الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الحلقة الخامسة والأربعون الأحد: 13/3/1995

الحلقة الخامسة والأربعون الأحد: 13/3/1995

نشرة”الإنسان والتطور”

14-10-2010

السنة الرابعة

العدد: 1140

Photo_Mafouz

الحلقة الخامسة والأربعون

الأحد: 13/3/1995

هذا مكان غير مناسب، أتأكد أكثر فأكثر أننا لم نوفق فى اختياره، سوف أبحث حتما عن بديل.

 ‏حضر الأستاذ مصطفى ‏أبو‏ ‏النصر، ‏ورجحت أنه ‏ ‏فى ‏مثل‏ ‏سنى ‏أو‏ ‏أكبر‏ ‏قليلا، ‏وهو صديق قديم من أصدقاء الأستاذ وأحد رواد لقاء ‏قصر‏ ‏النيل مع الأستاذ لمدة طويلة (كما فهمت)، ‏كان‏ ‏معه‏ ‏م‏. ‏نعيم‏ ‏صبرى، ‏وزكى ‏سالم، ‏كان‏ ‏الضوء‏ ‏الأبيض‏/النيون‏ ‏(أو‏ ‏النايلون‏ ‏كما‏ ‏يسمونه‏ ‏فى ‏بلدنا‏) ‏سىء ومزعج، ‏شغلنى ‏على ‏الأستاذ‏ ‏قليلا‏ ‏أو‏ ‏أكثر، ‏وجاء‏ ‏ذكر‏ ‏حلم‏ ‏كان الأستاذ قد حكاه يوم الجمعة وظهر فيه عبد الناصر، ولم أكن حاضرا، ولم يستعاد بالتفصيل، ثم بادر الأستاذ يحكى ‏حلما‏ ‏آخر‏ ‏مـر‏ ‏به‏ ‏فى ‏قيلولة‏ ‏اليوم ‏ ‏قال‏:‏

حلمت‏ ‏أنى ‏وكل‏ ‏أفراد‏ ‏أسرتى (‏الصغيرة‏) ‏قد‏ ‏دخلنا‏ ‏بهوا‏، ‏وإذا‏ ‏به‏ ‏مثل‏ ‏المسرح‏ ‏الدائرى، ‏وكان‏ ‏الممثلون‏ ‏يروحون‏ ‏ويجيئون‏ ‏بلا‏ ‏حدود‏ ‏فاصلة‏ ‏بين‏ ‏المسرح‏ ‏والمشاهدين‏ ‏الذين‏ ‏لم‏ ‏يتجاوزونا‏ ‏على ‏حد‏ ‏إدراكى ‏حينئذ، ‏واختلط‏ ‏المتفرجون (‏نحن‏) ‏بالممثلين،‏ ‏حتى ‏حصلت‏ ‏ربكة‏ ‏بدأت‏ ‏تتصاعد‏ ‏معها‏ ‏مخاوفى ‏ورهبتى ‏ودهشتي، ‏الممثلون‏ ‏ذاهبون‏ ‏عائدون، ‏ونحن‏ ‏كما‏ ‏ذكرت، ‏ولم‏ ‏ينقذنى (‏ينقذنا‏) ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏إلا‏ ‏فتح‏ ‏الأبواب‏ ‏ودخول‏ ‏الناس، ‏فاطمأننت، ‏وصحوت

طبعا لم يخطر فى بالى أى تفسير، وكم مرة قبل ذلك أعلنت للأستاذ موقفى من تفسير الأحلام من ابن سيرين حتى فرويد، ومع ذلك قلت وأنا أؤكد أننى أمزح: إننى أقرأ هذا الحلم كأننا ‏نحن‏ ‏الممثلون‏ ‏وقد اقتحمنا‏ ‏بيتك الكريم‏ ‏الذى ‏كان‏ ‏لا يقترب منه إلا أقرب الأقربين وبإذن خاص جدا‏ (‏قبل‏ ‏نوبل‏)، لكن الحادث والصداقة سمحا لنا أن نلتف حولك بهذه العشوائية الطيبة المحبة اللحوح، ومع ذلك فنحن نبدو كأننا نقوم بأدوار مرسومة، ليس بمعنى التمثيل، وإنما بسماح التدخل والالتزام وغير ذلك، أدوار يختلط‏ ‏فيها‏ ‏المتفرج‏ ‏بالممثل، ‏وكأننا‏ ‏رغم‏ ‏حسن‏ ‏النوايا‏ والحب الحقيقى – ‏نحول‏ ‏بينك‏ ‏وبين‏ ‏الناس من جهة، ونقلق خصوصية أسرتك الطيبة الصغيرة من جهة أخرى، ‏صحيح‏ ‏أننا ناس من الناس، ولكننا لا نمثل الناس الذين هم نسيج وعيك الشخصى والإبداعى، ‏ويبدو‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏يضجرك‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر، ‏ولن‏ ‏ينقذك‏ ‏مـنا‏ ‏إلا‏ ‏الناس‏ ‏الحقيقيين‏.‏

وابتسم‏ ‏الأستاذ ولم يعلق، ولم يعلق أحد، وخجلت من نفسى، كيف أرفض فكرة التفسير ثم أقول ما قلت هكذا؟

وعاد الحديث مرة أخرى إلى‏ ‏حادث‏ 4 ‏فبراير، (أو لعله طرق لأول مرة، لا أذكر)، وكيف قبل النحاس أن يضغط الانجليز على الملك وكأنهم يفرضونه عليه، وفى الحقيقة أنهم كانوا يعملون لصالحهم، وهو فى نفس الوقت يقبل لصالح بلده مع وعى كامل بحدود المحتل، وأعاد الأستاذ دفاعه ‏عن‏ ‏النحاس‏ ‏باشا‏ ‏دفاعا‏ ‏مجيدا، ‏وقال‏ ‏إنه‏ ‏أنقذ‏ ‏الشرعية، ‏وأنقذ‏ ‏البلد، ‏ورفض‏ ‏المساومة، ‏وتأكدت من جديد أنه أحب ويحب النحاس مثلما أحب سعد زغلول، وإن اختلف نوع الحب.

ثم سألنى الأستاذ عن عمرى أيام هذا الحادث (1942) فقلت أننى كنت حول الثامنة، أو التاسعة، وحكيت للأستاذ ‏ ‏كيف‏ ‏دخلت‏ ‏المدرسة‏ ‏متأخرا‏، وكيف قاومت محاولات والدى حتى سن الثامنة، مع أنى الولد الأصغر بين إخوتى الذكور الأربعة (مات أحدهم وأنا فى الثالثة) وبعدى بنتان، وكيف أن أبى جرجرنى جرا ذات صباح لإرغامى ‏على ‏الذهاب‏ ‏إلى ‏المدرسة‏، حتى إذا وصلنا قرب بابها يئس منى وتركنى أعدو وحيدا عائدا إلى البيت دون أن ينشغل على احتمال توْهى، وأنى رجعت عدوا إلى البيت لست أدرى كيف، ‏وحكيت أيضا كيف شاطنى ‏أبى ذات صباح ونحن فى طنطا ‏وأنا فى ‏الصالة‏ أقاوم الذهاب للمدرسة ‏فتدجرت‏ ‏حتى ‏وجدت‏ ‏نفسى ‏على ‏أرضية‏ ‏الحمام، ‏وحين‏ ‏غلب‏ ‏غلابه‏ ‏أخذ‏ ‏يعلمنى ‏بعض‏ ‏الحروف‏ ‏والأرقام‏ ‏والحساب‏ ‏بالمنزل‏، ‏وأذكر‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏يعطينى ‏ثلاثة‏ ‏جنيهات مصروف الشهر أصرف منه على طلبات أمى طول الشهر، ‏وأكتبها، وأجمع وأطرح، وكان يتبقى منه بعض القروش، فى حين كان مرتب والدى آنذاك، ‏ ‏خمسة‏ ‏عشر‏ ‏جنيها‏ ‏بالتمام والكمال، وكان بمثابة ثروة كاملة، يوفر منها ما يسمح له بشراء أرض جديدة بين الحين والحين، وكان ثمن ‏ ‏الفدان‏ ‏يتراوح‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏اربعين‏ ‏جنيها‏ ‏وثمانين‏ ‏فى ‏تلك‏ ‏الأيام‏.‏

ويذكر‏ ‏الأستاذ‏ ‏أن‏ ‏مرتبه‏ ‏كان‏ ‏ثمانية‏ ‏جنيهات‏ ‏أول‏ ‏تعينه‏ ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏المبلغ‏ ‏كان‏ ‏ثروة‏ ‏خطيرة، ‏وبدأت‏ ‏الأسعار‏ ‏تتحرك‏ ‏مع‏ ‏قدوم‏ ‏الحلفاء، ‏ونرجع إلى حادث 4 ‏فبراير‏‏، ولا يضجر الأستاذ من تكرار استنكار الحادث من أحد السائلين غيرى، لا أذكر من، ويعيد الأستاذ أن النحاس باشا حين قبل الوزارة، نجح‏ ‏أن‏ ‏يسد‏ ‏الباب‏ ‏أمام‏ ‏ذلك‏ ‏النداء‏ ‏الذى ‏صار‏ ‏يسرى ‏بين‏ ‏الناس‏ ‏يقول‏ “‏إلى ‏الأمام‏ ‏ياروميل‏”، وكأن ‏ ‏النازى ‏هو القادر أن ينقذنا من الاحتلال، وهذا ضد الموقف الوطنى للوفد والنحاس، وربما كان الملك يؤازر هذا الحل الإحلالى، احتلال مكان احتلال، وأنه كان يميل إلى أن ينتصر الألمان، برغم أنه لا يمكن التأكد من ذلك، لا أيامها ولا بعد ذلك، قلت‏ ‏للأستاذ‏ ‏اننى ‏فى ‏هذه‏ ‏الفترة‏ ‏كنت‏ ‏أسمع‏ ‏نداءات‏ ‏وأغان مضادة‏ ‏وكأنها‏ ‏معمولة‏ ‏قصدا‏ ‏لتوازن‏ ‏القوي، ‏فعندنا‏ ‏فى ‏بلدنا‏ ‏كان‏ ‏الأطفال‏ ‏يرددون‏” ‏يا‏ ‏هتلر‏ ‏يا‏ ‏بن‏ ‏المرة‏ ‏خليت‏ ‏الجاز‏ ‏بالكسكارة‏ “(‏التذكرة‏)”، ‏يا‏ ‏هتلر‏ ‏يا‏ ‏بن‏ ‏المجنون‏ ‏خليت‏ ‏الجاز‏ ‏بالكابون”، ‏وكأن‏ ‏هتلر‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏ولع‏ ‏فى ‏الأسعاروليس‏ ‏الحرب‏.‏

ويرجع الأستاذ فجأة إلى التعقيب ‏‏على ‏حكايتى ‏عن‏ ‏المدرسة‏، ويقول إنه كان‏ ‏يعتقد‏ ‏وهو‏ ‏طفل‏ ‏أن‏ ‏المدرسة‏ ‏قد أنشئت خصيصا‏ ‏لعقاب‏ ‏الأطفال‏ ‏الذين‏ ‏لا‏ ‏يسمعون‏ ‏الكلام، ‏و‏حتى ‏لا‏ ‏يتشاقى ‏الأطفال‏ ‏فى ‏البيوت، ‏فكان‏ ‏يذهب‏ ‏إلى ‏والده‏ ‏يعده‏ ‏ويقسم‏ ‏له‏ ‏أنه‏ ‏لن‏ ‏يتشاقى، ‏وبالتالى ‏فلا‏ ‏حاجة‏ ‏به‏ ‏إلى ‏الذهاب‏ ‏إلى ‏المدرسة.

ثم بذكر أ.‏ ‏مصطفى ‏أبو‏ ‏النصر‏، ربما تعقيبا على مرتب والدى (15 جنيه) ومرتب الأستاذ (8 جنيه)، أنه ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏نشر‏ ‏عدة‏ ‏قصص‏ ‏هنا‏ ‏وهناك،‏ ‏شجّعه‏ ‏أحمد‏ ‏حسن‏ ‏الزيات‏ ‏أن‏ ‏يقدم‏ ‏على ‏نشر‏ ‏قصصه، ‏ففرح، ‏لكن‏ ‏الزيات‏ ‏قال‏ ‏له‏ ‏إن‏ ‏ذلك‏ ‏قد‏ ‏يكلفه‏ ‏عشرة‏ ‏جنيهات، ‏فانزعج‏ ‏انزعاجا‏ ‏شديدا، ‏قائلا‏ ‏فى ‏نفسه‏ “‏يا‏ ‏نهار‏ ‏أسود‏ ‏عشرة‏ ‏جنيهات، ‏إن‏ ‏شاء‏ ‏الله‏ ‏ما‏ ‏اتنشروا‏”، ‏فقد‏ ‏ ‏كان‏ ‏يحسب‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏النشر‏ ‏سوف‏ ‏يعود‏ ‏عليه‏ ‏ببضع‏ ‏جنيهات، ‏لا‏ ‏أن‏ ‏يكلفه‏ ‏عشرة‏ ‏جنيهات، ‏وكانت‏ ‏العشرة‏ ‏جنيهات‏ ‏أيامها‏ ‏ثروة، ‏أيام‏ ‏كانت‏ ‏العشر‏ ‏بيضات‏ ‏بقرش، ‏والثلاث‏ ‏أرطال‏ ‏لحمة‏ ‏بأم‏ ‏عشرة‏، ‏والكبريت‏ ‏يباع‏ ‏مجانا‏ (‏فوق‏ ‏البيعة‏)، ‏مع‏ ‏علبة‏ ‏السجائر، ‏ويذكر‏ ‏الأستاذ‏ ‏أغنية‏ ‏ظهرت‏ ‏أيام‏ ‏صدقى ‏باشا‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏صدقى ‏مسئول‏ ‏عن‏ ‏الغلاء، ‏وعن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏للكبريت‏ ‏ثمنا‏ ‏أصلا‏ ‏وليس‏ ‏مجانيا‏ ‏كما‏ ‏كان‏ ‏يعطى ‏هكذا‏ – ‏على ‏البيعة‏- ‏فوق‏ ‏كل‏ ‏علبة‏ ‏سجائرة، ‏تقول‏ ‏الأغنية‏: (‏يدندنها ‏الأستاذ‏).‏

قالت‏ ‏تعالى ‏بـِيتْ،‏          ‏وادّيك‏ ‏كاسين‏ ‏نبيتْ

صدقى ‏غلـَّى ‏الـكبريتْ،‏    ‏يحيا‏ ‏النحاس‏ ‏باشا

وألاحظ نطق ” بـِيتْ ” وليس بيٌت” لضبط النعم والسجع، وأعقب على الحس الشعبى الجميل الذى نجح أن فى تحقيق هذه الحزمة الرائعة لحضور وعى الأستاذ ‏بين‏ ‏الحب‏ ‏والمزاج‏ ‏والسياسة‏، ‏وكأن‏ ‏النحاس‏ ‏باشا‏ ‏هو‏ ‏المنقذ‏ ‏القادر أن يرحم‏ ‏الناس‏ ‏من‏ ‏الغلاء الذى سبّبه صدقى باشا، ‏وأشعر‏ ‏كم‏ ‏كان‏ ‏رائعا‏ ‏ألا‏ ‏تختزل‏ ‏الوطنية‏ ‏إلى ‏مواقف‏ ‏جادة‏ ‏متزمته‏ ‏قاهرة‏،(يحيا النحاس باشا).‏

الثلاثاء:15/3/1995

فرح بوت، ذهبت‏ ‏أودع‏ ‏الأستاذ، ‏سوف‏ ‏أسافر‏ ‏إلى سوريا بعد‏ ‏غد، ‏عاد‏ ‏الغيطانى ‏من‏ ‏المغرب، ‏ولم‏ ‏يظهر‏ ‏العقيد، ‏حضر‏ ‏العمدة‏ (‏عماد‏ ‏العبودى‏)‏ ‏من‏ ‏روسيا‏ ‏وحسن‏ ‏ناصر موجود وإن كنت غير متأكد هل كان مع العمدة فى روسيا أم لا، ‏وشخص‏ ‏لا‏ ‏أعرفه‏، ثم محمد‏ ‏يحيى ‏وزكى ‏سالم‏ – ‏كان‏ ‏الأستاذ‏ ‏مرحا‏ ‏يسأل‏ ‏جمال ‏ عن ‏القعيد، ‏وعما‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏أذاع‏ ‏الأخبار‏ ‏للملك‏ ‏الحسن، (‏كما‏ ‏يفعل‏ ‏له‏)، ‏ويحكى ‏جمال‏ ‏عن‏ ‏استقبالهم‏ ‏فى ‏المغرب‏ ‏وعن‏ ‏القهر‏ ‏البالغ‏ ‏الإحكام، ‏واستحالة‏ ‏الحصول‏ ‏على ‏معلومات‏ ‏عادية‏ ‏دون‏ ‏إذن‏ ‏رسمى، ‏ويضيف أنه يبدو أن الحكومات العربية قد نجحت، فى الاتفاق على شىء واحد، ‏على ‏اختلاف‏ ‏مواقفها‏ ‏السياسية‏ ، لكنها اتفقت أن تكون كلها ‏حكومات‏ ‏بوليسية‏ ‏أساسا‏ (‏أكتب‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏وأنا‏ ‏راجع لتوى‏ ‏من‏ ‏سوريا‏‏) ‏المغرب‏ ‏فى ‏أقصى ‏اليمين،‏ ‏وسوريا‏ ‏على ‏يمين‏ ‏اليسار،‏ ‏والأردن‏ ‏فى ‏وسط‏ ‏اليمين‏ ‏الملكي، ‏ونحن نأخذ قطفة من كل فريق حسب مقتضى الحال، ‏المهم‏ ‏حكى ‏الغيطانى ‏عن‏ ‏الجائزة‏ ‏التى ‏يعطيها‏ ‏الملك‏ ‏للكتاب‏ ‏بالفرنسية‏ ‏الذى ‏لم‏ ‏يسعدهم‏ ‏الحظ‏ ‏لنيل‏ ‏جائزة‏ ‏فرنسية‏ ‏معينة‏ (‏لا‏ ‏أذكر‏ ‏اسمها‏) ‏وكان‏ ‏تساؤل‏ ‏الغيطانى ‏والعقيد‏ وسميح‏ ‏القاسم‏ ‏والطيب‏ ‏صالح‏ وقد التقيا بهما هناك): ‏وهم‏ ‏مجموع‏ ‏الأدباء‏ ‏الذين‏ ‏دعوا‏ ‏من‏ ‏العالم‏ ‏العربى ‏للمشاركة‏ ‏فى ‏حفل‏ ‏الولاء، ‏كان‏ ‏التساؤل‏: ‏أليس‏ ‏الأولى ‏هو‏ ‏تخصيص‏ ‏جائزة‏ ‏للكتاب‏ ‏العرب، ‏وأسأل متحفظا‏ ‏عن‏ ‏كثرة‏ ‏الجوائز‏ ‏هذه‏ ‏الأيام‏ التى تعطَى ‏من‏ ‏كل‏ ‏صوب‏ ‏وحدب،‏ ‏وهل‏ ‏هذا‏ ‏حافز‏ ‏للإبداع‏ الحقيقى فعلا، أم أنها أصبحت كأنها إحياء لتقليد عطايا‏ ‏الخلفاء‏ ‏والحكام‏ ‏للشعراء‏ ‏أيام‏ ‏زمان‏؟ ألا يوجد سبيل آخر ‏لا‏ ‏يحمل‏ ‏مظنة‏ ‏الدعاية‏ ‏الفجة‏ ‏يمكن‏ ‏للأثرياء‏ ‏العرب‏ ‏المهتمين‏ (‏أو‏ ‏المتصورين‏ ‏أنهم‏ ‏مهتمين‏) ‏بالأدب‏ ‏والإبداع‏ ‏أن يدفعوا به مسيرة الإبداع بشكل مختلف؟ ‏ولم‏ ‏يوافقنى ‏الغيطانى ‏تماما‏، ‏ولم‏ ‏يعلق‏ ‏الأستاذ‏.‏

وانتقل‏ ‏الحديث‏ ‏إلى ‏زيارة‏ ‏الرئيس‏ ‏لليابان، ‏وكان‏ ‏هناك‏ ‏حادث‏ ‏إطلاق‏ ‏النار‏ ‏من‏ ‏شخص ‏قيل أنه معتوه‏ ‏على ‏أتوبيس‏ ‏سياحى ‏به‏ ‏يابانييون، ‏وكان‏ ‏تعقيب‏ ‏القعيد‏ ‏غير‏ ‏مريح لى، شعرت معه أنه يكره النظام بغض النظر حتى عن ما يلحق بالسياحة من مثل هذا التخريب، وتمنيت، وربما أعلنت، أنه يا ليتنا نستطيع أن نفصل كرهنا أو نقدنا للنظام، عن حرصنا على مصلحة الوطن مهما كان حاكمه، و‏يسأل‏ ‏الأستاذ‏ ‏سؤالا‏ ‏بسيطا‏ ‏مهما‏ ‏هكذا‏ ‏باللفظ‏: ‏ما‏ ‏رأيكم، ‏متى‏ ‏تعتبر‏ ‏زيارة‏ ‏الرئيس‏ ‏لليابان‏ ‏ناجحة؟، وأعتقد أنه كان يعنى: متى تعود على البلد بخير ما؟ ‏وقال‏ ‏كل‏ ‏منا‏ ‏رأيه‏ ‏جدا‏ ‏أو‏ ‏هزلا، ‏حتى قال أحدنا، (لا أذكر من): “إنها تكون ناجحة ‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏يعـد‏ ‏الرئيس‏ ‏من‏ ‏هناك‏ ‏أصلا”، ويضحك الجميع ولا يشاركهم الأستاذ، هذا الرجل يحب البلد مهما كان حاكمها، ونسأله عن إجابته هو، فيقول عن مؤشرات نجاح الزيارة: “إذا زادت حجم التجارة والتصدير إن أمكن، أو إذا زادت الأفواج السياحية، أما الزيارات للزيارات وتبادل الرأة والاتفاق التام على كل شىء، وخصوصا مشكلة الشرق الأوسط، فهذا كلام لا يحتاج إلى تعليق.

 ‏‏وينتقل‏ ‏الحديث‏ ‏إلى ‏زيارة‏ ‏عماد‏ ‏العبودى ‏لروسيا‏، واشتعال الأسعار هناك، ‏ويقول‏ ‏إن‏ ‏الوجبة‏ ‏التى ‏كانت‏ ‏تتكلف‏ ‏بضع‏ ‏دولارات‏ ‏لمجموعة‏ ‏من‏ ‏الناس، ‏أصبحت‏ ‏تكلف‏ ‏الفرد‏ ‏الواحد‏ ‏بين‏ ‏خمسين‏ ‏ومائة‏ ‏دولار، ‏وينزعج الأستاذ من الرقم خصوصا بعد أن ترجمه أحدهم إلى جنيهات مصرية، ويشيرعماد إلى شعوره بسلطة المافيا تحت الحكم الجديد، ويصدق الأستاذ بالكاد تلك الأرقام، ويتحسب لمستقبل العالم لو زادت الحكومات السرية، والألعاب تحت المائدة ‏ ‏ ‏.‏

قال‏ ‏الغيطانى ‏إنه‏ ‏غير‏ ‏مستريح‏ ‏هذه‏ ‏الأيام، ‏وأنه‏ ‏يشعر‏ ‏بشعور غامض قريب من شعوره قبيل مصيبة ‏ 1967، ‏ ‏… ‏فيكمل‏ ‏الأستاذ‏ “‏فى ‏الجو‏ ‏غيم‏”، (‏ولم‏ ‏أكن‏ ‏أعرف‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏أغنية‏ ‏قديمة‏ ‏لعبد‏ ‏الوهاب وبحثت عنها فإذا بكلماتها شديدة الرقة تقول‏:

فى الجو غيم حجب القمر    وحرمنى من حُسن جماله

يا هل ترى عازل ظهر       ولا عزول حب وصاله

وسلمت‏ ‏على ‏الأستاذ‏ ‏واستأذنته فى الغياب لبضعة أيام فى مهمتى كمقرر امتحانات الزمالة العربية فى الطب النفسى، والتى تعقد اجتماعاته فى دمشق بانتظام، وتمنى لى السلامة بأبوة جميلة، ثم أضاف قبل ان أنصرف أنه أبلغ الدكتور فلان أن يؤجل التحاليل الراتبة بضعة أيام حتى أعود من رحلتى ما دمت لن أتأخر إلا هذه البضعة، وشعرت بثقته وفضله، ودعوت له، وقبلت يده، وانصرفت وكأننى آخذ منه ما يكفينى حتى أعود من رحلتى القصيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *