الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الحالة: (63) المعلــِّـم….. (2)

الحالة: (63) المعلــِّـم….. (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

28-4-2010

السنة الثالثة

العدد: 971

photo-28-4-2010

الحالة: (63)

المعلــِّـم….. (2)

مقدمة:

وعدنا فى الحلقة السابقة بشرح الفقرتين معا، لكن يبدو أن الإيقاع سيسير أبطأ كثيراً لدرجة أننا سنكتفى فى هذه النشرة بجزء من الفقرة الأولى فحسب.

‏(2)‏

شيخ‏ ‏الطريقة‏ ‏قاعدْ‏ ‏لى ‏كما‏ ‏قاضى ‏الزمانْ‏.‏

بيقسِّم‏ ‏الأرزاقْ‏ ‏ويمنح‏ ‏صكّ‏ ‏غفران‏ ‏الذنوبْ‏،‏

وكإن‏ ‏مشكلة‏ ‏الوجـود‏،‏

‏ ‏ما‏ ‏لهاش‏ ‏وجود‏،‏

‏ ‏إلا‏ ‏حـَـداهْ‏. ‏

عامل‏ ‏سبيل‏ ‏إسمه‏ “‏الحياه‏” :‏

‏”‏قال‏ ‏ده‏ ‏يعيش‏ْْْْْ ،‏

ودى ‏تموتْ‏، ‏

ودا‏ ‏مالوش‏ ‏الا‏ ‏كده‏”.‏

قاعد‏ ‏يصنف‏ ‏فى ‏البشر‏ ‏حسب‏ ‏المزاج‏: ‏

‏ “‏لازم‏ ‏تـعــدِّى ‏عالصراط‏”‏

‏ ‏واللى ‏بيشبه‏ ‏حضرته‏ ‏يديه‏ ‏قيراط‏:‏

‏ ‏فى ‏جنته‏ ،‏

واللى ‏يخالف‏ ‏هوه‏ ‏حر‏.‏

‏ ‏يكتب‏ ‏على ‏قبره‏ ‏ماشاء‏:‏

ميت‏ ‏صحيح،  لكنه‏ ‏حر‏ ‏فْ‏ ‏تربته‏. ‏

‏ ‏وان‏ ‏قلنا‏ ‏ليه‏ ‏ياعمنا‏ ‏؟

بيقول‏ ‏كما‏ ‏قاضى ‏الزمان‏:‏

ماقدرشى ‏يمشى ‏عالصراط‏، ‏ويكون‏ “‏كـمـثـلي‏”.‏

مازلت أتقمص رأيهم (رأى الأغلبية) فى الصورة التى تلقوها عن نوع حضور هذا القائد القاهر (المعلّم) وكأنه يفرض ذاتية وجوده على غيره بشكل حرفى، وكأنه يريد من الآخرين أن يكونوا نسخة منه، هذا التلقى (من المريض أو الأبناء أو أى واحد) وارد فى العلاج النفسى وأحيانا يكون حقيقة عند بعض المعالجين الذين لا ينتبهون إلى نوع وجودهم الذى يستمدونه من سلطتهم على مرضاهم.

هذا هو ما ألمحنا إليه فى النشرة السابقة، والمِعلِّم بذلك يبدو أنه مثل شيخ الطريقة (الصوفية) له مريدون، ومنهج (طريقة)، و”رؤية” (حقيقية!) المهم هنا، إضافة إلى ما جاء فى النشرة السابقة، أن استقبال مرضاه (وأحيانا المحيطين به أيضا)، يصورلهم أنه يصنفهم على مزاجه

“قاعد يصنف فى البشر حسب المزاج”،

والتصنيف هنا ليس بوضع لافتة تشخيصية (اكتئاب، فصام… الخ)، لكنه تصنيف أقسى وأكثر دَمْغاً.. هذا ما يصل للخائفين من طغيان شخصيته، وهو تصور إصدار إحكام على علاقة المريد بالحياة ذاتها. التصنيف يشمل تحديد جرعة الحيوية (الحياة) التى يتصف بها المريض (أوغيره)، فكثيراً ما يصف الطبيب النفسى (أو المعالج) مريضه بأنه ميت (انظر نشرة “التدريب عن بعد” أمسlink  ).

 بصراحة دعونى أعترف أننى بعد حيرة طويلة انتبهت إلى أننى لا أنتمى إلى أيديولوجيا معينة، أو حتى أية منظومة ثبتّتها وصاية أوصياء عليها مهما كان تقديسها، بقدر ما أنتمى إلى ما يمكن أن أسميه “حركية الحياة“، وليس عندى توصيف أكثر من أنها “استمرارية الحفاظ على الوجود البشرى نابضا فى دورات استيعاب فإبداع، لا يتوقفان (حتى بعد الموت مؤخرا)، يبدو أن هذا اليقين يصل إلى المحيطين بى باعتباره يقينا ثابتا، مع أنه ليس أكثر من “قانون” أو “برنامج له قواعده”، التى لا أعرف إلا أقلها.

