الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الإشراف على العلاج النفسى (34) تفاصيل وتوضيح عن بعض مستويات الإشراف

الإشراف على العلاج النفسى (34) تفاصيل وتوضيح عن بعض مستويات الإشراف

“نشرة” الإنسان والتطور

 8-2-2009

السنة الثانية

العدد: 527

 التدريب عن بعد:

الإشراف على العلاج النفسى (34)

 

 

(سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى التدريبى، وكذلك فإننا لا نرد أو نحاور أو نشرف إلا على الجزئية المعروضة فى تساؤل المتدرب، وأية معلومات أخرى تبدو ناقصة لا تقع مناقشتها فى اختصاص هذا الباب).

تفاصيل وتوضيح عن بعض مستويات الإشراف على العلاج النفسى

جاءتنا فى بريد الجمعة، بعد نشر نشرة يوم الأحد عن “مستويات وأنواع الإشراف على العلاج النفسى” استفسارات كثيرة عن مستويات الإشراف غير المألوفة، وهى التى وردت فى النشرة الأولى، وقد أفادتنى هذه التساؤلات فى تعديل الفصل الخاص بذلك فى الكتاب المزمع نشره قريبا. ثم شعرت وأنا اعيد قراءة ما عدلته أنه من حق صديق الموقع أن تصله هذه التعديلات، لمزيد الإيضاح، وها هى فيما يخص المستويات من: “ثالثا” إلى “ثامنا”، وهى مستويات الإشراف الجديدة على الممارسين.

…………..

…………..

ثالثاً: إشراف الشخص العادى (عامة الناس) Lay Supervision

ابتداء من هنا حتى نهاية أنواع ومستويات الإشراف تختلف مضامين كلمة “إشراف” عن ما سبق كما يلى:

  • أنه إشراف تلقائى، أقرب إلى تأكيد معنى التعلّم استهداءً بالنمو الطبيعى.
  • أنه يتضمن عادة –مع التلقائية- سندا من عامل مساعد قد يكون شخصا آخر، أو ضمنا:من عملية نمائية تجرى بصورة إيجابية.
  • هذا الاشراف يتحقق بوعى منتبه، أو قد يجرى فى أى مستوى كامن من مستويات الوعى .
  • أنه يقاس بنتائجه، أكثر مما يقاس بخطواته (نتائجه على المريض بالشفاء وعلى المعالج بالنمو).

كيف يكون الشخص العادى مشرفاً؟

بينّا سابقا كيف أن العلاج النفسى هو علاقة إنسانية هادفة بين مهنىّ له خبرة ، ومريض يحتاج هذه الخبرة، وأنها مثل أية علاقة ترتبط بخلفية ثقافة الاثنين ارتباطا وثيقا.

انطلاقا من أن المريض النفسى ليس إلا أحد أفراد هذه الثقافة، وأن الغالبية الغالبة مما يسمى مرضا أو عرضا أو إشكالة تحتاج إلى علاج، موجود مثلها بدرجة أخف بشكل أو بآخر فى الحياة العادية فى نفس الثقافة،

 وأيضا بما أن العلم هو ليس إلا تنظيم للمنطق السليم،

 ثم إن وظيفة الطبيب النفسى المعاصر كان يقوم بها فى بداية البداية شخص حكيم عادى عركته السنون، وعلمته الخبرة،

انطلاقا من كل هذا، فإن المعالج النفسى،

  • يبدأ من ثقافته الخاصة “شخصا عاديا” قبل أن يكون طبيبا .
  • يحيط بثقافة المريض واضعا فى الاعتبار اختلاف الثقافات النوعية (ثقافة “رشيد” غير ثقافة “إسنا”، وثقافة “أسوان” غير ثقافة “العريش”، وثقافة “حارة السكر والليمون” غير ثقافة “شارع ….مظهر” بالزمالك) .
  • يثق فى رؤية ورأى الشخص العادى النابعة من ثقافته، بنفس القدر – يزيد أو ينقص- الذى يثق به فى المعلومات المكتوبة مهما كانت حديثة أو سميت علما .
  • يستلهم من القواعد التى تحكم كل ثقافة محكات يقيس بها خطواته، ويحدد توجهه، خاصة فيما يتعلق بالتعرف المتجدد على الحد الفاصل بين الصحة والمرض.
  • يتبين أكثر فأكثر –مع زيادة سنين الممارسة- أن قِيَمَهُ الشخصية، ومعتقداته، ومواقفه، ليست هى الحكم الفيصل فى حركية ممارسته مهنته.
  • يلاحظ أن هذه القيم (والمعتقدات والمواقف تتغير مع اضطراد نمو خبرته، ومن ثم نموه.

من كل هذا نستطيع أن نتبين كيف أن المقصود باشراف الشخص العادى هو الاستهداء برأى شخص عادى، ياحبذا من نفس ثقافة المريض، أو على الأقل على دراية بها، شخصٍ يعتقد المعالج أن له منطق مفيد، أو خبرة مشابهة:

يعرض المعالج على صديقه، أو زوجته، أو زميله، أو ابنه ، مأزقه فى علاج حالة ما، دون ذكر اسمها طبعا، أو ذكر أية معلومة يمكن أن يتعرف بها عليها، فيروح “يحكى” ما شاءت له الطلاقة أن يذكره كيفما تيسر بشأن المأزق الذى يمر به مع مريض ما، مما رأى معه أنه يحتاج أن يطلب المشورة من حكيم عادى أو صاحبة خبرة موازية

ثم هو يستمع إلى الرأى من هذا الشخص العادى، ويضعه فى الاعتبار، لا أكثر ولا أقل،

 ذلك أنه يترك الرأى وآثاره تنساب مع معلوماته الأكثر إحاطة بحالة المريض،

 فتتفاعل كل تلك المقومات مع رأيه السابق على خلفية رأى المريض وحالته،

 وقد يصل من خلال كل ذلك إلى رؤية أوضح تنير له الطريق بشكل أو بآخر.

هذه الطريقة فى الإشراف لا يُنصح بها كجزء أساسى فى التدريب، لكن بما أنها جزء لا يتجزأ من حياتنا العادية، تجرى داخلنا بدرجات مختلفة من الوعى، فإن المقصود هنا هو أن نسمح بحضورها فى بؤرة وعينا حتى نتحمل مسئوليتها،

هذه الاستشارة التى أسميتُها إشرافا قد تتم دون ذكر أن هذه حالة مريض بذاته، كأن يسأل المعالج زوجته عن تفسيرها الخاص لغيرة نسائية، شبه غرامية، تمارسها أخت تجاه زوجة أخيها،

 أو مثل أن يسأل المعالج أخاه الموظف فى بنك عن بعض طبيعة عمل البورصة، فيستهدى برأيه فى حجم تفاعل مريضه الذى خسر خسارة متوسطة ، لكن تفاعله بلغ أقصاه حتى مرض، وقد يخطر الطبيب أو المعالج أخاه البنكى بماذا نصح صديقه (أو مريضه)، وإلى أى مدى كانت نصحيته موضوعية،

وهكذا ……

استشارة الشخص العادى فى أمور تبدو متخصصه لها سابقة جيدة فى نظام القضاء الإنجليزى ، حين يكون الرأى فيما إذا كان المتهم “مذنبا” أم “غير مذنب” فى أيدى المحلفين،وهم أناس عاديون، ويكون دور القاضى هو فى ضبط المحاكمة، ثم صياغة الحكم من خلال رأى هؤلاء المحكمين.

كذلك هناك نموذج جيد عندنا لدور الشخص العادى حين يمارس ما يسمى مجالس التحكيم الأهلية (العرفية) التى تُنظم تلقائيا حسب تقاليد القرية أو البادية، أو ينظمها القانون.

هذا وذاك ليس إشرافا بمعنى الإشراف، لكنها سلوك طبيعى، وربما تفكير بصوت مسموع يطمئن المعالج الذى يحترم ثقافة مريضه إذْ يحاول أن يتعرف أن يتعرف أكثر فأكثر على رأى الشخص العادى من نفس الثقافة حول بعض ما يقابله فى مهنته، فيأخذ هذا الرأى فى الاعتبار، يأخذه كمشروع للتفكير فيه من جانب المعالج، يضيف إلى معلوماته وخبرته ما يعينه فى مساعدة المريض، وقد يصحح خطأه، فخطى مريضة

 (وهذا هو جوهر الاشراف، وإن كان غير مباشر تماما، وهو يمر عادة بالنوع التالى:).

رابعاً: الإشراف الذاتى Self Supervision

يتم هذا النوع بشكل تلقائى، على مستوى شعورى أو لاشعورى، وهو نوع من التعلـُّـم المستمر، ونحن نتذكر أن تعريف التعلم هو التغير فى السلوك أو التركيب نتيجة للخبرة والممارسة.

التدريب على العلاج النفسى ما هو إلا نوع من التعلم،

 المتعلم الشاطر هو الذى يشرف على نفسه باستمرار بشكل تلقائى،

 من أكثر أنواع هذا الإشراف الذاتى معنى الآية الكريمة ” بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيرة”، والآية الكريمة : “وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه” إلى “كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”،

 هذه البصيرة، وذلك الحسيب هو المشرف الذاتى،

 وهنا نود أن ننفى أمرين :

الأول: أننا لا نعنى بالإشراف الذاتى دور الضمير الشائع بالمعنى الأخلاقى، فالعلاج ليس محكوما بقيم أخلاقية تقليدية – حتى بما قد يحدث فيه من أخطاء – بحيث نحاسب أنفسنا عليها كأنها ذنب،

 والثانى: هو أننا لا نهدف من خلال التأكيد على الاشراف الذاتى أن نوصى المعالج بأن يحاسب نفسه شعوريا أية محاسبة واعية طول الوقت، وإلا أعيق تماما.

الحكاية أن المعالج حالة كونه إنسانا يتعلم، عادة ما يحمل همّ مريضه ويفكر فى أمره بعد انتهاء الجلسة العلاجية، يحدث ذلك فى أى وقت ولأى مدة، بشكل إنسانى مباشر غير معطل عادة،

 وحين تتزايد خبرة المعالج: ويعرف أن هذا جزء لا يتجزأ من مسئوليته الإنسانية والمهنية،

 وحين يعرف كيف يضبط الجرعة بحيث لا تغير محاسبته تلك على مسئولياته الأخرى وعلى حياته الخاصة،

 فإنه يستطيع – بكل ذلك- أن يحقق نوعا من المراجعة لبعض مشاكل ومآزق مهنته من خلال بصيرته الإنسانية الواعية النشطة، التى تحفز مسئوليته الممتدة.

ونظرا للاختلافات الفردية، وتحقيقا لما أسميناه حالا “ضبط الجرعة“‘ فإننا نحذر من الإفراط فى الاعتماد على هذا النوع من الإشراف خشية التمادى فى المثالية من ناحية حتى لا ينقلب الشعور بالمسئولية إلى الشعور بالتقصير إلى الشعور بالذنب، وكل هذا معطل معطل،

 وأيضا نحذر من الاعتماد على الإشراف الذاتى وحده متى أتيحت للمتدرب فرص الاستعانة بنوع آخر من الاشراف، إضافة إلى الإنارة والاستنارة الذاتية، وليس بديلا عنها، ذلك أن الإشراف الذاتى يحمل خطر تأثير ما نسميه “النقطة السوداء” فى رؤية الممارس لنفسه.

 إن لكل واحد فينا منطقة (أو مناطق) فى تركيبه لا يراها (أو لا يحب أن يراها) فى نفسه، وفى أدائه، وحين لا يرى هذه المناطق نعتبر أنه أعمى عنها، ومن ثم تسمية “النقطة السوداء“، هذه النقطة إذا كانت تشمل مساحة كبيرة، أو إنْ تعددت فى مناطق مختلفة من أىٍّ من مناطق ومستويات الوعى، يمكن أن تكون عائقا يحول دون كفاءة الإشراف الذاتى،

 وبرغم ذلك، فإن استمرار الخبرة، واضطراد النمو ، والاستعانة بأنواع أخرى من الاشراف كل ذلك خليق بأن يقلل من مساحة هذه النقط السوداء باستمرار.

وقد تظهر آثار الإشراف الذاتى الإيجابية فى نمو المعالج نفسه دون أن يلحظ ذلك واعيا فى وقت بذاته، ذلك أنه باستمرار الممارسة ، وتلقائية التعلم تحتد البصيرة، وتزيد فاعلية الإشراف الذاتى التلقائى، بما يؤكد أهميته من جهة، ويحسن الأداء من جهة أخرى، فتزداد فرص وجدوى الإشراف الذاتى باستمرار

 إن مجرد التغير الإيجابى من خلال الممارسة، هو دليل على أن الإشراف الذاتى قد أدى دوره بكفاءة، ولو من وراء صاحبه(1).

خامساً: إشراف الزملاء الأصغر والمتدربين على مدربهم:

المعلم (بكسر الميم: عامية، وضمها: فصحى) الحقيقى، هو الذى يسمح (سواء أعلن أم لم يعلن) لتلاميذه والمتدربين على يديه أن يشرفوا عليه، وفى خبرتى أذكر أننى أعرض حالة أو اثنتين بين الحين والحين، وللأمانة فهى ليست حالة علاج نفسى منتظم (اللهم إلا إذا كانت حالة من حالات العلاج الجمعى) أعرضها على زملائى وزميلاتى الأصغر فالأصغر، أثناء قيامى بالاشراف عليهم، فأسترشد برأيهم وأستفيد كما يستفيد مرضاى .

سادساً: إشراف المريض(2) Patient’s Supervision 

هذا النوع من الاشراف قد لا يجوز أن يسمى كذلك. لكنه كذلك .

لهذا النوع من الاشراف عدة مستويات هى أيضا لا تسمى اشرافا تحديدا)

الأول: حين تحتد بصيرة المريض فى مرضه فيرى غائية (ومعنى، ولغة) المرض (وليس بالضرورة أسبابه) بدرجة أعمق مما يراها الطبيب (المعالج)، فينتبه المعالج إلى هذه الرؤية، ويحترمها، ويستفيد منها ويعدّل نفسه من خلالها .

الثانى: يأتى من احترام تقرير المريض عن نتائج العلاج أولا بأول، فيفسرها الطبيب/المعالج بما يعدّل موقفه ويحسنه (وإن كان هذا هو أقرب إلى النوع التالى: اشراف النتائج).

الثالث: حين تحتد بصيرة المريض فلا تتوقف عند رؤيته آليات ولغة مرضه وغائيته، وإنما تمتد إلى رؤية آليات (ميكانزمات) وصعوبات وأعماق (الطبيب / المعالج) ، فيعلنها (أو لا يعلنها) فيتعلم منها الطبيب ما يحفز ليس خبرته فحسب، بل نموه أيضا (3)

الرابع: حين يمارس المريض إعلان رأيه، وقد يلحقه بتوصية دالة وهادفة وصحيحة مثل الحالتين التاليتين كنموذج.

  • قال لى مريض أثناء محاولاتى دفعه على مسار خطوات نموه بما فى ذلك من مآزق وصعوبات تبدو أحيانا شبه مستحيلة (أو ربما طوبائية)، قال لى هذا المريض: “هو انت عايزنا نحقق لنفسنا اللى انت ما قدرتش تحققه بنفسك أو لنفسك”
  • نبهنى مريض آخر أننى لا أصلح لعلاجه، لأن رؤيتى –الناتجة من طول ممارستى غالبا– قد جعلت مساحة وعيى تتسع حتى تحتوى مساحة وعيه (وعى المريض) فهو –على حد قوله- لا يملك إزاء ذلك أن يتحرك معى داخل دائرة وعيى التى تحيط بوعيه تماما بما يترتب عليه من إبطاء حتى الشلل، وهذا يعوق نموه كما يعوق حركية علاجه، وقد طلب منى هذا المريض أن أحوله لطبيب أصغر تسمح دائرة وعيه أن تتداخل مع دائرة وعى المريض، فتتحرك الدائرتان تقارُبا وابتعادا بما يفيد الاثنين.

كان هذا الصديق (المريض!) يعمل مخرجا مبدعا، وراح يشرح لى ما يعنى فى صورة دوائر كما بالشكل الموضح:

وقد نبهنى الأخير إلى ضرورة ضبط جرعة حفز إيقاع النمو، وأيضا تعلمت منه أن فرط الرؤية من جانب المعالج، حتى وإن كانت هى الرؤية الصحيحة، قد لا يساعد حركية أو تلقائية المريض بالقدر الذى يفيد العلاج بمعنى النمو

خامساً: حين يتجاوز نمو المريض درجة نمو الطبيب، وهذا وارد ، لأسباب كثيرة ليس هنا مجال لذكرها تفصيلا، فى هذه الحالة، ومع افتراض مرونة الطبيب واستعداده للتعلم بشكل مباشر أو غير مباشر، قد يحفز نمو مثل هذا المريض الذى تجاوز مرحلة نمو طبيبه، قد يحفز الطبيب أن يلحق به، وقد يتجاوزه الطبيب بدوره معه، أو مع مريض آخر، ويضطرد التواصل والتجاوز مع مريض ثالث، وهكذا.

هذا المستوى بالذات يحتاج إلى تفصيل أذكر أننى شرحته شفاهيا مرات كثيرة أثناء الاشراف، ولست واثقا إن كنت أستطيع أن أضيفه كتابةً أم لا، وسوف أضرب مثلا مبسطا قد لا يقبله أكثر القراء، وبالذات من الأطباء.

مقدمة: لا يقاس النضج النفسى بالذكاء أو الشهادة أو بالموسوعية أو بالنجاح، ودعونا نختار بعدا واحدا وليكن تناسب الرؤية (البصيرة) مع الفعل ذى المعنى والهدف. (أو أى بعد تختاره مما تسمع أنه صفة من صفات النمو الذاتى مثل: تحمل الغموض، أو احتواء التناقض فى العلاقة بالآخر، أو ما ترى)

التوضيح: (4)

1) لنفترض أن مريضا يتمتع بدرجةٍ ما من درجات النمو فى أىٍّ من هذه الأبعاد، ولتكن ثلاث درجات (مجازا)

2) وأن طبيبا يتمتع فى نفس البعد (أربع درجات: (مجازا) بدرجة أعلى قليلا من مريضه

3) نستنتج أن هذا الطبيب يستطيع أن يعالج هذا المريض بكفاءه جيدة، وأن يأخذ بيده إلى قرب مستواه النمائى (نضج الطبيب) على الأقل.

4) ينجح الطبيب فى ذلك، لكن المريض (ربما يكون أصغر سنا أو أنشط حركية) قد يواصل نموه بعد فك الإعاقة (5)إلى ما بعد ذلك  فيصل إلى درجة أكثر نضجا مما وصل إليه الطبيب، ولا يزال الطبيب متوقفا عند درجه نموه.

5) على قدر درجة مرونة الطبيب وحركية إبداعه لذاته، قد يستوعب هذه النقلة، فيعيد النظر فى توقفه ويتعلم من مريضه، بل ويستهدى بخطاه (ليس بالضرورة على المستوى الشعورى) فتنشط حركية نموه إلى ان يبلغ درجة نمو مريضه، أو لعله يتخطاه، فيصبح أقدر على استيعاب ومساعدة من هم دون هذه الدرجة سواء كان هذا المريض أو غيره.

وهكذا .

كل أنواع الاشراف السابقة، وجهاد الطبيب على درب النمو، قد تساعد الطبيب على احترام هذا النوع من الإشراف (إشراف المريض)، وهو نوع يتضمن احترام خطى المريض ومسيرته، دون الإعلاء من سلبية المرض أو نكران أنه يمثل الهزيمة إن لم يتداولها بنصر نمائى حقيقى،

 كما أن هذه المسيرة “التتابعية” تتيح للطبيب أن تتسع دائرة دعيه، باضطراد ومن ثم أن تنمو قدراته على مساعدة مرضاه الأصعب فالأصعب، مع تطور نضجه الأكمل فالأكمل، من خلال ملاحقته لخطى مرضاه الأنشط فالأنشط.

سابعاً: إشراف النتائج Results Supervision

يتم هذا النوع من الإشراف من خلال كل أنواع الإشراف الأخرى بشكل أو بآخر،

 ذلك أن نتيجة العلاج، المقيـَّمة نوعيا بمحكات موضوعية ، والتى لا تقتصر على مجرد اختفاء الأعراض، تعتبر محكات هادية متصاعدة باستمرار.

 النتائج التى نعنيها قد تكون تحقيق الأهداف المتوسطة السلوكية الواقعية المتفق عليها عادة أولا بأول، كما قد تكون النتائج القصوى غير المحددة المعالم تماما، والتى ترتبط أساسا بإطلاق حركية النمو، واستعادة تنشيط الحياة بطزاجة واقية.

إن كل نشرات الإشراف التى عرضناها وسنعرضها فى الموقع، ثم هنا، كانت متضمِّـنة لهذا النوع من تقييم النتائج، الذى نستعمله كأهم أدوات الإشراف المستمر.

 النتائج بصفة عامة تشرف على أدائنا من منطلق ما يشبه “التغذية المرتجعة” (6)

لا يقتصر الإشراف الضمنى من واقع النتائج على النتائج الإيجابية، وإنما يشمل أيضا بعض النتائج السلبية المؤقتة التى قد تكون أقدر على تصحيح الخطأ من خلال أى من وسائل الإشراف السالفة الذكر،

 وبمناقشة النتائج أولا بأول: على مستوى المدرب الأكبر، أو الأقران، أو الشخص العادى، أو نقد الذات، أو التغير الناتج عن مواجهة النتائج الإيجابية أو السلبية ولو بنصف وعى، من خلال كل هذا نعتبر النتائج مشارِكة فى الإشراف (التعلّم المنظّم) بشكل أو بآخر.

ثامناً: إشراف الزمن والتاريخ (7)

أضفت هذا النوع من الإشراف لأسباب تتعلق بتطور النظريات عامة ونسخها أولا بأول، بل بتطور الأحياء، نظرا لما أنتمى إليه شخصيا عبر عقود (الإنسان والتطور!)

بالنسبة لموضوعنا الخاص هنا –الإشراف- يتعلق “اختبار الزمن” هذا أساسا بالمدارس النفسية، وبما توصى به من طرق علاج (نفسى) يستلهم قواعده وتفسيراته وتقنياته العلاجية، من هذه المدارس.

إن ما يسمى “اختبار الزمن”، هو نوع من الإشراف لا بد من وضعه فى الاعتبار، على المدى الطويل.

لا تظهر نظرية جديدة من عباءة نظرية قديمة إلا من خلال إشراف الزمن، وهذا يعنى هنا ضرورة النظر ببصيرة نقدية لجماع الممارسة التطبيقية لأية نظرية من النظريات النفسية، تم تطبيق تقنياتها العلاجية لعدد متزايد من السنين.

 إن كل من يسمون “الفرويديون المحدثون”، “واليونيجيون المحدثون”، وحتى تطورات حركات العلاج المعرفى المتتالية، هى النتاج الطبيعى لمثل هذا الإشراف.

إن إشراف الزمن، قادر على أن يفرز:

  • العملى من الطوبائى،
  • الصحيح من الزائف،
  • وما ينفع الناس من الزبد،
  • النظريات ألاكثر تلاؤما مع مسيرة الإنسان من النظريات الأخبث أهدافا .

إن هذا النوع من الإشراف هو نتاج جماع الممارسة على فترات زمن طويلة تتبع مبادئ تطورية هامة وبسيطة فى نفس الوقت: مثل

o   أن البقاء للأنفع،

o   وأنه لا يصح إلا الصحيح،

o  وأن كل ما، ومن، يدعم التكافل والتكامل بين الأحياء عامة ، وبين أفراد نوع بذاته، هو الأبقى والأصلح… إلخ.

وبعد

لعل فى ذلك الرد الكافى على كل من سأل عن هذه المستويات فى بريد الجمعة.

ملحوظة: سوف يصدر الكتاب العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه”

 خلال شهر على الأكثر وهو يناهز الخمسمائة صفحة، والفضل لهذه النشرات.

     الحمد لله.


[1] – أشهر مثل الاشراف الذاتى هو اشراف سيجموند فرويد على نفسه، بما فى ذلك تفسيره لأحلامه شخصيا، سواء المتعلقة بنموه الذاتى، أم بحالته.

ويمكن أن تسرى هذه القاعدة – بحذر شديد – على كل من تقدم فى هذه المهنة بشكل نافع له ولمرضاه دون أن تتاح له فرص الاشراف المنهجى المنظم.

[2] – أغلب تشكيلات هذا النوع تأتى من مرضى يعانون من مرض أعمق غوْراً (عقلى، ذهانى، جنونى أو كما تشاء).

[3] – ربما من هنا جاء تكرارى كيف أن مرضاى هم أساتذتى.

[4] – سأكتفى بكلمة طبيب دون إضافة معالج بينهما شرطه، وكل ما يسرى على الطبيب يسرى على معالج متدرب.

[5] – Unbloking

[6] – Feed-Back

[7] – Test of time

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *