الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (17) تابع: اضطرابات الوعى والانتباه ثانيا‏-‏ إضطرابات‏ ‏الوعى

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (17) تابع: اضطرابات الوعى والانتباه ثانيا‏-‏ إضطرابات‏ ‏الوعى

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 28-6-2015

السنة الثامنة

العدد: 2858

 

الأساس فى الطب النفسى 

الافتراضات الأساسيةالفصل السادس:

ملف اضطرابات الوعى (17)

تابع: اضطرابات الوعى والانتباه

ثانيا‏-‏ إضطرابات‏ ‏الوعى

مقدمة:

بعد هذه الإحاطة والحيرة فى متاهة الوعى، هل يمكن وصف اضطرابات الوعى كما عهدنا أن نصفها، وهل يمكن تصنيفها أو تقسيمها كما اعتدنا بالنسبة لسائر الوظائف؟

الإجابة المبدئية هى: لا مفر من المحاولة

فيما‏ ‏يلى ‏أهم‏ ‏اضطرابات‏ ‏الوعى ‏(طبعا باستثناء اضطرابات الانتباه التى سبق تقديمها، واضطرابات النوم التى سترد لاحقا):

‏1- ‏فرط‏ ‏الدراية‏ (‏حدّة‏ ‏الوعى‏):

‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏حدة‏ ‏الانتباه‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏زيادة‏ ‏قوة‏ ‏الانتباه‏ ‏ومداه‏ ‏بالنسبة‏ ‏للعالم‏ ‏الخارجى، ‏فإن‏ ‏فرط‏ ‏الدراية‏(1) ‏تشير‏ ‏إلى ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏بالنسبة‏ ‏للعالم‏ ‏الداخلى ‏أساسا‏. ‏وقد‏ ‏يصل‏ ‏الأمر‏ ‏إلى ‏ممارسة‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الحدس‏ ‏الصادق‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏حالات‏ ‏الذهان‏ ‏المبكر‏ ‏أو‏ ‏بدايات‏ ‏الاضطرابات‏ ‏الوجدانية‏ الجسيمة (وكذلك فى بعض حالات الإبداع والوجد الصوفى مما لا مجال لذكره كاضطرابات أصلا).

هذا‏ ‏وينبغى ‏التمييز‏ ‏بين‏ ‏فرط‏ ‏الدراية‏ ‏وبين‏ ‏الاستبطان‏ ‏المرضى ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏الأخير‏ ‏يتصف‏ ‏بفرط‏ ‏الذهننة(2)، ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏فرط‏ ‏الدراية‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏خبرة‏ ‏معيشة‏ ‏تظهر‏ ‏أكثر‏ – ‏فى ‏شكلها‏ ‏المرضي‏‏ ‏فى ‏بدايات‏ ‏الذهان‏ ‏حين ‏ ‏يبدو‏ ‏المريض‏ ‏وكأنه‏ ‏يقرأ‏ ‏من‏ ‏كتاب‏ ‏مفتوح‏ ‏وهو‏ ‏يصف‏ ‏عالمه‏ ‏الداخلى ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏العملية‏ ‏الإمراضية‏  وتسلسل تكوين‏ ‏الأعراض‏ ونوعية حضورها وموقفه منها، ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏ ‏ تبدو بعض أعراض‏ ‏الذهان‏ ‏المبكر فى هذا المجال، وحتى الذهان النشط  المتمادى، ‏وكأنها‏ ‏مجرد‏ ‏تعرية‏ ‏لما‏ ‏هو‏ ‏فى ‏الواقع الداخلى فعلا (المسمى غالبا بلغة التحليل: اللاشعور)، فهى أقرب إلى أن تكون: تعرية واقع آخر أكثر منها تكوين أعراض،  وينطبق ذلك ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏على ‏كثير‏ ‏من‏ ‏أعراض‏ ‏شنايدر‏ ‏من‏ ‏المرتبة‏ ‏الأولى ‏Schneider’s First Rank Symptoms حيث‏ ‏تعتبر‏ ‏خبرة‏ ‏معيشة‏ ‏نابعه‏ ‏من‏ ‏الداخل‏ ‏بأقل‏ ‏جرعة‏ ‏من‏ ‏الذهـْنََنةِ‏ ‏والإسقاط‏.، لذلك مجموعة هذه الأعراض متواترة فى الحالات الباكرة من الفصام ونادرة فى الحالات السلبية المتأخرة.

ويبدو‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الخبرة‏ ‏الإكلينيكية‏ ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏الذى ‏يحكى ‏عن‏ ‏داخله‏ ‏بطلاقة‏ ‏ومصداقية‏(3)– ‏وخاصة‏ فى ثقافتنا حيث لم تتنور (أو تتلوث) برطان التحليل النفسى كثيرا، لا بد أن يكون الاقتراب منه من خلال احترام خبرته مهما بدت غريبة على الفاحص شخصيا، وليس معنى احترام خبرته التسليم لها أو تدعيمها، وإنما المطلوب هو الانطلاق منها إلى ما يمكن، فهى عادة خبرة تقع ‏ ‏بين‏ ‏الإبداع‏ ‏وخطر‏ ‏بداية‏ ‏خبرة‏ ‏ذهانية‏، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏الباحثين‏  ‏الفينومينولوجيين‏  ‏إنما‏ ‏يعتمدون‏ ‏على ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الخبرات‏ ‏إذ‏ ‏يسمحون بتدريب‏ ‏هذا‏ ‏الجانب‏ ‏الأعمق‏ ‏من‏ ‏الدراية‏ ‏المباشرة‏ ‏فى ‏معايشة‏ ‏ذواتهم‏ ‏مع حالات من يفحصون فى نفس الوقت، ‏وبهذه‏ ‏الخاصية‏ ‏يمكنهم‏ ‏أن‏ ‏ينتقلوا‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏هو‏ ‏بعد‏ ‏ظاهر‏ ‏العرض‏ ‏دون (أو حتى قبل)‏ ‏الاستغراق‏ ‏فى ‏التأويل‏ ‏والتفسير والتنظير.

الأسلم فى كل الأحوال، ومع استثناء من يحضر للفحص نتيجة لإعاقة واضحة أو أذى محتمل، أن نبدا فى مواجهة مثل هذه الخبرات بالقبول المبدئى قبل الإسراع فى دمغ المريض بما نعرف من اضطرابات صريحة، مع الأخذ فى الاعتبار كل العوامل المُنذرة بما فى ذلك التاريخ الأسرى بالتفصيل (فى مجالات  الذهان والإبداع والظواهر الدورية عموما) ، باعتبار أن ‏ ‏فرط‏ ‏الدراية‏ ‏ليست‏ ‏عرضا‏ ‏دائما‏ عادة، ‏وقد يجوز – فى ظروف صحية محتوية- ‏ ‏استيعاب‏ ‏هذه‏ ‏الرؤية‏ ‏الأعمق‏ ‏لتوليف‏ ‏أعلى ‏يسمى ‏أحيانا‏ “‏المستوى ‏الفائق ‏للوعى”  بما له من تصنيفات إيجابية لا مجال لتعدادها هنا .  ‏

‏2- ‏فقر‏ ‏الدراية‏: 

هذا العرض ‏هو‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مجرد‏ ‏نقص‏ ‏الانتباه‏ ‏لأنه‏ ‏يشمل‏ ‏عادة‏ ‏هبوطا‏ ‏فى ‏كل‏ ‏من‏: ‏الانتباه،‏ ‏والإدراك،‏ ‏والرنين‏ ‏الوجدانى، ونشاط العقل الوجدانى الاعتمالى معا، ‏وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏يوصف‏ ‏المريض‏ ‏بأنه‏ ‏متبلد‏ ‏بسبب‏ ‏بطء‏ ‏وضحالة‏ ‏استجابته‏،  ‏وهو‏ ‏عرض‏ ‏مرتبط‏ ‏بتقلص فى محيط الإدراك، وفتور فى حدة‏ ‏الانتباه، وبطء فى‏ حضور‏ ‏البديهة‏ ‏معا‏، ‏حيث‏ ‏تبدو‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الجوانب‏ ‏وقد‏ ‏همدت‏ ‏وبعدت‏ ‏عما‏ ‏اعتاده‏ ‏الشخص‏ ‏من‏ ‏نفسه‏ ‏أو‏ ‏اعتاده‏ ‏الآخرون‏ ‏منه‏ ‏قبل‏ ‏ذلك‏.‏

ولايوصف‏ ‏المرء‏ ‏بهذا‏ ‏الوصف‏ -‏ فقر‏ ‏الدراية‏- ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ذلك ‏ناتجا‏ ‏عن‏ ‏تخلف‏ ‏عقلى‏، ‏ومع ذلك  ‏فإن‏ ‏بعض‏ ‏المتخلفين‏ ‏عقليا‏ ‏قد‏ ‏يتصف‏ ‏بدرجة‏ ‏عالية‏ ‏من‏ ‏الدراية‏ ‏الحدْسية‏ ‏فيصف‏ ‏عالمه‏ ‏الداخلى، أو داخل الآخرين بشكل تلقائى، ‏ ‏فى ‏جمل‏ ‏قصيرة‏ ‏ودالة‏ ‏وصادقة‏، ‏مما‏ ‏قد‏ ‏يجعل‏ ‏بعض‏ ‏العامة‏ ‏يثقون‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الحدس‏ ‏حتى ‏التبرك بهم أو التفاؤل بما يخرج منهم، وهذا ما يُلاَحَظُ ‏فى ‏بعض‏ ‏المناطق‏ ‏الريفية‏ ‏والشعبية‏ ‏لدينا، ويمكن أن يمثل هذا الموقف مبررا لقبولهم وتحملهم وتجنب السخرية منهم.

وفى حالة زيادة فقر الدراية إلى درجة العجز عن ‏التعرف‏ ‏على ‏الزمان‏ ‏والمكان‏ ‏والأشخاص، فإن ذلك يمكن أن يعتبر نوعا من التوهان اذى سبقت مناقشته، وإن كنت لا أميل إلى الموافقة على ذلك.

‏3- ‏السبات  Stupor‏: ‏

وهو‏ ‏درجة‏ ‏قصوى ‏من‏ ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏الاستجابة،‏ ‏ولكنها‏ ‏لا‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏الغيبوبة‏، ‏وهو‏ ‏اضطراب‏ ‏فى ‏مستوى ‏التيقظ حين‏ ‏ ‏تنغلق‏ ‏الحساسية‏ ‏للمثيرات‏ ‏بدرجة جسيمة‏، ‏والمريض‏ ‏فى ‏السبات‏ ‏لا‏ ‏يستجيب‏  ‏للبيئة‏ ‏استجابة‏ ‏طبيعية‏ ‏إذ‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يستجيب‏ ‏إلا‏ ‏للمؤثرات‏ ‏الشديدة‏ ‏الحدة‏ جدا ‏من‏ ‏النوع‏ ‏المؤلم‏ ‏خاصة‏.‏

ويتواتر‏ ‏السبات‏ ‏فى ‏الطب‏ ‏عموما  ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏الغيبوبة‏ ‏وله‏ ‏دلالات‏ ‏مختلفة‏ ‏حسب‏ ‏نوع‏ ‏السبات‏، ‏وأنواع‏ ‏السبات‏ ‏فى ‏الاضطرابات‏ ‏النفسية‏ ‏تشمل‏ ‏صفات‏ ‏خاصة‏ ‏بكلٍّ ، نورد بعضها فيما يلى:

ا)  ‏السبات‏ ‏الكاتاتونى ‏Catatonic Stupor: وفيه يحتفظ‏ ‏المريض‏ ‏بدرجة‏ ‏من‏ ‏الانتباه‏ ‏السلبى (‏الذى ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏أكثر‏ ‏حدة‏ ‏من‏ ‏الشخص العادى، بل ومن حالة المريض نفسه حين كان عاديا، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل مع الحديث عن “الانتباه” (نشرة 1/6/2015) ‏وقد‏ ‏يبدو ذلك‏ ‏لإكلينيكى ‏خبير‏: ‏فى “‏لغة‏ ‏العينين‏” ‏رغم‏ ‏النظرات‏ ‏الظاهرة‏ ‏الجمود‏، ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏مما‏  ‏يظهر‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏العجز‏ ‏التام‏ ‏عن‏ ‏الاستجابة‏، ‏وتتأكد‏ ‏مسألة‏ ‏حدة‏ ‏الانتباه‏ ‏السلبى ‏حين‏ ‏يحكى ‏بعض‏ ‏المرضى ‏ما‏ ‏جرى ‏تفصيلا‏ ‏حوله‏ ‏أثناء‏ ‏السبات،‏ (وقد ذكرنا ذلك أيضا من قبل).

وفى ‏السبات‏ ‏الكاتاتونى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نلاحظ‏ ‏ظاهرة‏ ‏المخالفة (أو الخُلف Negativism) ‏أو يحدث‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏التشكل‏ ‏الشمعى Flexibilitas cerea  ‏أوغير‏ ‏ذلك من‏ ‏أعراض‏ ‏الجمود الكاتاتونى ‏السالفة ‏ ‏الذكر‏.‏

ب)  السبات‏ ‏الاكتئابى ‏Depressive Stupor: وفيه يبدو‏ ‏المريض‏ ‏ ‏فى ‏درجة‏ ‏قصوى ‏من‏ ‏الهمود‏ ‏الحركى ‏والحسي‏، ‏كما‏ ‏يمكن‏ ‏ملاحظة‏  ‏معالم‏ ‏الاكتئاب‏ ‏على ‏تعبيرات‏ ‏الوجه‏ ‏وفى ‏نظرة‏ ‏العينين‏، ‏ويبلغ‏ ‏الهمود‏ ‏درجة‏ ‏قصوى ‏تبدو‏ ‏فى ‏البكم‏ ‏وعدم‏ ‏القدرة‏ ‏حتى ‏على ‏بلع‏ ‏اللعاب‏  ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏الإمساك‏ ‏واحتباس‏ ‏البول‏.‏

على ‏أن‏ ‏تشخيص‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏السبات‏ ‏الكاتاتونى ‏والسبات‏ ‏الاكتئابى ‏يعتمد‏ ‏أيضا‏ ‏على ‏المعلومات‏ ‏الخاصة‏ ‏بالتاريخ‏ ‏السابق‏ ‏والحالة‏ ‏التى ‏كان عليها‏ ‏المريض‏ ‏قبيل‏ ‏استغراقه‏ ‏فى ‏السبات‏. ‏

جـ) السبات‏ ‏الانشقاقى‏: Stupor‏: Dissociative ‏ ‏وهنا يبدو انخفاض حدة الوعى الظاهر أقرب إلى الفعل الإرادى حتى يُظن بالمريض الادعاء، أو المبالغة الدرامية،  ‏وتبدو‏ ‏استجابة‏ ‏المريض‏ ‏فيها ‏وكأنه‏ ‏يشعر‏ ‏بالمؤثر‏ ‏لكنه‏ ‏يكاد‏ ‏يقصد‏ ‏عدم‏ ‏الاستجابة‏ ‏مما‏ ‏لا‏ ‏يخفى ‏على ‏ممارس‏ ‏إكلينيكى ‏حاذق، ولا يصح أن يتخذ الفاحص موقف الاتهام للمريض فى هذا النوع من السبات وكأنه يتصنع، ذلك لأنه مهما بدا كذلك، فإن تغير الوعى يحدث نتيجة لقرار من الوعى الباطن (اللاوعى) ، وبالتالى فإن التعامل مع المريض ينبغى أن يكون باعتباره مريضا مهما بلغ وضوح “المكسب الثانوى” الناتج عن ظهور المرض مثل اغلب أنواع الانشقاق  و التحول الهستيرى عموما.

ء) السبات‏ ‏العضوى  ‏ : Organic Stupor فى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏يبدو‏ ‏المريض‏ ‏أبعد‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏عن‏ ‏أى ‏نوع‏ ‏من‏ “‏الحضور‏ ‏ذى ‏المعنى”، ‏فلا‏ ‏هو‏ ‏منسحب‏ ‏غاطس‏، ‏ولا‏  ‏هو‏ ‏مكفهـِرٌَ‏ ‏غاضب، ولا هو ‏حزين خامد‏، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏غارق‏ ‏فى ‏غيامة‏ ‏العجز‏ ‏العضوى ‏نتيجة‏ ‏لخلل‏ ‏الجهاز‏ ‏الضرورى ‏للحفاظ‏ ‏على ‏اليقظة‏ ‏وأداء‏ ‏الاستجابة، ‏وعادة‏ ‏ما‏ ‏يصاحب‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏السبات‏ ‏الأقرب‏ ‏إلى ‏الغيبوبة‏ ‏درجة‏ ‏من‏ ‏الهذيان‏ ‏واضطرابات‏ ‏الإدراك‏، ‏وكذلك‏ ‏يمكن‏ ‏االانتباه‏ ‏إلى ‏بعض‏ ‏علامات‏ ‏أسبابه‏ ‏العضوية‏. ‏ويلاحظ‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏السبات‏ ‏العضوى ‏قد‏ ‏يختلط‏ ‏بالسبات‏ ‏الكاتاتونى ‏لاشتراكهما‏ ‏فى ‏غلبة‏ ‏المصاحبات‏ ‏العضوية‏ ‏من‏ ‏ناحية‏، ‏وكذلك‏ ‏لبعدهما‏ ‏الأقصى عن‏ ‏الواقع‏ ‏المحيط‏.‏

‏4- ‏الغيبوبة‏: ‏

نادرا‏ ‏ما‏ ‏تستعمل‏ ‏كلمة‏ ‏غيبوبة‏ ‏فى ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏، ‏وما‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏هناك‏ ‏سبب‏ ‏عضوى ‏محدد‏ ‏للغيبوبة‏ ‏فإن‏ ‏الغيبوبة‏ ‏بالمعنى ‏المطلق‏ ‏تصبح‏ ‏نادرة‏ ‏فعلا‏ ‏بالمقارنة‏ ‏بالسبات‏، ‏ولا‏ ‏يعتبر‏ ‏المريض‏ ‏فى ‏غيبوبة‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏منفصلا‏ ‏نهائيا‏ ‏عن‏ ‏الواقع‏ ‏ومنعدم‏ ‏الاستجابة‏ ‏لأى ‏مثير‏ ‏مهما‏ ‏بلغت‏ ‏حدته‏، فهى حالة عضوية أساسا، وينبغى أن تفحص بكل دقة مع إجراء الأبحاث والاستقصاءات اللازمة بأسرع وأدق ما يمكن،  فقد يمكن إزالة سببها العضوى إن وصلنا إليه.

5- ‏الخُدَار‏:

‏وهو‏ ‏نوع‏  ‏من‏ ‏همود‏ ‏الوعى ‏يبدو‏  ‏أقرب‏ ‏إلى ‏حالة‏ ‏النوم‏  ‏منه‏ ‏إلى ‏حالة‏ ‏السبات‏.  ‏فبينما‏ ‏يكون‏ ‏المريض‏ ‏يقظا‏ ‏يبدو‏ ‏عليه‏ ‏أنه‏ ‏بعيد‏ ‏تماما‏ ‏كما‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏متبلدا‏ ‏أو‏ ‏على ‏وشك‏ ‏النوم‏، ‏وقد‏ ‏يغطس‏ ‏فعلا‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏نوم‏ ‏أحيانا ‏ونفرق‏ ‏بين‏ ‏حالة‏ ‏الخدار‏ ‏وبين‏ ‏الهذيان‏ ‏بعدم‏ ‏وجود‏ ‏اضطرابات‏ ‏فى ‏الإدراك‏ ‏مثل‏ ‏الهلاوس‏ ‏أو‏ ‏الخداعات، ‏ويصاحب‏ ‏الخدار‏ ‏عادة‏ ‏درجة‏ ‏من‏ ‏الوظوب‏(4) ‏ترجح‏ ‏أيضا‏ ‏الطبيعة‏ ‏العضوية‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏أنه‏ ‏غالبا‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏دليلا‏ ‏على ‏حالة‏ ‏تسمم‏ ‏أو‏ ‏وذمة‏ (‏أوزيما‏) ‏بالمخ‏.‏

‏6- ‏تموّج‏ ‏مستوى ‏الوعى Fluctuation of Consciousnes :

تحدث‏ ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏أكثر‏ ‏ما‏ ‏تحدث‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏الهذيان‏ ‏الحاد‏ ‏وتحت‏ ‏الحاد‏ ‏Acute & Sub-acute Delirious States حيث‏ ‏تختلف‏ ‏درجة‏ ‏صفاء‏ ‏الوعى ‏من‏ ‏وقت‏ ‏لأخر‏، ‏فيصفو‏ ‏حتى ‏يصير‏ ‏طبيعيا‏ ‏ثم‏ ‏يتعتم‏ ‏بعد‏ ‏ساعات‏ ‏ونادرا‏ ‏بعد‏ ‏أيام، ‏وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏يتصور‏ ‏الممارس‏ ‏الأصغر‏ ‏أن‏ ‏المريض‏ ‏يتصنع‏ ‏من‏ ‏فرط‏ ‏ما‏ ‏يبدو‏ ‏سليما‏ ‏ثم‏ ‏يتغير‏ ‏فى ‏خلال‏ ‏ساعات‏‏، ‏وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏يحدث‏ ‏خلاف‏  ‏بين‏ ‏الملاحظين‏ (‏من‏ ‏الأطباء‏ ‏والتمريض‏ ‏مثلا‏) ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏شاهد‏ ‏المريض‏ ‏أحدهم‏ ‏أثناء‏ ‏إفاقته‏ ‏ثم شاهده‏ ‏الآخر‏ ‏أثناء‏ ‏غوصه‏ ‏فى ‏عـتمة‏ ‏الوعى ‏المتماوج‏ ‏حتى ‏لا‏ ‏يصدق‏ ‏أحدهما‏ ‏الآخر‏، ‏وحين‏ ‏تثار‏ ‏مسألة‏ ‏احتمال‏ ‏التصنع‏ ‏يدخل‏ ‏فى ‏التشخيص‏ ‏الفارقى ‏احتمال‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هذاالتموج‏ ‏انشقاقى ‏النوع‏ (‏=هستيرى‏ 1/جـ).‏

هذا‏ ‏وقد‏ ‏يبدوالوعى ‏متموجا‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏سبب‏ ‏عضوى ‏مثل‏ ‏مواجهة‏ ‏مواقف‏ ‏معينة‏ ‏أو‏ ‏تحت‏ ‏ضعوط‏ ‏معينة‏ ‏تستدعى ‏استعمال‏ ‏حيلة‏ ‏الانشقاق‏ ‏كما‏ ‏أشرنا‏، ‏ويمكن‏ ‏التفرقة‏ ‏بين‏ ‏تموج‏ ‏الوعى ‏العضوى ‏والانشقاقى ‏بالملاحظة‏ ‏الأعمق‏ ‏حيث‏ ‏يلاحظ‏ ‏أنه‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏السبات العضوى ‏يبدو‏ ‏المريض‏ ‏وكأنه‏ ‏يجاهد‏ ‏ليخفف‏ ‏من‏ ‏غيامة‏ ‏الوعى‏، ‏لكنه‏ ‏يعجز‏ ‏عن‏ ‏ذلك‏، ‏أما‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏السبات‏ ‏الانشقاقى ‏فإن‏ ‏العكس‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يحدث‏، ‏إذ‏ ‏كلما‏ ‏سهى ‏المريض‏ ‏حتى ‏كاد‏ ‏يستجيب للمؤثرات:  ‏سارع‏ – ‏أوبدا‏ ‏كأنه‏ ‏يسارع‏- ‏فى ‏الغوص‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏الاستجابة‏،‏ كذلك‏ ‏فإن ‏ ‏تموج‏ ‏الوعى ‏العضوى ‏يبدو‏ ‏كمـِّيا‏ ‏يزيد‏ ‏وينقص‏، ‏لكن‏ ‏تموج‏ ‏الوعى ‏الانشقاقى ‏يبدو‏ ‏نوعيا‏ ‏حسب‏ ‏نقلات‏ ‏الوعى ‏‏ونوع المؤثر ومحاولات الإفاقة.

ويستعمل‏ ‏تعبير‏ “تغييم‏ ‏الوعى”   Clouding of Consciousness‏لوصف‏ ‏حالة‏ ‏تجمَع‏ ‏بين‏ ‏تماوج‏ ‏الوعى وفتوره‏، ‏ويبدو‏ ‏المريض‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏وكأنه‏ ‏غارق‏ ‏فى ‏غيامة‏ ‏من‏ ‏وعى ‏آخر‏ ‏يغلف‏ ‏حضوره‏، ‏بينما‏ ‏الوعى ‏العادى ‏يحاول‏ ‏أن‏ ‏يطل‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏الغيامة‏ ‏المحيطة‏، ‏ومرة‏ ‏أخرى ‏نذكر‏ ‏أن‏ ‏عكس‏ ‏ذلك هو‏ ‏الذى ‏يحدث‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏الانشقاق‏ ‏حيث‏ ‏يبدو‏ ‏الوعى ‏وهو‏ ‏يختفى ‏أبعد‏ ‏كلما‏ ‏حاولنا‏ ‏الاقتراب من صاحبه ‏ ‏منه‏.‏

7- ‏الهذيان‏: Delirium

يعتبر‏ ‏الهذيان‏ ‏مركب‏ ‏أعراضى (‏زملة‏- ‏متلازمة‏Syndrome ) ‏مكون‏ ‏من‏ ‏اختلال‏ ‏بالوعى ‏مع‏ ‏أعراض‏ ‏أخرى ‏متعلقة‏ ‏أساسا‏ ‏باضطراب‏ ‏الإدراك‏ ‏والقلق‏ ‏الحركى، ‏وبالنسبة‏ ‏لحالة‏ ‏الوعى ‏فإن‏ ‏الاضطراب‏ ‏يتراوح‏ ‏بين‏ ‏التموج‏ ‏ونقص‏ ‏الحدة‏، ‏ويبدو‏ ‏المريض‏ ‏أحيانا‏ ‏وهو‏ ‏يحرك‏ ‏يديه‏ ‏وكأنه‏ ‏يمسك‏ ‏بأشياء‏ ‏غير‏ ‏مرئية‏ (‏خداعات‏ ‏حسية‏ ‏وهلاوس‏)، ‏كما‏ ‏قد‏ ‏يحرك‏ ‏يديه‏ ‏حركات‏ ‏ذات‏ ‏دلالة‏ ‏متعلقة‏ ‏بما‏ ‏اعتاده‏ ‏فى ‏مهنته‏ ‏أو‏ ‏حياته‏، ‏فإذا‏ ‏بدا‏ ‏وهو‏ ‏يفعل‏ ‏نفس‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏يفعله‏ ‏فى ‏مهنته‏ ‏مثلا (‏خاصة‏ ‏إن‏ ‏كان‏ ‏عاملا‏ ‏يدويا‏) ‏فإن‏ ‏ذلك‏ ‏يسمى ‏أحيانا‏: ‏هذيان‏ ‏مهنى.‏

وقد‏ ‏يكون‏ ‏الهذيان‏ ‏حادا‏ ‏أو‏ ‏تحت‏ ‏الحاد‏، ‏وفى ‏الحالة‏ ‏الأخيرة‏ ‏يكون‏ ‏اضطراب‏ ‏الوعى ‏أقل‏ ‏حدة‏ ‏وربما‏ ‏أكثر‏ ‏تموجا‏، ‏كما‏ ‏تبدو‏ ‏الوظائف‏ ‏أكثر‏ ‏تفكيكا‏ ‏وتناثرا‏ ‏حتى ‏تكاد‏ ‏تختلط‏ ‏بالتناثر‏ ‏الفصامى ‏الشديد‏.‏

[1] – مرة أخرى نذكر أن الدراية هى الكلمة التى اخترناها ترجمة لكلمة awareness

[2] – أحيانا أستعمل “الذهننة” بديلا عن “العقلنة” لأفيد Intellectualization، والمفيد أن أستقر على لفظ واحد حتى لا يختلط الأمر على المتلقى، وسوف أحاول أن أفعل!

[3]  – أنظر نشرات “فصامى يعلمنا”، وكثير مما نشر فى ملف “حالات وأحوال” سواء فى مجلة “الإنسان والتطور: من يناير 1980- إلى عدد أبريل ويونيه 2000 – 2001)  أو النشرة اليومية ( أول سبتمبر  2007 حتى تاريخه).

[4] –  Perseveration

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *