الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الثلاثاء الحر: تساؤلات ليست جديدة جدا عن الشخصية المصرية

الثلاثاء الحر: تساؤلات ليست جديدة جدا عن الشخصية المصرية

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 4-6-2013

السنة السادسة

 العدد: 2104

 الثلاثاء الحر:

تساؤلات ليست جديدة جدا عن الشخصية المصرية

1)  تساؤلات عديدة يفرضها المشهد لكن دعني ابدا بسؤال حول التغير في الشخصية المصرية نحو العنف اللفظي والجسدي واتخاذ مواقف اكثر راديكالية تجاه ما لا يعجبه ؟ 

د. يحيى:

كررت كثيرا،  ولا مانع عندى أن أكرر من جديد، التحذير من الانسياق وراء فكرة احتمال التغير السريع فى الشخصية الإنسانية عموما، هذا غير وارد لا فى شخصية الأفراد ولا فى شخصية الشعوب، نحن عادة نعنى بكلمة تغير “نقلة نوعية” وليس مجرد إضافة “كمية” النقلة النوعية عبر تاريخ الحياة (التطور) أو تاريخ نمو الفرد (رحلة النمو) أو تاريخ حضارة الشعوب لا تحدث فى أيام أو شهور أو حتى سنين، إنها تُعلن فقط فى الوقت الذى يسمح لها “بالظهور” أى أنها تحتاج إلى تراكم خبرات، وتكثيف تجارب لمدة عشرات السنين حتى يصل هذا وذاك إلى حد معين (يسمى “عتبة” التغيرthreshold)، هذه العملية عملية التغير لا تحدث بشكل داخلى تلقائى بعيدا عن الأحداث، وخاصة الأحداث الجسيمة، التى تهدد الفرد أو الجماعة بتحديات البقاء، مثل الحروب أو الكوارث أوالثورات، ينبغى أن نسمى هذه الأحداث “العوامل الكاشفة” وليست المسبّبة، أى التى تكشف أو تحدد توقيت كشف ما كان يجرى من تراكم وتفاعل وتكثيف.آسف لطول المقدمة وإنما أردت أن أنتهزها فرصة لنخفف من إلحاح طرح نفس السؤال طوال العامين الماضين.

الشخصية المصرية لم تتغير وإنما ظهرت منها ابعاد أخرى ومستويات أخرى كانت كامنة فى عملية تكوين طول الوقت، ومثل أية جوانب متعددة تنكشف فى ظروف مختلفة جاءت الأحداث الأخيرة فكشفت عن السلبى منها والإيجابى، هذا علما بأن العنف اللفظى والجسدى ليس سلبيا على طول الخط، كما أن المواقف الأكثر راديكالية لا تعنى بالضرورة موقفا سلبيا بقدر ما تشير إلى فرط الحماس والمبالغة فى التمسك بالموقف المبدئى.

2)  وكيف ترصد وتفسر التحولات النفسية والذهنية التي يمر بها الشاب المصري عقب انضمامه الي التيار الاسلامي وصولا الي التكفير والتفجير ؟

د. يحيى:

يتوقف ذلك على سن هذا الشاب وقت تعرضه لهذه الخبرة، وايضا على ظروف الدوافع التى دفعت به إلى ذلك، وكلما كان سنه أصغر كان عرضة للتشكيل من خارجه أسهل، كذلك فإن العلاقة بين مجتمعه الأصغر (الأسرة مثلا) وهذا المجتمع الإسلامى المبرمِج قد تمثل عاملا هاما، فهناك الشاب الذى يرتمى فى أحضان هذا المجتمع الدينى احتجاجا على أسرة تبدو له متحررة أكثر من ميوله المحافظة التى لاحت له من مصدر آخر، وعلى العكس هناك من يكون انتماؤه لهذا المجتمع الإسلامى مجرد امتداد للقيم الثابتة الملتزمة (ولو ظاهرا) التى تتصف بها أسرته فأرضعته إياها منذ نشأته، فى الحالة الأولى يكون مثل هذا الإنتماء تحولا أشبه بثورة احتجاجية، وفى الحالة الثانية لا يكون تحولا بقدر ما تكون زيادة الجرعة بمثابة تفعيل  لما نشأ عليه، قد يضاف إليه المبالغة والعنف والراديكالية، ثم يأتى التمادى فى الشجب والتكفير بالاستغراق فى الإفتاء وقهر التفكير النقدى وإذكاء الغرور، وكل ذلك يعطى لمثل هذا الشاب معنى وهدفا لا يجدهما فى أسرته أو مجتمعه عامة.

3)  كيف يكذب انسان عاقل صور وفيديوهات ترصد الكذب وتبدل المواقف ويظل مدافعا عن موقف او زعيم سياسي ؟

د. يحيى:

وصف إنسان ما، مهما كان عمره أو كانت ثقافته أو شهادته، بأنه عاقل هو وصف يحتاج إلى توصيف، فكلمة إنسان عاقل قد تشير إلى من هو “إنسان ذِكىّ” أو إلى من هو “إنسان واقعى” ذو خبرة، أو إلى من هو “إنسان منطقى موضوعى”، وعموما فإن التشكيك فى الفيديوهات والصور وارد بعد شيوع ألعاب الفبركة والتزييف، وحسب متانة أيديولوجية هذا الإنسان الذى نسميه عاقلا، وبقدر مدى تعصبه لها، تكون قدرته على رفض وتكذيب  ما لا يتفق مع عقيدته الخاصة أو الفئوية، ولن يعدم وسيلة تقنية حديثة تبرر له ذلك.

4) هل فقد الانسان المصري بوصلته الثقافية وتخلي عن تراثه  لصالح رؤية اخري مختلفة ..ولم يعد للمثل الشعبي والعرف دورهما في عملية تقييمه للحالة العامة ؟

د. يحيى:

إعمل معروفاً، خفّف من التعميم بعض الشىء، لا يجوز الحديث عن الإنسان المصرى هكذا لنشمل به مختلف فئات وطبقات المجتمع بشكل عام دون الإشارة إلى اختلاف الثقافة الفرعية والجغرافيا، فنحن نتكلم فى مثل هذه الأسئلة والإجابات عن إنسان “الميادين” و”المظاهرات” و”الاعتصامات” و”الشوارع”، وهؤلاء لا يمثلون كل المصريين لو سمحت، حتى لو ضممنا إليهم تجمعات أصحاب المطالب الفئوية، الإنسان المصرى مازال يمسك بفأسه فى الحقل، ويكسر فحل بصل هو كل “غموس” رغيفه الجاف على رأس الحقل، وابنه يبحث عن وظيفة غسيل الأطباق فى مطعم صغير فى شرم الشيخ، وكل هؤلاء لهم أعرافهم ومنظوماتهم القيمية التى لا ينطبق عليها هذا التعميم، الإنسان المصرى مازال هو الإنسان المصرى حتى لو أخطأ أحيانا أو نسى بعض إيحابياته فانفجر سلبيا من فرط الغضب أو اندفاع الفرح بعد طول احتقار وتهميش وإلغاء.

5)  كيف تري عمليات شيطنة النخبة الثقافية واتهامها بانها وراء الخراب وضد الرغبة والمزاج الشعبي ؟

د. يحيى:

ايضا أحذر من التعميم، فهل تعنى بالنخبة الثقافية كافة مجتمع المثقفين، أم من يسمون الصفوة المثقفة، أم ماذا؟ ليس إلى علمى أن أيا من هؤلاء قد اتهمه أحدهم بالشيطنة أو بأنه وراء الخراب وضد المزاج الشعبى، أظن أن الاتهامات الموجهة إليهم – وبعضها على حق – هى اتهامات: بالسلبية، أو بالاكتفاء بالكلام الساخط سواء فى مجالسهم الخاصة، أو عبر الإعلام، أو بالفرجة، أو بالترويج لليأس واللا جدوى سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وكل هذه مواقف سلبية تؤخذ عليهم، لكن عذرهم أن الممارسة السياسية الحالية مازالت غامضة، وهشة، فلعلهم ينتظرون مواقف أكثر تحديدا حتى يشاركوا بجدية، مع أن المفروض أن يساهموا بدور إيجابى فى مرحلة التكوين الحالية.

6)  الانسان المصري متدين بطبعه .. هل هذه الجملة صحيحة والي اي مدي والي اين يمكن ان تاخذنا ؟

د. يحيى:

هى جملة صحيحة ونصف، ليس فقط من واقع التزامات كثير من الناس الظاهرة حاليا، وليس حتى بقياسها بالميول والعادات السلوكية فى إطار ما يسمى الدين الشعبى ولكن من واقع التاريخ والجغرافيا، لكن للأسف فإن أى من هذا يستغله أصحاب الغرض لتحقيق أهداف أبعد ما تكون عن الدين والإيمان، الإنسان المصرى متدين حتى من قبل اعتناقه للأديان السماوية، متدين بمعنى علاقته الوثيقة والدائمة بخالقه من خلال عباداته، وربما ساعده فى ذلك الطبيعة المنبسطة للأرض المصرية ودورات الرزق والعمل عبر الفيضان، أما إلى أين يمكن أن تأخذنا هذه النزعة،  فهذا يتوقف على من يأخذنا، فالمفروض أنها كانت يمكن أن تأخذنا إلى تعمير الأرض، والتحيز لما هو حياة، وحمل مسئولية كل الناس الذين يشاركوننا دفع ثمن ظلم القوة المالية المفترسة المتغطرسة عبر العالم، أما من حيث الواقع السياسى واستعمال الدين، وبالذات الدين الإسلامى لغير غرضه الأصلى فهى يمكن أن تأخذنا إلى أسفل سافلين. إلا الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر والعمل والإبداع.

7)  لماذا يبدو الحوار بين فئات المجتمع حوارا لطرشان ..لا يصل لنتيجة  ولماذا ارتفعت نبرة التخوين والاتهامات بالعمالة ؟

د. يحيى:

نبرة التخوين والاتهام بالعمالة موجودة دائما بدرجات مختلفة فى أى عمل سياسى نشط عبر العالم، ولكنها تتوقف عادة عند مرحلة سوء التأويل وإطلاق الإشاعات، أما فى عالمنا العربى المتواضع النمو (مؤجلا صفة التخلف مرحليا) فهى تصل إلى درجة إطلاق الأحكام الدامغة دون دليل، وأحيانا تصل إلى درجة التكفير إذا ما دخلت أبجدية الدين فى قاموس السياسة، وأعتقد أن ذلك يرجع أساسا إلى أننا فى أول طريق ممارسة ما يسمى الديمقراطية التى تتيح درجة أكبر من حرية التعبير، وهى فى أصولها الإيجابية لا تسمح بهذه الدرجة من التخوين والاتهام بالعمالة على العمال على البطال،

 ثم أرجو ألا تنسى احتمال أن القوى الخارجية التى تلعب من وراء ستار يمكن أن تكون فى خطتها – من ضمن خطوات التأمر المنظم – أن تصنع العميل الخائن صناعة سواء بوعى هذا المواطن الأداة أو من خلال غفلته، وليس كل تخوين نابع من فراغ على أية حال.

8) اود من سيادتك ان تعطيني تحليلا نفسيا واجتماعيا للشخصيات التي احتلت صدارة المشهد مؤخرا .. دكتور مرسي ، البرادعي ، حمدين صباحي ، خيرت الشاطر ، حازم ابو اسماعيل ؟

د. يحيى:

أعتدت أن أنفى ابتداء أنى أقوم بتحليل نفسى لأية شخصية سياسية، ولا حتى لمرضاى فى العيادة، كل ما وصلت إليه هو أننى أحاول “نقد النص البشرى” سواء كان سويا أو مريضا أو حتى شخصى أنا، فى حدود ما يصلنى عنه ومنه من معلومات، وهى دائما معلومات قليلة وغير كافية، وأنا مثلى مثل أى مواطن له حق الانتخاب، فالفرد لا ينتخب إلا بعد أن “يقرأ وينقد الشخص الذى يختاره”  وهذا ما أفعله مثل اى مواطن، دون وصاية نفسية، وفى هذه الحدود، ومع إعادة التأكيد أننى لا أحلل وإنما أبدى رأى مواطن ينتخب أقول:

دكتور مرسى: فلاح مصرى شرقاوى، طيب، أكاديمى محدود، ليس له فى السياسة، مظلوم، قليل الخبرة حسن النية، سهل الاستهواء، أدعو الله أن يكون من الذين “اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “

البرادعى: مصرى، عالم، غربى الهوى، ورث العدل عن أبيه، ليس له فى السياسة أيضا، لكنه حسن النية ضعيف التعرف على جماع الوعى الشعبى الحقيقى.

حمدين صباحى: شاب متحمس، ناصرى صادق سطحى ملتزم بالدين الشعبى الواضح البسيط، ضعيف الشعور بالمسئولية، خاصة عندما يبذل الوعود دون التألم والحيرة لصعوبة أولوية الحصول على موارد تضمن  مصداقيته، وهو يستعمل ما يرجو أن يربط صورته بصورة عبد الناصر، ولكن من الظاهر فقط للأسف.

خيرت الشاطر: تاجر فى السياسة وغير السياسة، مهندس، رجل أعمال ناجح، عدوانى التوجه، ربما يثبت أنه النسخة الإخوانية لأحمد عز، وهو مندفع يحسب قدراته وقدرات جماعته بأكبر من حجمها، وهو لا يتعلم من أرقام السياسة كما يتعلم من أرقام البنوك لأعماله الخاصة غالبا.

حازم أبو إسماعيل:  شاب ذكى، فرح بنفسه وبأتباعه دون عمق سياسى، لا أظن أنه يضع اعتبارا لتخطيط طويل المدى، وربما  هو لا يحاسب نفسه كما ينبغى أمام الله ليلة بليلة، وصلاة بصلاة، ولو ألقى معاذيره، وأنا أشفق عليه لو تبرأ من أتباعه يوم القيامة، وإذا بهم يطلبون من الله سبحانه وتعالى كرّة ليتبرأوا منه كما تبرأ منهم، غفر الله لى وله وللجميع.

9)  كيف تري الدعوات الي حرمان الاميين من التصويت الانتخابي ؟

د. يحيى:

كلام فارغ، ليس ثقة فى الشعب المصرى، أو تصفيقا للديمقراطية، وإنما ثقة فى الأمييين وإيمان العجائز والوعى الجمعى الأقوى عند عامة الناس، وكل ذلك أصدق من فذلكة المثقفيين والأكاديميين.

10) هل  معاناة الاخوان في السجون طوال السنوات السابقة هى التى تخلق لديهم الرغبة في الاستحواذ على كل شئ حالياً ؟ وهل يصلح  للحكم من سجن لفترة طويلة؟

 د. يحيى:

الاستحواذ على السلطة لا يحتاج إلى أن يسجن من يشغل كرسيها حتى يستأسد ويطغى، ويتفرعن، فالسلطة فى حد ذاتها فيها سحر اسود والعياذ بالله، أما تجربة السجون فلها وعليها، فقد يخرج منها المظلوم شريفا يعمل أى شىء إذا تولى السلطة ليحول بين أى برىء أن يمر بما مرّ به،  وعلى العكس من ذلك قد يتقمص بالمعتدى ويصبح أكثر قهرا وأرعب خوفا منه، وهات يا تكرار الظلم، بقهر ونفى وسجن خصومه، الصنف الأول يصلح ونصف، والنوع الثانى – ربنا – والشعب – يكفينا شره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *