الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الثلاثاء الحرّ: حديث عن: تطبيق الحدود، وحدود التطبيق

الثلاثاء الحرّ: حديث عن: تطبيق الحدود، وحدود التطبيق

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 27-11-2012

السنة السادسة

 العدد:  1915

الثلاثاء الحرّ:

حديث عن:

تطبيق الحدود، وحدود التطبيق

مقدمة:

هذا حديث أدليت به قريبا وقد حاولت أن اعتذر حتى لا أستدرج إلى ما لا أريد الآن، لكن إصرار الشابة الإعلامية أحرجنى، فخشيت أن أكتم الشهادة.

1) لماذا بدأ منذ قيام ثورة 25 يناير الحديث عن تطبيق الحدود؟

د. يحيى:

الحديث عن تطبيق الحدود موجود من قبل 25 يناير، منذ وصلتنا النصوص التى تحدد ما هى الحدود وكيفية تطبيقها، إلا أن الجديد هو أن التيارات الاسلامية انتهزتها فرصة للإغارة على سلوك كل الناس فى الحياة العادية بدءًا بحكاية تطبيق الحدود، سواء من أسرع بإعلان ذلك فورا، أو من لوّح بالإعداد له، وفى الحالين صاحب ذلك ما يؤكد إغلاق الباب أمام أى اجتهاد لإعادة تفسير النصوص حسب التغيرات العصرية،وأشكال التعزير، ومفهوم العقاب ووظيفته بالنسبة “للردع العام” و”الردع الخاص”، وأرى أن قفل باب الاجتهاد والتوقف عند تفسيرات الألفاظ بالمعاجم دون وضع اعتبار لتطور اللغة وتحديثها، ولتطورات المجتمع وإبداعاته تحت مظلة رحمة ربنا، هو الأمر الجدير بالمناقشة أساسا حتى يتحقق الهدف مما يسمى تطبيق الحدود حرفيا أو إعادة فهمها واستلهام نصوصها مجدداً، خاصة بعد أن أصبح عندنا – كل البشر- علم اسمه “فلسفة القانون” وآخر اسمه “علم العقاب” وهذا وذاك مثل كل العلوم الموضوعية أنزلهما الله على عباده العلماء، وعلينا أن نحكم بما أنزل الله.. (الآيات).

2) من هى أكثر الفئات ميلا لهذه الدعوة من شرائح المجتمع المصري؟

د. يحيى:

كل من يخاف التفكير من حيث المبدأ، وكل من يقدس ألفاظ المعاجم أكثر من تقديسه استلهامات القرآن الكريم، وكل من يتوقف عند شكل السلوك دون التعمق فى جوهر المعنى، وكل من يحمى نفسه وهو يؤكد تميزه عن الآخرين بالتمسك بحرفيه مثل هذه الدعوة، كل هؤلاء أيا كان انتماؤهم هم الأكثر ميلا إلى تجميد النص عند حرفية التطبيق.

3) ولماذا تختلف درجة الدعوات والمطالبة بالتمسك بها بين تيارات الإسلام السياسي؟

د. يحيى:

التيار الاسلامى ليس واحدا، فهو يحتوى كل الأطياف وكل الدرجات، وبالتالى واحتراما للفروق الفردية، وتشجيعا للاجتهاد، ينطبق عليه التعبير القديم المعروف “إن اختلافهم رحمة”، لكن لا أظن أن أحدا منهم ينكر حتمية تطبيق الحدود، أو يجرؤ أن يعلن ذلك على الأقل، إذن فالاختلاف هو فى الطريقة والتوقيت، والمدى، أكثر منه فى المبدأ نفسه، مع أن المطلوب هو مزيد من الشجاعة لإعادة التفسير جذريا.

4) جماعة الإخوان المسلمين أحيانا تعلن عدم تطبيقها وأحيانا أخرى تؤكد قياداتها تطبيقها، إلى أى التيارين تميل الجماعة؟

د. يحيى:

من أين لى أن أعرف؟ ثم إن الجماعة نفسها يسرى عليها ما يسرى على التيار الاسلامى كله، وأيضا على المجتمع كله من حيث بداهة تقبل الاختلافات الفردية، واختلاف المجموعات داخلها أيضا. فيوجد فى الجماعة ما يسمى شباب الاخوان، كما يوجد فريق متزمت، وفريق أكثر مرونة وتحررا وجهادا واجتهادا وهكذا، كل فريق له وجهة نظره، لكننى أعتقد أن الجميع يتفقون على حرفية التطبيق، أما التوقيت، والتدرج، ودرجة الخجل من نظرة الآخرين لحرفية التطبيق مثل موقع عقوبة الجلد، أو قطع اليد فى السياق الأحدث لحقوق الإنسان ومثل هذا الكلام، فهذا ربما يكون محل نظر، إذ لابد أن تختلف درجة قبوله من فريق لفريق، حسب شجاعة الاستلهام، ومرونة الإبداع، والعشم فى الله وعوامل أخرى كثيرة يعرفها المؤمنون حقا.

5) هل هناك ملامح وصفات نفسية لدى الداعين لذلك؟

د. يحيى:

طبعا، كما قلنا كلما كان الشخص مغلقا، تابعا، جامدا، كان تمسكه بحرفيه التطبيق أكثر، وكانت زحزحته عن رأيه أصعب، لكن يصعب التعميم على أية حالة.

6) هل هم يهدفون حقا إلى إقامة شرع الله أم هو نوع من التشدد؟

د. يحيى:

طبعا، هم يهدفون إلى إقامة شرع الله حتى لو بدا ذلك تشددا، لكن حكاية إقامة شرع الله، مع التركيز على تعبير تطبيق الشريعة أخذت مساحة أوسع من حدودها بشكل له دلالته، وهى قضية لها أهميتها، ونحن نحتاج إلى إيمان قوى، واجتهاد شجاع حتى نفرق بين كلٍّ من الإيمان والدين، والشريعة، بمقياس ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، الأديان جميعا هى هدى من الله سبحانه وتعالى للبشر ليحققوا من خلالها ثورات إنسانية حضارية مدعومة بفضله بما أنزل على من يختار من عباده الأقدر على قيادة الإنسانية فى مرحلة معينة إلى وجه الحق سبحانه وتعالى، الإسلام بالذات ليس هو الشريعة  فقط، ولا الشريعة هى أهم ما نزل من أجله، الشريعة وسيلة لا غاية، ومثل أية وسيلة  إذا أصبحت غاية فى  ذاتها فإنها تختزل الدين ناهيك عن الإيمان، حيث يتم التسليم لتفسير نصوص مقيدة باجتهادات عقول زمان تفسيراتها السابقة، عقول لها عذرها إذْ لم تصلها المعانى الجديدة، ولا الفتوحات الجديدة فى قدرات العقل البشرى والوعى البشرى كما خلقها الله لنستعملهما فى التوجه إليه، ونحن نعبده بتعمير الأرض وتعميق الخير. إن مجرد ترديد أن تطبيق شرع الله هو مرادف لتحقيق أهداف الاسلام بالذات هو اختزال للإسلام وعجز عن الإلمام بوظيفة الأديان توجها إلى وجه الله بالعبادة والعمل على صالح البشر، خاصة ونحن – البشر فى كل مكان- أحوج ما نكون فى عصرنا هذا لمواجهة الهجمة الاغترابية المالية العولمية الاستغلالية التكاثرية بتعميق الإيمان لتحقيق نوع آخر من الحياة الإنسانية الطيبة الخالية من الشرك، المتميزة بالعدل.

7) لماذا يكثر الحديث عنها كلما اقتربت انتخابات برلمانية ؟ وهل هى نوع من أنواع الدعايا للانتخابات؟

د. يحيى:

طبعا هى دعاية انتخابية من الدرجة الأولى، لأنهم يستعملونها مرادفة للتدين من حيث المبدأ، بمعنى أن من يخالفها ويعلن ذلك صراحة يكون معرضا للتكفير تحت عنوان أنه خرج “عن ما أتى به الدين بالضرورة”، وهذا يحتاج إلى وقفه شجاعة من الأزهر الشريف العظيم بالذات لفتح باب الاجتهاد حتى لا يتعطل الاسلام عن القيام بدوره الحضارى لصالح جميع البشر وليس فقط المسلمين.

8) وهل سيقبل المصريون تلك الدعوات ويؤيدونها خاصة أنه يخاطبهم بخطاب الدين؟

د. يحيى:

أغلب العامة سوف يقبلون راضين أو مرغمين من داخلهم نتيجة لاحترامهم لمن يصدرون مثل هذه الفتاوى المغلقة، وأيضا تصورا منهم أن هذا إرضاء لله عز وجل دون الدخول فى تفاصيل أخرى، وكذلك أملا فى دخول الجنه كما يعدهم الذين يستعملون هذا المفهوم لصالح الحصول على تأييد هؤلاء العامة وأصواتهم، أما ماذا سيحدث بعد ذلك عند التطبيق الفعلى فهذا يتوقف على مدى تطور المجتمع، وفرص التعبير، وشرف الاجتهاد واحتمالات التنوير، ورحمة ربنا.

9) وهل تتوقع تطبيقها؟

د. يحيى:

نعم

10) وهل المجتمع المصري فى ظل الفقر والعنوسة ومشاكله المجتمعية مهيأ لتطبيقها ؟

د. يحيى:

لا يوجد مجتمع معاصر، حتى لو اختفت الظروف التى جاءت فى السؤال مثل الفقر والعنوسة، مهيأ لتطبيق شرح نصوص تم تفسيرها بعقول بشرية منذ عدة قرون وإلا حكم على نفسه بالتوقف والجمود، لا المجتمع المصرى ولا غيره، وفى نفس الوقت، وكما قلنا، لا توجد فرصة عند أحد من عامة المتدينين المسلمين ليعيد النظر ليرى أن الشريعة ليست إلا الظاهر السلوكى لموقف وجودى تطورى أعمق وأكثر ثراء وإبداعا هو “الإيمان” العملى الملتزم الكادح إلى وجه الله لصالح كل البشر، وليس لصالح فريق دون الآخر، وهذا هو السبيل الأمثل للعمل على تهيئة الجو لتطبيق الشريعة، وليس بمجرد الوعد بمحاربة الفقر مثلا أو تسهيل الزواج، فهذا أو ذاك هو وعد تأجيلى هروبى لا يفيد، الذى يفيد هو وضع الشريعة فى مكانها المتواضع بالنسبة لغائية الدين ودور الايمان لصالح البشر، كل البشر.

11) في حالة تطبيق الحدود كيف سيؤثر ذلك على نفسية المواطنين؟

د. يحيى:

هذا يختلف حسب نوع تدين كل مواطن، وانتمائه لفريق بذاته، وقدرته النقدية، ويقينه بأن الله سبحانه سوف يحاسبه وحده دون تعيين محام من الذين أفتوه، وأن يعلم أنه يوجد احتمال أن يتبرأوا منه يوم القيامة، محتجين بأنه لم يستعمل عقله وقلبه شخصيا فى  اتباع ما قرروا له فنفّذه دون إعمال فكره وإدراكه وقلبه ومسئوليته “إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا …”

12) متى يمكننا تطبيق الحدود؟

د. يحيى:

حين نؤمن بالله حق إيمانه، ونستلهم كلامه نجدد به هو هو حياتنا، وهذا يتوقف على درجة اجتهادنا وإبداعنا وكدحنا نحو وجهه سبحانه وتعالى بشجاعة وإبداع ومسئولية، “فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ” صدق الله العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *