الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (19) النوم والأحلام، (وفرصة لالتقاط الأنفاس): “قراءة” النص البشرى، قبل “نقده”

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (19) النوم والأحلام، (وفرصة لالتقاط الأنفاس): “قراءة” النص البشرى، قبل “نقده”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 5-7-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2865

 الأساس فى الطب النفسى 

الافتراضات الأساسيةالفصل السادس:

ملف اضطرابات الوعى (19)

النوم والأحلام، (وفرصة لالتقاط الأنفاس):

“قراءة” النص البشرى، قبل “نقده”

ها هو البحث فى ملف الوعى، بل متاهة الوعى،  يسحبنا إلى  أصعب وأغمض ما يمكن الإحاطة به: منطقة الحلم والأحلام، وهى برغم ما شاع عنها وأُسهـِم فيها، وبقدر ما استُعملت فى الحق وفى الباطل، فى العلم وفى عكسه، لا تزال أبعد عن التناول بدقة كافية، وأمانة لازمة، وإحاطة موضوعية، من  أول تفسير الأحلام الشعبى والدينى، حتى تفسير الأحلام لسيجموند فرويد وبعده، مرورا بوظائف الحلم والنوم، احتراما لتجارب الحرمان من النوم، والحرمان من نوم الريم(1)= REM Sleep) بالذات، وهو النوم الملىء بنشاط عمليات الحلم التنظيمية .

هكذا وجدتُ نفسى أمام تحدٍّ شامل أصعب وأرحب، وحين جمعت ما سبق أن كتبته عن الحلم والأحلام، وجدت أننى كتبت أكثره فى مجال النقد الأدبى(2)، أما عن ممارستى المهنية فقد وجدت أننى تعرفت على طبيعة الوعى عموما، بما فى ذلك طبيعة الحلم من خلال عملية تشكيل الوعى الجمعى أثناء ممارستى العلاج الجمعى، وأيضا من خلال العلاج المكثف للذهانيين، وخاصة الفصام.

حين هممت أن أجمع كل ذلك بالإضافة إلى ما وصلنى مؤخرا عن الوعى، وبالذات الوعى الكوانتى(3) وكيف أن المخ البشرى يعيد بناء نفسه باستمرار (وبإضافة من عندى: ومن خلال الإيقاع الحيوى بالذات) حين فعلت كل ذلك وجدت أننى أبتعد عن الاسم  الأصلى لهذا الكتاب الذى بين أيدينا، مع أنه ليس إلا جزءا من فصل من فصوله هو فصل “اضطرابات الوعى”، وهنا غمرتنى إفاقة تطلبت هذه الوقفة للتفكر والمراجعة:

بدأتْ محاولة تحرير هذا الكتاب!! بفضل الله وفضل تورّطى فيما يسمى نشرة “الإنسان والتطور” اليومية، فى موقعى، وبفضل ترحيب وتشجيع الإبن والزميل والصديق د.جمال التركى، رئيس شعن، بدأت فى 6 أكتوبر سنة 2010 ، ونحن الآن فى 3 يوليو 2015 ،  أى أنها قاربت أن تتم عامها الخامس.

وقد بدأت الفكرة الأساسية باقتراح من مجموعة من الشباب والشابات أطباء تحت التدريب، حين طلبوا منى أن أنشر ما كتبت، وأن أكمل ما سوّدت، فى الطب النفسى خاصة بما فى ذلك الأساسيات النظرية لممارسته، وذلك كما ورد فى(نشرة 13-10-2010)، وحين أخطرتهم أننى كتبته فعلا، وأن مسوداته كاملة عندى، وأنه ثنائى اللغة، (بالعربية والإنجليزية)، وذلك منذ أكثر من عشرين عاما، تحمسوا أكثر وطلبوا منى أن أقوم بتحديثه ونشره، وحين نبهتهم أن ما حدث فى خبرتى ولمعرفتى خلال هذه العشرين عاما يلزمنى بمراجعات كثيرة، وإضافات لا أعرف حجمها، وأننى خاصمت الإنجليزية أكثر فأكثر لأسباب خاصة وعامة، أصرّوا وتعهدوا أن يقوموا هم بترجمة الجديد، وكذا وكيت، إلى آخره

بدأت فى كتابة الكتاب باسم “الأساس فى الطب النفسى”، وبديهى أن أبدأ بالمنطلقات الأساسية من أول ماهية الصحة النفسية، وتعريف المرض، ثم الأعراض وهكذا، وقد فعلت من ناحيتى طوال خمس سنوات تقريبا ما استطعت بشكل دورى منتظم فى هذه النشرة اليومية “الإنسان والتطور”  (من نشرة: 26-10-2010 حتى اليوم)

ولم يف أى منهم بما وعد، ولا لوم على أحد فقد تشعبت الأمور إلى غير ما اتفقنا عليه، ولا أظن أن أحدا – باستثناء قلة أعرفها وربما ندرة أخرى لا أعرفها– استطاع أن يواصل المتابعة والنقد والتصحيح ولكل عذره، ولم أتراجع.

راحت النشرات تنشر تباعا بهذا الاسم الذى اتفقنا عليه”الأساس فى الطب النفسى”، بدءا بمحاولة تحقيق  ذلك  الغرض المعلن  المحدود إلى ما وصلنا إليه دون حدود.

 روح يا زمان تعالى يا زمان، حتى كان ما كان ” مما علمتم وذقتموا، وما هو عنه “بالحديث المرجـَّمِ”(4)، ونحن بعدُ لم نبرح ما أسميته الافتراضات الأساسية التى رأيت أنها تمهيد لازم للتعرف على أية وظيفة نفسية مما سوف أتعرض لتعداد حالات اضطرابها فى صورة أعراض وأمراض.

عدت أراجع نفسى، وأنا أحاول ألا أبرر استطرادتى المطولة باختفاء “أصحاب المصلحة” من الصورة، فوجدت أن كل ما فعلته هو أننى رحت اعرض موقفى، وخبرتى، ومعرفتى، بالنسبة لكل وظيفة نفسية، قبل ان أتكلم عن اضطراباتها، وذلك  من أول “ماهية الصحة النفسية” حتى ما وصلنا إليه الآن فى “متاهة الوعى”، وإذا بى، كما رأى المتابع يجد نفسه يتنقل بين مئات الصفحات فيما يسمى بملفات، فمثلا بلغ  “ملف الإدراك” (874 صفحة) و”ملف الوجدان” (443 صفحة من القطع الكلبير A4)….إلخ ، وكان المفروض أن يكون كل ملف مجرد فصل فى كتاب، حتى  وصلنا إلى ملف الوعى، ولم ننته بعد من وصف الأعراض بالنسبة له!!

ثم إننى فجأة رحت أراجع العنوان وأتساءل: أهذا الذى كتبته وأكتبه هو “الأساس فى الطب النفسى” أم هو “أساس الطب النفسى”؟؟

جاءتنى الإجابة فانتبهت من جديد: إن كل خبرتى فى محاولة التعرف على ما هو “ربى كما خلقتنى”: تنقسم إلى قسمين:

القسم الثانى: هو ما أسميته “نقد النص البشرى” والذى أعنى به “الإسهام من خلال مهنتى فى إعادة تشكيل المخ (حالة كونه يعيد بناء نفسه باستمرار، كما تأكد ثبوته حديثا)(5) لكل من المريض حتى يشفى وينطلق، وكذا مخ الطبيب/المعالج حتى ينمو ويتقن حمل الأمانة،

أما القسم الأول: فهو ما خطر لى الآن  حين انتبهت إلى أننى لم افعل إلا ما أفعله فى ممارستى للنقد الأدبى، وهو ما يلى للتذكرة:

 من البديهى أنك لكى تنقد نصا أدبيا لا بد أن تقرأه أولا، وقراءة النص تعنى الإلمام بماهيته وطبيعة تشكيله وغايته ومساره، وأعتقد أن هذا هو بعض ما قمت به بالنسبة للنص البشرى – حتى الآن-  فى هذه السنوات الخمس، بمعنى أننى ما زلت فى مرحلة توصيل ما وصلنى من “قراءة النص البشرى” قبل الانتقال إلى كيفية نقده.

أما القسم الثانى: وهو “نقد النص البشرى” (العلاج) فهو ما لم افتحه فى هذا العمل بالذات إلا  نادرا واضطرارا، فى حدود لمحات ضرورية للتذكرة المبدئية،

وحين وصلت إلى “متاهة الوعى” وحين هممت أن أتناول هذه المنطقة الخاصة بالحلم والأحلام، رحت أرتب خواطرى وآرائى ومعلوماتى فى حدود ما وصلنى من خبرتى واجتهاداتى من كل المصادر المتاحة، فوجدت ما يلى:

أولا : يبدو أنه قد آن الأوان لأغير عنوان هذا العمل من “الأساس فى الطب النفسى” إلى “أساسيات الطب النفسي” بل ربما  إلى ما صدّرت به هذه النشرة أى: “قراءة النص البشرى قبل نقده”.

ثانيا: وجدت أن علىّ أن اضمن هذا الجزء الحالى فى ملف متاهة الوعى أغلب ما انتهيت إليه عن الحلم والأحلام فى دراساتى النقدية للنص الأدبى،

وهكذا انتبهت مجددا إلى أن المسألة ليست إضافة كتاب بالعربية يعدد الأعراض ويصف الأمراض، وإنما هى نقل خبرة بشرية معرفية لأصحابها (لم أحددهم بالأطباء بالذات) لعل فى ذلك ما يخفف عنى الشعور بالتقصير فى حمل الأمانة بشكل أو بآخر.

وفيما يلى بعض الخطوط العريضة التى أتمنى شرح موقفى منها فى هذا الجزء من هذا العمل، وأبدأ بالمنطلقات (الفروض) الأساسية:

1) النوم حالة وعى إيقاعية تبادلية وليست غيابا أو نفيا لوعى اليقظة.

2) الحلم (النشط: حلم الريم REM) هو حالة وعى إيقاعية تبادلية أخرى داخل وعى النوم.

3) اليقظة هى حالة وعى إيقاعى ثالثة تتبادل مع حالة وعى النوم  (بما يشمل وعى الحلم).

4) الإبداع هو حالة وعى فائق يحتوى بجدل نشط معظم الانواع السابقة من الوعى وغيرها.

5) الاغتراب فى فرط العادية على حساب حركية الإيقاع التبادلي والجدلى بين مستويات الوعى: هو من أخطر ما يهدد النوع البشرى حاليا برغم عدم إدراجه –عادة – ضمن المرض الصريح.

6) الجنون فى أخطر صوره السلبية (الفصام المتفسخ المتدهور) هو تخثر فى مستويات الوعى (جيمعها تقريبا) لدرجة الحيلولة دون أى تبادل إيقاعى مناسب بينهاُ  فضلا عن انتفاء أى احتمال للجدل نحو الواحدية.

أما بالنسبة للنوم والأحلام فقد فضلت أن أنبه ابتداءً إلى موقفى من دراساتها، وبالذات تفسيرها على الوجه التالى:

1- إن التركيز على “الحلم المحكى” يتم على حساب استيعاب وظيفة النوم والحلم التنظيمية والإبداعية.

2- إن الحلم المحكى، مهما بلغت دقة رصده، فحكيه، واجتهادات تفسيره، لا يمثل إلا جزءا يسيرا جدا من زمن نشاط عملية الحلم الإيقاعية والإبداعية، فضلا عن ترجيح علاقة وثيقة بينه وبين حقيقة العملية التى يمكن أن يكون الحلم المحّكى ليس إلا زبدا طافيا بالنسبة لها (أنظر بعد).

3- إن تفسير الحلم المحكى قد يكون على حساب تلقائية التبادل وإعادة البناء الحيوى الطبيعية. (بما فى ذلك التفسير التحليلى النفسى)

4- إن هذا لا يعنى إهمال كل ما يُحكى على أنه حلم، ولكنه ينبه إلى محدودية الإفادة، وأيضا احتمالات القصور فى معنى رموزه وقيمة حضوره.

5- إن العلاقة بين الحلم والإبداع والجنون تبدأ من تماثل بداية العمليات الثلاثة مع الاختلاف الشديد بين نتائجها، وفى نفس الوقت فإن المقارنة ممكنة ومفيدة.

6- إن الوعى الجمعى، والجماعى، وكذا ما يسمى اللاوعى الجمعى (المستوى الأعمق من الوعى المشترك) تسهم جميعا فى إيقاعية وإبداع الأحلام طول الوقت.

وبعد

حين تجمعت هذه الفروض لدى من واقع أعمالى النقدية أساسا، توازيا مع خبرتى العلاجية خاصة مع الذهانينن وفى العلاج الجمعى، وجدت أن ما أريد توصيله قد لا يتم إلا بالاستعانة ببعض دراساتى النقدية السابقة بالتفصيل، إلا أننى خشيت أن  يبعدنا ذلك عن الفكرة المحورية التى يدور حولها هذا العمل. أنا لا أعرف بعد كيف سوف أستفيد من دراساتى النقدية للنص الأدبى فى هذه المنطقة بالذات بما ينفع الطبيب والمعالج بشكل مباشر أو غيرمباشر.

ننتظر لنرى.

[1] – هذه الكلمة نحتها المرحوم أ.د. أحمد مستجير تعريبا لكلمة REM التى تعنى Rapid Eye-Movement وصفا لنوم حركة العين السريعة، والذى يسمى أيضا : النوم النقيضى  Paradoxical Sleep

[2] – مثلا: الموت‏ … ‏الحلم‏ … ‏الرؤيا (‏القبر‏ / ‏الرحم‏)‏ فى  الأفيال: فتحى غانم” – “رأيت فيما يرى النائم : نجيب محفوظ” – “أحلام فترة النقاهة: نجيب محفوظ”“ليل آخر: نعيم عطية”، “اسم أخر للظل: حسنى حسن” –  “يقين العطش: إدوار الخراط”– هذا فضلا عن الدراسات فى النقد مثل: “العلوم النفسية والنقد الأدبى” و”الإيقاع الحيوى ونقد الإبداع”.

[3] – Quantum Consciousness

[4] – رجــًّم : تكلم بالظـّن

[5] – a) The Brain That Changes Itself Stories of Personal Triumph from the Frontiers of Brain science” Edited by: Norman Doidge, M.D. Copyright: 2007.

  1. b) The Neuroscience of Psychotherapy Building and Rebuilding the Human Brain” Edited by: Louis Cozolino, Ph.D. Copyright: 2002

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *