نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 17-2-2015
السنة الثامنة
العدد: 2727
الثلاثاء الحرّ:
قصة جديدة:
“… وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”
قال الشاب لأخته :
– والدنا !!
قالت :
– ماله ؟
قال:
– قرّر إنه يرشح نفسه !!
قالت:
– إيه ؟!! يرشح إيه؟!!!
قال:
– يرشح نفسه.
قالت:
– فى إيه، يرشح نفسه فْ إيه؟
قال:
– حايكون فى إيه؟ فى مجل الشعب !
قالت:
– إنت بتقول إيه ؟ إنت جرى لعقلك حاجة؟
قال:
– أنا اللى جرى لعقلى برضه؟
قالت:
– إخرس ، إوعى تكون بتلمّح على والدى
قال:
– يعنى هوّا والدِك ومش والدى، بصراحة أنا خفت عليه
قالت:
– خفت بتاع إيه، تلاقيك أنت اللى بتخرّف، العيال بتوع الثورة لحسوا مخك
قال:
– هوّا اللى قال لى بنفسه،
قالت :
– قال لك إيه؟
قال:
– قالّلي اللى انا قلتهولـِك
قالت:
– لأ بقى، ما هو يا إما انت اتخبلت فْ مخك، يا إما هوّا كان قصده حاجة تانية.
قال:
– حايكون قصده إيه غير اللى قاله ؟
قالت:
– هوّا يعنى مش عارف يعنى إيه ترشيح، ويعنى إيه مصاريف ، ويعنى إيه ناس، ويعنى إيه انتخابات؟
قال:
– طبعا عارف ، وشاور لى على الكام قيراط مبانى اللى فى البلد، وإنه حايبيعهم ويتصرّف
قالـت:
– يبقى إنت قلت وعـِدت معاه بقى، دا الظاهر الحكاية حتقلب بــِغمّ
قال:
– شفتى ازاى!!
قالت :
– وسألتـُه حايرشح نفسه فين بعد ما يبيع الكام قيراط وما يفضّلناش حاجة فى البلد
قال:
– لأه، ما هو مش حايرشح نفسه فى البلد
قالت:
– إمال فين؟ هنا اسم الله عليك وعليه؟
قال:
– ولا هنا؟
قالت :
– إمال فين
قال:
– إيش عرّفنى، ماتسأليه انتي، أنا كفاية علىّ الصدمة الأولانية
قالت:
– يمكن حايرشح نفسه عند امى واخواتنا
قال:
– حتى لو رشح نفسه فى العمارة مش حاينجح
قالت:
– طب ما دام عارف كده، يبقى إيه لزوم التخريف ده؟
قال:
– هوا انا اللى بخرّف برضه؟
قالت:
– طبعا انت، أنا ابويا عمره ما يشطح كده
قال:
ما هو عشان كده أنا قلت لازم حصل له حاجة، لازم نلحقه، إنتي عارفه هو طول عمره أمير وطيب ومراعينا باللى يقدر عليه، واللى ما يقدرشى عليه، طول عمره سيد العاقلين، أنا حاولت ماصدّقهوش، ما قدرتش، حاولت أطرد اللى خطر على بالى ما نفعشى، الشك حايموتنى.
قالت:
– شك ؟ هيا الحكاية عايزة شك ، ما هى باينة أهه ّ
……
دخل عليهما أبوهما وقد سمع المقطع الأخير من الحوار، وراح يضحك عاليا ، ثم تمادى فى الضحك بصوت أعلى حتى انقلب الضحك إلى بكاء بنشيج مرتفع، فاندفعت البنت نحوه منزعجة، وأحاطته بذراعيها وكأنها أمه وهى تبكى على بكائه، فى حين تسمّر اخوها دون حراك، وحين استطاع أن يجمع نفسه تقدم بهدوء والألم يطفح على وجهه، وهو يسأل أباه:
– والدى، فيه إيه يا والدى؟ مالك ؟
قال الأب:
– ولا حاجة، أنا آسف، أنا سمعتكو غصبن عنى، فخفت على مصر أكتر واكتر، زى ما انتو خفتوا علىّ كده، لأ لا لأ ، خفت على مصر أكتر بكتير.
قالت البنت:
– ما احنا كلنا خايفين على مصر يا والدى، بس مش كده، الحمد الله على سلامتك، الحكاية ما تنفعشى توصل لحد اللى حكاه ليا أخويا، إنت لازم كنت بتضحك معاه، وهوّا من غباوته خد الحكاية جد
قال الوالد:
– مش قوى كده، أنا كنت باحكى له حلم ، بس هوه ما خدشى باله،
قالت البنت:
– أيوه، … قول كده
ثم التفتت إلى أخيها قائلة:
– الله يخيــّبك
قال الشاب لوالده :
– حلم إيه يا والدى، حضرتك بتستهبل ولا إيه ؟
قالت أخته:
– إخرس يا قليل الأدب ،
قال الشاب لوالده فى تراجع معتذر:
– آسف، والله العظيم آسف، بس برضه ، يعنى،…. قصدى…
قال الوالد:
– أصل يا ابنى أنا لقيت الحكاية باظت قوى، وما عادشى باين لها أول من آخر، قلت أحسن حاجة فى الزحمة دى، وأنا محتار حاموت، أخفف عن نفسى و احلم براحتى، وارشح نفسى
قال الشاب:
– يبقى مش حلم بقى
قال الوالد:
– لأه، يبقى حلم ونص، يعنى عاجبك نسيب مصر كده من غير حتى ما نحلم
قال الشاب:
– نحلم إننا نبنيها مش إن حضرتك ترشح نفسك
قال أبوه:
– ما هو عشان كده أنا قررت أرشح نفسى رئيس جمهورية مصر حتة واحدة، بس انت ما خدتش بالك، قوم أبقى مسئول عن كل الناس اللى فيها، فقمت عاملها، واعتبرتهم انتخبونى بأمر من ربنا، ونجحت والحمد لله
قال الشاب:
– وبعدين بقى ؟؟!! اللهم اخزيك يا شطان، دا كنت حاموت لمّا تصورت إنه ترشيح مجلس الشعب، تقوم توصلها حضرتك للدرجة دى، ياريت اختى ما كانتش مشيت عشان تسمع بنفسها.
قال أبوه:
– إنت ليه مش مصدقنى؟
قال الشاب:
– أصدّق إيه يا والدى؟ إعمل معروف، والنبى تقول بسرعة إن ده راخر حلم
قال الوالد:
– إنت لسه شفت حاجة، دانا رشحت نفسى بعد كده رئيس العالم كله، وبقيت مسئول عن كل بنى آدم على أرض ربنا بحالها
قال الشاب:
– وبعدين؟ وبعدين؟!! يا بابا إعمل معروف بلاش هزار، كفاية اعمل معروف، أنا خايف ترشح نفسك المهدى المنتظر
قال الوالد :
– عليك نور، ما هو الحال مش حاينصلح إلا لما كل واحد فينا يبقى المهدى المنتظر، ويبطل انتظار بقى، هوا فيه مهدى بينتظر نفسه؟
قال الشاب:
– والله فكرة، مش تقول كده مالأول،الحمد لله، بس يا رب ما يطلعشى حلم، الحمد لله.
قال الوالد:
– الحمد لله ونص، إنت مش حاتكـبـَّر عقلك بقى وتفهم أبوك، هوّا إيه الفرق بين الحلم والعلم، هوا فيه حاجة حاتصلح البلاوى اللى وصلنا لها دي إلا إن كلنا نبقى المهدى المنتظر، من غير ما ننتظر
قال الشاب:
– مش فاهم، أنا خايف
قال الوالد
– عندك حق، أصل الحِمل تقيل قوى
قال الشاب:
– يا رب افهم
قال أبوه:
– مش مهم تفهم، المهم تحلم، والحلم يبقى علم.
………….
اندفعت الأخت إلى الحجرة وقد سمعت آخر مقاطع الحوار، اندفعت نحو أبيهما، وأحاطته بذراعيها غير المرة الأولى، كانت تشعر بمزيج من الألم والفرحة والفخر والعزم، وهى تقول:
ربنا يخليك لينا يا والدى، (ثم أردفت) ربنا يطول عمرك لينا وللناس كلها:
قبـّلها أبوها بين عينيها، وأخفى عينيه وهو يدعو لها، وأخوها يحاول أن يفهم ،
ثم يبدو أنه فهِم دون أن يفهم،
فاندفع يقبـّل يد أبيه،
فقبـّل أبوه رأسه وهو يقبـّل يده.