نشرت فى جريدة الأخبار
24/9/1980
الأمن النفسى .. والغذائى .. والإسكانى
لابد أن اعترف ابتداء أنى لا أحين الحديث عن حل المشاكل اليومية الحادة، ربما لأنى من الفئه التى يدها فى الماء لا فى النار، وربما لأن تركيزى منذ أمسكت بالقلم أخاطب من خلاله الرجل العام هو تناول مشاكل عصرنا الإغترابية الجوهرية، والتنبيه إلى موقعنا منها ومدى إمكان مساهمتنا فى مواجهتها والإنتصار أمام تحدياتها من خلال التعمق فى كل قيمة، والتعلم من أخطاء سابقينا حتى لو بدوا أكثر تقدما، وكذلك محاولة إبعاد الصراع الجارى من خلال وحدة زمنية أكبر من سرعة إيقاع الصحف اليومية والبيانات الرسمية .
إلا أن ما يجرى متلاحقا لا يسمح لأى مواطن أن يستمر مستقرا فى منطقة اهتمامه الخاص مهما كانت جادة أو جوهرية، بل لابد وأن ينتزعه انتزاعا ويلزمه أن يدلى برأيه، وأبدا هذا الحديث بضرورة التنبيه على الأثر النفسى لأى قرار، وما أعنيه بالأث النفسى هنا ليس هو المألوف عن قياس الرأى العم أو مدى اثارة الحماس، ولكن أعنى ما يتعلق مباشرة بتوازن عامة الناس توازنا ذا فاعلية، ومدى تأثير ذلك على خطوط المواصلات بين القاعدة والقيادة، وكذلك – وهو الأهم – على مسيرة المشاركة والإنتاج .
وقد دعانى لطرق هذا الباب أمران هما قرار اللحمة ثم ما طالعته من بعض بنود مشروع الإسكان الجديد، وهما مطروحان هنا كمثالين ليس إلا.
اللحمة والثقة
قد يكون لقرار اللحوم هذا ايجابياته التى تحدث عنها الجميع مثل الهجوم المباشر على جذور المشكلة والتفاهم المأمول بين القاعدة والقيادة، كما قد تكون له سلبياته التى أشار إليها المخلصون من ارتفاع أثمان البدائل وغير البدائل ثم منفذ التحيل والإستغلال لبعض المستفيدين فى الزحمة كما يقول مثلنا الشعبى نطرت على بتاع الملح غنى بتاع القلقاس، .. وقال: أهى جت على ناس ناس .
لكن الخطر الأعظم يكمن فى مضاعفات التلويح بالأمل ثم الإحباط، كما يأتى من أحتمال قصر نظر التخطيط السريع رغم توافر حسن النيه، فالناس جميعا ينتظرون أكثر مما تسمح به الحسابات والإمكانيات الإقتصادية المتاحة فإذا ما أحبطوا – فإن الشرخ النفسى بين القاعدة والحكومة سيكون شديد الإتساع مهما كانت حسن نية رجال التخطيط وحماس رجال الإعلام، ( كممكنة من كفها ضر حالب .. ودافقة من بعد ذلك ما حلب).
الزيادة الدورية
نقل العلاوة الدورية لأصحاب البيوت فى مشروع الإسكان الجديد:
أما المثال الثانى فهو ما ورد فى مشروع الإسكان الجديد الذى ينص على زيادة دورية مئوية لايجارات المساكن القديمة (الثابتة منذ أيام الملك فاروق ووالده)، وقد يكون فى ذلك ما يشبه الرشاوى العادلة لأصحاب البيوت القديمة الذين إذا ما نظروا حولهم وجد أى منهم أن ايراد منزله لا يساوى ايجار حجرة واحدة فى عمارة جديدة، إلا أن هذا المواطن المسكين (ش) قد رضى بما كان واستقر عليه منذ عشرات السنين ومهما زادت نسبة الزيادة فهى لا تدفعه أو تمكنه من إعادة تجربة البناء ليساهم فى حل مشكلة الإسكان، فتاريخه النفسى والفعلى مع عمارته الأثرية يسمحان بمثل هذا، وقروش الزيادة لا تسمح بداهة، أما ما سيترتب على ذلك فهو أخطر الخطر إذ أن هذا القرار سيمس مباشرة الفئة الأولى بالرعاية المكثفة من محدودى الدخل من الشريحة المرهقة فى الطبقة المتوسطة، وسوف يترجم الموظف مثلا هذا القرار – ببساطة إلى أن العلاوة الدورية ستذهب إلى صاحب التيت وهو (الموظف) أولى بالعدل منه، وإذا كانت الحكومة قد صعب عليها أصحاب البيوت – وبعضهم يصعب على الكافر – فلتعفه من العوائد أو ما إليه (هكذا لسان حلا الساكم)، ومهما قيل أن الزيادة ستتوقف بعد عشر سنوات ف حلني، ثم من يدرى متى فتح باب ظل مغلقا عشرات السنين من يدرى متى سيقفل حتى لو بذلت الوعود ما دام س كل شئ فابلا للتغيير، لا سيما والأسعار والزيادات فيهاتكتب تصعيدا ذاتيا بالقصور الذاتى مثل الحرب .. وتضرى اذا اضربتموها فتضرم اذن، فهذا قانون خطر على الأمن النفسى وعلى ثقة المواطن بما يجرى .
زيادة الإنتاج ..
فلابد من الإشارة قبل ختام هذا الحديث الى النصح بالحد من سرعة تغيير القوانين ولهاث القرارات بشكل لا يسمح لأى فرد بالإستقرار حتى على الوضع السئ ليبدأ منه تكيفه واعادة حساباته لإصلاح شئونه بالجهود الذاتية !!
وغنى عن الذكر أن الحل الحقيقى الذى يعرفه الجميع هو زيادة الإنتاج، وهو حل لا يأتى بقرار حسن النيه أو تخطيط أمل فحسب بل يحتاج أن يستوعبه المواطن العادى وأن يشارك فيه بتلقائية وثقة تنبع من احساسه أن أهل الرأى والسلطة يحترمون عقله ويحرصون على استقراره فيخففون من جرعة اصدار القوانين تلو القوانين ومن بذل الوعود بما لا يكون .
وفى تصورى مثلا أن شبكة من الطرق تبلغ خمسة أضعاف ما هو موجود حاليا سوف تفجر أبار بترول السياحة بما يحل الكثير من المشاكل بل أنى أحيانا – وليس لى أن افتى بل لعلى أحلم – أتصور أن حل أزمة الإسكان هو فى ثورة المواصلات أساسا، بل لعل بعض حل مشكلة البروتينات تكون فى المواصلات بالنقل السريع من المصايد ومراكز الإنتاج – ومن خلال الجدية طويلة المدى ومهما طال الإنتظار فسوف تمهد الطرق نحو الإسهام الحقيقى من كل مواطن لا فى مسيرة مجتمعه فحسب بل فى مسيرة العالم الأحوج ما يكون الى من مثلنا تاريخا وأملا .
وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر .