نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 24-5-2015
السنة الثامنة
العدد: 2823
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية: الفصل السادس:
ملف اضطرابات الوعى (7)
متاهة الوعى (3)
مستويات الوعى والتركيب العصبى الهيراركى
تأكد موقفى التطورى وعلاقته بمستويات الوعى قبل سفرى فى مهمتى العلمية فى باريس (1968 – 1969)، وكانت خطوطه العريضة غير محددة بعد، لكن فكرة هيراركية تركيبة الدماغ (المخ) التى ترجع أساسا إلى هوجلج جاكسون كانت أساسية فيه قبل أن تتضفر بقية النظريات التى أشرت إليها الأسبوع الماضى فى نبض التطور، أثناء هذه المهمة حضرت بانتظام رائد الطب النفسى الفرنسى هنرى إى، وكان يعرض حالة كل يوم اثنين فى مستشفى سانت آن، ثم يعقد بعده “سيمنارا” نظريا فى مكتبة نفس المشتشفى، فوجئت أنه يتبنى ما خطر لى بترتيب وتفصيل وعروض إكلينيكية متميزة، وكان دائم الإشارة إلى أن بدايته كانت من “هوجلج جاكسون” رائد الأمراض العصبية والفيلسوف والمفكر، وأن تطبيق فكر جاكسون فى ترتيب، (وانحلال) الجهاز العصبى، هو أفضل منطلق نفهم منه ترتيب الأمراض النفسية والعقلية وانحلالها، وقد قدرت أنه ينبغى على أن أقدم فكر هذين الرائدين كمنطلق تاريخى له حضوره المتجدد بما اضيف للفكر التطورى بعد ريادتهما.
رحت أبحث عن مختصر مفيد يعيننى فى تقديم هذين الرائدين خاصة فيما يتعلق بمستويات الوعى، وإذا بعمنا جوجل يهدينى إلى مقال متميز جامع جميل منشور بالعربية ، تحسبون أين ؟ فى مجلة “الإنسان والتطور ” عدد يناير 1981 عن جاكسون، ثم عدد إبريل 1981 عن هنرى إى. وكم كانت فرحتى وحمدى لله أن أتذكر برضا غامر دور هذه المجلة المتواضعة منذ السنة الثانية لظهورها هكذا، والأجمل أن المقالين العلميين كانا من إنشاء وتحرير أقدر وأقرب تلميذاتى (أصبحت استاذا واستشاريا فى المملكة المتحدة الآن) وهى أ.د. يسرية أمين.
قررت من فرط فرحتى أن أخصص نشرة اليوم وباكر لإعادة نشر هذين المقالين كاملين ، لأنهما يمثلان الفكر الأساسى الذى نقدمه من ناحية، ولأنها فرحة تأريخية ذات دلالة رائعة تستأهل الحمد لله، والشكر للإبنة أ.د. يسرية، وفيها ما فيها من معان أعجز عن التعبير عنها،
أهلا يسرية:
مجلة الإنسان والتطور
(تصدرها: الجمعية المصرية للطب النفسي التطورى)
عدد يناير 1981
جاكسون والجهاز العصبى والتطور
د. يسرية أمين
الموجز
تقدم هذه الدراسة رائدا من رواد الفكر التطورى، وهو الفيلسوف عالم الأعصاب والطبيب هوجلج جاكسون(1).
وتتناول صاحبة الدراسة فكره فى علاقته بتطور الجهاز العصبى أساسا وتأثيره على الفكر النفسى التحليلى ثم الفكر النفسى التطورى بصفه عامة هذا بخلاف دوره الأساسى فى مجال طب الأعصاب.
شهد القرن التاسع عشر بعثا لفكر التطور، فقد تحركت هذه الفكرة فى جميع المجالات العلميه، وقد وضع ثلاثة علماء بصماتهم بوضوح على فكرة التطور فى تلك الحقبة من الزمان وهم على التوالى، داروين وجاكسون وفرويد (إذ أن مدة حياة جاكسون تقع زمنيا بين داروين من جهه وفرويد من جهة أخري). ولقد قصر كل واحد من هؤلاء الثلاثة نفسه على وجهة معينة لهذه الظاهرة وتناولها بطريقة تختلف عن الآخر. وقبل أن نستعرض آراء جاكسون فى التطور نود أن نشير إلى بعض الفروق الأساسية بين آراء داروين وجاكسون، وفرويد وجاكسون وكيف أنه رغم الاختلاف الظاهرى فان فكرهم مكمل لبعضه البعض ويجمعه مفهوم أساسي.
داروين وجاكسون:
صرح جاكسون أن مايعنيه بكلمة التطور ليس مرادفا “للداروينية” “Darwinism” ولقد نبع فكره من تفسيره لأمراض الجهاز العصبى (كان جاكسون طبيبا للأمراض العصبية وفيلسوفا مفكرا) حيث اعتبر أن أمراض الجهاز العصبى أو “إنحلالها” هى نقيض للتطور، وهكذا أبرز جاكسون العلاقة الوثيقة والهامة، المتبادلة بين “الإنحلال” و”التطور” فى الجهاز العصبى حيث تمثل الأولى المرض فى حين تمثل الأخيرة التطور، أذ أن وظائف الجهاز العصبى تمثل نظاما تصاعديا بحيث أن أى مستوى أعلى يكفل دمج المستويات السفلى، وهذا النظام التصاعدى يمثل التدرج التطورى فى الفرد وهو تطور وظيفى قائم على مزيد من التمييز فى البناءات المسئولة عن هذه الوظيفة . فإذا كان داروين قد تناول التطور على مستوى الخلق ومنذ بدء الخليقة فإن جاكسون بعينه الثاقبة وملاحظاته الدقيقة رأى نموذجا للتطور فى إنحلال الجهاز العصبى للفرد.
فرويد وجاكسون:
إن جاكسون على عكس فرويد قد درس الحالات العقلية الناتجة من الاختلالات البنائية أو الصرعية فى المخ، أى أنه بحث فى الحالات العقلية ذات السببية اللاشخصية وقد ترتب على ذلك أن التجارب أو الخبرات المولدة للمرض- سواء كانت بينشخصية interpersonal أو شخصية personal ومتعلقة بنضج المريض – لم تكن ذات أهمية فى فكر جاكسون على العكس من فرويد. ولكن الملاحظ أن هناك تشابها فى روح الفكرة وإن اختلف الشكل : فكما أن كلمة إنحلال فى قاموس جاكسون تفيد ضمنا النقيض المرضى للتطور، فإن فكرة النكوص تصف – عند فرويد – التقهقر المرضى إلى الوظائف الطفلية فى السلوك والتفكير.
فإذا كان داروين قد بحث فى فكرة التطور على مستوى التاريخ الحيوى بأكمله فإن جاكسون قد لاحظ التطور فى البناء الوظيفى للجهاز العصبى أما فرويد فقد وجه اهتمامه إلى التطور فى الوظائف النفسية.
المعالم الرئيسية لنظرية جاكسون:
إن التقديم الأكثر وضوحا لنظرية جاكسون فى التطور والانحلال فى الجهاز العصبى موجود فى محاضراته “الكرونية” Croonian lectures ولكنه بالطبع قد أتقن ووسع وأضاف إلى مفهومه الأساسى فى كثير من أبحاثه اللاحقة.
لقد نظر جاكسون إلى الجهاز العصبى على أنه تسلسل متطور من المستويات المتفاعلة وهذا التسلسل المتدرج يعكس الامتداد التطورى للنوع، وبناء على ذلك فإن جاكسون تفهم الجهاز العصبى على أنه مكون من “مستويات دنيا” أو سفلى و “متوسطة” و “عليا” مرتبة ترتيبا تصاعديا، وقد فسر جاكسون هذه المستويات بلغة وظيفية وفسيولوجية أكثر منها تشريحية، ولكن كان لابد من وضع بعض التحديدات الطبوجرافية العريضة ببساطة لأنها قائمة، فالمستويات السفلى ممثلة فى بناءات النخاع الشوكى والساق المخية أما المستويات العليا فهى توافق المناطق الترابطية association areas الأمامية والخلفية بالمخ، وكما هو ملاحظ فهى نماذج غير واضحة ومن ثم لاتستطيع أن تعكس حدودا عامة لتقسيمات تشريحية. وبالنسبة للمستويات المتوسطة فهى ممثلة فى المنطقة الحركية لـ “فرييه” Ferrier والمنطقة القشرية للإحساس الأول والبناءات تحت القشرية المتعددة فى الجسم المخطط `corpus striatum بالإضافة إلى الكتل الرمادية تحت القشرية.
ولعل أهم مايميز فكر جاكسون هو فهمه للعقل البشرى فهما جديدا وذلك يرجع إلى إكتشافه وملاحظاته للنماذج الوظيفية ومظاهرها فى حالتى المرض والصحة، فهو كما يقول عن نفسه ليس “بمحدد” “Localiser” حيث قال “إنى لا أستعمل كلمة “وظيفية” بنفس المعنى الذى يعنيه كثير من أطباء الأمراض العصبية حينما يقولون إن جميع أعراض هذا المريض وظيفية (بمعنى عدم وجود خلل عضوى ظاهر) ولكنى أستعملها كصفة لكلمة وظيفة (مباشرة) حيث تعتبر وظيفة المادة العصبية هى إختزان واستهلاك الطاقة، وهكذا فإنى أستعمل لفظ وظيفة للاشارة إلى ديناميكا وفسيولوجيا الجهاز العصبي”.
وعلى هذا فإن العقل تحول من خلال فكر جاكسون من مجرد عضو تشريحى إلى عضو ديناميكى، قائم على التمييز الوظيفى المتصاعد وليس على التحديدات التشريحية لتجمعات الخلايا العصبية.
المستويات السُّفلى:
باللغة الوظيفية، يشير جاكسون إلى أن نشاطات هذه المراكز أوتوماتيكية (أى يقل فيها عامل الإرادة) وهى “الأكثر ثباتا ونظاما والأقل تعقيدا”وهى كذلك الأكثر مقاومة للتأثيرات المرضية التى يتعرض لها المخ بأكمله، وهى الأكثر قدرة على الوقوف فى وجه الإنحلال التدريجى المنتظم، وهى الأكثر قدما فى التطور النوعى وهى الأكمل والأكثر نضوجا وفاعلية منذ الولادة، ولكى يوضح جاكسون مايعنيه فإنه يضرب مثلا مشيرا إلى الصفات الوظيفية للمراكز الحية الخاصة بالتنفس وبالدورة الدموية، فتلك الأخيرة أو ماشابهها من بناءات سفلى أشياء أكيدة “Certainties” ففى هذه المراكز لاتوجد حاجة إلى مزيد من التطور والتعلم أو أى نشاط بديل لهما. فهى متطورة إلى حد الكمال بالنسبة للأغراض التى تقوم بها.
المستويات العليا:
كما هو متوقع، فإن الصفات الوظيفية للعمليات القائمة فى المستويات العليا ليست فقط واضحة الاختلاف عن نشاطات المستويات السفلى ولكنها تعلوها فى المرتبة. ويشير جاكسون إلى هذا الاختلاف قائلا إنه “هنالك فى المستويات العليا شيء أكثر من مجرد كونها أعلى تحديدا”. فهى ليست فقط الأكثر اتساعا فى تمثيلها على المستوى القشرى ولكن هنالك “الأعلوية الوظيفية” (الأصل الانجليزى Functional superiority) من حيث إن تنظيمات الخلايا العصبية فى هذه المستويات تحقق الصفات الآتية: فهى الأقل ثباتا ونظاما ولكنها الأكثر تعقيدا، وتلك الصفات ليست فقط ملائمة للأداء العقلى فى هذه المستويات ولكنها من مستلزماته، فكما هو معروف فى فسيولوجية الأعصاب هناك القانون القائل بأن الأقل ثباتا ونظاما هو كذلك الأقل التزاما بعمل واحد، ومن ثم يرى جاكسون أنه يمكن أن نفترض أن هذه الدوائر العصبية مفتوحة وليست مغلقة، ذات قابلية للتغيير أكثر منها ثابتة. وفى وصف جاكسون فإن هذه الدوائر العصبية قادرة على تكوين نماذج ترابطية لا تحصي، حيث أن كلا منها يمكن أن يصير جزءا فى كل أكبر، وهذا يشير إلى معنى التعقيد الذى تكلم جاكسون عن وجوده فى هذه المستويات. وهكذا نرى أن هذا التنظيم العصبى البيولوجى يمكن أن يفسر التعقيدات الملحوظة فى النشاط العقلى وخاصة تلك الظاهرة فى القدرة على التعلم والنضج. وقد وجد جاكسون أن المراكز العليا- بسبب السمات التى أشرنا إليها توا- قادرة على إنتاج تغيرات كبيرة وواضحة، تلك التغيرات التى تميز بين الحياة العقلية فى الطفل عنها فى الراشد ولقد سمى هذه التغيرات “بالتطور الداخلي”Internal evolution وهو لفظ مكافيء للنضوج العقلى والسيكوفيزيائي. ومادامت المراكز العلوية- كما ورد مسبقا- لها مستقبل تطورى فى حياة الفرد فإن ذلك يسمح لنا بأن ننظرإليها، عند الولادة، على أنها تكوين فطرى غير متميز بمعنى أنها قابلة للتمييز وظيفيا حسب الظروف ونتاج التعليم، فهى ليست تكوينات نهائية كما هو الحال فى حالة المستويات الدنيا.
المستويات المتوسطة:
تقع هذه المستويات بين المراكز العليا والمراكز السفلي، وهكذا يمكن اعتبارها أكثر ثباتا ونظاما وأتوماتيكية عن المراكز العليا ولكنها فى نفس الوقت ليست فى أتوماتيكية وثبات وبساطة المراكز السفلي.
الانحلال:
إن الحالات المرضية تمثل فى نظرية جاكسون حركة انحلال للوظائف القائمة. ويحدث مع هذه الحركة من التحلل تحرر مراحل غائرة، وهذا يعنى أنها تمثل نكوصا إلى مستوى أدنى سابق وغائر، ويصاحب هذا نوعان من الاضطرابات: الاضطرابات السالبة وهى تلك الناتجة عن الخلل نفسه، والاضطرابات الموجبة التى تبدو من خلال العمل الرجعى من أجل إعادة بناء للمستوى الأدنى الذى تحرر بانحلال المستوى الأعلي.
الانحلالات الجزئية والانحلالات الكلية:
لقد فرق جاكسون فى نظريته بين نوعين من الانحلالات: الانحلال الجزئى (الذى أطلق عليه كذلك الانحلال المحدد) والانحلال الكلى (الذى أطلق عليه الانحلال المنظم)، وسوف نسرد مثلا من كل نوع لنوضح فكر جاكسون فى هذا المجال.
1- الانحلال الجزئى المحدود:
إن الكلام بمنظور جاكسون ليس فقط إخراج كلمات متراصة فى تتابع ولكن الكلام له جذوره الأنتوجينية التى نتج عنها تمثيل تسلسلى متصاعد. فإن الكلام فى أعلى مستوياته التطورية اقتراحى افتراضى وإسنادى propositional بمعنى أنه ليتمثل ويتكون وعلى مستوى فكرى فى العقل كرد فعل لكلام آخر بوعى وإرادة فهو كما يصفه جاكسون “أكثر إرادة وأقل أتوماتيكية” ومن خلال هذا المنظور يستخدم الكلام فى صياغة التفكير والتعبير عنه.
أما المستوى الأدنى أنتوجينيا، كما وصفه جاكسون فهو “الكلام الانفعالي القذفي” وهو كلام يلفظ للتعبير عن اندفاع قوى وعنيف للعواطف وهو “أقل إرادة وأكثر أتوماتيكية” فهو يمكن اعتباره فعل منعكس reflex action ، إذ تقل فيه الإرادة ، وقد أضاف جاكسون أنه يمكن أن يمثل المكافيء اللفظى لحالات عاطفية خام أو أولية غير متميزة. وبين هذين الحدين القصويين “الكلام الاقتراحى الافتراضى الإسنادي” و”الكلام العاطفى القذفي” كما وصفها جاكسون يقع مدى من مستويات الكلام التى تختلف فى أوتوماتيكيتها وفى تمثل الإرادة فيها.
فى حالة حدوث تلف فى المكان المناظر، فى داخل منطقة الكلام، ينتج عن ذلك خلل فى النشاط الوظيفى لهذا المركز وينتج عن ذلك مظاهر إكلينيكية يطلق عليها الحبسة aphasia ومظاهر هذا العرض تتفق مع آراء جاكسون حيث أن المستوى الوظيفى الأكثر تطورا أى “الكلام الاقتراحى الافتراضى الإسنادي” هو الذى يفقد أولا ولدرجة عظمى فى حين أن المريض يحتفظ “بالكلام الانفعالي القذفي”، وهنالك بعض المرضى البكم الذين يحتفظون ببعض بقايا الجمل الأوتوماتيكية التى يكون لها شكل “الكلام الاقتراحى الافتراضى الإسنادي” ولكن ليس لها نفس قيمته أؤ معناه.
الانحلال الكلى المنتظم:
إن خير ما يمثل الانحلال الكلى هما حالتى “السّبَهْ”(2) و”العته” وفى كلتا الحالتين هنالك خفض معرفى فى الشخصية وفى قدراتها الذهنية أساسا. ففى العته يكون الخفض مزمنا وبلا رجعة بسبب تلف عدد كبير من الخلايا القشرية (خلايا تقع فى المستوى العلوي)، أما فى حالات الهتر فإن الحالة تكون أكثر حدة وعادة تكون مؤقتة يمكن أن تتراجع إلى المستوى الأصلي، والنظام التطورى فى كلتا الحالتين يكون مضطربا بطريقة متساوية. إن النظام التتابعى فى هذا الأضطراب يعكس مبدأ جاكسون: أن المراكز العليا هى التى تصاب أولا (وتسبب أعراضا سلبية) فى حين أن المستويات الدنيا التى أصبحت فى ظل الظروف الجديدة عليا، تكتسب نشاطا مرضيا (أعراضا موجبة).
جاكسون وجولدشتين:
أن مفهوم جولدشتين فى فقد التمييز الوظيفى وماينتج عنه من فقد القدرة على التجريد بالإضافة إلى ظهور السلوك العيانى فى حالات التلف العضوى فى المخ يمثل فكرة هوجلج جاكسون (فهى تقع تحت حالة انحلال كلى منتظم) إن عملية “التقشير” المنظمة القائمة فى مفهوم جاكسون- بمعنى تحلل مستوى وظيفى معين- تنعكس فى الانسحاب المتميز فى الأداء التجريدى الى الأداء العيانى فى حالات تلف المخ العضوي.
الجاكسونية الجديدة فى مجال الأمراض النفسية:
مما لاشك فيه أن جاكسون كان له أثر كبير فى توجيه التفكير فى مجال الأمراض النفسية، وإن لم يكن هذا قد حدث بصورة مباشرة وكافية فإن روح فكره وبصيرته العلمية هى التى عملت بشكل مباشر أو غير مباشر على تشكيل تفكير كثير من المفكرين التطوريين من أمثال فرويد وجولدشتين والرخاوى وهنرى إى وأريتى وغيرهم. وربما كانت تفاصيل نظريته ليست بنفس أهمية نموذج أو نمط تفكيره. وهناك تيار جديد يسمى بالجاكسونية الجديدة حيث نجد بعض المؤلفين ممن تناولوا أعمال جاكسون بالفحص والدراسة واستنبطوا منها نظريات عضوية دينامية، وربما كان ذلك بداية لعهد جديد بفكرة التطور، ولعل هذا المدخل إلى فهم الوظائف النفسية فى تصعيدها فى الصحة ثم فى انحلالها ومقابلاتها التطورية فى الحالتين هو مفتاح الاقتراب التنظيمى الكلى لفهم المرض النفسى فهما شاملا ولتوجيه العلاج النفسى توجيها صحيحا.
وفى العدد القادم سنقوم بتقديم أحد رواد الأطباء النفسيين فى فرنسا إذ حاول أن يطبق فكر جاكسون على الأمراض النفسية مباشرة فى نظريته الدينامية العضوية organodynamic وهو “هنرى أي” الطبيب النفسى الفرنسي.
[1] – تعريف بهوجلج جاكسون : ولد جون هوجلج جاكسون فى 4 أبريل سنة 1835 وتوفى فى 7 أكتوبر سنة 1911 وهو إنجليزى الجنسيه. عمل كطبيب بالمستشفى الوطنى للمشلولين ومرضى الصرع بلندن من سنة 0 إلى 1906 وعمل كذالك فى مستشفى لندن الوطنى من 1859 إلى 1864 حيث كان محاضرا فى علم الامراض والفسيولوجيا, وهو رائد فى علم الأمراض العصبيه بسبب دراساته فى الصرع واضطرابات الكلام والأمراض العصبيه الناتجة عن خلل فى المخ أو النخاع الشوكي, وهو من أوائل من قرروا أن حالات الاضطرابات العقليه ناتجه عن تلف بنائى فى المخ, ومن أهم أعماله أنه أكتشف فى سنة 1863 النوبات الصرعية التى عرفت باسمه فيما بعد, وفى سنة 1875نسب هذه الظاهرة المرضية إلى خلل فى المنطقة الحركيه بالقشرة المخيه. وقد ثبت صدق تعريفه للصرع عن طريق جهاز تسجيل نشاط المخ الكهربى الذى استعمل فيما بعد وفاته بزمن.
[2] – لقد ترددت كثيرا فى ترجمة كلمة propositional فمصدر الكلمة proposition يعنى فى قاموس إلياس العصرى ‘اقترح- طلب- مشروع- قضية- مسألة- الموضوع- والمحمول جملة خبرية- المسند والمسند إليه’ , أما كلمة propositional ذاتها فتعنى فى ذات القاموس ‘افتراض مقلق بقضية منطقية’ وفى المورد ‘تعنى افتراض اقتراحي’ وقد ترجمها الاستاذ الدكتور يحيى الرخاوى إلي’إسنادي’ شارحا إياها بمعنى ‘أن الاسناد ليس مجرد تتابع الكلمات ولكنه أن تشير كلمة للأخرى بحيث تعطى الكلمتان أو الكلمات معنى لكل منها. ولقد فضلت إضافة لفظى افتراضى واقتراحى حيث ‘افترض’ تشير إلى التمثيل الفكرى لما يفترض. فى المعجم الوسيط ‘افترض الباحث إتخذ فرضا ليصل إلى حل مسألة’ وحيث اقترح يفيد الإشارة إلى أن الكلام فى أعلى أطواره الأنتوجينية هو شيء جديد أو هو تكوين جديد كرد فعل لكلام آخر ففى معجم الوسيط اقترح أى ‘ابتدعه دون أن يعلمه من غيره’ ويقال ‘اقترح الرأى أعده وقدمه للبحث’ و’اقترح بئرا حفرها فى مكان لم يحفر فيه’ وإنى لأرى أن الثلاثة ألفاظ مكملة لبعضها البعض كى نصل إلى صورة الكلام فى أعلى مراتبه التطورية
[2] – السّبَهْ ذهاب العقل من الهِرم