الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى العلاج الجمعى (28) “العوامل العلاجية” فى رأى “يالوم” (3)

الأساس فى العلاج الجمعى (28) “العوامل العلاجية” فى رأى “يالوم” (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 13-5-201313-5-2013_1

السنة السادسة

 العدد:  2082    

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (28)

“العوامل العلاجية” فى رأى “يالوم” (3)

مقدمة:

بدأت أراجع نفسى فى موضوعية استمرار المقارنة بين ما أورده “يالوم” فيما يتعلق بالعوامل العلاجية وبين ما نمارسه لأننى كلما تقدمت تبينت اختلافات اكثر فأكثر كما سنرى اليوم بما ينذر بالتوقف لننتقل إلى خبرتنا مباشرة دون مقارنة.

العامل العلاجى الثالث: تقديم المعلومات

Imparting Information

لا أعرف كيف وضع “يالوم” هذا العامل فى هذا الترتيب المتقدم وإن كنت غير متأكد أن الترتيب كان يعنى عنده الأهمية النسبية أم لا، وإذا كنت قد اختلفت معه – مع الاعتراف بفضله – فيما يتعلق بعامل “زرع الأمل” وإلى درجة أقل “الشمولية”، وهما العامل الأول والثانى بدرجة ما  فإن الاختلاف يشتدد إزاء هذا العامل الثالث بوجه خاص.

ابتداء لا شك أن أى علاج نفسى من أى نوع كان، فرديا أو سلوكيا أو معرفيا أو جماعيا أو غيره هو نوع من التعليم، ويدرج “يالوم” هنا ما يشبه التعليم النفسى Psycho education حيث تصل إلى المشاركين بطريق مباشر أو غير مباشر معلومات موضوعية عن الصحة النفسية وبعض الديناميات التى تفسر بعض السلوكيات، وربما الأعراض، وكذلك تصلهم بعض التعلميات والتوجيهات من المعالج أساسا، وهو يقر أن معظم المرضى يعقبون بعد تفاعلاتهم فى خبرة العلاج الجمعى أنهم أصبحوا أكثر فهما للوظائف النفسية، أو لمعنى الأعراض وبعض ديناميات التواصل وآليات العلاج، وهو يقر أن معظم مثل هذه المعلومات تصل بطريق غير مباشر وإن كان قد أشار إلى أن بعض أنواع هذا العلاج قد خصصت جزءًا (أو مرحلة) من العلاج للتثقيف النفسى المباشر، وقد أعطى أمثلة خاصة عن جماعات العلاج الذاتى Self Group كما أن البعض الآخر استعمل بعض وسائل العلاج المعرفى لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الذات أو عن العالم، أو استعمل بعض وسائل العلاج السلوكى وتدريبات الاسترخاء وما شابه.

وهو عموما  يرى أن تفسير الظاهر هو خطوة نحو التحكم فى الأداء، وقد نبه إلى أن أسلوب النصح، وكثرة الينبغينّات (ينبغى أن..)، واللوم المرشد أحيانا: (لماذا لم …) كل ذلك قد يشير إلى أن المجموعة ما زالت فى البداية، وكلما امتد عمرها قلّ مثل ذلك، كما يقول إن المهم فى النصيحة هو أن تخدم “طريقة تناول أمر ما” وليس “محتواها”، وهذا جيد، وهو ينبه أيضا إلى أن المريض طالب النصح ليس بالضرورة يطلبه لينفذه، بل إنه قد يطلب ذلك ليثبت عدم جدواه، وكأنه يمارس لعبة “نعم …ولكن” (1) وعلى الناحية الأخرى نبه على أن هناك من هو جاهز بالنصائح للآخرين معظم الوقت، وأخيرا أشار أيضا إلى من يرفض قبول النصح من حيث المبدأ طول الوقت.

وأخيرا أشار إلى نوعيات من العلاج الجمعى الإرشادى أساساً الملئ بهذا العامل الارشادى بشكل أمر مباشرة مثل اجتماعات القاعات بالمستشفى الداخلى وبعض برامج تأهيل الدينامية والشخصية.

من واقع خبرتنا يحتاج كل هذا إلى عدد من التوضيحات المقارنة:

أولاً: على الرغم من أن المستوى الثقافى التعليمى لكل هذه المجموعات التى نتكلم عنها فى تجربتنا هو مستوى شديد التواضع بما فى ذلك الثقافة النفسية والتحليلية، إلا أننا اعتبرنا ذلك مزية أكثر منها أمرا معطلا، لأننا لم نكن نحتاج إلى تصحيح أو تعليم لمحو ما لا يتفق مع مسيرتنا وخاصة مسألة “فك العقد”، و”تحليل الذات” والكلام عن الأسباب بما يصل عادة إلى مستوى التبرير.

ثانياً: أعفانا التركيز الشديد على “هنا والآن” من الثقة فى جدوى النصائح عموما لأن أغلبها غير قابل للتطبيق – أو حتى للاختبار –  فى “هنا والآن”.

ثالثاً: أدخلنا شرطا نسبيا لكنه أصبح لحوحا بالممارسة، مع أنه صعّب علينا التفاعل بشكل أو بآخر، وهو أن ننبه المتفاعلين (فى هنا والآن) أن يجرى الحوار “من غير سؤال ولا نصيحة” وكانت الصعوبة فوق الوصف حتى على المعالجين أنفسهم إذ كيف يجرى تفاعل أو حوار هكذا، وقد لاحظنا أنه حتى لو نجح المريض أن يتجنب النصائح أو يخفف منها، فإنه لا يستطيع عادة أن يتجنب السؤال، فنخفف من الشرط ونعتبر السؤال “فتح كلام” على شرط ألا يتمادى صاحبه فيصبح بمثابة التحقيق.

رابعاً: نذكر عادة أية تسمية للتشخيص أو حتى للأعراض ولو على المستوى الوصفى إلا بمقدار ما نحتاجه لتفعيل بعض آثارها فى التفاعل هنا والآن، وهذا نادر، وعادة معطل.

خامساً: لا يتطرق التفاعل أو الحوارإلى العلّية (الأسباب) إلا نادرا، فإذا حدث فإنه لا يتاح له إلا وقت قصير جدا، وربما يسمح ذلك باستعمال هذه الذكريات العلّيه فى الدراما القصيرة (المينى دراما) أو استلهام لعبة مناسبة منه.

سادساً: لا يقدم المعالج تفسيرا إمراضيا (سيكوباثولوجيا) بأية صورة مباشرة أثناء الجلسة، وإن كان بعض المرضى وأحيانا المتدربين يعرج أحيانا إلى التساؤل حول معنى هذا الموقف أو ذاك، لكننى اعتدت أن أتجنب المناقشة أو حتى الموافقة، وأنتقل بسرعة إلى: “إذن ماذا؟” حتى لو صح هذا الفرض السيكوباثولوجى أو ذاك، ولم ألاحظ أية مقاومة تذكر لتجنب مثل ذلك اللهم إلا فى منطقة “أطلّع اللى جوايا” أو “وضع اللوم والتبرير” (أنظر بعد).

لكن فى المناقشة بعد انتهاء الجلسة مع الدائرة الكبيرة كانت تطرح احتمالات تفسيرات إمراضية (سيكوباثولوجية) وليست علّية (سببية) بالنسبة لما جرى فى هذه الجلسة بوجه خاص وإلى درجة أقل بالنسبة لمريض بذاته أو حدث بذاته يمر به فرد (المأزق مثلا) أو المجموعة ككل (مثلا: غلبة المقاومة أو الصمت) وكان يتم شرح وجهة نظر المدرب فى حدود التعليم أثناء المناقشة على شرط ربط التفسير بالتدريب ما أمكن ذلك.

لابد هنا من توضيح تعدد الأهداف فى هذه المجموعة بوجه خاص: فأنا أعلن من البداية للمرضى والمتدربين والمشاهدين (الدائرة الأكبر) أننى أخدم ثلاثة أهداف فى نفس الوقت وأننى أحاول أن أوفق بين متطلباتهم بما يخدم الغرض من هذه الممارسة الخاصة.

الهدف الأول: هو تدريب الجيل الأصغر تدريبا منظما تحت إشراف.

الهدف الثانى: (وهو الأول أيضا) هو علاج المرضى

الهدف الثالث: هو الكشف بما يشبه البحث العلمى دون إعاقة لسير العلاج لما هو إمراضية (سيكوباثولوجيا) بشكل انتقائى حسب ما يتاح على مدار مدة المجموعة.

وعادة لا يوجد تعارض ولا حتى تنافس بين هذه الأهداف الثلاثة – اللهم إلا داخل نفسى: مَنْ إدرانى – لكن يبدو أن التزامى بهذا الترتيب هو الذى جعل طرح إعطاء معلومات نفسية أو دينامية أو سيكلوباثولوجية بصفة عامة لا يميز هذه المجموعة وبالتالى لا أعتبره عاملا علاجيا إلا إذا أتى فى ترتيب متواضع متأخر نوعا، وإن كان يعتبر تعليميا وتدريبا أثناء المناقشة بعد الجلسة.

سابعاً: لاحظنا أن بعض المرضى لمن أتيحت له فرصة قراءة متوسطة، أو خبرة علاج نفسى سابقة فرديا أو جمعيا، قد ينبرى بإعطاء تفسيرات إمراضية نفسية (سيكوباثولوجية) (2) وعادة ما يبدو ذلك غريبا حتى يرفض من المرضى قبل المعالجين، ليس بالضرورة لأنه يعطى تفسيرا خاطئا، وإنما لأن المعالجين يعزفون عن ذلك، ولأسباب علاجية تصل إلى المرضى بشكل واضح، وقد يتمادى مثل هذا الشخص حتى يستحق وصف “يلعب طب نفسى” Playing Psychiatry.

ثامناً: أورد “يالوم” ضمن المعلومات التى قد يبادر بها إلى المرضى إرشادات محددة، وهذه لا نعتبرها “معلومات” ولكن نعتبرها “تعليمات”، وهى عادة ما تكون ضمن شروط التعاقد منذا البداية مما لا يحتاج الأمر معه إلى التكرار، وأهم مثال لذلك التعليمات بأن يكون لكل مشترك فى المجموعة عملا ملزما (3)، فإن لم يكن الأمر كذلك فى البداية، يذكرّ به بين الحين والحين وربما – فى بعض الحالات – يصبح إلزاما كشرط لاستمراره فى مواصلة العلاج، وتعتبر الدراسة المنتظمة عملا، كذلك العمل كربة منزل، ولا يشترط عمل بذاته، أو فى تخصص المريض ولكننا نعرّف العمل بأنه “ساعة” (عدد محدد من الساعات يا حبذا فى نفس التوقيت اليومى) و“رئيس” و”عائد”، و”ناتج”، و”مجتمع”، فنحن لا نوصى (وأحيانا لا نقبل) أن يقتصر العمل على الترجمة مثلا فى المنزل أو القيام بحسابات معينة لا يقدمها الشخص لشركته أو رئيسه إلا وهو وحده وهكذا، وكل هذا ليس معلومات وإنما “تعليمات” وإن كان “يالوم” قد أشار إليها – دون ذكر العمل بالذات، ويعتبر من أهم المعلومات والتعليمات ما يتعلق بالعقاقير وخاصة وأن أكثر من نصف المرضى ذهانيين (حاليين أو سابقيين) يتعاطون مضادات للذهان أثناء العلاج، لكننا لا نتحدث فى جرعة العقاقير التى عادة ما تتناقص مع تقدم العلاج، إلا فى آخر خمس دقائق فى كل جلسة أى من الدقيقة 86 إلى 90 وهى الدقائق المخصصة “للأسئلة والأدوية”، وفى هذه الخمس دقائق  قد يسأل المريض عن الأعراض الجانبية لعقار يتعاطاه، أو عن مشاعر أو أحاسيس ظهرت أو اختفت بعد تعاطى عقار ما.

وبعد

 فبالنسبة لموقع ما ذكره “يالوم” من أن هذه المعلومات هى “عامل علاجى” ضمن ما عدد من عوامل علاجية أخرى، فنحن لا نستطيع ضمها هكذا ببساطة فى موضع متقدم من العوامل العلاجية، بل وغالبا نعتبرها ناتجا جانبيا غير مباشر لمواصلة العلاج، مع التركيز على التخفيف من المباشرة التفسيرية والتعليمية لصالح النقلة المعرفية والموضوعية بالانتقال (1) من: الماضى إلى الحاضر، (2) من: “لماذا” إلى “إذن ماذا”، (3) من: المعلومة إلى تفعيلها وجدواها، (4) من: الإرشاد إلى قياس عائده أولا بأول ما أمكن ذلك.

[1] – هى لعبة وصفها أريك بيرن وتعنى الموافقة على أمر ما بـ “نعم” مع ضمان وضع شرط  ينفيه أو ينكره مباشرة بـ “لكن” مثلا: “نعم أنا مخطئ، ولكن عندى حق فى هذا الخطأ”…الخ.

[2] – خطر لى الآن من كثرة إضافة سيكوباثولوجية بعد ذكر إمراضية بين قوسين أن أنحت كلمة جديدة وجدت كتابتها صعبة لكن نطقها سهل بالعربية وهى “نفْسِمراضية” مقابل Psychopathological. ما رأيكم

[3] – خاصة ونحن ليس لدينا “تأمين بطالة”، وربما هذا أفضل لحالات العلاج الجمعى خاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *