نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 28-10-2014
السنة الثامنة
العدد: 2615
الثلاثاء الحرّ:
عن الطب النفسى والطبيب النفسى ومجريات الأحداث (1)
س1: هل الثورة أثرت على حجم المرضي نفسيا؟ وهل كثرت نسبه الناس التى تعالج نفسيا بعد الثوره؟
د. يحيى:
طبعا أى ثورة لا بد أن تؤثر على الحالة النفسية لعامة الناس، أما أن يصل هذا التأثير إلى ما يسمى مرضا، فهذا لا يجوز إطلاقه هكذا بغير منهج علمى، وإحصاء دقيق، على عينة تمثل من نتحدث عنه، وهو هنا الشعب المصرى، وحتى لو تم هذا فإن تعريف المرض النفسى فى حالة الثورات ينبغى أن يختلف عن تعريف المرض النفسى فى حالة الاستقرار والبناء، وأخيرا فإن تحديد مرحلة الثورة هو عامل مهم فى تحديد تواتر المرض، بل ونوعه ومحتواه أحيانا، فما يظهر من حالات نفسية فى بداية الحماس والغضب والانطلاق والأمل، غير ما يظهر بعد أن تتغير الأمور نجاحا أو فشلا أو تشويها.
وأخيرا، فإن تحديد نسبة الناس التى تعالج نفسيا بعد الثورة ليس له دلالة خاصة، فليس كل مريض يعالج، وليس كل من يسعى للعلاج هو مريض بالضروة، هذا ناهيك عن ضرورة التفرقة بين الفئة القادرة والفئة المطحونة، وهذه القدرة هى التى تحدد فرص العلاج بجوار العوامل الأخرى.
*****
س2: هل ازدادت حجم الكراهية والعنف بعد الاستقطاب السياسى الذى طرأ على مصر فى خلال الثلاث سنوات الماضيه؟ ولو كان الرد بنعم ماهى طرق حل أو علاج هذه المشكلة؟
د. يحيى:
لا يوجد مقياس نفسى محدد نقيس به الكراهية فى ثقافتنا خاصة، ثم إن الاستقطاب السياسى لا يولد الكراهية هكذا تلقائيا، فهو إعلان للحيوية السياسية وللقدرة على الاختلاف، أما إذا أدى إلى كراهية ومحاولة نفى الآخر، وسحق المخالـِف، فهذا ليس استقطابا، وإنما صراع بقاء غبى، علما بأن صراع البقاء لا ينتهى دائما بالحفاظ على البقاء، لأنه إن لم يكن مناسبا للوقت والمرحلة والمحيط، فإنه يؤدى بالكائن الذى عجز عن التكافل مع الكائنات الأخرى، ومع نفس نوعه، إلى الانقراض، لهذا وصفته بالغباء.
*****
س3: من المتعارف عليه ان الطبقة الوسطى دائما هى التى تعانى نفسيا بسبب ظروف كثيرة لكن بعد الثورة اتضح لنا ان جميع الطبقات تأثرت فهل ترى ان الطبقه الراقية والمشاهير تأثرت؟ بمعنى انه: هل بيتردد على حضرتك اشخاص من الطبقة الراقية والمشاهير؟ ومثل من؟
د. يحيى:
بصفة عامة، قبل الثورة وبعد الثورة، أنا لست طبيب المشاهير والأثرياء، ومع أن لى عيادة خاصة أتعيش منها، إلى أن أغلب المترددين عليها هم من عامة الناس، من الطبقة المتوسطة والأدنى، ومن عجب أنهم يحضرون إلىّ من أقاصى الصعيد وأعلى الدلتا، من نفس الطبقة، ومن يحضر إلى عيادتى ليس مقياسا لما حدث ويحدث خارجها، أو ما يحدث فى عيادة أى من الزملاء الذين يعرفون كيف يتفاهمون مع الطبقة التى أسميها “أو لاَ للاّ”، أو الـ “فافى”، أما عن المشاهير فأنا نادرا ما ألتقى بهم فى عيادتى، ولا خارج عيادتى، اللهم إلا فى بعض اللقاءات التليفزيونية وهى ليست مجالا لنحكم على بعضنا البعض.
*****
س4: ما الأمراض الجديدة التى طرأت على الدكتور النفسى بعد الثورة؟
د. يحيى:
الطبيب النفسى مثله مثل أى مواطن عادى، يطرأ عليه ما يطرأعلى أى شخص، وهو يتألم، ويغضب، ويأرق، ويحتار، ويحلم، وللأسف فإن أغلب الناس يتصورون أنه محصن ضد المعاناة النفسية والمرض النفسى، وهذا يعنى أن عامة الناس أو أغبهم يتصورون الطبيب النفسى حكيما لدرجة التبلد ولا مؤاخذة، من حيث المبدأ فمن أعرف من أطباء زملاء كانوا مشاركين بمشاعرهم على الأقل بكل معنى الكلمة، متألمين بكل شرف الألم، آملين بكل مسئولية الأمل، ولم ألاحظ إلا نادرا أنهم انسحبوا من المشاركة فى إبداء الرأى، أو بذل الجهد، أو تقديم النصح، لأنفسهم قبل غيرهم، وكل هذا طبعا يندرج تحت الصحة النفسية أكثر مما يندرج تحت المرض النفسى كما جاء فى السؤال.
*****
س5: الطبيب النفسي هل يحتاج الى طبيب نفسي احيانا فى رأى حضرتك لأن من المؤكد ان ليس جميع الاطباء النفسية أسوياء فى ظل هذه الظروف؟
د. يحيى:
ليس جميع الأطباء النفسيين أسوياء فى مثل هذه الظروف، ولا فى غير هذه الظروف، الطبيب النفسى له حق المرض، وبالتالى فإن له حق العلاج عند زميل يثق فيه، ثم إن حق المرض ، بالذات فى الطب النفسى هو من حقوق الإنسان الأساسية، وأنا أنتمى إلى مدرسة تقول إن المرض فى معظم الحالات هو “قرار واختيار”، صحيح أنه قرار خاطئ يدفع المريض ثمنه باهظا فى نهاية النهاية، لكنه – فى هذه المدرسة التى أنتمى إليها – يعامـَل المرض على أنه “فعل” وليس مجرد “رد فعل”، وهذا احترام للمريض وليس اتهاما له، لأن من يختار المرض حلا فى ظروف قاهرة، يستطيع أن يختار الصحة مخرجا إذا ما أتيحت له الفرصة السليمة، والطبيب يسرى عليه – خاصة إذا مرض- ما يسرى على سائر الناس.
*****
س6: هل أثر ازدياد تردد المرضى على الدكتور النفسى الى زيادة سعر الفزيتا أم ليس له علاقة؟
د. يحيى:
هل هذا وقته بالله عليك؟ فيزيتة ماذا وسعر ماذا؟ طبعا “لا”، فى حدود ما أعلم، بل إننى أعتقد أن العكس قد حدث لأن الظروف الاستثنائية تلزم بالعكس.
*****
س7: هل الثورة كانت سببا فى رواج وانتشار فكرة الدكتور النفسى لأن الناس قبل الثورة كانوا ينظرون للدكتور النفسى نظره اخرى ويرون ان الذى يذهب الى الدكتور النفسى يكون فقد عقله وغير سوى فهل تغيرت هذه النظره واصبحت فكره عاديه لدى الكثير من الناس؟
د. يحيى:
هذا الزعم غير صحيح، لأن الناس قبل الثورة وبعد الثورة كانت قد تزايد استعمالهم للتبرير النفسى والتأويل النفسى حتى اصبحتُ أخشى من غلبة ما يسمى “نـَفْسَنة “Psychiatrization المجتمع، أى أن نعزو كل ما يحدث لنا إلى أسباب نفسية، حتى تنقلب المسألة إلى تبرير سلبى فى كثير من الأحيان،
ونسبة التوعية بالمرض النفسى لم تتغير – فى تقديرى– عن ما كانت قبل الأحداث الأخيرة التى أدعو أن تكتمل إلى ثورة قادرة، والظروف الاستثنائية التى وردت فى السؤال ليس لها علاقة مباشرة برأى الناس فى الطب النفسى أو العلاج النفسى، حتى لو كانت هذه الظروف قد أدت إلى زيادة ما يسمى الشكوى النفسية أو التفسير النفسى أو حتى المرض النفسى.
[1] – نشر هذا الحديث فى “الحياة اللندنية”