يبدو أنه ترتب على انتمائى لما أسميته “حياة” كقيمة فى ذاتها: أن الآخرين تلقوه باعتباره “أيديولوجية ما: حتى لو كان اسمها “الحياة”

 عامل سبيل اسمه “الحياة”،

 وبالتالى يمكن تصور هذا التلقى من الآخرين مع احترام أسبابه، بأنه ينتهى إلى: “إن من يتبع هذا الطريق: “النبض المستمر” والتغير الوارد دائما ، والبسط (الإبداع) المتناوب، فهو يتبع طريقة “المعلم” “شيخ الطريقة”، لكن استقبالهم هنا وأنا أتقمصهم أكد لى أن هذه “الطريقة” التى صورونى شيخها، قد وصلتهم باعتبارها أيديولوجية أقيس بها درجة “حركية الحياة” عندهم، وبهذا تصبح المسألة أقسى، وأخنقُ إحكاماً، من أية أيديولوجية أخرى، لأنها تصل إلى الآخرين، وكأنها “براءات وجودً بدّرجة كذا“:

وهم يصفون التصنيف – من وجهة نظرهم- بخطوط كاريكاتيرية هكذا:

 هذا يصلح لأنه ينتسب إلى البرنامج

“قال ده يعيش”!

وهذه لا تصلح أصلا للانتماء إلى هذه “الحياة”

“ودى تموت”

وذاك يكفيه هذا القدر من جرعة الحياة

“ودا مالوش إلا كده”

هكذا كان تصورى لاستقبال الخائفين من هذه الحركية أو هذا البرنامج باعتباره أيديولوجية مفروضه، وكأن عليهم أن يتبعونها ليحظو بنيشان الشهادة أنهم “أحياء”،

 وهنا يقفز سؤال على لسانهم: إذا كان هذا هو المطلوب يا عمنا فكيف يمكن تحقيقه؟

وهو سؤال لا يمكن الإجابة عليه إلا بأن… “المطلوب هو” “هكذا” دون تحديد.

ويتكرر السؤال، فيأتى جواب ضمنى أنه إن لم توجد تفاصيل مسبقة لمعالم المذهب، فثم طريق إليه، وهوما يقابل “المشى على الصراط

مفهوم “للمشى على الصراط” له معى قصة طويلة فى مسار فكرى ووجودى، وقد أسميت ثلاثيتى الروائية “المشى على الصراط” بأجزائها الثلاثة (الواقعة – مدرسة العراه – ملحمة الرحيل والعود) بناء عن هذا المفهوم، أنا أفهم المشى على الصراط باعتباره جزءًا من البرنامج الذى أسميته “حركية الحياة”، وهو يتضمن: “عملية الانتقال” من “حالة وجود” مستقر (ساكن غالبا) إلى حالة “وجود واعٍد آخر” (غير معروفة معالمه عادة)”، أعتقد أن هذا هو ما يسميه فردريك بيرلز “المشى فى النار” Passing into Fire فى العلاج النفسى العميق، وخاصة فى العلاج الجمعى حيث يتواصل الإفشال التدريجى للآليات الدفاعية المستعملة والمثبتة لحالة الوجود المستقرة، فتهتز الميكانزمات وتتخلخل لدرجة ما، ويُستدرج مُستعملها بعد هز آلياتها إلى “نور البصيرة”، فلا تعود ميكانزماته قادرة على مواصلة عملية التثبيت والتسكين التلقائية، فيتحرك المريض (أو أى شخص ينمو) مرغما نسبيا من خلال اختيار عميق إلى احتمال آخر، ويدخل فى مرحلة صعبة عادة بعد أن فقد القديم فاعليته وتماسكه دون، أو قبل، ظهور ملامح الجديد، برغم يقينٍ ما بأن هذا الطريق (الصراط) هو الذى يؤدى إلى “احتمال آخر”، هذا الطريق هو الصراط، وهو ليس صراطا يؤدى إما إلى الجنة “يدّيه قيراط فى جنته” أو إلى النار (المرور فى النار بيرلز (Passing into Fire ، ولكنه صراط بين “القديم الساكن” و”الجديد المحتمل” “غيْر معروف المعالم”.

الاتهام الموجه للمعلم هنا هو أنه يخدع الناس حوله بوعود غامضة، لكنه يخفى فى سريرته مواصفات محددة للحياة التى يعتبرها الجنة (ربما اليوتوبيا)، وهكذا يبدو لهم أن دخول جنتة الخاصة (الخصوصى) هذه لا يرتبط بكدح السائر على الصراط، بقدر ما يرتبط برضا المعلم

قاعد يصنف فى البشر حسب المزاج،

 إذن فهو يخلخل القديم، ولا يعد بجديد محدد، ويمنح مقابل رضاه حجرات أو قصور (أو أفدنة أو قراريط) فى جنته الخاصة، فهى – من واقع تخوفهم – ليست دعوة للتكامل والتطور، وإنما هى دعوة للتبعية والتقليد بأن يكونوا نسخة منها

واللى بيشبه حضرته، يديه قيراط فى جنته

كل هذا وصلنى ضمن وجهه نظرهم التى تقمصُتها، وقد تصوروا، أو قرروا، أو اكتشفوا، إن كل ذلك: كان يجرى تحت زعم حرية مشبوهة.

فى هذه المواقف العلاجية (وغير العلاجية) يتم استعمال كلمة “الحرية” بإفراط شديد وخداع حقيقى، لا أتردد فى أن أشبهه باستعمال أمريكا للفظ الديمقراطية التى تسوقها لنا هذه الأيام لتحقيق الفوضى (وهم يوهمونا أنها خلاّقة)، حتى نخضع للتبعية والاستسلام، وهم يصورون لنا أن ذلك قد تم باختيارنا (حريتنا).

المتن هنا يحاول أن يعرى صورة “المعلم” كما وصلتهم وهو يدعى أنه مسموح لأى واحد أن يخالف تعليماته، السماح بالاختلاف (مثل مزاعم “قبول الآخر” من على السطح) يبدو وكأنه : منتهى الحرية، لكنه سماح فوقى مشروط “كما يرونه):

 واللى يخالف “هوه حر”!!

 وعليه أن يدفع ثمن استعماله حريته حكما نهائيا بالنفى الإعدامى

ميت صحيح،!!

 لكنه حرّ فْ تربته!

 أية حرية تلك التى تفترض واحدية الاختيار قبل السماح المزعوم بالاختلاف؟

أية حرية تلك التى تنتهى بالحكم بسحب صفة الحياة منك بمجرد أن تخرج عن الخط؟

“هكذا يتم الإعدام رميا بالأحكام الفوقية” بعد الطرد من الجنة.

كما يمكن أن يتم النفى (الإعدام) بالسقوط من على شعرة الصراط وأنت تترجح عليها مرعوبا.

كثير من المرضى الذين يدخلون هذا المأزق يلحون فى طرح أسئلة مشروعه معلنة وخفية تقول: مادام القديم قد اهتز أوتخلخل وتحطم هكذا حتى لم يعد من الممكن الرجوع إليه، فلم يعد أمامنا إلا المضى قدما إلى المجهول، لكن يظل من حقنا ان نسأل “إلى أين؟” “ثم ماذا”؟

وهم لا يجدون إجابة – من المعلّم بالذات- إلا “أنت حر“، كيف “أنه حر” وهو لم يعد يستطيع إلا المضى قدما على شعرة الصراط .

هذه الصورة التى تبدو ديكتاتورية إلى هذه الدرجة ليست حقيقة العلاج، ولا هى كانت حقيقة ما جرى فى التجربة الخاصة التى أتحدث عنها، (من وجهة نظرى)، إلا أن تعريتها هكذا ربما تكون ضمانا لعدم حدوثها فى العلاج أو غير العلاج إلا نادراً.

مساحة الحركة، والحضور الاختيارى، والاستمرار الاختيارى المتجدد لفترة من الزمن تسمح بمواصلة السير على الصراط إلى الوجود الجديد الذى يصبح قديما ليهتز وتدخل إلى صراط تال وهكذا، هو قانون حركية الحياة.

المشى على الصراط لا يوصل صاحبه إلى غاية محددة، لكنه يؤكد له سلامة توجهه كدْحاً،

 إن أسهل سبل الهرب من مواجهة مواصلة السعى اختيارا هو أن يتصور المريض (أو أى شخص) أن المطلوب هو أن يكون صورة طبق الأصل من المعالج – المعلم – (القدوة)، إذا هو واصل المشى على الصراط أملا فى قيراط من الجنة الموعودة، مادام قد أصبح نسخة من “المعلم”!

لكن كيف يكون مثله والمعلم نفسه ليست له معالم محددة ومعلنة؟ فيتواصل التساؤل:

 “ونقول له: مثلك يعنى ايه”؟

يسكت.. يتوه

يسرح.. يقف!

وعنيهْ تقول.. كلام كتير:

*****

وهكذا لا يجد الخائفون جوابا جاهزاً.

المعلم شخصيا لا يعرف الجواب

فيبدأ البحث عن جواب وفى عينيه “كلام كثير”

 نقرأه معه فى الحلقات التالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *