نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 14-7-2015
السنة الثامنة
العدد: 2874
الثلاثاء الحرّ :
دعوة إلى: الوعى بما تملك!! (1 من 2)(1)
أن تطلب من أى شخص أن يضع ما يملك فى بؤرة وعيه حتى يعرف إلى أين يتجه؟ ولماذا يجمع ما يمتلك؟، فلا بد أن تفترض ابتداء أنه يملك شيئا أصلا. إذن هذه التعتعة ليست موجهة لمن لا يملك عشاء عياله الليلة (أغلب الناس!!)، لكننى أتصور أنه– بالذات– هو أول المستفيدن بعائدها إنْ وصلتْ! ثم إنه يملك أكثر مما يتصوّر!!
بصراحة هى خطرت ببالى بعد أن حدثت نشرة(2) الأسبوع الماضى، “حين ينفصل المال عن صاحبه”، أعنى أنها موجهه لهذا الذى حين انفصل عما يملك: فما أغنى عنه ماله وما كسب.
لكن عندك، إن هذا الذى انفصل عنه ماله حتى صار خادما له أكثر منه سيده، لن يقرأ ما أكتب هنا بالذات، وحتى إن قرأه فهو لن يسمح لنفسه أن يفهمه، وإن فهمه فهو إما أن يلعننى أو يتهمنى بالخبل، أو على أحسن الأحوال يلمّح أو يصرح أننى أنا أيضا لا بد قد انفصلت عن ما أملك، خصوصا بعد أن عددت نفسى من الأثرياء، حين عرّفت الثرى أنه : “الذى يكسب أكثر مما ينفق، ويمتلك ما يمكّنه من الحصول على أغلب ما يشتهى”، وأنا أتمتع بهذين الحسنيين!! فهل أنا يا ترى أضع ما أملك أولا بأول فى بؤرة وعيى كما أحاول أن أدعو غيرى أن يفعل؟ بصراحة أشك فى أن تكون الإجابة بالإيجاب طول الوقت.
إذن ماذا؟
قلت أعدل عن الكتابة فى هذا الموضوع أصلا، بُعدا عن الهمز واللمز، لكننى وجدت نفسى أهرب، وأيضا يبدو أن المسألة لم تعد فى يدى بهذه البساطة.
لست أدرى ماذا جرى لى هذه الأيام. هل هو إنكار للواقع؟ هل هى غفلة عن آلام الناس الحقيقية؟ منذ كتبت عن ذلك “الشىء الـ ما” ذلك “الشىء” الذى أعدت اكتشافه داخل أغلب المصريين برغم كل الجارى، وأنا أشعر أننى تحت رحمة دافع يستدرجنى فى هذا الاتجاه، اتجاه يقول: إنه من الممكن أن نواصل العيش بعناد، بل وبفرحة هى هى الألم الخلاّق، نفعل ذلك بدءا من الآن، وحتى تنزاح الغمة، أى نزيحها، ولِمَ لاَ ؟
ثم إننى رحت أراجع أرجوزة (أو لعلها قصيدة عامية) كنت قد كتبتها أعلل فيها ما نحن فيه من غم وهم، كانت القصيدة بعنوان: “ما هو لازم إنى أزعل”، وكانت تبريرا لما أسماه بعض الزملاء “الاكتئاب القومى”. قلت فيها مثلا:
ماهو لازم إنى أزعل لما الاقى الدنيا صعبة، وانِّنَا لازم نعيش، لما الاقى الودّ لعبة، خايبه، بتبيع المافيش، لما الاقى الوعد كذبهْ، والخداع ما بينتهيش، لما الاقى القلب علبة، فيها عضم وخيش وريش”
كانت من نوع الموال الذى يزيد مع كل فقرة شطرا، هكذا مثلا:
ماهو لازم إنى أزعل لما الاقى الدنيا صعبة، وانِّنَا لازم نعيش، والْتِقِينِى لسَّه عايشْ
لما الاقى الودّ لعبة دايْرة بتبيع المافيش، والنفاق طايحْ وفارشْ،
لما الاقى الوعد كِدبة، والخداع ما بينتهيش، والكلام فارغ ْ وهايش
لما الاقى القلب علبة، فيها عضم وخيش وريش، والعمل كلّه هوامش.
إلى أن قلت:
ماهو لازم إنى أزعل: لما الاقى انّ الكلام يتعادْ كإنى ماقلتهوشْ،
لما الاقى ان اللى جارى، كله جارى فى الفاشوشْ،
لما لاقى الناس بقوا من غير وُشوشْ،
لما الاقى ان “اللى عنده” ناسِى إللى “ما عندهوش”
توقفت حالا وأنا أكتب عند حكاية “إللى عنده”، و”اللى ما عندهوش”، وكنت قد كتبت لاحقا قصيدة استدراكية اعتراضية تعرى هذه المبررات، اعترضت فيها على هذا المقطع قائلا:
غصب عنى لقيت كلامى وصل لقلب ما شفتهوش،
والفاشوش ما هوش فاشوش،
واللى ما عندوش دا عنده، آه، وغيره ما يلزموش،
والوشوش جواها جوه: كام وشوش،
من حقك الآن أن تتساءل: كيف أن “إللى ما عندهوش دا عنده”، هل أنا أروّج للرضا الخائب، والزهد الكذاب، لحساب “اللى عنده أتلالا من الأموال والأشياء”؟ ليس تماما.
تمهيدا لشرح ذلك فيما بعد أدعوك عزيزى القارئ أن تقرا معى هذا المثل الشعبى المصرى الجميل: “اللى ماعندوش ما يلزموش” والقول الشعبى “إن اللى عنده مية حايتحاسب على مية، واللى عنده عشرة حا يتحاسب على عشرة”، وأخيرا نتذكر معا أن: “الكفن مالوش جيوب”،
ربنا يستر!!
[1] – ظهر هذا المقال فى جريدة الدستور بتاريخ 29-10-2008
[2] – سبق نشرها مستقلة فى نشرة الأسبوع الماضى 8-7-2015