الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية EAGT “: … مشروعٌ مازال يتحرك فى كل اتجاه!!”

الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية EAGT “: … مشروعٌ مازال يتحرك فى كل اتجاه!!”

شرة “الإنسان والتطور”

17-5-2011

السنة الرابعة

العدد: 1355

عوْد على بدء:

الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية EAGT

“… مشروعٌ مازال يتحرك فى كل اتجاه!!”

…… آن الأوان أن نرجع إلى الجهاد الأكبر، معترفين بالفضل، معاهدين على الاستمرار، متألمين من المضاعفات، مجتهدين فى تداركها ما أمكن ذلك، لتتحقق ثورة ما بما ينبغى كما ينبغى.

كنت قد توقفت عن مواصلة الكتابة المنتظمة، فى ما أسميناه “الأساس فى الطب النفسى” وفاء بالوعد،  آملا أن نواصل معا التسجيل، والحوار والتصحيح ، وكان الأمل أن يجرى النقد المناسب جنبا إلى جنب مع الكتابة أولا بأول، وأيضا أن يقوم الزملاء الذين تحمسوا للفكرة بالترجمة إلى الإنجليزية …إلخ نشرات: (14-12-2010، 15-12-2010) ، ثم كان ما كان ، وكانت نشرة يوم 25 يناير 2011 (لاحظ التاريخ بالصدفة)، هى النشرة قبل الأخيرة قبل التوقف، لكنى سارعت فى نفس اليوم بكتابة نشرة الأربعاء لتلحق بنشرة الثلاثاء فى مساء 25 يناير نفسه، ثم كان ما كان.

وبعد

أخطرتنى “منى” ابنتى مؤخرا أنه بتاريخ 28/4/2011، قد تم إشهار الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية رسميا، ولم تكن لى يد فى ذلك لأسباب هى تعرفها كما يعرفها الزملاء والزميلات، فبرغم اسم “العلاجات الجماعية”، ، وبرغم تاريخى فى ممارسة العلاج الجمعى ما يقرب من نصف قرن الآن، فأنا عاجز عن ممارسة الإجراءات الجماعية الروتينية والرسمية بشكل حضارى متمدن، حاولت طول حياتى أن أتغلب على هذه الصعوبة فلم أستطع، وبعد أن وصلت إلى سنى هذه، وسامحنى زملائى  الأكبر، كما تفضل زملائى وزميلاتى الأصغر فى مصر وخارجها، بإعفائي من مثل ذلك، اللهم إلا محاضرة افتتاحية هنا، أو استشارة خبراتية هناك، أصبحت مدينا لكل من يقوم عنى بما أتمناه لى ولهم ولنا.

فرحت باسم الجمعية الجديدة، وأنا أنتبه إلى أنها بالجمع (الجماعات العلاجية)، وليست بالمفرد (العلاج الجمعى)، فمن ناحية : العلاج الجمعى ليس نوعا واحدا لكنه أنواع ومدارس متعددة، ومن ناحية أخرى فإن هذه الصيغة بالجمع تسمح بأن تتضمن الجمعية، (ومفهوم الجماعة) نشاطات جماعية أخرى ولا تقتصر “على دائرة العلاج الجماعى” “جلوسا”، فمثلا تتضمن العلاج التنشيطى الجمعى، أو العمل الجماعى ..إلخ ، ثم إنه قد حضرتنى ذكرى قديمة عن النقاش الذى دار بيننا سنة 1977 ونحن نختار اسم جمعية للطب النفسى حين انتهى بنا الأمر إلى أن نضيف إلى اسمها الأول إضافة دالة تسمح لكل المعالجين، بل والمتعالجين،  أن يشاركونا النشاط الجماعى فكان اسمها من البداية:  “جمعية الطب النفسى التطورىوالعمل الجماعى 2546/ “1979 ، وكان النقاش الذى برر هذا الاسم بالذات هو أن التطور عبر التاريخ، ليس إلا  نتاج عمل أفراد النوع معا، حفاظا على بقاء النوع، ولم يكن  أبدا نتاج الحوار والمناقشات، وبالذات ليس نتيجة تسونامى “التوك شو” (كما أسماه مؤخرا الكاتب النبيل سلامة أحمد سلامة) الذى كاد يعصف بآمال الشباب عصفا.

المهم، حين التقط الفريق النشط الطيب الذى تحمس حتى سجل هذه الجمعية الجديدة مؤخرا، حين التقطوا فرحتى بهم، وبالجمعية، طلبوا منى أن أكتب لهم كتابا عن “العلاج الجمعى ، فى ثقافة عربية”، ورحبت طبعا، ووعدت كالعادة، وزادت أعبائى، لكن كانت فرحتى أكبر من خوفى من الانهاك أو التقصير، وكان أهم ما اشترطه هو أن اكتبه بالعربية فوافقوا ، ولمحوا إلى ترجمته، لكنهم عادوا يتوعدونى أنهم سيعودون للضغط علىّ لأترجمه شخصيا إلى الإنجليزية، ثم يراجعونه هم،  ولم أعِدْ بذلك برغم أننى الذى سوف أقوم به غالبا.

رجعت اقلب فى أوراقى، وتسجيلاتى الصوتية والمرئية، فوجدت مئات من الأوراق، ومثلها من التسجيلات، أغلبها جاهز ومفرَّغ كتابة، والآخر قيد ذلك، فإذا أضفنا إليها ما تم نشره فى نشرات الإنسان والتطور اليومية خلال أربع سنوات، وخاصة ما يتعلق بالألعاب العلاجية، فإن الأمر يتجاوز مئات المصادر بما يفوق وقتى وقدراتى ولا أجد له حلا .

ما العمل ؟

هل أكمل كتاب “الأساس فى الطب النفسى” الذى توقف يوم 25 يناير بالذات؟ أم أبدأ فى كتاب العلاج الجمعى الذى طلبوه منى ، ووعدتهم خيرا؟

تذكرت فجأة ذلك الكتيب الذى نشرته سنة 1979 باسم “مقدمة فى العلاج الجمعى” (وعنوانه الفرعى: عن البحث فى النفس والحياة)، ورجعت إليه، وقد كان فى البداية مقدمة لرسالة ماجستير للأستاذ الدكتور عماد حمدى غز رئيس قسم الطب النفسى حاليا والذى نحتفل بخروجه للمعاش بعد أن افُتِتح القسم الجديد فى عهده وبفضل جهوده، أقول رجعت إلى هذا الكتاب الذى كتب سنة 1977 لينشر سنة 1979، أننى كتبت فى خاتمته ما يلى:

“…..فهأنذا‏: ‏مشروعٌ‏ ‏متحرك‏ ‏فى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏اتجاه، ‏أحاول‏ ‏أن‏ ‏أتحقق‏ ‏بأكثر‏ ‏من‏ ‏أسلوب، ‏(ثم):

 “‏إن‏ ‏أهم‏ ‏ماجاء‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الكتيب‏ ‏بالنسبة‏ ‏لى ‏هو‏ “‏رقم‏ ‏الإيداع‏ ‏بدار‏ ‏الكتب: 1762 سنة 1978“‏

ثم وجدت أن ابنى الأكبر الأستاذ الدكتور رفعت محفوظ (وهو فى المعاش الآن أيضا : رأيت كيف؟!!!) قد كتب له تصديرا قال فيه ما يلى بالحرف الواحد:

كتب الأستاذ الدكتور يحيى الرخاوى هذه المقدمة لغرض محدد، وهو تقديم بحث قام بالإشراف عليه وأعده أحد تلاميذه، وهو الدكتور عماد حمدى غز، وذلك عن “العلاج الجمعى: دراسة دينامية لاتجاه مصرى”، ثم عرضها علينا – تلميذه – الواحد تلو الآخر كما يفعل فى أغلب ما يكتب قبل أن يدفع به إلى النشر، إذا بنا نفاجأ بأن هذه الأفكار – التى كثيراً ما طلبنا منه نشرها – أمامنا مكدسة وراء بعضها فى تسلسل قائم بذاته يكاد يستقل حتى لينفصل عن البحث المراد تقديمه، وأصبحنا، وأصبحت أنا بوجه خاص فى حيرة، وعرضت عليه رأيى ألا تكون هذه المقدمة لبحث خاص، وأن يزيدها وينقحها ويكتب لنا وللناس كتابا عن العلاج النفسى الجمعى يضع فيه خبرته وعلمه كما يعدنا دائما، ووافق من حيث المبدأ، ووعد خيراً، ولعلمنا المسبق بطبعه لم نأمن لهذا الوعد فأردنا منه التزاما، فتهرب كالعادة، وحاولنا اختبار الموقف عمليا بأن طلبنا منه أن يكتب تقديما موجزا لبحث الزميل الدكتور عماد غز، فلم يفعل … وأشار أن ينشر هذا التقديم هكذا، ولا مانع من أن يعاد نشره ضمن الكتاب الأكبر…

وراجعت نفسى ووعوده السابقة وأيقنت أن الوعد غير الموقوت قد لا يعنى شيئا حسب سابق خبرتى معه..، وقلت لعل أفضل ما يمكن هو أن نقدم هذه المقدمة على مستوى آخر لأعداد أكبر مستقلة فى ذاتها .. وليكتب هو ما يريد فيما بعد، وأملنا أن تحقق هذه الخطوة مطلبين …

الأول: إحراجه حتى لا يتراجع

الثانى: توصيل بعض ما يمكن توصيله فى حينه إلى الناس دون انتظار للوعود المتكررة.

 ولم يخفف علينا ما فى ذلك من مخاطرة إذ  قد يحس القارئ أن الخاص (وهو تقديم بحث بذاته) أصبح عاما دون مراعاة للفرق بينهما، إلا أننا أدركنا بعد المراجعة المتأنية أن هذا لن يضير العمل شيئاً، وأن كل إشارة خاصة يمكن أن تـٌفهم دون الرجوع إلى البحث مباشرة، وكذلك فإنها قد تصلح لأى بحث من هذا القبيل دون الارتباط بهذا البحث بوجه خاص.

قد يكون فى هذه المحاولة بهذه الطريقة مالم يألفه القارئ، ولكن من ذا يستطيع أن يجزم أن المألوف هو الأفضل؟. (توقيع) أ.د. رفعت محفوظ محمود

فعقبت على هذا التصدير شاكرا بكلمة قصيرة سجلتها بعد تصديره قلت فيها:

ليكن، ولقد ألحقت بهذا العمل الخطوط العريضة لمزيد من الفروض العاملة فى مجالات أخرى، ولينتفع كل بما شاء لما شاء.

أ.د. يحيى الرخاوى

ثم كتبتُ مقدمة هذا الكتيب، قلت فيها:

“لهذا العمل وضع خاص:

فهو مقدمة لبحث قمت بالإشراف عليه، وهو بحث شاركت فيه، ولكنه مقدمة أيضاً لبحث كنت “أنا شخصيا” بعض مادته، وأخيراً هو تقديم لطريقة علاجية نشأت من ممارستى للعلاج النفسى فى مصر …، وبعد ذلك فإنى به أقدم نفسى وفكرى .. أخيراً، وبالرغم من أنها مسألة تبدو خاصة تماما وهى تقدم بحثاً بذاته، إلا أنى تعمدت أن أجعلها مقولة قائمة بذاتها، حتى لتكاد أن تقرأ مستقلة تماماً… رغم ما جاء بها من إشارات متكررة عن البحث القائم.

………..

………..

ثم إنى قلت فى هذه المقدمة أيضا:

….. انتهزت هذه الفرصة المتاحة لأعلن بضعة خطوط عريضة آن الآوان لإعلانها، إذ  سأحاول من خلال هذه المقدمة المتصلة بشخصى من أكثر من جانب أن أضع “فهرساً” أو “رؤوس مواضيع” تشغلنى منذ زمن ليس بعيداً (منذ “ولادة الفكرة” التى أعلنتها فى كتابى “حيرة طبيب نفسى”)، وقد وجدت أنه قد مرّ على ذلك ما يزيد عن ست سنوات دون أن يصدر شئ محدد يتلو هذه الفكرة رغم أنها كانت “نهاية وبداية” كما أعلنت، ولهذا التأخير وحده ميزة لا أتنكر لها .. كان بفضلها أن اختمرت سائر الأفكار، واختبرت بعض الفروض، إلا أن الوقت أخذ يمر حثيثاً حتى بدأت أخاف أن ” أذهب” قبل أن أحدد معالم ما توصلت إليه.. وقررت أن انتهز هذه الفرصة لأدوّن بعض ما يشغلنى، ولو “كورقة عمل”، ولو “كفروض محتملة التحقيق” ولو “كمثيرات للتفكير”،

………..

 فإذا وجد القارئ استرسالا فى الأفكار قد يبعده قليلا عن هذا البحث، فليعذرنى ولسوف أحاول أن أقدم له ما يبرر ذلك من وجهة نظرى، فليحمل الورق بعض ما حملت من أمانة لم يعد من حقى – بعد انتظار سنوات – أن أظل محتفظاً بها، أمنعها دون أصحابها من هذا الجيل أو الأجيال اللاحقة بحجة صعوبة النشر أو الرغبة فى الإتقان والتكامل، فلا النشر سيصبح أسهل مما هو الآن لمثل هذا الجديد فى عنفه وندرته وتحديه، ولا الإتقان حتى التكامل بممكن بالدرجة التى ترضى أى متردد أو خائف مثلى،

ثم إنى أنهيت هذا الكتيب هكذا:

خــاتمــة

……..

……..

وأجدنى ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏موقف‏ ‏الذى ‏ظل‏ ‏يلهث‏ ‏عدوا‏ ‏إلى ‏هدف‏ ‏ما، ‏وما‏ ‏إن‏ ‏استقر‏ ‏به‏ ‏المقام‏ ‏حتى ‏جلس‏ ‏يتلفت‏ ‏حوله‏ ‏يرى ‏أين‏ ‏هو‏ ‏مما‏ ‏كان‏ ‏يعدو‏ ‏تجاهه‏ ‏لاهثا، ‏أو‏ ‏يتصوره‏ ‏آمِلاً‏، ‏فجعلت‏ ‏أراجع‏ ‏ما‏ ‏قدمت‏، ‏أحاول‏ ‏تحديده‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏إعادة‏ ‏النظر‏ ‏فيه  ‏والتفكير‏ ‏فيما‏ ‏انتهيت‏ ‏إليه‏.‏

ولقد‏ ‏وجدت‏ ‏أمانة‏ ‏أن‏ ‏خير‏ ‏ما‏ ‏أنهى ‏به‏ ‏هذا‏ ‏الكتيب‏ ‏المقدمة‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏أخاطب‏ ‏نفسى ‏بصوت‏ ‏مقروء‏ ‏فأعدد ‏ ‏ما‏ ‏خطر‏ ‏ببالى ‏إزاء‏ ‏هذا‏ ‏العمل‏ ‏فور‏ ‏انتهائى ‏منه، ‏حتى ‏ولو‏ ‏كان‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏بعض‏ ‏التكرار‏.‏

أولا‏: ‏لقد‏ ‏أتاحت‏ ‏لى ‏هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏أن‏ ‏أرسم‏ ‏الخطوط‏ ‏العامة‏ ‏لمسيرة‏ ‏فكرى، ‏وأن‏ ‏أحدد‏ ‏فى ‏جلاء‏ -‏ لم‏ ‏أكن‏ ‏واثقا‏ ‏من‏ ‏وضوحه‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏الدرجة‏- ‏موقفى ‏ورأيى، ‏من‏ ‏طبيعة‏ ‏ممارستى ‏لهذه‏ ‏المهنة‏: ‏الطب‏ ‏النفسى، ‏وحقيقة‏ ‏موقفى ‏فى ‏هذا‏ ‏العلم‏: ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏، ‏وأخيرا‏ (‏وأولا‏) ‏من‏ ‏طبيعة‏ ‏موقفى ‏فى ‏الحياة‏، ‏ولعل‏ ‏أول‏ ‏من‏ ‏نبهنى ‏إلى ‏اختلاط‏ ‏هذا‏ ‏بذاك‏ ‏هو‏ ‏تلميذى ‏الدكتور‏ ‏عماد‏ ‏حمدى ‏حين‏ ‏كنت‏ ‏أناقشة‏ ‏فى ‏أى ‏الكتب‏ ‏أبدأ‏ ‏كتابته‏ ‏إذا‏ ‏حان‏ ‏الحين‏، ‏فاقترح‏ ‏أن‏ ‏أكتب‏ ‏نظرتي‏- ‏أو‏ ‏نظريتي‏- ‏فى ‏الحياة‏، ‏وقد‏ ‏كدت‏ ‏أفعلها‏، ‏إلا‏ ‏أنى ‏وجدت‏ ‏أنى ‏بذلك‏ ‏أبدأ‏ ‏فى ‏غير‏ ‏مجالى، ‏حيث‏ ‏تصورت‏ ‏أنى ‏لو‏ ‏فعلتها‏ ‏لوجدت‏ ‏نفسى ‏فى ‏لُجة‏ ‏الفلسفة‏ ‏لا‏ ‏محالة، ‏ونحن‏ ‏لانجرؤ‏ ‏بعد‏ ‏على ممارسة  ‏الفلسفة‏، ‏وكل‏ ‏علاقتنا‏ “المسموح‏” ‏بها‏ ‏هى ‏أن‏ ‏نعلم‏ ‏ما‏ ‏هى، ‏أما‏ ‏أن‏ ‏نمارسها‏- ‏كما‏ ‏ذكرت‏- ‏فدون‏ ‏ذلك‏ ‏الجنون‏ ‏أو‏ ‏النبذ‏‏ ل ‏..، ‏ولكنى ‏وجدت‏ ‏نفسى ‏بعد‏ ‏هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏قد‏ ‏ألمحت‏ ‏لموقفى ‏هذه‏ ‏من‏ ‏الحياة‏ … ‏بل‏ ‏وصرحت‏ ‏به‏ ‏فى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏موقعي‏.‏

ثانيا‏: ‏لقد‏ ‏أرستنى ‏هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏أخيرا‏ ‏على ‏اللغة‏ ‏التى ‏انتهيت‏ ‏إلى ‏تفضيل‏ ‏الحديث‏ ‏بها‏ ‏هى “‏لغة‏ ‏العلم‏” ‏بالتعريف‏ ‏الذى ‏أشرت‏ ‏إليه وهو:

إن‏ ‏العلم‏ ‏هو‏: “وسيلة‏ ‏معرفية‏ ‏لتوسيع‏ ‏المدارك‏ ‏والوعى ‏يغلب‏ ‏عليها‏ ‏استعمال‏ ‏النسق‏ ‏الفرضى ‏الاستنتاجى، ‏وعادة‏ ‏ما‏ ‏تكون‏ ‏معطياته‏ ‏قابله‏ ‏للاختيار‏ ‏ولكنها‏ ‏ليست‏ ‏بالضرورة‏ ‏قابلة‏ ‏للإعادة، ‏وهذه‏ ‏الوسيلة‏ ‏تشمل‏ ‏جمع‏ ‏المعلومات‏ ‏بنسق‏ ‏ملتزم‏ ‏كما‏ ‏تشمل‏ ‏إعادة‏ ‏تنسيقها، ‏والعمليتان‏ ‏مرتبطتان‏ ‏ارتباطا‏ ‏مباشرا‏ ‏بدرجة‏ ‏موضوعية‏ ‏وعى ‏القائم‏ ‏بهما‏. ‏وتتحقق‏ ‏المعلومات‏ ‏وتتصاعد‏ ‏الفروض‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏السبيل‏ ‏بعدة‏ ‏وسائل‏ ‏تشمل‏ ‏إعادة‏ ‏التجريب‏، ‏واختيار‏ ‏التطبيق‏، ‏وتقييم‏ ‏الإفادة‏ ‏فى ‏تحقيق‏ ‏مداها‏ ‏والوصول‏ ‏إلى ‏غايتها، ‏ودرجة‏ ‏تناسقها‏ ‏مع‏ ‏المعارف‏ ‏الموضوعية‏ ‏الأخرى ‏وكذلك‏ ‏مدى ‏صلابتها‏ ‏أمام‏ ‏اختبار‏ ‏الزمن‏”.‏

……………

ثالثا‏: ‏رغم‏ ‏رجحان‏ ‏كفة‏ ‏لغة‏ ‏العلم‏ ‏عندى ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذا “الكتيب”‏ ‏المقدمة‏، ‏ورغم‏ ‏إتاحة‏ ‏الفرصة‏ ‏لإعادة‏ ‏تعريف‏ ‏العلم‏ ‏بما‏ ‏يجعله ‏أكثر‏ ‏رحابة‏ ‏وأشمل‏ ‏نفعا‏، ‏حتى ‏ليحتوى ‏الفلسفة‏ ‏دون‏ ‏تردد، ‏فإنها‏ ‏قد‏ ‏صالحتنى ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏على “‏ضرورة‏ ‏الفن‏ ” ‏فى ‏مرحلة‏ ‏تطور‏ ‏الإنسان‏ ‏المعاصر‏

……….

رابعا‏: ‏وافق‏ ‏ظهور‏ ‏هذا الكتاب‏ ‏المقدمة‏ ‏أننا‏ ‏نعيش‏ ‏فى ‏وطننا‏ ‏الصبور‏ ‏هذا‏ ‏أحداثا‏ ‏تتعلق‏ ‏بمستقبلنا‏ ‏فى ‏مختلف‏ ‏المجالات‏ ‏تعلقا‏ ‏مباشرا‏، ‏ومن‏ ‏خلال‏ ‏بداية‏ ‏مؤلمة‏ ‏جديدة‏ (معاهدة السلام) ‏تنبع‏ ‏من‏ ‏أرض‏ ‏الواقع‏ ‏دون‏ ‏تأجيل‏ ‏كمواطن‏ ‏فى ‏مجاله‏… ‏حفزنى ‏ذلك‏ ‏ضمنا‏ ‏أن‏ ‏تصدر‏ ‏أسارع‏ ‏بالاستجابة‏ ‏لرغبة‏ ‏الدكتور‏ ‏رفعت‏ ‏محفوظ‏ ‏فى ‏أن‏ ‏تصدر‏ ‏هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏فورا‏ ‏كبداية‏ ‏ملزمة‏ …، ‏وزاد‏ ‏يقينى ‏أثناءئ‏ ‏اندفاعتى ‏هذه‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏اللحاق‏ ‏بركب‏ ‏الحضارة‏ ‏لن‏ ‏يأتى ‏بالعمل‏ ‏السياسى ‏الصارخ‏ (فحسب‏)، ‏أو‏ ‏بإصلاح‏ ‏المسار‏ ‏الاقتصادى (‏أو‏ ‏إعلان‏ ‏ذلك‏)، ‏أو‏ ‏حتى ‏بتأمين‏ ‏اللقمة‏ ‏للجميع، ‏ولكنه‏ ‏سيأتى ‏حتما‏ ‏من‏ ‏الشعور‏ ‏بالتحدى ‏إذ‏ ‏نواجه‏ ‏موقف‏ ‏الحياة‏ ‏والموت‏ ‏فردا‏ ‏وشعبا‏، ‏ثم‏ ‏بالإقدام‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ذلك‏ ‏على “‏شجاعة‏ ‏التفكير‏ ” ‏كخطوة‏ ‏أولى ‏نحو‏ “شجاعة‏ ‏التغيير‏”(هذا ما أسميته لاحقا: ثقافة الحرب برغم السلام) ‏وتيقنت‏ ‏أن‏ ‏استسلامنا‏ ‏للشعور‏ ‏بالنقص‏ .. ‏أو‏ ‏بالأمل‏ ‏فى ‏الاسترخاء‏ ‏الرفاهى .. ‏ما‏ ‏هو‏ ‏إلا‏ ‏حفر‏ ‏لقبورنا‏ ‏بأيدينا (وهذا ما رفضته باعتباره ثقافة السلام)‏ – ‏والكل‏ ‏يحسب‏ ‏أن‏ ‏شجاعة‏ ‏التفكير‏ ‏هى ‏أن‏ ‏نحل‏ ‏المشاكل‏ ‏القائمة‏ ‏حلا‏ ‏سعيدا‏ ‏ملائما‏ ‏ولكنى ‏حين‏ ‏أخذت‏ ‏أتصفح‏ ‏ما‏ ‏سطرت‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏وصلت‏ ‏إلى ‏هنا‏ ‏لاهثا‏ .. ‏تمنيت‏ ‏أن‏ ‏تصل‏ ‏ما‏ ‏أعنيه‏ ‏وأعانيه‏ ‏إلى ‏من‏ ‏يهمه‏ ‏الأمر‏ ‏وهم‏ ‏ناسى جميعا .. ‏

……….

خامسا‏: ‏واجهت‏ ‏متألما‏ ‏صعوبة‏ ‏النشر‏ ‏وضرورته‏ ‏فى ‏آن‏ ‏واحد‏ ‏وتيقنت‏ ‏أنه‏ ‏بغير‏ ‏إمكانيات‏ ‏النشر‏ ‏على ‏مسئولية‏ ‏صاحب‏ ‏الفكر‏ ‏الجديد‏ ‏ومن‏ ‏خلال‏ ‏جهده‏ ‏الشخصى ‏فلا‏ ‏أمل‏ ‏فى ‏تسجيل‏ ‏شىء ..، ‏ولا‏ ‏أستطرد‏ ‏فى ‏سرد‏ ‏خبرتى ‏مع‏ “‏لجان‏ ‏القراءة‏” ‏أو‏ “‏دور‏ ‏التجارة‏ ‏والنشر‏” .. ‏ولكنى ‏أقول‏ ‏أن‏ ‏الصعوبات‏ ‏المحلية‏ ‏صعوبات‏ ‏مقدور‏ ‏عليها‏ ‏بجهد‏ ‏خاص‏ ‏عنيف‏، ‏أما‏ ‏ما‏ ‏يهمنى ‏أكثر‏ ‏فهى ‏الصعوبات‏ ‏العالمية‏ ‏والتنافس‏ ‏غير‏ ‏المتكافيء‏ ‏مع‏ ‏أفكار‏ ‏موازية‏ .. ‏أو‏ ‏دون‏ ‏ذلك‏، ‏ولا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أكتم‏ ‏غيظى ‏حين‏ ‏أرى ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏الكتب‏ ‏المصقولة‏ ‏تملأ‏ ‏الرفوف‏ ‏والأدراج‏ ‏فى ‏كل‏ ‏مكان‏ ‏ولا‏ ‏تحوى -‏فى ‏علمنا‏ ‏مثلا‏- ‏إلا‏ ‏تكرار‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏سطحى ‏أجوف، ‏فإذا‏ ‏انتقلت‏ ‏إلى ‏الأفكار‏ ‏الإبداعية‏ ‏الأصيلة‏ ‏مثل‏ ‏فكر‏ ‏سليفانو‏ ‏أريتى ‏الموازى ‏لفكرى ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏ارتباطه‏ ‏المباشر‏ ‏بالتطور‏ .. ‏وقارنت‏ ‏الفرص‏ ‏المتاحة‏ ‏لى ‏كدت‏ ‏أنحط‏ ‏مشزمرا‏ ‏حتى ‏لأكاد‏ ‏أيأس‏.، ‏وإنى ‏إذا‏ ‏أعترف‏ ‏لأريتى ‏العظيم‏ ‏بالفضل‏ ‏على ‏وعلى ‏الناس‏ .. ‏أعلن‏ ‏بلا‏ ‏تردد‏ ‏سبقى ‏له‏ ‏فى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏رأى، ‏يشهد‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏بعض‏ ‏زملائى ‏وتلاميذى، ‏وأنه‏ ‏قام‏ ‏بنشرها‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏كنت‏ ‏أقوم‏ ‏بتدريسها‏ ‏لبضعة‏ ‏سنوات‏ (وسأرجح‏ ‏لهذه‏ ‏النقطة‏ ‏بعد‏ ‏قليل‏)، ‏ولكنى ‏أعترف‏ ‏أنه‏ ‏ما‏ ‏أستطاع‏ ‏أن‏ ‏ينشر‏ ‏آراءه‏ ‏الأخيرة‏ ‏بشجاعة‏ ‏المبدع‏ ‏إلا‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أتقن‏ ‏اللغة‏ ‏السائدة‏ ‏تماما‏، ‏ووصل‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏ذلك‏ ‏لأن‏ ‏يصبح‏ ‏المؤلف‏ ‏الأول‏ ‏لأشهر‏ ‏كتاب‏ ‏فى ‏الطب‏ ‏النفسى ‏فى ‏الولايات‏ ‏المتحدة‏ American Handbook of Psychiatry ‏وبعد‏ ‏ذلك‏ ‏سمح‏ ‏لنفسه‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏ما‏ ‏رأى ‏من‏ ‏واقع‏ ‏نفسه‏ ‏وخبرته‏ ‏الإكلينيكية‏ ‏دون‏ ‏تقيد‏ ‏بالأسلوب‏ ‏الشائع‏.. ‏حتى ‏إذا‏ ‏وصل‏ ‏به‏ ‏الأمر‏ ‏فى ‏كتابه‏ ‏الأخير‏ “‏إرادة‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏إنسانا‏”The Will to he Human ‏أن‏ ‏يعلن‏ ‏أنه‏ ‏إنما‏ ‏يتقمص‏ ‏النبى ‏يونس‏ ‏عليه‏ ‏السلام‏… ‏لم‏ ‏يجرؤ‏ ‏أحد‏ ‏على ‏اتهامه‏ ‏بتخطى ‏مرحلة‏ ‏السواء‏، ‏

……..

……..

‏ولقد‏ ‏أوردت‏ ‏هذا‏ ‏الاستطراد‏ ‏المطول‏ ‏لأعلن‏ ‏من‏ ‏خلاله‏ ‏فضل‏ ‏النشر‏ ‏المنتظم‏ ‏الصبور‏ ‏باللغة‏ ‏السائدة‏ ‏ليسمح‏ ‏فى النهاية‏ ‏للغة‏ ‏الجديدة‏ ‏أن‏ ‏تسمع،

……….

سادسا‏: ‏تعلمت‏ ‏أن‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏”المقدمة‏” … ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏عملا‏ ‏قائما‏ ‏بذاته‏ (‏قارن‏ -‏ دون‏ ‏تشبيه‏- ‏مقدمة‏ ‏ابن‏ ‏خلدون‏ ‏ومقدمة‏ – ‏المحاضرات‏ ‏التمهيدية‏ – ‏فى ‏التحليل‏ ‏النفسى)، ‏لأنها‏ ‏قد‏ ‏تكون‏ ‏أهم‏ ‏وأخطر‏ ‏مما‏ ‏يليها‏، ‏فهى ‏إعلان‏ ‏بداية‏ ‏للجديد‏.. ‏وإلزام‏ ‏ضمنى ‏بما‏ ‏يليه‏.‏

سابعا‏: ‏تيقنت‏ ‏أن‏ ‏تسجيل‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏هو‏ ‏واجب‏ ‏أساسى ‏لأى ‏مفكر‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يستمر‏، ‏وفضل‏ ‏الكتابة‏ ‏على ‏الحضارة‏ ‏لا‏ ‏ينكر‏، ‏ولا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏نزن‏ ‏المخاوف‏ ‏من‏ ‏تقديس‏ ‏الكلمة‏ ‏المطبوعة‏ ‏حتى ‏الإعاقة‏ ‏فى ‏مقابل‏ ‏ضرورة‏ ‏توصيل‏ ‏الأمانة‏ ‏لضمان‏ ‏استمرار‏ ‏المسيرة‏، ‏ومنذ‏ ‏تأكدت‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الحقيقة‏ ‏انطلقت‏ ‏أسجل‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ .. ‏كتابة‏ ‏أو‏ ‏صوتا‏ .. ‏وليكن‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ .‏

ثامنا‏: ‏تأكدت‏ ‏من‏ ‏الغرض‏ ‏الذى ‏افترضته‏ ‏قبلا، ‏وألمحت‏ ‏إليه‏ ‏ضمنا‏، ‏وهو‏ ‏أن‏ ‏أى ‏فكر‏ “‏أصيل” (بمعنى ‏الكلمة‏) ‏لا‏ ‏يخرج‏ ‏إلا‏ ‏بلغة‏ ‏الأم (بل اللغة الأم) ‏، ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏اللغة‏ ‏الأخرى ‏قد‏ ‏تغلغلت‏ ‏حتى ‏ما‏ثلث‏ ‏لغة‏ ‏الأم، ‏وقد‏ ‏زدت‏ ‏إصرار‏ ‏على ‏أن‏ ‏احتمال‏ ‏النقل‏ ‏من‏ ‏العربية‏ ‏هو‏ ‏احتمال‏ ‏قائم‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏العلم‏ .. ‏كما‏ ‏قام‏ ‏فعلا‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏الفن‏ (الروائى ‏خاصة‏) ‏ولست‏ ‏أذهب‏ ‏بعيدا‏ ‏لأقول‏ ‏أن‏ ‏التدريس‏ ‏فى ‏فرعنا‏ ‏بلغة‏ ‏غير‏ ‏لغة‏ ‏الأم‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏مقصودا‏ ‏به‏ ‏إعاقة‏ ‏التفكير‏ ‏الإبداعى ‏كافة‏ .. ‏فلست‏ ‏ممن‏ ‏يرحبون‏ ‏بتبرير‏ ‏عجزنا‏ ‏بأوهام‏ ‏الاضطهاد‏ ‏الاستعمارى ‏والمؤامرات‏ ‏الصهيونية‏ .. ‏الخ، ‏ولكنى ‏أيضا‏ ‏لا‏ ‏أستبعد‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏استسلامنا‏ ‏للاستمرار‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الاغتراب‏ ‏اللغوى .. ‏ما‏ ‏هو‏ ‏إلا‏ ‏خوف‏ ‏من‏ ‏مخاطر‏ ‏إطلاق‏ ‏طاقاتنا‏ ‏الإبداعية‏ .. ‏وما‏ ‏يترتب‏ ‏عليها‏ ‏من‏ ‏تغير‏ ‏متطور‏ ‏خلاق‏ ‏يزعزج‏ ‏القديم‏ ‏من‏ ‏جذوره‏.‏

تاسعا‏: ‏خطر‏ ‏ببالى ‏ما‏ ‏قرأته‏ ‏ذات‏ ‏يوم‏ ‏من‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏الأفكار‏ ‏الأصيلة الجديدة‏ ‏لا‏ ‏تدل‏ ‏إلا‏ ‏على ‏عدم‏ ‏إلمام‏ ‏صاحبها‏ ‏بما‏ ‏سبق‏ ‏نشره‏، ‏وتعجبت‏ ‏لهذه‏ ‏الكلمة‏ ‏الشجاعة‏، ‏وقبلت‏ ‏صحتها‏ ‏إلى ‏حد‏ ‏بعيد‏، ‏ولكنى ‏عدت‏ ‏أقول‏ ‏أن‏ ‏إعادة‏ ‏اكتشاف‏ ‏نفس‏ ‏الحقيقة‏ ‏فى ‏مكان‏ ‏آخر‏، ‏وبلغة‏ ‏أخرى، ‏ومن‏ ‏موقع‏ ‏آخر‏، ‏له‏ ‏ميزتان‏ ‏على ‏الأقل‏: ‏الأولى: أنه يؤكد الحقيقة الأولى وربما يوضحها ويثبتها. والثانية: ‏أنه‏ ‏يدل‏ ‏على ‏أن‏ ‏التفكير‏ ‏اللاحق‏ ‏له‏ ‏نفس‏ ‏الترتيب‏ ‏والأصالة‏ ‏التى ‏سبق‏ ‏بها‏ ‏التفكير‏ ‏الأول‏ .. ‏على ‏الأقل‏ (وقد أسميت هذا النوع من المصداقية : المصداقية بالاتفاق التاريخى، وأعنى بها أمانة إعادة اكتشاف ما سبق اكتشافه)‏

……….

‏وأذكر‏ ‏على ‏سبيل‏ ‏المثال‏ ‏فكرتى ‏عن‏ ‏نقط‏ ‏الانبعاث‏ Pace Maker ‏فى ‏المخ‏ ‏التى ‏قال‏ ‏بها  ‏بعد‏ ‏إعلانى ‏لها‏ ‏بعامين‏ ‏سيلفا‏ ‏نو أريتى‏، ‏وهنا‏ ‏أحب‏ ‏أن‏ ‏أشير‏ ‏إلى ‏التقاء‏ ‏فكرينا‏ ‏رغم‏ ‏تصورى ‏لقصوره‏ ‏عن‏ ‏مواجهة‏ ‏العلاج‏ ‏العضوى ‏الفيزيائى ‏والكيميائى ‏وموقعة‏ ‏فى ‏الكل‏ “المعرفى ‏الغائي‏” ‏الذى ‏ينادى ‏به‏ ‏تفسيرا‏ ‏لنمو‏ ‏المخ‏ ‏واضطرابه‏ ‏معا، ‏وأنا‏ ‏لا‏ ‏أدعى ‏تفوقا‏ ‏خاصا‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المجال‏ ‏أو ذاك، ولكنى ‏أقرر‏ ‏حقيقة‏ ‏مرحلية‏ ‏لن‏ ‏تتضح‏ ‏إلا‏ ‏فيما‏ ‏سوف‏ ‏أفصل‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏ ..، ‏

……….

ثم‏ ‏إنى عدت ‏أطمئن‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذا‏ ‏التطابق‏ ‏الفكرى ‏حتى ‏ولو‏ ‏لحقتنى ‏وألغى ‏سبقي‏.. ‏وأعمم‏ ‏الأمر‏ ‏حتى ‏لأكاد‏ ‏أصل‏ ‏إلى ‏يقين‏: ‏أننا‏ ‏رغم‏ ‏تخلفنا‏ ‏بضعف‏ ‏إمكانياتنا‏، ‏قادرون‏ ‏على ‏أن‏ ‏نفكر‏، ‏وعلى ‏أن‏ ‏نصل‏ ‏إلى ‏نتائج‏ ‏أصيلة‏، ‏وإلى ‏نظريات‏ ‏جديدة‏، ‏وأنه‏ ‏بمجرد‏ ‏تمتعنا‏ ‏بشرف‏ ‏البشرية‏ ‏أمكننا‏ – ‏رغم‏ ‏ظروفنا‏ – ‏أن‏ ‏نمارس‏ ‏حقنا‏ ‏فى ‏الإبداع‏ .. ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏فى ‏الإسهام‏ ‏الحضارى، ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏ضع‏ ‏وسائل‏ ‏النشر‏ ‏حاليا‏ ‏قد‏ ‏منعت‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏لنا‏ ‏السبق‏ ‏مقترنا‏ ‏بأسمائنا‏، ‏فهذا‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏نحرم‏ ‏أنفسنا‏ ‏من‏ ‏حق‏ ‏الفخر‏ ‏بفكرنا‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏ينشر‏ ‏لأن‏ ‏الشاهد‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏على ‏أقل‏ ‏القليل‏ ‏أنفسنا‏ ‏نحن‏ ‏وضمائرنا‏.‏

……..

عاشرا‏:أدركت‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏أنه‏ ‏ينبغى ‏علىّ ‏أن‏ ‏أعلن‏ ‏التزاما‏ ‏بمواصلة‏ ‏الطريق.

……….

حادى ‏عشر‏: ‏ وأخيرا‏ .. ‏فلعلى ‏وأنا‏ ‏أختم‏ ‏تفكيرى ‏بصوت‏ ‏مقروء‏ ‏أن‏ ‏أقرر‏ ‏أنى ‏على ‏يقين‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الفروض‏ ‏التى ‏وردت‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏لن‏ ‏يتحقق‏ ‏بعضها‏ ‏أو‏ ‏أقلها‏ ‏فى ‏حياتى، ‏وكما‏ ‏كان‏ ‏الفضل‏ ‏فى ‏ظهورها‏ ‏ولو‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏العجالة‏ ‏راجع‏ ‏لتلاميذى ‏أساسا، ‏فإن‏ ‏العبء‏ ‏سيقع‏ ‏عليهم‏ ‏ ‏ ‏بالنسبة‏ ‏للتحقيق‏ ‏والتطبيق‏ ‏والرفض‏ ‏والتعديل‏…‏

غير‏ ‏أنى ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏أعترف‏ ‏بضعف‏ ‏ثقتى ‏فى ‏ثورة‏ ‏الشباب‏ ‏لو‏ ‏يكتفون‏ ‏بالصياح‏ ‏والرفض‏ ‏والأمل، ‏وأعلن‏ ‏أن‏ ‏أملى ‏الحقيقى ‏هو‏ ‏فى ‏الشباب‏ ‏الذى ‏يحافظ‏ ‏على ‏شبابه‏ ‏مهما‏ ‏تمر‏ ‏الأيام‏..

………..

‏وكل‏ ‏ما‏ ‏أوصى ‏به‏ ‏تلاميذى ‏ألا‏ ‏يفرحوا‏ ‏بثورة‏ ‏الشباب‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏ينبغى ‏حتى ‏لا‏ ‏يستسلموا‏ ‏لصعوبة‏ ‏الواقع‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏ ‏متى ‏كابدوا‏ ‏ألم‏ ‏الضرورة‏ ‏وإحباط‏ ‏العصر‏.‏

أما‏ ‏الفروض‏ ‏الأخرى ‏التى ‏لا‏ ‏يحققها‏ ‏إلا‏ ‏الزمن‏ .. ‏فليس‏ ‏لى ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏أسأل‏ ‏التاريخ‏ ‏الشهادة‏.‏

وبعـد

فهأنذا‏: ‏مشروع‏ ‏متحرك‏ ‏فى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏اتجاه، ‏أحاول‏ ‏أن‏ ‏أتحقق‏ ‏بأكثر‏ ‏من‏ ‏أسلوب،

 ‏وأحيانا‏ ‏أجد‏ ‏أن‏ ‏فى ‏حركتى ‏هذه‏ ‏مايدل‏ ‏على ‏أصالة‏ ‏الحياة‏ ‏بكل زخمها ‏ ‏فى ‏وجدان‏ ‏الناس‏ ‏الذى ‏أنتمى ‏إليهم‏ .. ‏هولاء‏ ‏المصريين‏ ‏المرتبطين‏ ‏بالأرض‏ ‏والخلود‏..، ‏وأحيانا‏ ‏أشك‏ ‏فى ‏إمكان‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏لكل‏ ‏هذا‏ ‏التفجر‏ ‏والتفجير‏ ‏فرصة‏ ‏فى ‏التجمع‏ ‏فى ‏نبضة‏ ‏ذات‏ ‏فعالية‏ ‏مناسبة‏.‏

ولكنى ‏أنتهى ‏إلى ‏أن‏ ‏أنام‏ ‏شاكرا‏ ‏لهذا‏ ‏الذى ‏أخترع‏ ‏تلك‏ ‏الرموز‏ ‏التى ‏نكتب‏ ‏بها‏ ‏أفكارنا‏ ‏هذه‏ ‏على ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الورق، ‏لعل‏ ‏فيما‏ ‏نفعله‏ ‏الآن‏ ‏ما يجد‏ ‏سبيله‏ ‏إلى ‏أصحابه‏ ‏فى ‏وقت‏ ‏ما، ‏بشكل‏ ‏ما، .. ‏بفضل‏ ‏هذا‏ ‏الأختراع‏ ‏الرائع‏ المسمى : “‏الكتابة‏” …  وبالتالى ‏فإنى ‏أشعر‏ ‏إن‏ ‏أهم‏ ‏ماجاء‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الكتيب‏ ‏بالنسبة‏ ‏لى ‏هو‏ “‏رقم‏ ‏الإيداع‏ ‏بدار‏ ‏الكتب: 1762 سنة 1978“‏

وأخيراً:

(هل كُتب هذا الكلام سنة 1976)

وماذا حدث لى ولنا حتى الآن؟

يارب سترك

شكرا يا منى (يحيى الرخاوى)،

 ولو سمحتى بلغى تحياتى وشكرى لكل من أسهم فى هذا العمل الجميل الجليل، وإشهار الجمعية الجديدة

 وادعوا لى، أن أكمل بعض ما علىّ

كما أدعو لكم، أن ينفع الله بكم وبأمثالكم فى كل موقع

فنحن فى أشد الحاجة إلى الجميع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *