اليوم السابع
الاثنين : 23-12-2013
“الاحترام” يحل محل الغيظ والحسد
فى مسلسل “دموع فى عيون وقحة” كان عادل إمام يريد أن يحقق أمنية حياته بعد كل ما فعل وأحب وأخذ وأعطى وهرب وعاد، كان يعبر عن أن كل مراده فى الحياة من كل هذا: وهو أن “يكون محترماً” أو ربما: أن “يموت محترما”!! ثم تطورت علاقتى بالاحترام – من واقع ممارستى- حين رحت أحترم الجنون ولا أصفق له، فيحترم المجنون احترامى له ويعود معى – أو نعود معا- إلى حل أكثر احتراما.
اكتشفت أن هذا الاحترام يحتوى قدراً هائلاً من الحب والعدل والنبل معا، كما أننا ابتعدنا به عن الخشية، والتبجيل، والتقديس التى شاعت عن الاحترام التقليدى التحت/فوقى.
نظرت حوالىّ الآن فلم أجد هذه القيمة، لا من الصغير للكبير ولا بالعكس ولا من المختلف للمخالف وبالعكس، وتبينت أن جذور غياب هذا النبت الجديد غائبة من أيام التهميش، والاستهانة، والتزوير .
قرأت مؤخراً فى هذا الموقع للدكتور عبد الله المغازى بعنوان “هنا الصين (3)” بتاريخ 19 ديسمبر 2013 الجزء الثالث من انطباعاته عن رحلته مع فريق الدبلوماسية الشعبية إلى الصين، ولم أتوقف لا فى هذا الجزء ولا فى الجزأين السابقين له عند فرحته بإيجابيات هذه المحاولة التلقائية الوطنية الحماسية، ولا أنا توقعت خيرا كثيرا منها كما توقع هو، حقق الله أماله وخيب ظنى، لكننى توقفت من أول سطر فى هذا الجزء الثالث من سلسلة مقالاته عند قوله “….هذه الدولة “المحترمة” التى اختارت العمل ثم العمل السبيل الوحيد لربط الماضى بالحاضر”… فجأة تحركت مشاعرى كلها القديمة والجديدة تجاه هذه “الدولة المحترمة”، وشكرت الكاتب أن نبهنى إلى هذه الصفة الرائعة التى تستأهلها هذه الدولة بدلا من مشاعر الحقد والغيظ والحسد التى كانت تغمرنى كلما جاءت سيرتها، دون إغفال مشاعر الإعجاب والعجب طبعا، كل تلك المشاعر كانت تعاودنى كلما قارنت حالنا بحالها، كلما تذكرت أن ثورتها قامت قبل ثورتنا بثلات سنوات فقط لا غير (1949 – 1952) كلما تذكرت تعدادها الذى بلغ حوالى ربع سكان العالم، كلما تابعت انتاجها المتنوع فى كل المجالات دون استثناء، كلما تذكرت أنها دولة ذرية تستطيع أن تقول “لا” لكل الدول الذرية وغير الذرية وأن جيشها هو الأكبر فى العالم فى الخدمة مع ثانى ميزانية دفاع، كلما عرفت أنها اقتربت من أن تتفوق اقتصاديا على أمريكا ذاتها، كلما علمت أنها غزت أسواق أوربا (وليست أسواقنا فقط)، كلما عرفت أنه لا تقوم فيها حاليا مظاهرات لا مليونية ولا فئوية، كلما شعرت أنها تجاوزت لعبة الثورات الملونة، والموسمية، وأنها تقوم بعمليات إعدام تفوق ما يقوم به العالم جميعا!! كلما شاهدت الفاكهة المستوردة من مزارعها معروضة عند فكهانية مصر، كلما تخيلت أبعاد الديمقراطية “الخصوصى” التى تمارسها… كلما.. كلما.. كلما…
ما الحكاية بالضبط؟
سمعت من بعض الأصدقاء الذين أقاموا مشروعات فى الصين ما لا يسر عن أعراف الصينيين أفرادا مثل غلبة الحرص المادى، وعن أخلاقهم النفعية جدا، ولم أرفض ذلك، قلت لنفسى: ربما يكون هذا ألزم لنجاحهم أفرادا وجماعات (50 % من المنتجات المزيفة فى العالم: صينية) بديمقراطيتم غير الذليلة وغير التابعة.
تراجع حقدى وامتلكنى بعض الخوف، لكن بقى الاحترام، ورجعت إلى مقال الدكتور المغازى وقلت: ياليت هذه البعثة ومثلها تنقل لنا الشفرة التى جعلت ناس هذه البلد يعملون هكذا حتى تصبح محترمة هكذا برغم الحرص الشخصى والتزييف والإعدام، كما تمنيت أن أساهم أن تكون بلدى منتجة منضبطة، وحتى نفعية مستقلة، لتكون محترمة، فتتحقق أمنيتى مثل أمنية عادل إمام فى عيون وقحة، فأعيش ما تبقى لى محترما بين ناس محترمين فى بلد منتجة مستقلة محترمة.