نشرة”الإنسان والتطور”
9-12-2010
السنة الرابعة
العدد: 1196
الحلقة الثالثة والخمسون
الثلاثاء 25/4/95
…مرور عابر على فرح بوت، العدد قليل، والاستاذ قد صيّف، لا يرتدى المعطف، وزكى سالم يتنازل لى عن معقده بجوار الأستاذ، فأنتهز فرصة وجودى القصير معه، وأعتذر له عن حديث الأمس الذى لمز بعض أصدقائه راجيا ألا يكون قد استاء منه، فيبتسم بلا أية مجاملة نافيا أى شعور سلبى، فأفرح وأزداد تعلما، ويضيف: أنا متعود على ذلك – وأعجب، ولا أكف عن العجب من نفس النقطة – من قدرة الاستاذ على معاشرة وحوار وتحمل وحب كل هؤلاء الناس المختلفين من حوله.
ثم أقول للاستاذ إننى أريد تصحيح معلومة ذكرتها له أمس، ذلك أننى قلت له أننى أنهيت كتاب أنيس منصور عن العقاد وأننى أستطيع أن أستنتج أن ما به من حقائق لا يزيد عن 15%، لقد قدرت أثناء عودتى أنها أكثر من ذلك، فيضحك زكى سالم ويقول إن التصحيح هو أنها 16% ، فأستجيب للمزحة وأقول بل 28%، يضحك الاستاذ بدوره فيصلنى أنه يبارك ما وراء الحوار، لكننى أواصل محاولة إبلاغ الرسالة التصحيحية فأقول:
أولا: إن الكتاب ليس حقائق تسجيلية حتى نحاسب كاتبه عن كم منها قد حدث فعلا وكم قد أضافه أو تخيله، فالكاتب لم يدّع أنه مؤرخ أو كاتب سيرة للعقاد، لكنه فى عنوان الكتاب يشير أكثر إلى أنه تاريخ عن حضور صالون عن العقاد وليس العقاد “كانت لنا أيام”، فقط كان لابد أن يبرز المؤلف ولو فى المقدمة حكاية “لنا” هذه
ثانيا: إن الكتاب هو سيرة ذاتية للكاتب حالة كونة فى حضور العقاد، وهذا واضح من البداية إلى النهاية.(ربما مثلما يغلب على كتاباتى هذه النشرات الآن 2010)
ثالثا: إن الكتاب قد اشتمل على كم من الزخارف المعلوماتية (مما يوجد فى موسوعات خاصة بذلك، مثل موسوعة حدث فى هذا اليوم، أو غرائب عادات المبدعين، أو شذوذ الأدباء… الخ) ما يمكن أن يسمى ديكورات الحكى، لكن الذى يؤخذ على الكاتب أنه كثيرا ما أورد هذه المعلومات الديكور على أنها جرت على لسان العقاد، أو على لسان المؤلف: أنيس منصور شخصيا، مما يشعر القاريء بالموسوعية والإحاطة بشكل ليس له مصداقية كافية.
ولو أن الكاتب قد أضاف سطرا أو نصف سطر فى المقدمة يؤكد فيه أن هذا لم يحدث، ولكن “وكأنه حدث”، لأنه هو ما تلقاه أو ما انتقاه أو ما بقى له، لكانت المسألة أكثر مقبولا وأصدق تمثيلا
وأخيرا: فإن كل هذه التحفظات لا تقلل من شأن الكتاب وقيمته حتى قيل إنه أحسن ما كتب أنيس منصور
هز الاستاذ رأسه وقال زكى – دون أن يقلل من قيمة الكتاب – إن كثيرا من النقاد ذكروا أنه سيرة ذاتية لأنيس منصور وليس للعقاد، وقال عماد عبودى كلاما قاسيا عن أنيس منصور، وغير ذلك ممن هم مثله، (فى رأيه) فرحت أنتقل إلى نقطة محددة معترضا عليها، وهى تتعلق ولو بطريق غير مباشر لخلفية الحادث الذى حدث للأستاذ، أعنى استسهال التكفير بالشائعات، قلت إن أنيس منصور قد سمح لنفسه أن يصف طه حسين بالإلحاد مباشرة فقد رد على سائل يسأله عن طه حسين: هل هو مؤمن أم ملحد، فرد فى سطر مستقل دون أى شرح أو تحفظ قائلا: – ملحد، تعجب عماد عبودى لهذا، واستبعد الأستاذ أن تكون العبارة وردت بهذه المباشرة لكننى أكدت أننى قرأتها وأعدت قراءتها، كذلك أضفت أن السائل تعجب للرد، فقال كيف يكون ذلك رغم أنه (طه حسين) كتب على هامش السيرة، فكان رد أنيس منصور أن بعض المؤرخين والمؤلفين من المسيحيين واليهود قد كتبوا عن النبى وعن الإسلام مديحا كثيرا دون حاجة لأن يكونوا مسلمين
ومازال الاستاذ مندهشا.
أضفت أنه ربما فعل ذلك من فرط غيظه من هجوم طه حسين على العقاد بعد موته بالذات، وقلت للاستاذ إنك كنت حاضرا لهذه الندوة التليفزيونية التى عقدت فى بيت طه حسين، فأجاب بالإيجاب، وذكر كيف أن زوجة طه حسين انتحت به جانبا هو ويوسف السباعى ونبهتهم ألا يلوثوا الكراسى والآرائك والسجاد، وأنه كان هو ويوسف السباعى شاعرين بالخوف والذنب طول الوقت على ما أصاب المنزل، وما قد يصيبه وكررت للاستاذ مسألة اتفاق طه حسين على الأجر 200 حم لو كان الحضور خمسة، وضعف ذلك لو زاد العدد، وأنه لما أحس أن العدد أكثر أخذ يلمح لأنيس منصور بوعده بضعف المكافأة، ويخفف الاستاذ من مغزى إعادة الحكاية هكذا فى الكتاب، ويقول إن هذه فى الأغلب تعليمات زوجة المضيف، أو لعلها دعابة، وأسألة عن موقف طه حسين فى هذا اللقاء وكيف أنه زعم عدم فهم عبقرية عمر، وأن حفيده لم يفهمها أيضا وهى مقررة عليه، يقول الأستاذ: لقد فوجئنا جميعا ودهشت شخصيا لهذا الهجوم، لم نكن نتوقعه فعلا، فنحن نعرف أن طه حسين أثنى على العقاد، صحيح كان هناك اختلاف مثلا حول تفضيل الثقافة اللاتينية على الثقافة الأنجلوسكونية، الأولى يرجحها طه حسين والثانية يرجحها العقاد، لكن هذا اختلاف فى وجهات النظر، وهو اختلاف وارد ومقبول ومفيد، ولم يمنع طه حسين من أن ينصّب العقاد إمارة الشعر حتى لقد أطلق عليه سنة 1930 أنه أمير الشعراء (راجعت الاستاذ لتحديد السنة إن أمكن فقال إنها فى الثلاثينيات والسلام) قلت للأستاذ إن شاعرية العقاد فيها آراء، حتى أنيس منصور، كان له موقف منها وهو يشير إلى أن العقاد كان يصر على تأكيد شاعريته وهو المفكر الموسوعى أساسا، ويتعجب أنيس منصور (فى موقع آخر لا أذكره) من أن العقاد ليس بالضرورة شاعرا، ولكن هذا لم يمنع – كما يقول الاستاذ – من أن ينصبه طه حسين أميرا للشعراء، ويضيف الاستاذ أنه يذكر أيضا كيف أثنى طه حسين على ديوان للعقاد لا يذكر اسمه تحديدا لكنه يرجح أنه كان فيه كلمة: بالكروان (ليست طبعا دعاء الكروان) ويضيف الأستاذ أن طه حسين فد سبق أن ذكر بالخير عبقريات العقاد ودراساته الإسلامية، ولعل هذا ما جعل حضور تلك الندوة يدهشون للهجوم اللاحق على العقاد، وخاصة بعد وفاته، وقلت للاستاذ إن موقف أنيس منصور من طه حسين حتى ذكر احتمال إلحاده دون تحفظ جاء بعد وفاته (فهذا الكتاب نشر بعد وفاة طه حسين) ولا أحد أحسن من أحد،.
وقبل أن استأذن للانصراف يعاتبنى يوسف العقيد على أن النسخة التى أرسلتها له عن آصداء السيرة الذاتية للاستاذ هى نسخة الأهرام، وليست النسخة الأصلية التى أعطانيها الأستاذ، فأقول له إن الخطأ أن البنت التى تعمل على الكمبيوتر عندى قد طبعت النسخة غير المصححة وأن هذا الخطأ يمكن استدراكه فى دقائق فيقول الأستاذ مقهقها: إحمد ربنا أن هذا هو الخطأ، وأنه لم يعطك بدلا منها السيره الذاتية العقاد.
وأنصرف وأنا أدعو له.
الخميس 27/4/1995
أجهضت جلسة الحرافيش الليلة، بالنسبة لى، مشكلة فى العربة جعلتنى أعتذر عن إكمال الليلة، بعد أن أوصلت الاستاذ إلى “فورت جراند” رحت أشاهد المكان الجديد البديل عن الماريوت، وهو نوفوتيل أبو الهول، تأخرت، وعدت للاستاذ، قال الاستاذ لتوفيق مازحا تفسيرا لتأخرى ” لا بد أنه كان يتفاوض لشراء الفندق وليس فقط يشاهد المكان الأصلح للقائنا فى الجزء الأول من ليلة الحرافيش”، ويضحك الأستاذ.
راح نصف الوقت فى ترتيبات شكلية، ضاعت – أو اختفت- أثناءها مفاتيحى، فاعتذرت عن إكمال الليلة لأتمكن من البحث عنها، وأيضا لظرف خاص، وسمحوا لى بالانصراف ، وفعلت وأنا أنعى حظى فعلا، يبدو أن ساعتى البيولوجية قد تبرمجت حتى أصبحت ليلة الحرافيش داخل خلايا مخى، ومع ذلك دهشت من سهولة اعتذارى عن إكمال الليلة، وأنا الذى لم اكن أتخيل احتمال ذلك أبدا قبل أسابيع !! هل يا ترى معنى هذا أنها أصبحت لا تمثل لى نفس القيمة؟ هل لم يعد فيها جديد؟ هل هذا هو سبب انصراف باقى الحرافيش عنها؟
ما هى الحكاية؟
ورفضت الإجابة، واستبعدت أن تكون بالإيجاب.
الجمعة 28/4/1995
مررت على الاستاذ صباحا فى بيته أطمئن عليه وأعتذر لمدة ساعة عن أن أكون فى بيتى فى استقباله، وقد نبهنى حين استأذنت أمس أن يلقانى فى اليوم التالى فى بيتى، بعد أن كان قد سمح لى بالسفر، وفرحت أنه حريص مثلى على جرعة ساعات الأسبوع من بعضنا البعض، قال لى وأنا فى بيته أعتذر مقدما عن موعدى أمس خبرا أزعجنى قليلا، قال لى: إنه قام بمغامرة عدم أخذ أية حبوب الليلة الفائتة، ولم ينم غير نصف ساعة فى أول الليل !! ياخبر!!! المسألة تحتاج وقفة ومراجعة، ربنا يسهل.
استطعت أن ألحق بالاستاذ فى بيتى الساعة السابعة والنصف، وكان الحديث يدور حول القنبلة الذرية، وما نشر على لسان الاستاذ فى حديثه مع سلماوى فى ركن الخميس بالأهرام، وكان لى تحفظ على نوعية ما ينقل أو يسجل سلماوى عن الأستاذ، فقد وصلنى من هذا الحديث أن الأستاذ يجمع بين باكستان وإيران واسرائيل معا، وهذا ما استبعدته بشكل أو بآخر، وإن كنت لم أفتح الموضوع لأتكد، لعلمى من حساسية الأستاذ بالنسبة لنقد مصداقية سلماوى، وجرى حديث حول التطوير الأحدث للقنبلة الذرية وأنهم الآن يستطيعون أن يوجهونها إلى هدف محدد عند جار من الجيران -مثلا- دون أن ينتشر خطر الإشعاع كما قيل سابقا، ولم أقبل هذا الزعم وإن كان محتملا، كذلك جرى نقاش حول تخفيض المخزون النووى وما إلى ذلك، قلت فى هذا: إننى أعتقد أن القنبلة الذرية توظف للإرعاب لا للاستعمال ، وبالتالى فالحديث بهذه التفاصيل خاصة لمن لا يملكها، إنما يؤكد أننا نستدرح غلى ما يريدون، إننا نتحدث عن أشياء فى عقولنا ليست لها علاقة مباشرة أو آنية بأبعاد المشكلة البشرية المعاصرة، المتفاقمة المهددة بالانقراض بالقنبلة الذرية وبغيرها أكثر، فمنذ سنة 1944 لم تلق قنبلة ذرية واحدة بعد نجازاكى وهير وشيما، وأن حكاية ”خزِّن وانا أخزّن” هى لعبة غبية من الكبار للتباهى فيما بينهم، مع الاتفاق السرى على استعمال العبيد ممن لا يملكها، وحين يصل الأمر إلى هذا الحد من اللعب، تصبح المسألة انتحار نوع من الأحياء اسمه الإنسان حى، وليس انتصار عدو على عدو، وتاريخ انتحار الكائنات موجود عبر التاريخ الحيوى، وهنا لابد أن القوانين الحيوية للبقاء، وهى قوانين أعمق وأرسخ من ألعاب العقل البشرى هى التى هيـّرت الاتحاد السوفيتى، وهى التى تقف وراء الجانب الإيجابى فى محاولة التخلص من المخزون النووى الآن، لو أنهم أخذوا المسألة مأخذ الجد، بل إن الحروب الكبيرة الآن كلها أصبحت بمثابة استحالة واقعية حتى بدون قنبلة ذرية، وقد استبدلت تلك الحروب بين الكبار بهذه البثور المنتشرة على وجه العالم المتخلف فى شكل الحروب الصغيرة المحلية، والعنصرية، والدينية، وكل هذه الحروب تدار من أعلى لصالح الحفاظ على التخلف، وتصبح مسألة الاستعمال الفعلى للقنبلة الذرية غير مطروح أصلا، وعلى هذا فإن شيئا لم يستعمله أحد إلا كعينة، ولا يبدو أن أحدا يجرؤ أن يستعمله تناسبا مع المخزون إلا فى عملية انتحارية جماعية لن تستثنى من يستعمله، هذا الشىء ينبغى ألا يحتل من فكرنا ومخاوفنا أكثر من حجمه، إن تهديد الجنس البشرى بالانقراض له إنذارات أخرى تتسحب باضطراد، وهى تكاد تكون أخطر من هذا النذير المعلن البشع، لأنها أكثر خفاء وأخطر استشراء”
توقفت فجأة وأحسست كأنى أخطب، وربما أكرر، وأن ما أقوله هو بعيد عن المستمعين بشكل أو بآخر، اللهم إلا الأستاذ الذى اصبحت متأكدا أنه من القلائل جدا الذين يتحملون شطحى، ولكن من أدرانى، فهو يتحمل كل الناس.!!!
ثم انتقلت بالحديث إلى انتباه العالم المتقدم – حرصا على تقدمه – لمسألة الحفاظ على العبيد (نحن: من لا نملك القنبلة الذرية)، من ناحية لاستمرار أدائنا لخدمته، ومن ناحية أخرى لاستمرار الجدل (الهيجلى) بين العبد والسيد، وأنه علينا أن ننتهز الفرصة، فرصة قرارهم الفوقى بالبقاء دون الموت جوعا، وأن نقبل ما يقدمون، ثم نضيف إليه شيئا ولو بسيطا مما يحدد اختلافنا عنهم، وقد يحتاجون إليه، وهنا ذكرت الاستاذ بمقولته عن ما يمكن أن يضيفه الاسلام وطلبت منه مرة أخرى، أو لعلها المرة الأولى، أن يوضح لنا ذلك، فأجابنى ببساطته العميقة الرائعة (مضطرا على ما يبدو): إن الإسلام، ونحن نرجو أن نمثله لا يرفض أى إنجاز علمى أو تكنولوجى أو حضارى حققه الغرب، وبالتالى فهو قادر على استيعاب أى تقدم مادام ليس فى منظومته الأساسية مايحول دون ذلك، فانتبهت وقلت: “لا”، أنا لا أعنى ذلك، وإنما أنا أتساءل عن جوهر ما يمكن أن يضيفه الاسلام للوجود البشرى، لا ما يستعمله الإسلام من الإنجاز البشرى، أعنى الإسلام بما هو موقف وجودى مختلف، فالغرب حين أراد أن يتخلص من السلطة الدينية تخلص من الدين نفسه وكأنه ألقى السلة بالطفل الذى فيها، وأصبح الدين ممارسة نهاية الاسبوع أو ديكور تسكينى بعض الوقت، لكننى أتصور أن جوهر وجود المسلم (والمؤمن عامة) يختلف من حيث أنه يهتم بالفرد أساسا وابتداء (فى علاقتة بالناس والكون)، وأنه يبنى الداخل بعبادات معينه (ليصب الداخل فى الخارج ويتكامل معه) وأنه يمتد إلى المابعد وهو الغيب (مما سبق الكلام عليه) وهنا تتدخلت د. مها وصفى لتفسر الغيب بأنه الحياة الآخرة، وأنه الجنة والنار، فاعترضت، لأن مسألة الجنة والنار والحساب هى أمور لا تشغلنى فى المقام الأول، والنصوص الإسلامية التى طالبت الإنسان بالإيمان فرقت بين: الإيمان باليوم الآخر، وبين الإيمان بالقدر خيره وشره، وبين الإيمان بالغيب، وهى تكمل بعضها بعضا وليست مترادفة، ويؤكد زكى سالم عل مسألة الفرد هذه وتنميته الخاصة فى علاقته بربه، فيقول الأستاذ: أو ليس هكذا معظم الأديان؟ وأوافقه ولا أعترض أن تكون كل الأديان إسلاما، وأذكر ما سبق أن حاورت به محمد إبنى أثناء تسليم الوسام من أن السفير الفرنسى بدا لى – وله – مسلما، ويطلب منى بعض الحضور للمرة الكذا أن أوضح ماذا يعنى عندى الاسلام، فأتردد وأخاف من التكرار، لكن ما باليد حيلة : إنه الحرية، والمباشرة، والتذكرة اليومية والسنوية بعلاقتنا بالطبيعة وإيقاعاتها الحيوية، وفرصة اللقاء بالمشاركين فى ذلك مع حفز مناسب إلى التكامل الاجتماعى، وكل ذلك فى إطار تعميق ما خلق الله فينا من قوانين طبيعية وهذا ما يعينيه لفظ: الفطرة فى إسلام، ولمزيد من الشرح أضيف أن الحرية تقع فى بؤرة: “لا إله إلا الله” والمباشرة تتمثل فى أنه لا كهنوت ولا رجال دين فى الإسلام، أما التذكرة اليومية فهى العبادات المنتظمة، مع دورات الليل والنهار خاصة (كل بضع ساعات قرصة فى الأذن أن ثمَّ وجودا آخر غير ما أنت فيه يا هذا!!!!). والتذكرة السنوية (بالصوم وقطع النمط السائد) والتذكرة الكونية مرة فى العمر (الحج) والتكامل الاجتماعى (بالزكاة) ، وحين انتقل التساؤل إلى مسألة الفطرة شعرت أنها تحتاج إلى شرح أصعب، وأن ردودى وشرحى وجهة نظرى قد يصبح أكثر إملالا، فتهربت من الإجابة مؤقتا، وكأنه كان عندى إجابة، طبعا ما زلت أجتهد حتى الآن ودائما (2010). (نشرة 6-11-2007 “عن الفطرة والجسد وتَصْنيم الألفاظ”)، ( نشرة 4-11-2007 ” الفطرة، والقشرة والانشقاق”).
ويثور جدال حول اختزال الإسلام إلى ما هو السلطة الدينية الرسمية (الأزهر) أو السلطة الدينية المحتملة (الجماعات الدينية والحكومة الاسلامية) وأنهم سينسون كل ذلك ولا يبقى مدخل للحياة إلا الحلال والحرام من واقع نصوص يفهمهونها تفصيلا على قدر مصالحهم، فأنسحب من لسانى مرة أخرى، وأنبه إلى أننى لا أدافع ولا آمل ولا أوافق على أى نوع من السلطه الدينية، وإنما المسألة أعمق من كل هذا لأن الإسلام جنبا إلى جنب مع اللغة هما ما يميزانى مسلما عربيا ، وإنى أرى تركيز التخريب ينصب على تسطيح الأول وتشويه الثانى، اللغة العربية الآن أصبحت مهجورة، مهانة، مكروهة، يستهزأ بها، والإسلام أصبح مختزلا أو محتكرا فى سجن الانغلاق والوصاية، محاطا بأسلاك الفتاوى الشائكة الجاهزة الملاحقة، ، يقول يوسف عزب أنه أدرك الآن ما أقصد بالإسلام، ويسألنى توضيحا: هل ثمَّ نظام اجتماعى وسياسى واقتصادى محدد يحقق ذلك،؟ فأنفى تماما أننى أدعى ذلك، وأن أى شيء أقوله فى هذا الصدد يمكن أن يكون سببا فى أن ينفونى بعيدا عن دينى، سواء كان من سيصدر أمر النفى هو سلطة مثل الأزهر، أم جماعة مثل إحدى الجماعات، أو حتى تنظيما يشاع عنه الاعتدال مثل الإخوان، أما الحكومة السنية، فقد تسعد عن تتخلص من أمثالى بأى من هؤلاء، وأعترف بعجزى عن التمادى فى أى تصور يسمح بتطبيق عملى لما أقول، ومع هذا العجز، والحذر، أعلن أن حسابى على الله، وأنه سيحاسبنى على مدى الجدية والمثابرة التى عاملت بها فطرتى والتى حاورته بها، والتى حافظت بها على ما وصلت إليه، والتى طورت بها ما انتهيت إليه أولا بأول، وأن هذا هو الذى يدعونى أن أسأل: أليس هذا الاختلاف النوعى لنوعية وجود المسلم خليق أن يدفعنا للبحث والتساؤل عن ماذا يمكن أن نقدمه للغرب المغرور من إضافة حقيقة، فيبتسم الأستاذ وأنا أتعجب أنه كان متابعا كل هذا، فأعيد عليه آخر تساؤلى: ماذا فعلا يمكن أن نقدمه من موقعنا كمسلمين، فيجيب مازحا وقد نبهته ساعته البيولوجية لموعد الانصراف: “نقدم الساعة”.
ويضحك، وننظر فى ساعاتنا فعلا،
ويقدمها بعضنا مبكرا، فقد كان اليوم هو الجمعة 28/4/95، موعد تقديم الساعة للعمل بالتوقيت الصيفي!!
وضحكنا جميعا مرة أخرى.