الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الثلاثاء الحرّ: فى الطريق إلى استيعاب ما حدث!

الثلاثاء الحرّ: فى الطريق إلى استيعاب ما حدث!

نشرة “الانسان والتطور”

الثلاثاء : 3-9-2013

السنة السابعة

العدد: 2195

 الثلاثاء الحرّ:

فى الطريق إلى استيعاب ما حدث!

 * بعد الصدمة التى أصابت الكثير ممن ينتمون الى التيارات الإسلامية المختلفة من جراء احداث 30 يونيو، كيف يمكن امتصاص غضب هذه الفئة لامتزاجها مره اخرى داخل نسيج الوطن ؟

د. يحيى:

الذين ينتمون إلى التيارات الإسلامية ليسوا فريقا واحدا، وينبغى التعامل معهم كمجموعة غير متجانسة، وفى رأيى أن أغلبهم لا يضع علاقته الشخصية بالله ليل نهار فى مقدمة أولياته، لأنهم ينطلقون من تفسيرات جاهزة، وليس من استلهامات إلهية حاضرة “هنا والآن” طول الوقت، وأدعو الله أن ينير بصيرتهم حتى ينتقلوا من التوقف عند مرحلة الشريعة إلى الانتقال إلى الإسلام الحقيقى، ومنه إلى الإيمان، ومنه إلى وجه الله، وأن يتذكروا ن المسلم مسؤول أمام الله عن كل الناس من كل ملة ودين، فى كل موقع، وعن تعمير الأرض، وعن إحياء الأنفس (مسلمين وغير مسلمين) “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”.

* من مميزات الشخصية المصريه الصبر والرضا والقناعة ولكن منذ قيام 25 يناير والى 30 يونيو تحولت الى شخصية سريعة الملل لاتستطيع الصبر على اى خطط مستقبلية فهل هى تغيرات عابره ام لها ابعاد اخرى ؟

د. يحيى:

أولا: لا أحد يعرف مميزات الشخصية المصرية على وجه اليقين بدرجة تسمح بمثل هذا التعميم، ثم أن أى شخصية للفرد أو للجماعة هى فى حالة تكوّن مستمر، ولا يصح لصق صفة ثابتة ، مهما كانت عن شخص أو جماعة، بأى منهما طول الوقت، فما بالك بشعب بأكمله، أنا معك فى الوقوف عند رفض الاستعجال، ورفض تكرار النص (السكريبت) بهذه السرعة ، دون استيعاب وتقييم النتائج بنقد موضوعى ومحكات نافعة ومحددة المعالم، وفى نفس الوقت علينا أن نعذر الناس، فقد طال صبرهم، كما أنهم تعلموا ألا يثقوا فى وعود حاكميهم ، لأنهم غالبا لا يوفون بها، “فالغد لا يأتى أبدا”، كما تعلمنا من “أليس فى بالد العجائب وهم يعودنها بالمربى غدًا غدً غدًا، لأننا نعلم أن كل غد، له يوم يليه يسمى “الغد” أيضا وهكذا، ولكن على الإعلام والمسؤولين أن ينتبهوا إلى مسؤوليتهم عن نوعية الناس، وخاصة النشء بجدوى التفكير النقدى، والتوقيت الموضوعى، والتقييم المحكم، حتى تهدأ نبرة الاستعجال والسطحية التى سادت أكثر من اللازم

* ماهى المكتسبات التى عادت على الشخصية المصرية منذ قيام ثورة 25 يناير الى 30 يونيو وماهى السلبيات التى اصابتها ؟

د. يحيى:

طبعا لا أستطيع أن أحدد الايجابيات هكذا ببساطة لكن أيضا، ولا يمكن لأحد أن ينكرها ، فقد استعاد الناس، وخاصة الشباب ثقتهم بالنفس، وقدرتهم على التغيير، وأظن أن كثيرا منا قد استعاد احترامه لنفسه بمجرد النظر فى رقمه القومى وتصديقه أن له دور فى التغيير، وأيضا استعاد الكثيرون الأمل فى المستقبل، لكننى ارجح أننا لم نستعد بعد قيمة تقديس العمل، واحترام الآخر، وتحمل النقد، وحركية الإبداع، فهذه الأمور الأخيرة تحتاج وقتا أطول، وفرصا أرحب، وتربية أعمق، أما السلبيات فهى لم تكتسب اكتسابا بقدر ما أنها تعرّت وكانت كامنة بنا، وهى غنية عن التعريف!.

* فى الايام الماضية شهد الشارع المصرى الكثير من أعمال العنف وتكررت مشاهد الدم والافعال الاجرامية من جميع فئات الشعب فهل هناك احتمال الى ان تتحول الشخصية المصرية الى دموية ؟

د. يحيى:

لا أعرف، ولا أظن، من واقع ما يصلنى من أهلى وناسى، وأيضا من واقع قراءتى للتاريخ،  ومعرفتى بطبيعة أرض بلدى المنبسطة، وكرم ربنا علينا من خلال النيل حفظه الله وأدام فضله، وكذلك من واقع معرفتى بعلاقة الإنسان المصرى بربه حتى قبل الأديان السماوية ، كل هذا يجعلنى آمل  أن تكون الإجابة على هذا السؤال بالنفى، نحن غير سوريا، وغير العراق، أما هذه الأجسام الغريبة، المسماة “القاعدة”، فهى تشويهات شبه بشرية دموية مستوردة، سوف تموت مثلما تسقط النيازل إذا انفصلت عن اللحن الأساسى، وعن هارمونية الكون، وعن تسبيح الله.

* وماهى الروشتة التى يمكن ان تقدم الى المؤسسات الاجتماعية بالدولة للخروج بالشخصية المصرية من مأزق المشاهد الدموية والذعر الذى اصاب جميع الفئات ؟

د. يحيى:

أنا لا أعرف ماذا تعنين بالمؤسسات الاجتماعية، أظن أن المهمة ليست مهمة المؤسسات الاجتماعية، إن الخراب الذى لحق بالشعب المصرى يحتاج إلى ثورة أخلاقية وتربوية وإيمانية لا بد أن تشترك فيها كل القوى بكل ما تملك، فردا فردا، ومؤسسة مؤسسة، بدءا بمؤسسة التربية والتعليم، وذلك بعد أن اصبح الغش قاعدة، والتسميع دون إبداع هو الطريق للتفوق، وتخلى المدرس – بغض النظر عن رشاوى الكادر- هو الأصل القيمى فى كل المنظومة التربوية، ثم إن المسألة ليست مجرد الخروج من المآزق الدموية والذعر، فنحن لا نريد شعبا مسالما يتغنى بأنه “ماحلاها عيشة الفلاح، متهنى قلبه ومرتاح”، نحن فى مرحلة تكوين دولة، لها مؤسسات، عليها أن تتولى مراحل تكوين منظومة القيم التى تليق بمثل هذا الشعب الحضارى المؤمن، وكل هذا مسؤلية الجميع أمام الله والناس والتاريخ، ولن يغنى عنها مشاريع خطة شكلية أو مؤسسات اجتماعية، لأنها أصبحت فرض عين، إذا قام به البعض لم يسقط عن الكل.

* بعد أحداث الفتن التى شهدتها مصر خلال فترة تولى الرئيس السابق محمد مرسى وظهور الخلافات بين المذاهب الدينية والجماعات المتشددة وتعمد نشر الفتن بين الاقباط والمسلمين, كيف يمكن ان تعود الشخصية المصرية نسيج واحد فى الوحده الوطنية ؟

د. يحيى:

أعتقد  أن الإجابة وردت فى الرد على السؤال السابق، ثم إن هذا التدهور الذى ورد فى السؤال لم يتم كله فى سنة واحدة، هى فترة تولى الرئيس السابق محمد مرسى، بل هو بدأ منذ تهميش كل الناس واحتقارهم، وإزاحتهم عن مسؤولية اتخاذ القرار وبالتالى مسؤولية تحمل نتائجه، وأخيرا فإن كلمة “نسيج الوحدة الوطنية” لا ينبغى ان تتحول إلى شعار “يستعمل من الظاهر”، لا بد أن يسبقها، ويصحبها تغيير جذرى يترك أمر دخول الجنة والنار إلى خالق الحياة بما فيها كل الأحياء، وبغير هذا لن يتجاوز الحديث عن “نسيج الوحدة الوطنية مرحلة الأحضان والقبل ومبادلة التهانى فى المناسبات والأعياد، وهذا لا يفيد فى بناء بشر يعرفون الله ويعبدونه لا يشركون به شيئا أو أحدا.

* الشخصية المصرية تتميز بالقوة والقدرة على عبور الازمات ولا احد يستطيع ان يضع لها توقعات او احتمالات معينة فما هى مواصفات رئيس الجمهورية القادم التى تحتاجها الشخصية المصرية فى المستقبل ؟

د. يحيى:

الجزءالأول من السؤال يحتاج إلى مراجعة ما أشرت إليه سابقا، فليس من حق أحد أن يطلق هذه الصفات، إيجابية أو سلبية، على ما يسمى الشخصية المصرية، مع أنها موجودة غالبا، أما بقية السؤال عن مواصفات رئيس الجمهورية القادم، فأنا لا أجد عندى إجابة جاهزة، بل إننى أعتذر لكل الذين تصدوا لحمل امانة الترشيح فى الانتخابات السابقة، ومع أننى أعتبر أن هذه تضحية منهم إلا أنه لم يصلنى أن أيا منهم قادر على قيادة هذه الأمة العريقة فى هذه المرحلة الحرجة، ومع جزيل شكرى وتقديرى لهم، فإنى أعذرهم، لانه لم تتح لأى منهم الفرصة للالتحام بالناس، واستيعاب التاريخ، وحمل الأمانة بسبب تسطيح الحياة السياسية فى الستين سنة السابقة.

أما المواصفات التى أتمناها، ولا تكثر على الله، ومصر دائما ولادة ، فهى أن يعرف الرئيس القادم معنى وجود الله فى كل ثانية من وقته، وفى كل خلية من وجوده، بشكل عملى لا يعلن عنه، وان يكون قادرا على استيعاب من معه، والاستفادة ممن ضده، وأن يكون مبدعا فى الحلول التى يقدم عليها للخروج من هذا السكون الخامد، وأن يتحلى بالتفكير التآمرى الإيجابى حتى يكشف المؤامرات التى تحاك لوطننا من مصادر متعددة، بعضها متناقض مع بعضها الآخر (مثل أمريكا والقاعدة، أو إسرائيل وتركيا…إلخ !!)، وأن يكون شابا ليس بالنسبة لسنه فى شهادة الميلاد، (فالدكتور حازم الببلاوى أكثر شبابا من الدكتور عصام العريان) شابا بمعنى تمتعه  بالقدرة على الدهشة، واقتحام الجديد، والمخاطرة المحسوبة.

* من خلال رؤيتك للاحداث التى مرت بها مصر سواء كانت سياسية ذات أبعاد اجتماعية مؤثره على الشخصية المصرية , هل مصر مستعده لخوض التجربة الديمقراطية بنجاح وماهو الافضل لها النظام الرئاسى أم البرلمانى ؟

د. يحيى:

أنا أتحمل تعبيرات مثل “خوض التجربة الديمقراطية” على مضض، فلولا أن شيخى نجيب محفوظ علمنى أن اقبل الديمقراطية بصفتها “أحسن الاسوأ” لواصلت هجومى عليها بلا هوادة، فهى تجربة مزيفة، ومستوردة، وغير كافية، وتحت رحمة المال والإعلام، ولا تخدم إلا اصحاب المال والسلاح والقدرة على تشكيل وعى الجماهير ، ليس بالضرورة بما يصلح لهم، ومع ذلك ، وكما علمنى شيخى، فإن كل البدائل أسوأ منها، فعلينا أن نقبل المعروض منها بحذر شديد، حتى يستطيع الإنسان المصرى أو غير المصرى، إبداع وسيلة أصدق “لقياس الوعى العام”، وليس فقط قشرة “الرأى العام الملعوب فيه” حتى يملأ الصناديق بما لا يحيط به إلا لماما، وبالتالى فليس من حقى وأنا بهذا الموقف الناقد أن أختار بين النظام الرئاسى والنظام البرلمانى، وكل ما أستطيعه هو أن أستعمل الممكن مما يسمى الديمقراطية حتى ينجح الإنسان المعاصر مستقبلا فى إبداع ما يقيس الوعى العام الذى يبدو لنا قياسه مستحيلا الآن برغم كل إنجازات التكنولوجيا.

* ماذا عن التأثيرات التى يمكن ان تحدث للاجيال القادمة التى تم استغلال اطفالهم فى السياسه وهل سيكون لهم صفات خاصة واذا كان فماهى صفات هذا الجيل ؟

د. يحيى:

هذه الجريمة أكبر من التنبؤ بمضاعفاتها، ونحن لا نعرف مدى تأثيراتها فى المستقبل، وعلى المستقبل، وعلينا أن نستعد لها بكل ما نحمل من مسئولية الراعى المسؤول عن رعيته، التى هى هى مسؤوليته عن حمل الأمانة، وأن يحاول ألا يكون فى تقصيره فى حملها “ظلوما جهولا”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *