موقعا أدهشنى بقدر ما أسعدنى، كما فرحت حتى الخجل من تقصيرى حين سمعت الأرقام التى أعلنها د. أحمد نوار عن نشاط قصور الثقافة ومساحة حركية قوافلها خلال عام وبعض عام. أليس من الطبيعى  أن أنوء تفاؤلا مؤلما وأنا أستلهم روح الكفاح اليومى لأهل كوم يعقوب مركز أبو طشت ، جنبا إلى جنب مع حيوية المحافظ الذى شعرت بطزاجة دهشته المتجددة وهى لا تقل بهرا عن مسئولية الإدارة وحفاوة الكرم اللذان عشناهما  فى ضيافته، ليصلنى كل ذلك وسط دفق معلومات نشاط د. نوار ومعاونيه؟

من موقعى المهنى والأكاديمى تأكد لى ما آل إليه حال أغلب العلماء فى علاقتهم بشركات الدواء كعينة لما يجرى فى مجالات أخرى، العلم “باهظ التكلفة”  لم يعد تقدر عليه إلا الشركات العابرة بالغة العملقة، التى تدير العالم لحسابها بواسطة الحكومات الذاهلة أو الشريكة، هذه الشركات لا تستطيع أن تشترى أديبا أو شاعرا ولا بجائزة نوبل، لكنها تشترى العلماء (دون وعى منهم غالبا). قلت فى كلمتى:

لقد أصبح العلم المؤسسى كنيسة فى خدمة كهنة السيطرة وباباوات التحكم فى مصائر البشر لصالح الشركات العملاقة المتحالفة مع المافيا والأصوليين عبر العالم، لم يعد الخطر يقتصر على الخوف من سوء استعمال ناتج العلم  للتدمير والإبادة، دون التعمير والتقدم، وإنما تمادى إلى الخوف من الاستمرار فى تسخير العلماء لخدمة المال، دون البشر، حتى وصل الأمر إلى  استخدام العلم والمعلومات والعلماء لبرمجة الناس لصالح الاستهلاك لا الإبداع، وإلهاء الكافة عن أولويات ما يحفظ بقاءهم ويحفز تطورهم”

العلماء أصبحوا بروليتاريا العصر الحديث، تستغلهم الشركات العملاقة بطرق أبشع وأخبث.

العلماء  يستنقذون بكم معشر الأدباء والشعراء والتشكيليين وسائر المبدعين الأحرار والنقاد”.

قرب الختام قلت:

“الإبداع فى كل مجال، دون استثناء هو الحل: انطلاقا من تعديل مناهج التعليم (دون تجاوز تثوير المعلم) وحتى التضفُّـر والجدل البنّاء بين كل منظومات المعرفة.

إن نقد المؤسسة العلمية الاحتكارية لا يقل إبداعا وضرورة عن نقد المؤسسة الدينية التقليدية الفوقية، كما أن نقد المؤسسة التعليمية الرخوة القشرية الآسنة، لا بد أن  يتواكب مع نقد المؤسسة الثقافية الأعلى.

‏إلى ‏لحظة‏ ‏الرؤية‏ ‏الحدسية‏ ‏الواضحة‏، ‏حيث‏ ‏تنبسط‏ ‏قوانين‏ ‏الوجود‏ ‏وتختزل‏ ‏وتفسر‏ ‏الماضى، ‏وتوضح‏ ‏الحاضر‏ ‏وتحسب‏ ‏المستقبل‏ ‏بيقين‏ ‏شديد‏ .. ‏ولكنها‏ ‏هى ‏جزء‏ ‏من‏ ‏وجود‏ ‏صاحبها‏ ‏فى ‏عينة‏ ‏تكاملية‏ .. ‏فهى ‏صورة‏ ‏لما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏، ‏أو‏ ‏لما‏ ‏يسعى ‏أن‏ ‏يكونه‏ .. ‏وفيها‏ ‏من‏ ‏الحكمة‏ ‏والوضوح‏ ‏ما‏ ‏يبهر‏ ‏ويحذر‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏.‏

وبعد

أشعر أن هذا الحديث عن المؤتمر، الذى كنت رئيسا له لا أدرى كيف، قد يكون ردًّا مناسبا على هذه الاتهامات، وقد تبينت وأنا أعيد قراءته أنه بمثابة تبرير للحديث عن شخصى الذى طال، حيث امتدت الحلقات الخاصة بهذه القصيدة “المعلم”، حتى كادت تصبح سيرة ذاتية مستقلة، أكثر منها شرحا على متن بهدف دراسة “فقه العلاقات البشرية”، وخاصة فى العلاج النفسى، إذن ماذا؟

ليكن، وليكن هذا الفصل مكملا بشكل أو بآخر للترحالات، وأيضا لبعض قصائد ديوان سر اللعبة، الذى يبدو أنه سيأتى عليه الدور بعد الانتهاء من أغوار النفس، كما ألمحت فى نشرة سابقة، أو على ما أذكر فى “بريد” الجمعة لأعيد تنقيحه وتصحيحه وتحديثه، وذلك هو ما وعدت به من فى نشر الطبعة الثانية من عملى الأول “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” الذى لم تصدر منه سوى الطبعة الأولى سنة 1979، وأظن أنه أولى بأن تكون له طبعة ثانية بعد مضى ثلث قرن، حدث فيه فى الطب النفسى، وفى الكاتب: طبيبا ممارسا، ومنظَّرا مجتهدا، ما يستأهل طبعة ثانية.

العلاقة بين هذه الجزئية المحدودة فى هذه النشرة تطرح هذه التساؤلات

  1. إلى أى مدى تؤثر صورة الطبيب النفسى أمام نفسه، ومن مصادر أخرى غير العلاقة العلاجية، على ممارسته العلاج النفسى (أو الطب النفسى عموما)، وعلى علاقاته بمرضاه أثناء العلاج النفسى؟
  2. إلى أى مدى يؤثر نجاح الطبيب النفسى فى الحياة العملية على أرض الواقع (بقياس المال والسلطة والشهرة ….الخ) على مهنته، ما علاقة ذلك بمثالية بعض الأطباء والمعالجين حقيقة أو تصورا
  3. ما هى علاقة أدوار الطبيب النفسى المختلفة، كما تصل إلى الناس من مصادر مختلفة، بدوره كمعالج، وكطبيب؟
  4. ما هى الصورة الأكثر صدقا؟ رؤية الطبيب النفسى لنفسه؟ أم رؤية الناس له؟ أم رؤية مرضاه له؟ (على اختلافهم)، وكيف يوفق بين هذا الأدوار وغيرها.

أتوقف اليوم، ولا أعد بالإجابة إلا بما يسمح به المتن فى النشرات القادمة.

[1] – بعد ربع قرن كتبت الجزء الثالث من ثلاثية المشى على الصراط بعنوان “ملحمة الرحيل والعود” ونشر منذ عامين.

[2]حتى أننى كدت أصدق المرحوم بهجت عثمان (أحد حرافيش نجييب محفوظ، عرفته مؤخرا، أنه سوف يكتب فى تاريخ إنجازاته فخرا  أنه لم ينل جائزة قط)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *