نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 18-6-2013
السنة السادسة
العدد: 2118
الثلاثاء الحرّ:
الشخصية التابعة والتبعية المانعة
1) هل ثمة سمات معينة تميز الشخصية التابعة؟
د. يحيى:
الشخصية التابعة ليست نوعا واحدا من الشخصيات لكنها تتضمن عدة أنواع، أذكر منها الشخصية الاعتمادية (المعتمدة)، والشخصية التابعة بالعدوان السلبى (السلبية الطفيلية) والشخصية المتلونة (وتسمى أحيانا شخصية “كان” “As-IF” personality، وهى التى تتلون بالمحيطين بها دون أن تدرى، وكل هذه الأنواع تعتبر سمات عادية وإن كانت مضطربة وليست مرضية بالضرورة إلا إذا وصلت إلى حد إيذاء الذات أو الآخرين.
2) ما العوامل النفسية التي تمهد لأن يتحول الإنسان في مرحلة ما من حياته إلى التبعية العمياء لبعض الأفكار أو الأشخاص؟
د. يحيى:
عادة، أو المفروض، ألا يتحول الإنسان إلى التبعية إلا بعد “أزمة وجود” تصل إلى حد المرض المصحوب بالرعب، وبالتالى عدم الأمان، فتصبح التبعية هى مصدر أمان من الخارج على حساب نمو هذا الإنسان المرعوب، وبالتالى فلا توجد مرحلة عادية فى مراحل النمو تنذر بذلك أو تدفع إلى ذلك، بل العكس هو المتوقع، فالطفل تابع لأمه وهو بعد فى بطنها، حيث تتوقف حياته على حصوله على كل مقومات بقائه من “الحبل السرى”، وبعد الولادة تستمر التبعية المطلقة تقريبا فترة الرضاعة ثم تبدأ رحلة الفطام، وهو أول مرحلة لفض صفقة التبعية، وهكذا تتواتر مراحل التبعية وهى تتبادل مع الاستقلال طوال مراحل النمو.
بعد كل أزمة نمو (وهم ثمان أزمات على الأقل)، وحسب نتيجة كل أزمة من أول “أزمة الفطام” حتى “أزمة منتصف العمر” “فالشيخوخة” مرورا “بأزمة المراهقة” يوجد احتمال مآل سلبى وهو الخروج من الأزمة بمزيد من التبعية وليس بمزيد من الاستقلال.
على أن هناك فى حالات كثيرة يمر الفرد بأزمات تشبه أزمة النمو، لكنها حادثة من ظروف خارجية طارئة مثل كوارث الفقد، أو الجوع أو الحرب أو القهر ظلما.
3) هل يمكن أن يتعرض رئيس دولة كبرى مثل مصر لمثل تلك الحالة من الانقياد الأعمى لفكرة أو شخص أو جماعة؟
د. يحيى:
طبعا يمكن ونصف، لكن هذا يحدث فى الخفاء عادة، فمن ذا الذى يتصور أن جمال عبد الناصر كان يمر بمثل ذلك فى علاقته بعبد الحكيم عامر، ومن يتصور أن هزيمة 1967 كانت نتيجة ذلك، هذا فرض وارد، ومن يتصور أن اوباما ليس إلا تابع لسورس امبراطور الحكومة العالمية المالية، نحن لا نرى من الحكومات إلا ظاهر اللاعبين على المسرح أما الذى يحرك الخيوط فهم أخفى من أن نميزهم عادة.
4) كيف يمكن أن يكتشف المرء ما إذا كان تابعا أعمى أو لا، وكيف يحصن نفسه؟
د. يحيى:
لا عيب فى أن يكون المرء تابعا، لكن بمحض إرادته، وفى ظروف خاصة، ولمدة قصيرة، فسيدنا موسى عليه السلام حين احتاج لأخيه هارون دعا الله أن يدعمه بأخيه حتى تمر أزمة مؤقتة، إذن ليس المفروض أن نرفض التبعية على طول الخط، بل علينا أن نعترف بها، وقد نعلنها، كما ينبغى أن نحدد عمرها الافتراضى قبل أن نسلم قيادنا لها، أما إذا اختفت كل هذه الشروط، واستمرت التبعية فى السر، وتصور التابع أنه القائد مع أنه تابع تماما، فهذه هى المصيبة الكبرى.
5) هل يدل قيام الرئيس بإصدار قرارات والرجوع عنها بسرعة على أنه ليس مصدر هذه القرارات؟
د. يحيى:
ليس بالضرورة، فالرجوع عن القرارات ليس عيبا فى ذاته حين يكون القرار بعيدا عن الحق والعدل، فيكون الرجوع إلى الحق فضيلة، أما أن تكون هذه السمة هى الغالبة كما لاحظنا فى الشهور الأخيرة بالنسبة للرئيس، فالأرجح أن نفترض أن مصادر القرارات كانت متعددة، وغير متزامنة، أى أنها وصلت تباعا، واستجاب لها الرئيس تباعا أيضا، دون فحص كاف، وبالتالى ظهر التراجع سمة غالبة.
6) ” الحق أبلج والباطل لجلج” جملة مميزة، كررها مرشد جماعة الإخوان المسلمين خلال حديثين أخيرين له، وقالها الرئيس في خطابه الشهير عند الاتحادية؟ كيف تقرأ تكرار جملة مميزة وغير متداولة كتلك؟ على لسان شخصيتين أحدهما متهم بأنه تابع للآخر؟
د. يحيى:
برغم أن هذا التعبير ليس شائعا تماما، فهو مثلا تعبير أقل تواترا من “جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا”، فإن كثيرا من المصريين استقبلوه بدعابات لطيفة على الفيس بوك وغيره، حتى أننى – مثلا – أضفت إليه ما يكمله:الحق أبلج، والباطل لجلحح، والحكم رَجْرَج!! إشارة إلى هلامية كيان الدولة وضبابية موقفها، أما توارد هذا التعبير عند المرشد والرئيس فليس فى حد ذاته دليلا على التبعية.
7) هل تمثل تبعية المرء لجماعة أو شخص أو فكرة أو ايديولوجية خطرا على سلامة قراراته؟ ومتى يصل المرء إلى مرحلة الخطر في هذا السياق؟
د. يحيى:
التبعية المطلقة دون روية ودون استيعاب لشخصية من يشير بالرأى وأغراضه الذاتية الظاهرة والخفية هى خطر أكيد، والخطر يقاس بمدى الأذى ومدى عدم إمكان رفع هذا الأذى، فالتبعية التى تشوه مؤسسة شامخة مثل مؤسسة القضاء المصرى، أو تجوِّع عددا هائلا من فقراء الشعب هى الخطر كل الخطر مهما كانت مبررات تسريع الاستشارة.
8) ” المرشد هو الرئيس الفعلى مش مرسى، الشاطر هو الرئيس الفعلى مش مرسى” كلمات تتكرر على لسان كثير من الشعب المصري في إشارة إلى عدم الثقة التامة في أن ما يصدر من قرارات رئاسية، تأتي من الرئيس محمد مرسي وحده…
برأيك ما هي العوامل المترتبة على انعدام ثقة قطاع عريض من الشعب المصري في اضطلاع الرئيس باتخاذ القرارات ومسئوليته الكاملة عنها؟
د. يحيى:
هناك احتمال أن يكون لعدم الثقة هذه فائدة غير مقصودة، ذلك أن فرط الثقة فى زعيم ملهم أو رئيس معجزة، يجعل الناس ينتظرون حلولا سحرية من هذا الرئيس الذى ليس كمثله أحد، لكن إذا سمحت أخطاء الرئيس – فى حدود الأضرار الطفيفة – أن تقلل من الهالة حوله ومن تقديسه، يصبح رصد نقصه حتى نقده مفيدا للناس، وربما له، إذا كان يحسن الإنصات للنقد ويستفيد منه.
9) في حالة الشخصيات الكبرى كرئيس الجمهورية وما له من خطر على مستقبل البلاد والعباد، وهل ثمة أمل فى أن يتحول شخص يتولى رئاسة مصر إلى شخص يستطيع اتخاذ قرارات صائبة بإرادة ثابتة؟
د. يحيى:
الأمل دائما موجود لو جرى تغيير إيجابى فى هذا الرئيس من واقع التجربة والتعلم من الأخطاء، لكن وحتى هذه اللحظة يبدو هذا الأمل بعيدا، بل العكس هو الاحتمال الأرجح.