الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل الخامس: ملف اضطرابات الإرادة (14) هل يتطور (ينمو) إنسان فرد باختياره؟

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل الخامس: ملف اضطرابات الإرادة (14) هل يتطور (ينمو) إنسان فرد باختياره؟

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 30-3-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2768

 

الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسيةالفصل الخامس:

ملف اضطرابات الإرادة (14)

هل يتطور (ينمو) إنسان فرد باختياره؟

أشعر أن الأمر يحتاج فى هذه اللحظة إلى إضافة محدودة من المبادئ الأساسية للنظرية التطورية الإيقاعحيوية ((1)) على الوجه التالى:

(1) الإنسان (مثل كل ما فى الحياة) فى حالة نبض حيوى إيقاعى مستمر.

(2) هذا النبض هو طبيعة الحياة كما أنه من طبيعة الكون كله ((2)).

(3) هذا النبض لا يتوقف أبداً لا فى الصحو ولا فى النوم ولا فى الحلم، كما أنه فى تواصل منتظم دائم مع نبض حلقات الوجود المضطردة الاتساع إلى ما بعد ما نعرف.

(4) مصطلح “نبض” هو أعم بكثير من نبض القلب (مع أن قوانين نبض القلب كان لها الفضل فى تنويرى لفهم نبض المخ فى كثير من التشكيلات) وهو مرتبط أكثر بحركية مستويات الوعى كل على حدة، ثم كلها معا.

(5) بما أن الوعى مازال (وسوف يظل غالبا) شديد الغموض فإن طبيعة النبض وقوانيه سوف تظل بعيدة عن المتناول بشكل أو  بآخر، وعلينا أن نستنتج ما نستطيع من ناتج هذه الحركية من واقع الفروض التى يمكن أن تفسرها مؤقتا مع السماح بتطويرها أو إحلال غيرها محلها، مع استمرار الممارسة والاختبار والمراجعة.

(6) ارتبطت ممارستى لمهنتى بمتابعة كفاءة هذا النبض طول الوقت، وذلك خلال نصف قرن إلا بضع سنوات، حيث لم تتضح لى بشكل منظم إلا مع كتابة كتابى “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” سنة 1978، لكن ظهرت بعض معالم التطور قبل ذلك (دون إشارة محددة إلى الإيقاع الحيوى) وذلك سنة 1968 حيث ظهرت كملحق فى كتابى “حيرة طبيب نفسى” ثم تم تحديثها، وإضافة ما يلزم لتتآلف مع ما وصلنى عن الإيقاع الحيوى وما تفرع من فروض        من خلال ذلك!((3)).

(7) تطورت علاقتى بالإيقاع فى أطروحتى الأساسية عن “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” والتى كانت فى سياق النقد الأدبى أساسا، ونشرت فى مجلة فصول (للنقد الأدبى)((4))، ومن بين   الفروض الذى تضمنتها هذه الأطروحة فرض يقول: “أننا نبدع أحلامنا التى نحكيها (تأليفا) فى بضع ثوانى أثناء الاستيقاظ، كما أن هذه الأطروحة هدتنى منذ ذلك الحين إلى الانتباه إلى أهمية الوحدات الزمنية المتناهية الصغر.

(8)  سبق أن شرحت الخطوط العريضة لمجمل النظرية التطورية الإيقاعحيوية فى نشرة قريبة (بتاريخ 1-3-2015) وأنصح بالرجوع إليها من خلا ل هذا الرابط لسلامة المتابعة.

وبعد

ما دام الأمر كذلك، فما هى العوامل التى تعيق هذا النبض البشرى الإيقاعحيوى التطورى أن يواصل عطاءه وجدليته لكل البشر طول الوقت، وما هى نتائج إعاقته أو انحرافه؟ للإجابة على هذا السؤال علىّ أن أطرح نظريتى كاملة، الأمر الذى أعتقد أن أوانه لم يحـِنْ بعد،

 أما بالنسبة للإرادة وعلاقتها بهذا النبض الذى ينظم طاقة الحياة تنظيما إيقاعيا ثم خلاّقا فسوف أكتفى بالإشارة إلى بعض “اضطرابات الشخصية” التى اعتبرت كل تصنيفاتها الامراضية ليست سوى إعاقة لفاعلية هذا النبض، أو اجهاض  له، أو انحراف به، وذلك فى عملى الأم((5)) أعنى بذلك إعاقة فاعلية الإيقاع الحيوى فى مواصلة دوره، فى دفع جدلية الإبداع لإعادة تخليق الذات باستمرار، الأمر الذى يتماشى مع المفهوم الأحدث فى العلم المعرفي العصبى تحت منظومة أن “المخ يعيد بناس نفسه”((6)).

فروض تمهيدية:

وفيما يلى بعض الفروض الأساسية تمهيدا للإشارة إلى توقف النبض وإعاقة إرادة الحياة السليمة ضمنا بما يتجلى من سمّات (وليست أعراض) ما يسمى “اضطراب الشخصية”.

أولاً: إن المخ البشرى حسب آخر نظريات العلم المعرفى العصبى – هو “مفاعل للطاقة  والمعلومات” ((7)).

ثانياً: إن الإيقاع الحيوى للمخ هو الذى ينظم هذه الطاقة لتخدم تنظيم وفعلنه (معالجة/اعتمال) المعلومات باستمرار.

ثالثاً: إن هذا التنظيم يتواصل طالما أن الطاقة تشحِنُ المعلومات إلى غايتها المعلنة وغير المعلنة، كما أن الذى يجعل لهذه الطاقة مسارا طبيعيا هو أن تتوجه إلى كلُّ من: تنظيم العلاقة بالموضوع (الآخر) وكذلك تنظيم (معالجة) المعلومات إذْ تحمل قَصْدِيّة  التوجه  إلى فعل ذى معنى وناتج ما، دون حتمية أن يصل أىُّ من هذا إلى بؤرة الوعى الظاهر أو يحتاج إلى “اتخاذ قرار” معلن.

رابعاً: إن الخلل أو التشتت أو الانعكاس فى مسار هذه الطاقة وما يترتب عليه من خلل فى عمل المخ كمفاعل للطاقة والمعلومات تنتج عنه الأعراض والأمراض النفسية والعقلية المختلفة مما لا مجال لذكره هنا الآن.

خامساً: إن إعاقة أو إجهاض أو إغلاق نبض الإيقاع الحيوى فى دوائرية مكررة هو التفسير الإمراضى لمظاهر اضطرابات الشخصية بالذات، وهى التى لا تظهر فى شكل أعراض محددة وإنما فى صورة سمات للشخصية بعيدة عن السواء وإن لم تتجلى فى صورة أعراض محددة.

سادساً: إنه إذا توقف النمو هكذا فى صورة جمود اضطرابات الشخصية، أو انحرافها وتفريغ نبض إيقاع النمو أولا بأول فإنه لا يعاود استمراره إلا إذا كسر هذا التصلب المانع لفاعلية النبض الحيوى، ولا تكسره إلا فرصة إبداع جديدة فى أزمة نمو إيجابية ليستعيد النبض مساره، أو قد يحدث ما يقابل ذلك من خلال خبرة ذهانية (صَغُرتْ أم كبرت) لو أحْسِنَ استيعابها لإعادة التشكيل وحيِلَ دون التمادى فى التفسخ والإعاقة.

30-3-2015_1

موقع الإرادة من جديد:

بصفة‏ ‏عامة نعود للتنبيه ‏على ‏أن‏ ‏الإرادة‏ ‏ليست‏ ‏قاصرة‏ ‏على ‏هذا‏ ‏السلوك‏ ‏الجزئى ‏المتعلق‏ ‏بـ:”اتخاذ‏ ‏قرار‏،  ‏ثم‏ ‏القيام بتنفيده‏”، ‏وإنما‏ ‏هى ‏فى ‏صورتها‏ ‏الأعمق‏ ‏مرتبطة‏ ‏بالقدرة‏ ‏على ‏كسر‏ ‏”النص‏ ‏الحياتى ‏الدائرى ‏المغلق”‏، ‏وبالتالى ‏إطلاق‏ ‏قدرة‏ ‏النمو‏ ‏بالتغير‏ ‏الكيفى ‏خلال‏ ‏مسيرة‏ ‏الحياة‏، ‏وهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏النظرة‏ ‏الشمولية‏ ‏للإرادة‏ – كما ذكرنا- يتخطى ‏الوقوف‏ ‏عند‏ ‏الإرادة‏ ‏الجزئية‏ ‏الواعية‏ ‏ليشمل‏ ‏تراكمات‏ ‏الأفعال‏ ‏الإيجابية‏ ‏القادرة‏ ‏على ‏البزوغ‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏المناسب‏ ‏لإطلاق‏ ‏دوائر‏ ‏النمو‏ ‏ونشاطات‏ ‏الإبداع، ‏ ‏أو‏ ‏على ‏النقيض من ذلك ‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏التراكمات‏ ‏سلبية‏، فإنها تؤدى إلى ‏ ‏ ‏مظاهر‏ ‏السلبية‏ ‏التى ‏تظهر بعضها فى تشكيلات مرضية أخرى (تسمى أعراضا أو أمراضا نفسية أحيانا!!).

هل يتطور (ينمو) إنسان فرد باختياره؟

فى عمل سابق، غير متخصص((8)) وبرغم ذلك فهو شديد القرب منى، وجدت نفسى قد كتبت ما يلى: ” لن يتطور إنسان باختياره، ولن يكمل الطريق إلا باختياره، فأسرع إلى حيث تختار ما قررت“،ويبدو أن ذلك كان إشارة إلى ما وصلنى من الممارسة، خصوصا فى مجال العلاج الجمعى، والعلاج المكثف للفصاميين خاصة، وصلنى أن الإنسان لا يختار أن يتطور، بل هو – فى الظروف الطبيعية- يجد دنفسه، أو يضع نفسه، ضمن منظومة حياة متحركة يعرف ولو ضمنا أنها يمكن أن تضطره، مع استمرار نبض الإيقاع الحيوى بلا توقف ليل نهار، نوما وحلما ويقظة، تضطره أن يدخل إلى مأزق التغير الذى هو فرصة التحول إلى طور أحسن، اللهم إلا إذا تعثرت الخطى، وأجهضت نبضة النمو.30-3-2015_2

من هذا المنطلق فإن اضطراب الشخصية لا يمكن إرجاعه إلى عجز أو قصور فى استعمال الإرادة فى دفع نبض النو والحفاظ على اضطراده، وإنما هو إشارة لما سبق أن شرحناه  حتى الآن فى أكثر من موقع إلى أن الانتباه إلى صفرية ناتج النبض بما فى ذلك محو ناتج حركية الحلم،  هو علامة على خلل فى حركية النمو عامة،وضمنا فى إرادة الحياة، وعادة لا تتاح الفرصة لاستعادة تنشيط الإرادة فى الاتجاه البنائي  إلا بعد مأزق مفترقى سواء كان بداية جنون أو إرهاصات إبداع، هنا تنشط الإرادة وأمامها فرصة  لتكمل مشوار الإبداع الذاتى وهى تحافظ على فاعلية النبض، بما يحفزها إلى اختيار المحيط والشريك والوعى الجمعى الذى يتيح فرصة جديدة ليستعيد النبض الحيوى فاعليته فى التطور والنمو من جديد.

وأخيرا

دعونا نتوقف اليوم لنعاود الإشارة إلى تشكيلات إعاقة إلإيقاع الحيوى يما يتضمنه من ترجيح إرادة الحياة والنمو والتطور، وكيف يتجلى ذلك فى تشكيلات اضطرابات الشخصية مع أنها قد لا تعتبر مرضا نفسسا صرفا.

[1] – إذا لم أتمكن من كتابتها متكاملة فى حياتى، فقد تصلح هذه الاستطرادات فى جمع معالمها.

[2] – لن أتطرق لاحتمال الإيقاع الحيوى فى غير الأحياء لأنه ليس من اختصاصى وأعتقد أن قوانيه أصعب لكننى  أميل إلى ترجيحه.

[3] – ملحق كتاب حيرة طبيب  نفسى، “مستويات الصحة النفسية على طريق الت

[4] – مجلة فصول، المجلد الخامس-العدد الثانى- سنة1985.

[5] – صدر أول طبعة فى 1979 باسم “حكمة المجانين” ([5]) جاءت هذه العبارة: “دراسة فى علم السيكوباثولوجى”

[6] = “The brain rebuilds itself”

[7] – A Processor of Energy and Information

[8] – حكمة المجانين (سنة 1980)  حاليا “فتح أقفال القلوب” (تحت الطبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *