نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 13-7-2015
السنة الثامنة
العدد: 2872
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية: الفصل السادس:
ملف اضطرابات الوعى (22)
اضطرابات النوم والأحلام (2)
مقدمة:
سوف نعدد الآن اضطرابات النوم بمعنى سرد الأعراض التى يمكن أن يشكو منها المريض الواحد تلو الآخر دون الغوص تفصيلا فى معنى العرض أو كيفية التعامل معه، وذلك كما يلى:
1- الأرق
يشير إلى العجز الكلى أو الجزئى عن النوم بالكمية الكافية التى اعتادها المريض
وأشكال الأرق الشائعة يمكن إيجازها فيما يلي:
أ- الأرق المبكر (أرق البداية):
وهو صعوبة بداية النوم أول الليل وقد تمتد هذه الصعوبة عدة ساعات، ويحدث عادة فى حاله القلق المصاحب بالانشغال، وحالات الاكتئاب التفاعلى وأحيانا مع بعض حالات التوجس المرضى (البارنوى)، ويمكن فى هذه الأحوال الأخيرة أن نسأل عن المواضيع التى تهجم عليه وتفرص نفسها ليفكر فيها وهو يستعد للنوم، وقد تكون لها دلالة خاصة دون مبالغة فى التفسير، على أن ما يسمى “فرط التفكير” أو ضغط الأفكار أو كثرتها، أو حتى “الوسواس الاجترارى”(1) ليس بالضرورة سببا مباشرا فى مثل هذا الأرق، وقد يكون استجلاب الأقكار والوساوس هو لملء مساحة هذا الأرق الذى هو اصلٌ فى الاضطراب فى بعض الحالات.
ب- الأرق المتأخر (“أرق النهاية”):
وهو عكس النوع السابق تماما . ويسمى أيضا “أرق الفجر”، أو ”أرق البكور” أو ”أرق الصباح الباكر”، وهو يعتبر ذا دلالة خاصة إذا كان جديدا على شخص لم يعتد البكور فى الأحوال العادية كما ذكرنا، ويحدث هذا النوع عادة مع الاضطراب الوجدانى الجسيم من النوع الاكتئآبى بوجه خاص (الأقرب إلى ما كان يسمى الاكتئاب الداخلى(2)
جـ – الأرق المتقطع وسط الليل (أثناء النوم- غير المنتظم):
وهنا يكون النوم متقطعا عموما، فيصحو المريض عدة مرات- دون سبب ظاهر- أثناء الليل (وينبغى فى جميع الأحوال استبعاد الأمراض والأسباب العضوية مثل كثرة التبول، أو عدم الهضم، وكذلك الأسباب الخارجية المعيشية مثل نظافة الفراش (الحشرات) قبل الحكم على الأرق أنه لأسباب نفسية بحتة.
د- الأرق الكلّى:
وهو الذى يشمل الأنواع الثلاثة السابقة معا، أى البداية، والوسط، والنهاية، أى طول الليل، وأحيانا ما يشكو المريض من أنه لا ينام أصلاً، وأنه هكذا منذ سنوات عدة قد تربو على عشر سنوات، ويكون هذا –غالبا- أقرب إلى النوع التالى:
هـ – الأرق الذاتى (من وجهة نظر ذاتية):
كثيراما يشكو المرضى (والأصحاء أحيانا) من الأرق بشكل ملح وأكيد، بالرغم من أنهم ينامون فعلا نوما كافيا بشهادة ذويهم (مثل تقرير الزوجة أن زوجها ( أو العكس) الذى يشكو من الأرق ينام ويشخر طول الليل)، وبالفحص الموضوعى يمكن أن تعزى هذه الشكوى إلى ما يلى:
- أن النوم لا يقوم بوظيفته (من حيث الراحة، واستعادة النشاط ..وتنظيم المعلومات وإعادة تنميطها) فيكون إعلان عدم النوم هو بمثابة إعلان فشل النوم والأحلام فى أداء وظيفتهما.
- أن المريض يعانى من مخاوف عدم النوم أكثر من معاناته من الأرق الفعلى، وقد يرجع ذلك إلى جزء من قلقه العام، كما قد يرجع إلى الحصول على معلومات ناقصة أو خاطئة مبالغ فيها عن ضرر الأرق ومضاعفاته، سواء من شخص عادى، أو من ممارس معالج حسن النية غير دقيق فى إبلاغ تحذيراته، أو من المصادر الأحدث عن طريق “النت” وانتقاء الجانب التحذيرى والتخويفى فيه دون الجانب الموضوعى، وفى هذه الحالة يبالغ المريض فى شكواه من الخوف من عدم النوم، خشية أن يحدث له كذا وكيت كما أبُلغَ أو قرأ.
iii. أحيانا ما تشير هذه الشكوى إلى طموح خفى أن يتقمص هذا الشاكى النموذج الذى شاع عن المتميزين من العباقرة، وأنهم لا يحتاجون إلا إلى قدر ضئيل جدا من النوم، وكأنه يفخر بعدم النوم أكثر من أنه يشكو من عدم النوم.
- الأرق الموقفى: وقد يكون الأرق مرتبطا بموقف بذاته مثل تغير مكان النوم (أثناء السفر مثلا)، أو تغير نمط النشاط اليومى(زحمة عمل مفاجئة)، أو نتيجة لتفويت ساعة النوم المعتادة لظروق طارئة، أو نتيجة لترقب خبر هام فى اليوم التالى، أو للانشغال بعاطفة جامحة (المثل المصرى: ولا ينام الليل إلا خلىّ البال(3).
2- النوم غير المنعِشْ:
وهنا يقر المريض أنه ينام ساعات كافية ولكنّ “مثل قلّتها” فهو يقرر أنه يستيقظ كأنه لم ينم أصلا، وأحيانا يقرر أنه يستيقظ أسوأ. وقد يعزى ذلك إلى أسباب مثل التى أوردناها بشأن القلق الذاتى أو قد تكون إشارة حقيقية إلى أن النوم لا يؤدى وظيفته الإنعاشية والتنفيثية والتنظيمية فعلا مما قد يكون إعلانا لبداية اضطراب فى تناغم الإيقاع الحيوى الوقائى وكفاءته التنظيمية الذى قد يظهر لاحقا أو حالا فى شكل اضطراب مرضىّ بذاته.
3- فرط النوم:
وهنا تزيد ساعات النوم عن ما اعتاد الشخص، ويعتبر مثل ذلك عادة نوعا من الهرب وخاصة إذا ما ارتبط بظروف ضاغطة، وينبغى أن ننظر إلى فرط النوم بجدية كافية ولا نكتفى باعتباره هربا من الواقع طول الوقت حيث أن هذا العرض فى بعض الأحيان يمكن أن يكون علامة على مرض خطير فى الدماغ مثل الالتهاب الدماغى الوسنان(4) أو بعض أمراض جذع المخ.
وأحيانا ما يجتمع فرط النوم مع عكس إيقاع النوم (انظر بعد الفقرة التالية).
4- عكس إيقاع النوم:
بعض المرضى ينامون طول النهار ويسهرون طول الليل، وقبل الحكم على مثل ذلك بأنه عرض مرضى ينبغى التأكد من أن ذلك ليس سمة ثقافية لبعض الثقافات الفرعية، ففى بعض الطبقات فى بعض البلاد العربية الثرية يمكن أن يعتبر ذلك أمرا عاديا وعكسه هو الغريب، أما إذا كان هذا العكس قد طرأ حديثا، وصاحبته أعراض هروبية أخرى فإنه يؤخذ على أنه عرض يحتاج إلى التقييم والتفسير.
5- انشطار النوم:
فى الأحوال العادية يمكن القول أن كلا من الجهاز الحركى والحسى ينامان معا، ويستيقظان معا، فإذا حدث أن أحدهما سبق الآخر فى اليقظة فإنه ينتج عن ذلك ما يسمى انشطارا (أو انشقاقا). ومظاهر ذلك تتجلى فيما يلى:
(أ)- السِّرْنَمَة:
يحدث السير (أو الكلام أو الضحك) أثناء النوم بشكل عادى عند الأطفال، ولاينبغى أن تعتبر السرنمة عرضا مرضيا إلا إذا زادت وتكررت فى سن أكبر أو كانت تعرض صاحبها للخطر، أو للحرمان من النوم، وفى أغلب الأحوال تكون الحركات بسيطة وبلا هدف، ونادرا ما تكون مركّبة وهادفة، وثمثل أحيانا إشكالا فى الطب النفسى الشرعى.
(ب)- شلل النوم:
وهنا يصحو الجهاز الحسى للمريض دون الجهاز الحركى (أو قبله بقليل) فيشعر بما حوله، لكنه لا يستطيع حراكا أو صراخا، وأحيانا ما يكون المثير الحسى من أثار حلم مسبق، وبالتالى يصبح مثل الهلوسة قبيل الاستيقاظ فإذا كان حلما مزعجا أو مرعبا وأراد المريض أن يصرخ أو يطلب النجدة عجز عن ذلك بسبب أن الجهاز الحركى لم يستيقظ بعد.
ويعتبر شلل النوم أقرب إلى اضطراب الأحلام، وسوف نعود إليه في حينه مع “الكابوس” و”هلع النوم”.
(ج) – السبخ Narcolepsy:
هو نوع من نوبات النوم القصيرة (من خمس عشر إلى عشرين دقيقة) وقد يصاحبها أو يسبقها حالة الجمود الحركى Cataplexy ويفسر بعضهم ذلك أيضا بأن الجهاز الحركى قد يسبق الجهاز الحسى إلى النوم المفاجئ لفترة محدودة، فتتوقف الحركة أوّلاً لتلحقها أو لا تلحقها هذه الحالة من النوم القصير.
[1] – Ruminative Obsession
[2] – Endogenous Depression
[3]- أو أغنية شادية الظريفة: “يا سارق من عينى النوم…. إن نمت دقيقة تصحّينى، وبقالى كام ليلة ويوم…. الخ”.
[4]- Encephalitis lethargica