الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الإدراك(97) تجليات الإدراك فى الحياة المعاصرة (4) علاقة الوجدان بالإدراك بالشعر (1 من 2)

الإدراك(97) تجليات الإدراك فى الحياة المعاصرة (4) علاقة الوجدان بالإدراك بالشعر (1 من 2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 10-12-2012

السنة السادسة7-9-2011

 العدد:  1928

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (136)

 الإدراك (97)

تجليات الإدراك فى الحياة المعاصرة (4)

علاقة الوجدان بالإدراك بالشعر (1 من 2)

ذكرت أمس كيف أن أ.د. صادق السامرائى هو الذى استدرجنى – استدرجنا- من خلال إبداعه وشعره ومعايشته مرضاه، مرضانا، إلى البحث فى علاقة الإدراك بالموت (الموت : ذلك الشعر الآخر، حسب “أدونيس”) والشعر والإبداع، وقبل أمس الأول:  فى مصادفة طيبة عثرت على لمحة من شيخى محفوظ، حين قرأت ما كتب فى تدريباته أن أغلب ما قرأ قد قرأه “بوجدانه(كما جاء فى نشرة يوم الخميس الماضى) فخصصت نشرة أمس لعلاقة الوجدان بالإدراك باعتباره هو هذا التلقى المبدع الذى أشار إليه محفوظ حين كتب هذه العبارة دون ذكر لفظ الإدراك طبعا.

هل يا ترى الإدراك هو الوجدان المعرفى؟ أو على الأقل: هل يتداخل ما هو إدراك مع ما هو وجدان حتى يثرى كل منهما الآخر؟ يجرنا هذا، أو هو يذكرنا بحديثنا عن كيف أن العواطف تقوم بمعالجة المعلومات Information processing بالتوازى مع التفكير والتكامل معه (نشرة: 6-3-2012، نشرة 7-3-2012 (، فهل يا ترى إذا استعملنا لفظ الوجدان كما ورد فى نشرة أمس، انطلاقا من لغتنا ، يكون هو اللفظ المناسب والأقدر على إثبات دور هذا الجانب الوجدانى/المعرفى فى إدراك ما يصل إلى مستويات الوعى البشرى عبر الحواس، ومتجاوزا إياها أيضا؟ الأرجح عندى أن الأمر كذلك انطلاقا من الخبرة العملية التى نتعلمها من مرضانا (راجع مريض فصامى لم ينفصم نشرة 3-6-2009، نشرة 2-6-2009) وأيضا بعد شرح ذلك بالتفصيل فى علاقته بمعالجة (اعتمال) المعلومات داخل ملف الإدراك: (نشرة 25/4/2012)، (نشرة 1/5/2012)، (نشرة 19/6/2012)

فى بداية رسالته بتاريخ 28/11/2012 ردا على تعقيب صاحب الفضل أ.د. جمال التركى على حوارنا (د. السامرائى وشخصى) حول الإدراك، وجه خطابه للزملاء أعضاء الشبكة العربية النفسية “شعن”، بدأ د. صادق ردّه على د. جمال وهو يعلن تردده وحرجه من خوض مسائل تبدو بعيدة عن بؤرة اهتمام معظم الزملاء فى الشبكة، وكأننا قد خرجنا عن مجال التخصص قال:

“….. أتررد فى التفاعل، لأننى لا أريد أن أثقل على زملائنا الأعزاء، فهذه موضوعات أخرى، منبثقة من تفاعلات يومية مع الإنسان الذى ييبثنا لواعجه، ويسكب ما فيه على مائدة محاولاتنا العلاجية لأوجاع روحه وعقله ونفسه، وما يليهما من التأوهات والإرهاصات التى نسميها مرضية”

فأتوقف مليا، وأوافقه ثم أسمح لنفسى بعدة ملاحظات:

أولا: وصلتنى موافقة مبدئية تدعم رأيى فى أن يكون انطلاقنا من واقع ممارستنا، وخاصة إذا كنا نرجو فى النهاية إلى نوع من التميّز أو الإضافة أو كليهما.

ثانياً: تأكدتْ لدىّ طبيعة الصعوبة التى تورطنا فيها ونحن نقحم ماليس طبا، وماليس علاجا، بل وماليس نفسيا!! (أو ما يبدو كذلك) على من قد “لا يهمه الأمر”، مع أنها ليست موضوعات “أخرى” تماما.

ثالثا: احترمت وقدرت كيف أن الدكتور السامرائى وهو بكل هذا الانتماء، وهذا الحس اللغوى العربى الأصيل الرصين، يواصل ممارسته الحيوية هكذا بكل هذا الإبداع بعيدا عن نبض مرضانا العرب ولغتهم، وثقافتهم، التى أعتبرها المنهل الأكثر تميزا، وبالتالى الأكثر إثراء لخبراتنا وتعرفنا على مهنتنا وطبيعتنا، برغم إقرارى أن الإنسان هو الإنسان فى كل زمان ومكان، وخاصة حين يتعرى بما يسمى مرضا ، يا لشجاعته ووحدته وفضل الشبكة (وجمال) علينا.

رابعا: فرحت بأننى وجدت زميلا تلميذا فى مدرسة المرضى، ونحن نتعلم منهم، ليس فقط لأنهم تعروا، ولكن لأنهم يضطرونا أن نتعرى على الأقل أمام أنفسنا ليتم “نقد النص البشرى” بقراءة نصين على الأقل، المريض والمعالج، وتتواصل المعرفة، الإدراكية أساسا، دون وصاية قامعة من أفكار ثابتة، أو رموز جافة مغرورة.

هذا وقد تناولت مسألة تعلمى من مرضاى، وانطلاقى من خبراتهم بالتفصيل فى مواقع أخرى، أكتفى هنا بالتذكرة بمأزقى وأنا أحاول أن أقاوم ما يتدفق علىّ ويبدو لأول وهلة بعيدا عن تخصصنا حين كتبت فى تصدير ديوانى “أغوار النفس” بالعامية المصرية مصورا هذا المأزق مايلى:

‏-1-‏

كل‏ ‏القلم‏ ‏ما‏ ‏اتقصف‏ ‏يطلعْ‏ لُـه‏ ‏سِنّ‏ ‏جديدْ‏،‏

‏”‏وايش‏ ‏تعمل‏ ‏الكـلْمـَهْ ‏يَابَـا‏، ‏والقدَرْ‏ ‏مواعيد‏ْْ؟

خلق‏ ‏القلمْ‏ ‏مِالعَدَمْ‏ ‏أوراقْ‏، ‏وِ‏.. ‏مَــلاَهَا‏،‏

وانْ‏ ‏كان‏ ‏عاجبْنٍى ‏وَجَبْ‏، ‏

‏ ‏ولاّ‏ ‏أتنّـى ‏بعيدْ‏.‏

-2-

بصرَاحَـةْ‏ ‏انا‏ ‏خفْتْ.‏

‏ ‏خفتْ‏ ‏منهمْ‏، ‏خفتْ ‏”‏منى‏”، ….‏ خفت‏ ‏منّــا‏.‏

خفتِ ‏مالطوبِ‏، ‏والطماطم‏، ‏والملاَم‏ْْ ‏والتريقهْ‏،‏

خفت‏ ‏مالبيض‏ ‏الممشِّــش‏ْْ، ‏والنكتْ‏، ‏والبحلقهْ‏.

-3-

قلت‏ ‏انـَا‏ ‏مشْ‏ ‏قدّ‏ ‏قـَلـَـمِى‏.‏

قلت‏ ‏انا‏ ‏يكفينىِ ‏أَلـَمـِى‏.‏

قلت‏ ‏أنا‏ ‏ما‏ ‏لى، ‏أنا‏ ‏اسـْترزَقْ‏ ‏واعيشْ‏،‏

والهرب‏ْْ ‏فى ‏الأسْـَتـذَةْ‏ ‏زيّـُــهْ‏ ‏مافــيش‏ْْ،‏

والمراكزْ‏، ‏والجوايزْ‏، ‏والـَّذى ‏ما‏ ‏بـْيـنِـْتـهيشْ

قلت‏ ‏اخبِّى ‏نفسى ‏جُـوَّا‏ ‏كامْ‏ ‏كتابْ‏.‏

قلت‏ ‏أشـْغـِـلْ‏ ‏روحى ‏بالقولْ‏ ‏والحساب‏ْْ.‏

والمقابلاتْ‏، ‏والمجالسْ

والجماعةْ‏ ‏مخلَّصـِينـْلـَكْ‏ ‏كل‏ ‏حاجـَة‏ْْ. ‏أَيْـوَهْ‏ ‏خـَالـِص‏ْْ. ‏

‏ ‏بس‏ ‏بـَرْضـَك‏ ‏وانت‏ “‏جالسْ‏”.‏

-4- ‏

قلت‏ ‏أرسمْ‏ ‏نفسـِى ‏واتْـدَكْـتَـرْ‏ ‏وارُصّ‏.‏

قلت‏ ‏أتـفـرَّجْ‏ ‏وِ‏ ‏أَتـْفلسـِـفْ‏ ‏وابــُص‏ْْ.‏

بس‏ ‏يا‏ ‏عالم‏ْْ ‏دا‏ ‏دمْ‏ ‏ولحم‏ ‏حىْ‏.‏

أستخبّى ‏مــنــُّـه‏ ‏فينْ‏ ‏؟ 

‏-5-‏

المريض‏ ‏ورّانى ‏نفسي

المريض‏ ‏خلاّنى ‏أتـْلـَمـْلمْ‏ ‏وافَـكـَّـرْ‏.‏

المريض‏ ‏عـَدِّلـِّى ‏مـُخـِّى،‏

نضَّفُهْ‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏واغشْ‏، ‏كانوا‏ ‏فارضينُهْ‏ ‏عليهْ‏.‏

من‏ ‏ملاعيب‏ ‏اللى ‏بايع‏ ‏ذمته‏ ‏بـْمعَـَرفـِشى ‏إيـِهْ‏.‏

من‏ ‏شوية‏ ‏آلاتـِـيـَّة‏، ‏والعَـشـَا‏ ‏الـْ‏ “‏أوبـنْ‏ ‏بـُوِفـِيهْ‏”.‏

-6-‏

ييجى ‏صاحْبَك‏ “‏مَـلْط‏” ‏إلا‏ ‏مالْـحـقيقهْ‏،‏ّ

ييجى ‏يزقُـلُها‏ ‏فى ‏وشى ‏واللى عاجبُهْ‏.‏

الأصول‏ ‏إنى ‏أعالجـه‏،

 ‏واكفى ‏ماجور‏ ‏عالخــبـر‏”.‏

‏”‏بكره‏ ‏يعقل‏! ‏بالدواء‏ٍِ ‏الـمـُعتبرْ‏”.‏

بس‏ ‏والله‏ ‏يا‏ ‏عالَــمْ‏ ‏لمْ‏ ‏قِــدِرت‏.‏

لَـمْ‏ ‏قِدِرت‏ ‏آعمَى ‏بْـنَوَاضْرى،‏

حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏العمى ‏دا‏”‏رَأْسـمـَاَلكْ‏”، ‏

أو‏ ‏كما‏ ‏سـَمـُوهْ‏ ‏حديثا‏ “‏مَـشـِّـى ‏حـَاَلكْ‏”،‏

يعنى “‏طـَنّشْ‏، ‏إنتَ‏ ‏مالـَك‏”.ْ‏

‏-7-‏

قلت‏: ‏إعْقَل‏ ‏يا‏ ‏ابْن‏ ‏نـَفـْسِي‏.‏

قلت‏: ‏حاسِبْ‏ ‏ما‏ ‏الـْفـَضـَايحْ‏ ‏والجُرَسْ‏.‏

قلت‏ ‏إدّيها‏ ‏عمَى ‏حيسِى، ‏وزوّد‏ ‏فى ‏الحَرَسْ‏.‏

نط‏ّّ ‏غَـصـْبـِن‏ ‏عنـِّى، ‏ورّانى ‏إنّـى ‏هوّه‏.‏

‏ ‏بس‏ ‏جـــُوّهْ‏ ! ! !‏

قلت‏ ‏أَخطف‏ ‏نظره‏ ‏عالماشى ‏واغَمَّضْ‏ ‏مِن‏ ‏جديد‏،‏

هّيه‏ ‏نظره‏ -‏ واللىّ ‏خَلَقَكْ‏- ‏لم‏ ‏تَنِيـتْها

ثم يقول الدكتور السامرائى:

“….وعندما تيقنت بأنى أتخاطب مع الذى يرى، بدأت، حتى صار من الصعب لجم الأفكارالمتدفقة عن الجريان فى نهر السطور، وشعاب الحوار الإشراقى الوهّأج”

فأقول له، أو أتساءل معه: هل نحن بذلك “نتجاوز حدود الاختصاص فعلا ” كما ذكرت؟ أم أن هذا هو أصل الاختصاص، وخاصة من منطلق لغتنا وثقافتنا؟ ألستَ تأمل معى أن يكون فيما عمله الأخ الجميل جمال التركى فرصة حقيقية لتوسيع مناهل الاختصاص من كل أصول ما نملك بدءا باللغة، ثم بحوار الإيمان فى محيط اليقين بالغيب إلى وجه الحق سبحانه، ومن ذلك فتح ملفات مثل ملف الإدراك؟ من حضرنا يا دكتور صادق، فأهلا به، ومن رفضنا فحجته معه، لكننى مصر على أن ما نفعله ونستكشفه، فى مجالىْ الإدراك والوجدان مثلا، هو من صلب تخصصنا ما دمنا نحترم تخصصنا، ونحترم مرضانا، ونتعلم منهم، لننطلق إلى العالم الذى ينتظر مشاركتنا، أكثر مما ينتظر تبعيتنا مهما سعى إليها، بل مهما رسم لها، وتآمر لتحقيقها، دعنا يا أخى نتميز ونضيف ونحن على يقين من أن إضافتنا يمكن أن تضىء ظلام من لا يرجو منا، ولنا، إلا أن نكون مقلدين مطيعين، أما إذا اقتصر إبداعنا على أن نتميز “لنكون!!” نحن الأفضل فقط، فهذه بضاعة مستورده، نحن نتميز لنصير إليهم، وإلينا، فإلى وجه الحق سبحانه وتعالى، والخيّرون منهم يفعلون مثلما نرجو أن نفعل، فنحن مسئولون عن بعضنا البعض عبر العالم، أمام رب العالمين.

ثم أخيرا استسمحك أن أضع قصيدتك فى موقعى ملحقة بما قفز لى من سابق ما غمرنى من شعر متواضع، لعلنا نلتقى دون شرح أو تأويل. وهذا هو الرابط ، يزوره من شاء بمحض إرادته فلا نثقل على الزملاء حسب توصيتك وعلى من يدخل بالرابط أن يستطيع معنا صبرا كما علّمتنى.

وحتى نلتقى الأسبوع القادم، نكمل البحث فى علاقة الإدراك بالشعر، بالموت، دعنا نواصل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *