الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى العلاج الجمعى (3) (فى البحث العلمى والعلاج الجمعى)

الأساس فى العلاج الجمعى (3) (فى البحث العلمى والعلاج الجمعى)

نشرة “الإنسان والتطور”

الاثنين: 11-2-2013

السنة السادسة4-2-2013_1

العدد: 1984

كتاب:

الأساس فى العلاج الجمعى (3)

من منظور ثقافة مصرية عربية

(فى البحث العلمى والعلاج الجمعى)

1- اختيار البحث

2- تاريخ التجربة وجذورها

3- ……

4-……

……

… وأذكر أن هذه المجموعة الصغيرة، مجموعة المواجهة التدريبية، قد أدت هذا الدور بنجاح شريف، وطمأنتنى – ولو بطريق غير مباشر – أنى لست وحدى، وأن حدسى هذا (1)ليس بعيداً عن الواقع تماماً، وتطور الموقف بعد ذلك تطوراً مهما وخطيراً فى نفس الوقت.. وقابلنا من المضاعفات إذ نواجه داخلنا ما قابلنا، حتى انتبهنا بأمانة منذ ذلك الحين إلى أن جرعة الرؤية دائماً، ومهما كانت نوعية المغامر، هى أكبر من احتمال الواقع المرحلى..، وتحملنا المصاعب فى صبر وشجاعة وتصميم، ونبع دور القائد تلقائيا من مواقع تفاعلات المجموعة، فكنُت هذا القائد.. فزادت الأمور تعقيداً.. ثم مرت الخبرة بسلام نسبى رغم كل شئ وتوقفت المحاولة.

وهنا أقف وقفة واضحة مع القارئ ومع نفسى لأكرر أنى لن أعرج إلى هذه التجارب الخاصة فى هذه التجربة وما يليها بالتفصيل .. لأنها لا تخصنى وحدى، وأفرادها لهم عندى مكانة الاحترام والحب والامتنان بحيث لا أسمح لنفسى بأن أتعرض بالحكم على أى منهم لأى سبب كان، أما بالنسبة لشخصى فالأمر له وجهان:

الأول: أنه لا يمكن أن أتكلم عن شخصى دون أن أتكلم عن هؤلاء الأصدقاء والأحباب، لأنى لم أمر بالتجربة وحيداً فى الصحراء، أو فى حجرة مغلقة.

والثانى: أن مارأيته فى نفسى ولنفسى أكبر من استيعاب أى قارئ أحاول أن أحقق معه لغة مشتركة، الأمر الذى جعلنى أشك فى أى سيرة ذاتية ، إذا أنها لا يمكن أن تعرض حتى الجزء المتاح لصاحبها .. وقد فهمت من خلال ذلك معنى أن “علوم المكاشفة” لم يصرح لهم (بعض الصوفية مثل إمامنا الغزالى) بالحديث عنها، فواقع الأمر من خلال خبرتى هذه (وهى ليست صوفية أصلاً حتى لا تختلط الأمور .. ولكنها علاجية علمية مباشرة) أن المكاشفة – كما عرفتها – لا تعنى الكشف الصوفى فحسب، ولكنها قد تعنى اكتشاف النفس ايضا .. وقبلاً، ولعلهما واحد فى النهاية، فمن عرف نفسه فقد عرف الله، وهى خبرة لم يصرح لهم بالحديث عنها … لأنها لا يمكن الحديث عنها من خلال لغة مشتركة، وبالتالى فبدون هذه اللغة المشتركة .. فلا قيمة للحديث ولا للكتابة… ولا للوصف، ويراودنى احتجاج داخلى بأنى لو “ذهبت” قبل أن أحكيها فإنى خائن لأمانة أثقل .. هى أمانة ما أتيح لى من فرصة المعرفة الأعمق..، لأن الحقيقة ليست ملكا لرائيها، إلا إن كان منعزلا غير مسئول .. وأعود فى صبر لأقرر أن أكتبها ولا أنشرها أبداً فى حياتى وحياتهم، ولأتركها للتاريخ فى مكان أمين، فإذا ذهبت شخوصها بعد ردح من الزمن، وإذا وجدها من يمكنه أن يستفيد منها أو يفيد بها.. فهى له .. وقتما ظهر، أينما كان، ولعل الوقت يسمح بأن تكون اللغة السائدة حينذاك قد اقتربت منها فأصبحت المشاركة ممكنة.

(10/2/2013)

*..ثم يبدو أنه قد حان الوقت والتاريخ لتسجيل بعض هذه الخبرة بشكل مواز لا يقترب من أى فرد من أفرادها بشكل مباشر، وإنما يكتفى بشرح  العلاقات البشرية والسيكوباثولوجى فى الحياة اليومية  من واقع الممارسة الحقيقية والموازية والخبراتية جميعا، وقد ظهر ذلك بشكل إبداعى أولا شعرا بالعامية: “ديوان أغور النفس”، ثم فى صورته العلمية ثانيا باسم فى “فقه العلاقات البشرية”: دراسة فى علم السيكوباثولوجى (2)”  أى الكتاب الثانى،  وهو الذى نشر مسلسلا فى نشرات متلاحقة من نشرة 10/6/2009 إلى نشرة 15/9/2010 فى 628 من القطع الكبير A 4  . كما أن الجزء الثانى من ثلاثيتى الروائية “المشى على الصراط”، باسم مدرسة العراة، كان من وحى هذه التجربة أيضا.

بصراحة أنا أعتبر أن هذا العمل (فقه العلاقات البشرية/ أغوار النفس) هو جزء لا يتجزأ مما أريد توصيله عن العلاج الجمعى، لكن بما أن هذه المجموعة لم تكن مجموعة مرضية أصلا، وكذلك نظرا للتحفظات السابق ذكرها، فإن كل ما أستطيع أن أصرح به مباشرة هو عن شخصى، وهو ما جاء فى نشرات “فقه العلاقات البشرية (المتن والشرح معا):

* نشرة المعلم (1) –  نشرة المعلم (2) –  نشرة المعلم (3)نشرة المعلم (4) –  نشرة المعلم (5) –  نشرة المعلم (6) –  نشرة المعلم (7)نشرة المعلم (8).

* نشرة جمل المحامل (1) –  نشرة جمل المحامل (2)نشرة جمل المحامل (3).

*  نشرة الخلاص (1) –  نشرة الخلاص (2) –  نشرة الخلاص (3).

ثم نعود إلى متن الكتيب الحالى:

…. أرجع بعد هذا الاستطراد إلى تطور نشأة هذا النوع من العلاج من خلال التجربة الشخصية، حين حضر صديق قديم بعد ذلك عائدا من أمريكا – هو الأستاذ الدكتور محمد شعلان – محمّلا بكل العلم والخبرة والأمانة، والتجارب التى حاول خوضها، عاد الشوق إلى البحث فى داخله ليس أقل من البحث فى خارجه، وقد عاد بناء على رغبته وإلحاحى معاً، وبدأت تجاربه فى عناده الهادئ فى ممارسة العلاج الجمعى فى القصر العينى .. وقوبل بالمقاومة المتوقعة، وحضرت معه بضعة مرات .. وقارنت بين ما يفعله وما مررت به من خبرة شخصية، والتقت احتياجاتنا ببعضنا البعض، ثم اتّسعت الدائرة لتشمل شركاء التجربة الأولى، ولتمتد إلى بعض الأصدقاء من الناشئين فى مهنتنا وغيرهم، لتتكون :مجموعة خاصة” تماماً، نمشى من خلالها على الصراط، نقع مراراً ونقوم أحياناً .. نخوض النار ونلمح الجنة .. وتنتهى هذه التجربة بكل ما لها وما عليها لتختفى فى دائرة المحظور الذى أشرت إليه فى الفقرة السابقة .. وللأسباب التى عددتها .. ……، وأكتفى بهذا القدر من التلميح عن التجارب الشخصية، ولكنى أقف وقفة واضحة حتى لا أدع لخيال القارئ أن يتصور ما ليس بحقيقة، فأقول إن كل ما أشرت إليه من مضاعفات وآلام وخبرات ومنافع – من وجهة نظرى على الأقل – ليس فيه سر يشين، ولا هو بعيد عن التجارب العلمية الصادقة فى أى موقع علنى فى العالم المعاصر، ولولا احترامى للمشتركين فيها، واعترافى بالجميل والامتنان لهم، وبالتالى ضرورة استئذانهم، لكان فى وصف هذه التجارب شرف أى شرف لكل من ساهم فيها مهما انتهى إليه اختياره.

ثم أعود لاؤكد هذه الحقيقة وهى أنه: “لولا هاتين التجربتين الشخصيتين المتلاحقتين اللتين خضتهما بكل ما حملت من رغبة فى المعرفة، وإصرار على المخاطرة واحتياج شخصى لما أمكن أن تكون ثمة “طريقة جديدة” فى العلاج الجمعى، ولما أمكن أن يتم هذا البحث فى “اتجاه مصرى” .. إلخ…، وهكذا أخلص من هذه النقطة إلى القول بأن: الخبرة الشخصية والتكوين الشخصى والمخاطرة الشخصية لهم أبلغ الأثر فى انتقاء نوع العلاج الذى يمارسه أى معالج دون سواه، وفى تحديد هدفه ووسيلته جميعاً.

ثانيا: الخبرة الطويلة فى العلاج النفسى الفردى

أما البعد الثانى الذى ينبغى أن أشير إليه فى وصف نشأة هذا العلاج قيد البحث فهو ما سبقه من ممارسات علاجية عموما، فقد ظللت منذ اختيارى هذه المهنة أقرنها مباشرة بالعلاج النفسى، لأنه بدون العلاج النفسى لا ينبغى أن نتكلم عن الطب النفسى، والعلاج النفسى (الذى هو تغيير سلوك المريض إلى أحسن من خلال علاقة نفسية بينه وبين المعالج) هو فى عمقه صراع (حوار) بيولوجى بين نشاط مخ إنسان ذى خبرة ونشاط مخ إنسان فى محنة (2)، وبالتالى فإن كل ما يتعلق بنشاط المخ من كيمياء وكهرباء وبيئة محيطة هو داخل ضمن العلاج النفسى،..، أقول إذن: أنه بدون هذا المفهوم الأشمل للعلاج النفسى، كان لزاماً علىّ أن أبحث عن مهنة أخرى، أو على الأقل أن أدرج نشاطى المهنى تحت لافتة أخرى، وقد مارست العلاج النفسى الفردى طوال ستة عشر عاما (منذ 1958 وحتى 1976) ، وكنت أتبع فيه كل ما علمته وقرأته وسمعت عنه .. بالإضافة إلى التجربة والخطأ، وما علمنى إياه المرضى أساتذتى العظام . وكنت – بداهة – أشعر بالنقص وأتصور أنه كان لزاماً على ّ أن أتبع طريق التلمذة والتحليل التدريبى فى الخارج .. الأمر الذى لم يتح لى فعلا وواقعاً، وكنت أُرجع فشلى مع بعض الحالات أحياناً إلى نقص خبرتى التى تعيننى عليها قراءاتى الخفيفة ومثابرتى الطويلة (التى وصلت إلى سبع ساعات متصلة يومياً فى هذا النوع من العلاج خاصة) ….، إلا أنى كنت أصبّر نفسى أن فرويد نفسه قد خاض هذه المحاولة ابتداء من واقع نفسه وتجاربه دون تدريب سابق،  وأننى أسلك نفس السبيل بميزة إضافية وهى أن التجارب الأخرى مكتوبة فى متناول يدى، وقد أفادنى هذا الشعور بالنقص – بقدر ما عوقنى – فكان دائما يمنع غرورى، ويحد من غلوائى، ويهدئ خطواتى..، وحين كان يعود من الخارج أى ممن أتيحت له فرصة التدريب فى الخارج وأحاوره، أو حين كنت أناقش أستاذى الدكتور عبد العزيز عسكر (وهو قد تدرب ايضا فى الخارج) كنت ازداد ثقة بما أفعل، وحين سافرت فى مهمتى العلمية إلى باريس وشاهدت بعض جلسات العلاج النفسى (مع أنها كانت أساسا للأطفال) عبر الدوائر التليفزيونية (الأستاذ ليبوفيسى، وديادكين) تيقنت أنى على الطريق السليم .. وأن الوعى والمثابرة والمسئولية والتعلم من الخبرة السابقة هى الأسس الضرورية فى العلاج النفسى الفردى – فى بيئتنا هذه – بما لها من معالم خاصة أورد أهمها :

أولا: أنى جربت كل الطرق المعروفة تقريباً من أول الاستلقاء على الحشية والتداعى الحر إلى المواجهة وجهاً لوجه والعلاج التفسيرى المباشر والمنطقى.

ثانيا: أنى مارست هذا العلاج مع كل أنواع الحالات من أول الهستيريا التحولية التى ينتهى الإيحاء فيها فى جلسة أو اثنتين ليبدأ بعد ذلك علاج أعمق، أو لا يبدأ..، إلى العلاج المكثف للفصام الذى استمرت إحدى حالاته معى ثلاثة عشر سنة تماما، كنت أرى صاحبها فيها كل يوم تقريباً .. وأغوص معه إلى أعمق طبقات الوجود.

ثالثا: أن طول ممارستى لهذا العلاج مع ندرة سفرى وندرة انقطاعى عن العمل، أتاح لى فرصة التتبع الطويل للحالات المستمرة فيه، وكذا للحالات التى انقطعت عنه.

وقد خلصتُ من تجربتى الطويلة هذه إلى أن هذا العلاج الفردى هادف وضرورى لتكوين المعالج النفسى، وأنه لا غنى عنه، بل – وقد قررت ذلك بعد أن مارست العلاج الجمعى – أنه مرحلة لازمة لكل معالج قبل أن ينتقل للعلاج الجمعى ، ناهيك عن التفرغ له، كما خرجت ايضا من الخبرة الطويلة مع الذهانيين عامة والفصاميين خاصة، والصديق الفصامى (صاحبى فى الثلاثة عشر سنة سالفة الذكر) بوجه أشد خصوصية،.. خرجت من كل هذا بمعرفة عن أعماق النفس الإنسانية فى أزمة وجودها، بما هيأ لى فيما بعد أن أمارس العلاج الجمعى فى سهولة أكبر وتقييم أعمق من خلال معرفتى أغوار النفس حتى سر الجنون.

ولكنى لم أكن قادراً على تقييم حقيقة نتائج العلاج الفردى، وخاصة تلك التى استمرت عدة سنوات، فقد تصورت حينذاك أنى توصلت مع المريض – منهم – إلى درجات رائعة من الوعى والصحة والتوازن، ولكنى تعلمت فيما بعد – من خلال هؤلاء الأفراد الذين انتقلوا معى من العلاج الفردى إلى العلاج الجمعى أننا كنا فى خدعة لفظية اغترابية سطحية فى كثير من الأحيان، وقد قام العلاج الجمعى فى هذا بعمل بوتقة الاختبار الموضوعة على النار والتى تضع فيها المعدن المراد تقييمه فإما يزداد صلابة لأصالته أو أن يتفحم ويتناثر، وللأسف فإن كثيراً ممن “أتم” علاجه الفردى لم يحتمل اختبار المواجهة فى العلاج الجمعى، حتى عدلت عن قياسهم بمقياس مدى استيعابهم للنقلة من العلاج الفردى إلى العلاج الجمعى إلا إذا دعت الضرورة، والحق أقول أن هذه الخبرة كانت صدمة لى، تكاد تصرخ فى وجهى:” إذن .. ماذا كنت تعمل طوال هذه السنوات؟”، وامتد اختبار البوتقة (العلاج الجمعى) ليكشف حقيقة توازن من حضر علاجاً فردياً حتى عند غيرى من الزملاء لمدد طويلة، بل إنى لا أذيع سراً إذا قلت أن بعض المعالجين الفرديين لم يتحمل رؤية ما يجرى فضلا عن المشاركة فيه، وكان كل هذا الانزعاج والهرب دليلا على الطبيعة المختلفة للعلاج الجمعى وعلى درجة عمقه معاً، بل إن الانزعاج والهرب كانا أكبر فى أولئك المرضى الذين كانت لهم خبرة سابقة فى العلاج الفردى عنه فى أولئك الذين يدخلون إلى العلاج الجمعى مباشرة، وكأن العلاج الفردى – بشكل أو بآخر – قد يبعد الفرد عن نفسه أكثر مما تفعل الحياة العادية .. ولكنى لم أتمادَ فى هذا التصور، لأن الحالات التى دخلت اختبار البوتقة قليلة، ومشكوك فى صلابتها ابتداء، ولم يدفعنى كل هذا إلى أن أفقد الثقة تماماً بالعلاج الفردى لصالح العلاجى الجمعى، بل تيقنت أنهما علاجان مختلفان.. وأنه لكل دوره، وقد خطر ببالى أن هذه المدة التى قضيتها فى العلاج الفردى قبل أن أواجه حقيقته وحقيقتى وهى حوالى الخمسة عشر عاماً، هى قربية من المدة التى سمحت لأى جديد بالظهور فى مجالنا هذا وخاصة من بدأ حياته بممارسة التحليل النفسى على نفسه وآخرين (3)

خلاصة القول: أن هذه الفترة التى قضيتها أمارس العلاج الفردى كانت ثروة حقيقية أدت ثلاث وظائف على الأقل.

 الأولى: معرفتى للنفس الإنسانية فى أعمق مستويات مأساة وجودها وخاصة من خلال علاج الفصاميين.

الثانية: إيمانى بضرورة وجدوى هذا العلاج الفردى  كمرحلة وكبديل يحتاجه الكثيرون (بعكس بيرلز الذى اعتبره غير ذى موضوع حتى وصف التداعى الحر بالتناثر الفصامى)

والثالثة: فشلى فى الاستمرار فيه – شخصياً – وتطورى من خلاله إلى هذا العلاج الجمعى موضوع البحث.

أما بداية ممارستى المهنية للعلاج الجمعى فقد واكبت تجاربى الشخصية سالفة الذكر كما واكبت بعض بقايا حالات العلاج الفردى وكانت التجارب الأولى للعلاج الجمعى ثلاثة:

الأولى: بالمشاركة فى (وأحيانا قيادة) جلسات جماعية فى مستشفى دار المقطم للصحة النفسية حيث يحضر عدد يتراوح بين 15، 20 فرداً، مع خمسة  إلى ثمانية من هيئة العلاج والمتدربين، وهو يجرى يومياً، وكنت أحضره مرة أسبوعياً، وكان النقاش عقب كل جلسة مثرياً ومفسراً ونافعاً لى وللمتدربين معاً، ولكنه كان ذا طبيعة موقوتة بفترة تواجد المريض فى المستشفى، وبالرغم من ذلك فإن نتائجه كانت مشجعة وأحياناً رائعة.

الثانية: بعض المحاولات السابقة لهذه المحاولة قيد البحث، فى عيادتى الخاصة والتى كانت أساساً ليست إلا تجميعاً لأفراد كانوا يحضرون معى العلاج الفردى مع بعض المتدربين، والتى أشرت إلى أن أغلبهم لم يتموا جرعة العمق التى يحملها العلاج الجمعى بالمقارنة بالعلاج الفردى.

الثالثة: محاولة أصيلة لبعض المتطوعين (ليسو مرضى .. أو لم يعلنوا مرضهم) من طلبة كلية طب القصر العينى، وأغلبهم ذوو ميول يسارية أو ثورية أو شبه ثورية، وكانت هذه الخبرة علنية، يأتى ليشاهدها من يشاء من الطلبة والأطباء حيث تجرى فى العيادة الخارجية للقصر العينى، وقد افادتنى هذه المحاولة تماما، إذ كانت تحمل من التحدى والعمق ما كان يحرجنى ويضطرنى إلى اكتشاف طبقات أعمق فى نفسى، أكثر من العلاقة مع المرضى الذين “يدفعون” فى عيادة خاصة، .. وقد استمرت هذه المحاولة ما يقارب العام الدراسى تعلمت فيها عن نفسى وعن الهرب فى المبادئ ما كان يصعب علىّ أن أتعلمه من غيرها.

أما المصدر الذى اكتملت به هذه الطريقة، فهو بعض القراءات القليلة حول الموضوع وعن تعدد الذوات، وأهمها كتاب لإريك بيرن، وبعض مقالات عن علاج الجشتالت جمعها “فاجان”، والحق أقول أن دور الممارسة كان له نصيب الأسد فى نشأة هذه الطريقة قيد البحث، وحتى اكتشافى لمبدأ “الهنا والآن” وصلنى من الممارسة قبل أن أقرأه وذلك من خلال مصادفة فى العلاج الفردى…، حين أراد أحد المرضى أن يهدينى رمزاً من الرخام على أحد وجهيه اسمى (كما هى العادة) ثم طلب منى أن أقترح عليه الحكمة التى يكتبها على الوجه الآخر كما اعتاد الناس (مثل “الصبر” أو “الحلم سيد الأخلاق” .. الخ) فقلت له ما رأيك أن نكتب الحكمة التى انتهينا إليها معاً بعد طول صحبتنا؟ وإذا به يبادر أن يقترح أن نكتب ما يلى

 11-2-2013_2

ونشطب على الثلاث كلمات الواحدة تلو الأخرى

وبقيت هذه الرخامة منذ ذلك الحين على مكتبى، حتى أن صديقا لى حين عاد من الخارج ووجدها على مكتبى سألنى “هل أنت جشتالتى”؟ وقلت له بقليل من الحرج “ماذا تعنى؟”، وشرح لى فى إيجاز مازح كيف أن هناك مدرسة تسمى العلاج الجشتالتى تركز على الـ “هنا .. والآن” والـ “أنا.. أنت” مثلما تشير اللوحة .. الخ، وقد أوردت هذه الحادثة لأؤكد على دور الممارسة، ولأعيد إعلان طريقتى الخاصة فى اكتساب المعرفة، وهى نفس الطريقة التى أشرت لها فى “حيرة طبيب نفسى” حيث اعتبرت نفسى بالنسبة لما أقرأ ممن يعانون من ظاهرة القراءة السابقة Dega Lu إن صح التعبير، لأنى – فى فرعى هذا – أقرأ غالباً ما عرفته فعلا من خلال الممارسة..، الأمر الذى يمكن أن أعده تقصيراً فى بعض الأحيان.

ولكنى أوردت هذا التسلسل عن (1) التمهيد بالممارسة الذاتية ثم (2) طول الممارسة المهنية فى العلاج الفردى ثم (3) العلاج الجمعى، وأخيراً (4) القراءة المحددة المعالم، لأشرح كيف سمح لنا هذا الترتيب على هذه الطريقة أن يسمى هذا الاتجاه باسم “اتجاه مصرى”. ولكن…

……..

…….

خلاصة القول: أن هذه الطريقة هى بالضرورة، وبطبيعة تطورها طريقة مصرية .. وأصيلة لارتباطها بالبيئة وبالمعالج ارتباطا مباشرا.


 [1] – من كتاب “حيرة طبيب نفسى”.

[2] – تعجبت وأنا أقرأ (أنقل) هذه العبارة التى كتبتها سنة 1976 ولم أكن أعرف شيئا عن العلم المعرفى العصبى، وتفسيراته للعلاج النفسى، ثم جاءنى مؤخرا كتاب مرجعى مهم بعنوان The Neuroscience of Psychotherapy  تأليف Louis Cozolino وعنوانه الفرعى Building and Rebuilding the Human Brain (2002) ، وفيه أغلب ما كنت أعنيه بهذه العبارة وأمارسه، وحين نسخت  نسخة من هذا الكتاب الجديد وأعطيتها لزميلى وإبنى أ.د. رفعت محفوظ ، قال لى : اليس هذا هو ما كنت تعلمنا إياه منذ سنة 1974 ، ثم أضاف: إننى أكرر ذلك لكل من أدرس لهم أو أدربهم فى المنيا وغيرها، فحمدت الله.

[3] – راجع توقيت ظهور النظريات الجديدة لكل من كارين هورنى، وهارى ستاك سوليفان، وإريك فروم .وأغلبها ظهر بعد حوالى 18 عاماً من بداية تدريبهم وعلاجهم التحليلى،  وحتى بيرلز – مؤسس مدرسة العلاج الجشتالتى – أمضى نفس المدة فى هذا السبيل قبل أن يطلق لثورته العنان، وكأن هذه السنين الطويلة ضرورة كحد ادنى يسمح بالتطور من واقع الممارسة، وليس التغيير لمجرد الرغبة فى اختصار الطريق خوفاً من الممارسة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *