الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية الفصل السابع: ملف الاضطرابات الجامعة (5) تابع: بُعْد الزمن (2)

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية الفصل السابع: ملف الاضطرابات الجامعة (5) تابع: بُعْد الزمن (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت7-11-2015

السنة التاسعة

العدد: 2990

  الأساس فى الطب النفسى 

 الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة (5)

تابع: بُعْد الزمن (2)

مقدمة:

انتهت نشرة الأحد الماضى كما يلى:

“…….. حين حلّ أبقراط ضيفا يؤكد لنا طبيعة هذا الذى نمارسه إبداعا ونقدا، وهو “فن الطب”، فشعرت أنه يدعم موقفى ومصادرى، وأنه يؤيد أن أقتطف من اجتهاداتى فى نقد النص الأدبى ما يعيننى على نقد النص البشرى لعل صعوبة الإحاطة بما هو “زمن” تخف قليلا.

وهأنذا أفعل.

وفيما يلى أورد ما جاء فى نقدى لأحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ الذى نشر فى دوريته النقدية سنة2010(1) مع ما خطر لى من إضافة وتحديث.

المقتطف الأول:

  “الزمن” الذى يتحرك فيه إبداع محفوظ، طول الوقت،  ليس هو الزمن الذى يمرّ بنا أو نمر عبره، وإنما هو تشكيل إبداعىّ لحركية الوجود  بكل ما يعنيه جدل “وعى الحياة” مع “وعى الموت”.

وباعتبار ما وصلنى قبل ذلك فوضعت له فرض أن الموت نقلة من الوعى الشخصى إلى الوعى الكونى إلى وجه الله فإن المبدع قادر على معايشة ما يوازى هذه النقلة قبل حدوثها فى الواقع.

بعد كتابة هذا المقتطف عثرت اليوم على نص لهيدجر من أطروحته عن الزمان عن “مفهوم الزمان بوصفه تزمن الزمانية(2) يقول فيه: تتعمق آفاق الزمانية فى الموجود الإنسانى، ينفتح الوجود بالفعل فى الحاضر فينكشف الاهتمام”، ثم يواصل عن الموجود الإنسانى بوصفه وجودا للموت (مما لم أفهم تفاصيله حاليا) لكن يكفينى ما استشهدت به من ربط الزمن بجدل وعى الحياة مع وعى الموت.

المقتطف الثانى:

الوقت” هو قَدْر معلوم يمر بين حدثين، هو كَمٌّ يقدر بوحدات متجاورة متتالية متفق عليها، أما الزمن فهو جوهرٌ موضوعىُُّ قائم، وحضور مكانىًّ مَرنَ،  متعدد المستويات، ووعى نشط متكاثف الطبقات  قابل للتشكيل والتخليق.

أول أساسيات التعرف على الزمن مختلفا عن الوقت هو البدء من “هنا والآن” وربما الانتهاء أيضا إلى “هنا والآن”، خاصة إذا قبلنا مفهوم هيدجر باعتبار أن “هنا والآن” ليس قاصرا على الحاضر وإنما هو يحوى المستقبل “وما كان” (بتعبير هيدجر الذى يرفض تعبير الماضى ويتحفظ على تعبير “الذاكرة”).

المقتطف الثالث:

محفوظ يمد الزمن إلى مداه بلا مدى، فيُحضّر لنا المطلق فى “الهنا والآن” مفتوحا  إلى غايته بيقين التوجه دون تحديد الوصول، المتابع لأعماله المفتوحة إلى المطلق لا يخطئ بحثه عن الحق المحيط سبحانه وتعالى، فهو لا بد أن يجد نفسه فى رحاب كرسىٍّ وسع السماوات والأرض ليس كمثله شىء، محفوظ يتقن الإمساك بدفة الإبداع يوجه بها سهم الزمن نحو المطلق، من أول زعبلاوى حتى الأحلام، مرورا بالطريق ورحلة ابن فطومة والعائش فى الحقيقة والحرافيش إلى الأصداء، وغيرها.

يمكن الرجوع إلى الدراسة متكاملة لمن يريد مزيدا من التفاصيل. (دورية محفوظ : ديسمبر 2010)

على أنه قد وصلنى اليوم عبر  الشبكة النفسية العربية (شعن) ما كتبه الزميل الشاعر الرائع د. صادق السامرائى ما اعتبرته “قصيدة مكتملة الأركان” عن الزمن، أقتطف منها مايلى لمزيد من الدعم فقال السامرائى:

“…الزمن الموجود المنتقى، الفاعل المختفى، الحاكم المكتفى، المالك المصطفى، الواعد المحتفى الذى يأخذنا إلى حيث نسعى ونقتفى!!

يدحرجنا وندحرجه، يأكلنا ونأكله، نتخيله ولا ندركه، نبصره ولا نتيقنه، ينبض فى متناهيات كينونتنا ومبتدءات كياننا، وكأنه يشلنا ويأسرنا، ويسقينا من صهباء الأوهام والتهيؤات، وسلاف الأحلام اليقظوية، وشلال الخداعات التضليلية، ويمنحنا طاقات مطاردة السراب، حتى نتساقط فى حفرة تصنع زمنها، وتدرك فحوى دوران أمّها الأبيد.

المقتطف الرابع:

ساعدنى فى هذا النقد فروضى السابقة عن طبيعة الحلم وعلاقته بالإيقاع الحيوى والإبداع حين افترضت باكرا فى أطروحتى “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” ما يلى:

بالنسة للحلم عامة فى أطروحة “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع”(3)

 ‏يتحدد‏ ‏طول‏ ‏الزمن‏ فى الحلم ‏بمدى ‏سهولة‏ ‏أو‏ ‏صعوبة‏ ‏عملية‏ ‏التوصيل‏ ‏أو‏ ‏الترابط‏ ‏بين‏ ‏معلومة‏ ‏ومعلومة، بين حدث‏ ‏وحدث‏، ‏بين تشكيل‏ ‏وتشكيل‏، ‏وهكذا‏ ‏تتباعد‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الكيانات‏ ‏وتتقارب‏ ‏وتتبادل‏ ‏وتتداخل‏، ‏بحيث‏ ‏يصبح‏ ‏من‏ ‏السهل‏ ‏أن‏ ‏تختزل‏ ‏القرون‏ ‏فى ‏جزء‏ ‏من‏ ‏الثانية‏، ‏وأن‏ ‏تمتد‏ ‏الثانية‏ ‏إلى ‏عقود‏ ‏من‏ ‏الزمان‏ ‏بحسب‏ ‏سرعة‏ ‏التوصيل، أو غير ذلك‏، ‏كما‏ ‏يمكن‏ ‏للمستقبل‏ ‏أن‏ ‏يبدو‏ ‏قبل‏ ‏الحاضر‏، ‏ويكاد‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏ثَمَّ‏ ‏ماضٍ‏ ‏أصلا‏، ‏وكل‏ ‏ذلك‏ ‏مؤسس‏ ‏على ‏أن‏ ‏الترابط‏ ‏بين‏ ‏الأحداث‏ ‏أصبح‏ ‏مكانيا‏، ‏مستعرضا‏، ‏فى ‏الجهاز‏ ‏العصبى ‏أساسا‏ ‏وفى ‏المخ‏ ‏بالذات‏ ‏دون‏ ‏استبعاد‏ ‏سائر‏ ‏الجسد‏….

وهذا بالضبط ما حضرنى بعد ذلك بعشرين سنة وأنا أقوم بدراسة إبداع محفوظ للأحلام، وفى يقينى أن محفوظ قدم لنا عونا فائقا حين عنون هذا العمل النادر بعنوان “أحلام” لأنه سمح لنا أن نبحث من خلال إبداع الأحلام ما أن نتعرف من خلاله على ما هو إبداع الأحلام فى الشخص العادى.

المقتطف الخامس:

(العودة إلى نقد أحلام نقاهة محفوظ)

“….وقد تبين لى من هذا النقد كيف أن محفوظ قد أثبت قدرته الفائقة على التجول فى مستويات وعيه إبداعاً، بشكل أقرب ما يكون إلى تحقيق فروضى عن الإبداع والحلم والشعر والنقد فى هذه الأطروحة الباكرة، هذا النوع من الإبداع هو ما أشرت إليه تحديداً فى العنوان بتعبير “حركية الزمن وإحياء اللحظة”، وهو أقرب إلى المنطلق الذى تناول به جاستون بشلار الزمن مؤيدا روبنال ومعارضا بيرجسون”.

وبعد

انطلاقا من هذا الموقف النقدى، وعموم التنظير فى النقد والأحلام الذى سوف أواصل نشره غدًا، أريد أن أذكّر القارئ بالتأكيد على هذا المنهج الممتد من نقد النص البشرى فى الممارسة الاكلينيكية العلاجية إلى نقد النص الأدبى فى الإبداع إلى استنتاج نقد النص البشرى من ناتج الأحلام الذى ثبت بعض حضوره حين استحضرنا “وعى الحلم” ونحن نبدع أحلامنا فى حالة اليقظة (بعيدا عن أحلام اليقظة) فى حالة التجريب فى العلاج الجمعى كما ذكرنا.(نشرة 22-9-2010 “نعمل حلم”).

[1] – دورية نجيب محفوظ (التاريخ والزمن “قراءات فى الزمن”)، العدد الثالث – المجلس الأعلى للثقافة

[2] – وهو فصل من رسالة ماجستير نوقشت فى آداب القاهرة للباحث جمال محمد أحمد سليمان

[3] –  يحيى الرخاوى، مجلة فصول- المجلد الخامس – العدد (2) سنة 1985 ص (67 – 91) وقد تم تحديثها دون مساس بجوهرها  فى كتاب “حركية الوجود وتجليات الإبداع”، الفصل الأول، المجلس الأعلى للثقافة، 2007

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *