الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى العلاج الجمعى (23) مقتطفات من فقه العلاقات البشرية (1)

الأساس فى العلاج الجمعى (23) مقتطفات من فقه العلاقات البشرية (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 28-4-201328-4-2013_1

السنة السادسة

 العدد: 2067  

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (23)

 مقتطفات من فقه العلاقات البشرية (1)

مقدمة:

أثناء تقديمى تصورى لمحتويات هذا العمل أشرت إلى أن الجزء الثانى (البند ثانياً) سوف يكون: مقتطفات من كتاب “فقه العلاقات البشرية” (أغوار النفس) “لوحات تشكيليلة من العلاج النفسى والحياة”، وقد تم حتى الآن تقديم مقتطف واحد فى النشرة بتاريخ 2/4/2013 (النقلة من العلاج الفردى إلى العلاج الجمعى عرض حالة بالتقمص من داخلها)،  وقد ترددت كثيرا أن أنفذ ما جاء بهذا البند ثانيا، خشية التكرار، وكأن الذى سوف يقرأ “العلاج الجمعى” الآن قد قرأ فقه العلاقات البشرية (شرح ديوان أغوار النفس)، المهم كان استقبال الأصدقاء للمقتطف الذى تم نشره دليلا جديدا على أن قلة قليلة هى التى تستطيع أن تتابع ما أكتب يوميا هكذا، وعندهم كل الحق بصراحة، ما دام أحد لم يقرأ الكتاب السابق، وغالبا الكتاب الحالى، فلا بأس من التكرار، وكأنى أذكّر نفسى، ثم يتم الحذف والتنسيق فى الطبعة الورقية بإذن الله.

بدءا من اليوم سوف أنفذ “البند ثانيا” بأن أقتطف بعض ما جاء فى كتاب فقه العلاقات البشرية مما يخص العلاج الجمعى

المقتطف الأول:

فى خبرة العلاج الجمعى، حين ‏ ‏أواجه ‏ ‏بعض‏ ‏المرضى ‏لأطلب‏ ‏منهم‏ ‏ومنى، ‏ملتزمين بقاعدة: “‏هنا‏ ‏والآن”،‏ ‏أن‏ ‏ينطق أى منا‏ ‏كلمة‏ ‏واحدة‏ ‏أو‏ ‏اثنتين‏ ‏بمعناهما‏ ‏الحقيقى ‏مثل‏ “‏أنا أقدر” ‏أو‏ “من حقى أن..‏” .. ‏تقابلنى مقاومة غريبة لا أتوقعها، مع أن الكلمات تكون متواترة التداول، شديدة البساطة، فنستنتج أنه يبدو أن التركيز فى أن يُحضر الشخص (المريض) فى “هنا والآن” المعنى الذى يحتويه التعبير المطلوب، هو السبب فى هذه الصعوبة.

 فى الألعاب النفسية أيضا، نلاحظ أنه بمجرد أن تضيف صفة “بحقيقى“، أو “بحق وحقيق” يختلف الامر ويحل نبض جديد فى الجملة حتى تكتمل اللعبة كاشفة عن المضمون الذى تضمنته الألفاظ “بحق وحقيقى”،

خذ مثلا لعبة “أنا باخاف أفرح بحق وحقيق، لحسن ….”، وسوف أورد كمثال محدود كيف نشأت ثم عينات من استجابات الأطباء والمرضى، وعلى من يرغب أن يطلع عليها كلها أن يذهب إلى هذا الرابط (نشرة 28/10/2008 لعبة: “أنا باخاف أفرح بحق وحقيق، لحسن ….”)

كيف نشأت اللعبة:

د.يحيى: “أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن….”

 بصراحة هى دى اللعبة اللى خطرت على بالى دلوقتى، وماخبيش عليكى يا ياسمين يمكن ده له دعوه بانشغالى اليومين دول بالموضوع ده

د.ياسمين: (1) طب هو ينفع نخليها “أنا فرحان”

د.يحيى: لأ ماينفعش، أنا بيتهيأ لى هى طلعت كده، “أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن”.. أنا فرحان تيجى منين؟ إفرضى أنا مش فرحان إحنا حانكذب؟

د.ياسمين: تيجى من خلقة ربنا

د.يحيى: وهىّ فين خلقة ربنا، ما احنا بندور عليها أهه، بنحاول نصححها بعد ما حطينا عليها مية نار

د.ياسمين: بس شايفينها

د.يحيى: إنما خايفين منها، إيه رأيك يا دينا التابعى نلعبها ولا بلاش

د.دينا التابعى: نجرب

د.يحيى: أنا عايز رأيك بصحيح، مش عايز الحكاية تبقى استسهال، ولا تبع اللى أنا بفكر فيه، إحنا هنا بنشتغل لحساب العيانين أولا.

د.دينا التابعى: أنا شايفه إن ممكن توصل لهم حاجة

د.يحيى: خلاص إبتدى يا دينا

د.دينا التابعى:  أنا خايفه….

د.يحيى: (مقاطعا) بتقولى لمين

د.دينا التابعى: باقول لخالد

د.يحيى: لأ أنا حصعّبها عليكى، حاتقولى لينا كلنا، وكل واحد غير التانى والدكاترة همّا اللى حايبتدوا يلعبوها عشان يبقى واضح إننا ما بنستعملش العيانين، يعنى هم من حقهم علينا يشوفونا بنلعب الأول.

د.دينا التابعى: كده حاتبقى أصعب أوى .

د. يحيى: ولا يهمك، ياللا.

عينات محدودة من هذه اللعبة:

أولا: نصوص من استجابة الأطباء

د.دينا التابعى: يا خالد أنا خايفة أفرح بحقيقى لحسن أبعد

د.دينا التابعى: يا دينا أنا خايفة أفرح بحقيقى لحسن مافرحش

د.دينا التابعى: يا ياسمين أنا خايفة أفرح بحقيقى لحسن مايوصلكيش

د.دينا التابعى: يا منال أنا خايفة أفرح بحقيقى لحسن ماقدرش أعالجِك

د.دينا التابعى (لنفسها): يا دينا أنا خايفة أفرح بحقيقى لحسن أكون باضُرِّك

 

د. دينا طاهر: يا خالد ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن  ما صدَّقش

د. دينا طاهر: يا منال ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن  أتعب

د. دينا طاهر: يا ياسمين ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن  أتجرح

د. دينا طاهر: يا محمد ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن  ماقدرش

د. دينا طاهر: يا أحمد ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن أنت ماتصدقش

د. دينا طاهر: يا أشرف ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن أخاف

د. دينا طاهر(لنفسها): يا دينا ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن  ماتعرفيش تفرحى

 

د. يحيى: يا محمد أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماصدقش

د. يحيى: يا أحمد أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن مابقاش أد مسئوليتها

د. يحيى: يا أشرف أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن تتقل عليا أكتر

د. يحيى: يا دينا أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماقدرش أحمد ربنا أكتر من كده

د. يحيى: يا حازم أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ابقى حريص عليك أكتر

د. يحيى: يا إلهام أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماتصدقيش

د. يحيى(لنفسه): يا يحيى أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماعْرفّكْش

ثانياً: نصوص استجابة المرضى

إلهام: يا د. يحيى ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن ماتكنش فرحه

إلهام: يا محمد ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن أتجرح

إلهام: يا أحمد ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن أندم

إلهام: يا أمنية ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن ماتفرحيش زيى

إلهام: يا د. دينا ياه أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن ماتساعدنيش

إلهام(لنفسها): ياإلهام أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن أتألم من الفرحه

 

أشرف: يا د. دينا أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن تضايقى من كتر الفرحه

أشرف: يا خالد أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن تتألم من الفرحه

أشرف: يا منال أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماتخفيش

 

أمنية: يا د. دينا أنا خايفة أفرح بحقيقى لحسن ماكملش فرح

أمنية: يا إلهام أنا خايفه أفرح بحقيقى لحسن أتوقف عن الفرح

 

سعيد: يا د. يحيى أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماتجيش تانى

سعيد: يا محمد أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماتنزلش الشغل

سعيد: يا دكتوره دينا أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن تزعلى منى

سعيد: يا أمنية أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن تغيرى من نفسك

سعيد: يا صفاء أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماتتكلميش

سعيد (لنفسه): يا سعيد أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن حالتك النفسية ماتتحسنش

 

صفاء: يا د. دينا أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن تزعلى

صفاء: يا أشرف أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماتروحش الشغل

صفاء: يا دينا أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن تعالجينى كويس

صفاء: يا أمنية أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن مَتخِفيش

صفاء: يا د. ياسمين أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماتعالجنيش

صفاء (لنفسها): يا صفاء أنا خايف أفرح بحقيقى لحسن ماخفش

انتهت اللعبة وسوف نعود إليها وغيرها فى كتاب الألعاب.

مثال قديم ولفظ واحد

‏ ‏فى ‏موقف‏ ‏محدد أذكره كمثال، كان شديد الصدق والعنف والدلالة، كانت‏ ‏إحدى‏ ‏المريضات‏ ‏تستنقذ فى مأزق علاجى “بالله”، وهى تصيح بشكل روتينى فاتر، قائلة: ‏ “يارب‏” ‏وإذا بمساعدى ينبهها (‏وهو‏ ‏شاب‏ ‏يحاول‏ ‏جاهدا‏ ‏أن‏ ‏يعيش‏ ‏ويستمر‏ ‏محتفظا‏ ‏بالمعني‏) ‏أنها‏ ‏لا‏ ‏تعنى ‏ما‏ ‏تقول،‏ ‏وأنها‏ ‏لو‏ ‏كانت‏ ‏تعنيه‏ ‏لأحست‏ ‏بذبذبات اللفظ ‏تخرج‏ ‏من‏ ‏تحت‏ ‏إظفر‏ ‏إصبع‏ ‏قدمها‏، لا حظت كيف ساعد حماس مساعدى وتلقائيته فى أن يستعيد هذا اللفظ “يارب” وهو الذى نقوله فى اليوم عشرات المرات دون أن ينبض بحقه، كيف يستعيد نبضه حين يلتحم بالجسد، فينبض بمحتواه الصعب.

ربما هذا التوجه، الذى لم أتبينه إلا مؤخرا، كان وراء ما جاء بالمتن منذ أكثر من ثلاثين عاماً مشيرا إلى أن ما يحيى الألفاظ لتنبض بمعانيها من جديد هو تلك الصحوة/البعث، التى تسمح بالتناغم بين الوعى الذاتى والوعى الكونى إلى وجه المطلق توجها إلى وجه الحق تعالى (وليسمه من يشاء كيف يشاء)، فتصبح الألفاظ التى كانت قد تحولت بالقهر والإهمال إلى “ظرف رصاص فاضى مصدى فْ علبته” تصبح ملتحمة بكل من معناها، فى تشكيلها الجديد: اللفظ قام من رقدته:  “ربك كريم ينفخ فى صورته ومعنته”. (راجع علاقة هذا العلاج بالإيمان) (نشرة 22/4/2013 ” علاقة هذا العلاج بالدين والإيمان (كثقافة)”.

التأكيد هنا على أن هذا الإحياء ليس عملية عقلنة منفصلة بقدر ما هو أمل فى تشكيل تناغمى بين الوعى الذاتى والوعى المطلق أو الوعى الكونى من خلال ألفاظ استعادت حيويتها، مع مراعاة ما يصاحب ذلك من إشارة إلى وسيط آخر، وهو التناغم مع الطبيعة: “يرجع يغنى الطير على فروع الشجر”

المقتطف الثانى:

بعض آليات إحياء الألفاظ فى العلاج الجمعى:

حين يترسخ الاغتراب حتى تموت الألفاظ أو تكمن هامدة، ينفصل الإنسان عن الطبيعة، وحين يعزف اللحن النابض من جديد، يعود الإدراك إلى تلقى الأصوات لغة قادرة جديدة.

فى العلاج النفسى الجمعى، نتدرج فى إحياء الكلام بشكل غير مقصود مباشرة، لكن هذا هو ما يتم من خلال آليات محددة لا نقصد بها فكرة “إحياء الألفاظ” تحديدا، وإنما يكون ذلك بعض نتائجها الهامة. ويمكن عرض بعض هذه الآليات – مع بعض التكرار – فى خطوطها العريضة فيما يلى:

1) التركيز شبه المطلق على أن يكون التفاعل فى “هنا والآن”.

2) التنبيه إلى أن النصائح المباشرة ، إلا ما يمكن تطبيقه واختباره فى “هنا والآن”، هى أيضا مهرب من احتواء اللفظ لمعناه ومن ثم اختبار تنفيذ فاعليته حالا، وقد أشرنا إلى الشرط الصعب أن يكون الحوار “من غير سؤال ولا نصيحة”.

3) تحديد أسلوب التخاطب بـ “أنا …أنت”، يتبعه تلقائيا تحمل مسئولية الخطاب، والتلقى، فلا تستعمل صفات أو ضمائر الجمع مثل “كلكم، كلنا”، وأيضا لا يستعمل ضمير الغائب (هو، هى، هم) ما أمكن، وقد لاحظنا كيف أن ذلك يستتبعه تضييق مساحة الفائض اللفظى بشكل يحيى نبض الألفاظ.

4) الألعاب العلاجية تتطلب كلا من التمثيل بكل معنى الكلمة، كما تسمح بتأليف بقية النص المحذوف ..(إبداعا مباشرا)، وبالتالى تتيح الفرصة لتكامل وسائل التعبير (الفقرة التالية بند 5)

5)  استعمال وسائل أخرى للتواصل غير اللفظى (ليس فقط اللغة الإشارية، التى هى نوع آخر من الرموز) بما فى ذلك لغة الجسد، ولغة العيون  وتعبيرات الوجه …إلخ، سواء فى الألعاب أوغير الألعاب وهذا لا يدل على الاستغناء عن الألفاظ بل قد يكتشف المريض من خلاله إلى أى مدى كان مبتعدا بألفاظه عن ذاته، أو جسده، أو بقية وجوده، وقد يتم ذلك فى نوع من التمثليات (السيكودراما) النفسية: الصامتة، أو الناطقة.

6) استعمال الاحتمال العكسى للألفاظ والجمل، بتدريب وتمثيل أيضا، وهو وسيلة يتحدد بها كل من الأصل وعكسه، مثلا يقول المريض “أنا مش قادر أعبر”، فتطلب منه أن يقول (ويمثل) “أنا قادر أعبر”، – تمثيلا – ثم بالتبادل، فنحول بذلك دون تداخل الشكل مع الأرضية (بالتعبير الجشتالتى)، فيمارس المريض، والمعالج، نوعا من التحديد الذى يسمح للفظ أن يستعيد مضمونه الدال

7) الإقلال من استعمال ألفاظ التقريب ما أمكن ذلك (مثل “تقريبا”، “نص نص” “مش قوى”، “يعنى”..إلخ)

8) الإقلال من استعمال تعبيرات التأجيل مثل “إن شاء الله” (بالمعنى الهروبى)، “حاحاول”، ..إلخ

9) تجنب استعمال الحِكَمْ والأمثال ما أمكن ذلك منعا للاستدراج إلى التعميم والإفراط فى التجريد.

10)  تجنب الاستشهاد بنصوص مقدسة ما أمكن ذلك.

11)  التعامل مع الأسئلة باعتبارها مشروع إجابات: يُطلب أحيانا من المريض أن يقلب سؤاله إلى جملة إخبارية برفع علامة الاستفهام، أو يطلب منه أن يجيب هو أولا على سؤاله إجابة محتملة، أو أن يقول مايتصور ان المسئول (معالج أو زميل مريض) سوف يجيبه به.

المقتطف الثالث:

كثيراً ما نعيش محاولة من أحد المرضى (أو المعالجين) لمحو الرؤية الجديدة التى مارسها أثناء العلاج الجمعى، بنسيانها، أو التراجع عنها، أو سوء تأويلها، وقد يلاحظ ذلك زميل مريض آخر، أو معالج، حين يهم أحدهم بالإنسحاب لعدم قدرته على تحمل هذه الجرعة، فيقول له: وحاتعمل إيه بعد ما اتدبست وشفت ده دلوقتى (“وماذا ستفعل بمعرفتك ورؤيتك التى مرت بك هنا الآن؟)” فيرد قائلا: “إيه يعنى، حانسى واغمض أو أطنش تانى” (سأحاول أن أنسى وأغمض عينى من جديد) ” فيسخر الأول “إبقى قابلنى“… وقد يعلق ثالث “دا بُعدك“…أو “بعيد عن شنبك“، وغير ذلك من تعليقات تشير إلى أن هذه الرؤية يصعب محوها..بعد ظهورها فى هذا السياق وضبط جرعتها.

هذا العلاج الجمعى إنما يهدف إلى دفع عجلة النمو باستيعاب هذه الرؤية ومعايشة آثارها، ليتحقق النمو من خلالها لتكملة المسيرة بإيجابياتها وآلامها، بما يصاحب ذلك من سماح وصبر وأمل فى أن تكون بداية التعرف على “آخر” يصاحبه وهو يعايش هذه الخبرة عبر مسيرته، مسيرتهما، مسيرتهم، معا، هنا تتأكد علاقة: المعرفة، بالعلاقة بالآخر، بالألم الحى الخلاق، بالحزن الإبداعى….، لِتَوَاجُدِنَا معاً:

 الله‏ ‏يسامحكم‏، ‏دلوقتى:‏ لا‏ ‏انا‏ ‏قادرة‏ْْ ‏ارتاحْ‏،‏ ولا‏ ‏قادرة‏ ‏ألفْ‏.‏

 لا‏ ‏الدمعه‏ ‏بْتِـنْزلْ‏،‏ ولا‏ ‏راضيةْ‏ ‏تجفْ‏.‏

أشرت فى المقدمة كيف أن هذه الرؤية مرتبطة بشكل أو بآخر بموضوعنا الأساسى “فقه العلاقات البشرية”. الإنسان المعاصر يعيش أزمة ممتدة هى أقرب إلى ما يسمى “الموقف الاكتئابى” كما أسمته ميلانى كلاين، والذى فضلت أن اسميه “الموقف العلاقاتى البشرى” وهو الذى يحاول الإنسان المعاصر فيه أن يرسى قواعده من ألم، ورؤية، وإقدام وتحمّل، وفرحة معاً، ليكون بذلك هو النوع الأغلب فى العلاقات بين البشر، ليكونوا بشرا. الإنسان – كما ذكرنا- لا يكون إنسانا إلا إذا كان واعيا بدرجة ما بوعيه حالة كونه يتجادل (لا يتحاور فحسب) مع وعى إنسان آخر يحاول معه نفس المحاولة، هذه العلاقة الأرقى هى التى يتكون منها نوع من الحزن الذى وصفناه بأنه “حزن” “إيجابى” “نشط”، وعلى ذلك فالمفروض أن نفرح به شريطة أن تضبط جرعته، هذه الخبرة التى هى أقرب إلى ما يسمى “الحزن الصامت الأصيل، يكون فيها: الألم صحوة، والمثابرة اقترابا، والاحتياج طلبا شريفا، والعطاء فرحة، والفرحة طيبة لا تلغى ألم الرؤية، ولا تقف بعيدا عن الخبرة، ولا تتجاوز عدل التبادل العلاقاتى.

إنه ‏بالرغم‏ ‏من‏ ‏الألم‏ ‏الذى ‏يعانيه‏ من يمر بهذه الخبرة الرؤية الضرورية ليكون “بشرا”، فإن ذلك لا يترتب عليه سخط أو سخرية أو انسحاب، أو عدوان، بل الأرجح أنه يجذبنا إلى بعضنا البعض فى إطار من التسامح المؤلم، ‏ ‏تجربة‏ هذا ‏الحزن‏ ‏اليقظ الذى يمثله هذا الموقف تشمل‏: ‏التوقف ‏للمراجعة‏، والسماح للاقتراب، ‏والرغبة‏ ‏فى ‏”الحياة‏ ‏معا”، مع‏ الاعتراف بالعجز المرحلى‏ عن تحقيق كل المراد، واليقين فى نفس الوقت بغباء الانسحاب وخسارته.

ذكرت فى أكثر من موقع أننى أفرّق بين الحزن وبين البكاء، وأن الدموع حين تترقرق فى العيون، ولا تسيل، هى أصدق تعبير عن موقف هذا الحزن الإيجابى الأصدق، أما حين تتدفق الدموع بلا حساب فنحن نبعد عادة عن هذه الخبرة، بل إن الامر قد وصل بى إلى أن أربط – فى كثير من الأحوال – ربطا عكسيا بين هذا وذاك، بمعنى أنه كلما انسكبت الدموع، خفتت الخبرة الأكثر عمقا.

مرة أخرى:

الله‏ ‏يسامحكم‏، ‏دلوقتى:‏

لا‏ ‏انا‏ ‏قادرة‏ْْ ‏ارتاحْ‏،‏ ولا‏ ‏قادرة‏ ‏ألفْ‏.‏

لا‏ ‏الدمعه‏ ‏بْتِـنْزلْ‏،‏ ولا‏ ‏راضيةْ‏ ‏تجفْ‏.‏

[1] – ياسمين هى د. ياسمين وهى طبيب مقيم متدرب مع كل من د. دينا التابعى، د. دينا طاهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *