الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الإرادة (24) عن الوعى (2 من ..) ماهية الوعى (2)

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الإرادة (24) عن الوعى (2 من ..) ماهية الوعى (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 4-5-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2803

 

الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسيةالفصل السادس:

ملف اضطرابات الإرادة (24)

   عن الوعى (2 من ..)

ماهية الوعى (2)

مقدمة

وأنا أقلب فى محاولة فهم الوعى البشرى بعد هذه الخبرة الطويلة فى مواجهته، لم أستطع أن ألمّ بالقدر الكافى مما ينبغى من إسهامات علوم الطبيعة الكموية )الكوانتية Quantum) والرياضة الكوانتية والميكانيكا الكوانتية للمساعدة فى حل هذا الإشكال، وقد شدنى إلى هذه المنطقة ليس فقط عمقها وحداثتها، ولكن أساسا تداخلها و تضافرها مع  منظومات كشفية وخبرات معرفية ظلت تعد “غير علمية” إلى عهد قريب، مع تخوفى من استعمال مصطلح “التصوف المعرفى” فى هذا المقام، خوفا من الاختزال والتسطيح، علما بأنى لم أجد له اسما آخر، علما بأننى أرفض تماما التكلم عن هذه الظاهرة المعرفية (التصوف) باسم الروحانية كبديل، بل أرفض التكلم عن الروح أصلا(1).

تذكرة:

سبق أن تناولنا (هنا فى النشرات على الأقل – منذ حوالى ثمان سنوات) محاولة التعرف على التصوف كوسيلة معرفية  (نشرة 30/9/2007 “الصوفية والفطرة والتركيب البشرى”)، (نشرة 1/10/2007: الصوفية والفطرة والتركيب البشرى “مستويات الوعى وأساطير المتصوفة”) تتكامل مع قنوات المعرفة الأخرى، ثم حين غُصت فى محيط الإدراك، وتراجع دور التفكير (المنطقى والحلمشاكلى) دون استبعاده أو تهميشه، إلى موقعه المتواضع اللائق به، ثم بعد ذلك دخلنا إلى عمق ما هو وجدان،  وتعرفنا على مستويات للمعرفة غير ما تعودنا، من أشهرها حتى الآن “العقل الوجدانى الاعتمالى” Emotionally Processing Mind بعد كل ذلك وجدت أنه يستحيل استبعاد أى من ذلك فى محاولة فهم طبيعة ما يسمى “الوعى”وماهيته .”

لا يمكن تناول “إشكالة الوعى” كما تجلت لى بعد التقديم فى نشرة  أمس إلا ونحن نتذكر هذه الرحلة المعرفية لإعادة ترتيب الأوراق، وخاصة أنها ترتبط بثقافتنا بشكل وثيق، وبثقافة الشرق بشكل عام، علما بأن العالم كله أصبح فى أشد الحاجة إلى التعرف عليها من واقع الخبرة، جنبا إلى جنب مع ما تيسر من حوار وتنظير.

هذا هو ما وجدت نفسى مضطرا للرجوع إليه أحيانا، لأحاول فهم أكثر ترابطا،  لعل ما سبق يهدينا، ولو جزئيا، إلى ما نرجو.

ولكن ما هى علاقة هذا الاستطراد الذى لا يخلو من تكرار، بمأ يسمى “اضطراب الوعى” سواء فى صورة أعراض مرضية، أم سِمات معوّقة؟

هناك علاقة قد نتبينها معا بعد التعرف على ماهية “الوعى”، إذ كما تعودنا: إذا كنا نريد الأمانة مع انفسنا ومع مرضانا، فعلينا ان نعرف تشكيلات وتجليات كل وظيفة فى الصحة والسلامة، فى النوم واليقظة، فى الخمول والإبداع، قبل أن نندفع وندمغ بالمرض أى مخالف لنا، أو لما نعرف.

ولكن هل يمكن أن احاول التصدى الآن (مايو 2015)  لتناول ما يعيننا – نحن الأطباء والمعالجين النفسيين– فى هذه المسألة وأنا لا أعرف لغة العلوم الكوانتية التى أصبحت رائدة فى هذه المنطقة، ثم وأنا أتحفظ على استعمال مصطلح “الصوفية”، وأتجنب حذرا استعمال الإيمانية، خوفا من الاختزال والاستسهال والإحلال؟

الإجابة: إننى أشك فى ذلك

السؤال الواجب إذن: ما العمل؟

سوف أسمح لنفسى بالتششت للتجمع على الوجه التالى:

عينات محدودة:

أولا: مقاطع من حوار بين عالم  طبيعى (مختزلة بمسئولية صعبة): نكْ هربرت، و”عالم فى الباراسيكولوجى” هو: “جفرى ميشلوف”(2).

 جفرى ميشلوف:

 …. نبدأ بأن نطلب منك أن تفسِّر لمشاهدينا ما هي بالدقة الفيزياء الكوانتية، ولماذا تجد ظاهرة الوعى على هذا القدر من الأهمية (من منطلقها)؟

نكْ هربرت: …. انطلقت الفيزياء الكوانتية في العشرينيات لتفسير تفاعل الضوء مع الذرات. وقد ركزت على ذلك الأمر،….. لكنها استطالت الآن لتفسير تفاعُل أيِّ شيء مع شيء.

 وهي من حيث الأساس نظرية الفيزيائيين عن العالم في أيامنا هذه،….(ويوجد) … ارتباط ما بين الفيزياء الكوانتية والوعي………

ميشلوف: أنتم تتعاملون مع أضأل قُسَيْمات المادة الموجودة،…: القُسَيْمات ما تحت الذرية، نسمع- نمطيًّا- أن هذا النوع من المادة لم يعد صلبًا؛ إنها في معظمها خواء بحسب الفيزياء الكوانتية.

هربرت: هي ليست غير صلبة وحسب، بل هي في معظمها فضاء فارغ؛ لكنها أيضًا عبارة عن احتمالات – مُمَغْمَغة(3) وحسب، وليس حتى واقعية تمامًا.

ميشلوف: بعبارة أخرى، القُسَيْمات لم تعد قُسَيْماتٍ حتى.

هربرت: … أن صلابة المادة تذوب متلاشية في ضوء هذه النظريات، وتصير أكثر فأكثر أشبه بالمَغْمَغة الموجودة داخل رؤوسنا.

…………..

ميشلوف: ….. والفيزياء هى، في الواقع، العلم الأساسي لكلِّ العلوم. فالنظرية الأكثر أساسية في العلم برمَّته تفيد بأن أساس الواقع مُمَغْمَغ.

هربرت: مُمَغْمَغ، ومتهافتْ، ومـُبْهَم، …….هناك تشابهات بين النظرية الكوانتية وما يبدو عليه العقل من الداخل. ….، والناس الآن يحاولون تعليل حَدَثَ الخلق نفسه باستعمال الفيزياء الكوانتية، …..

ميشلوف: هناك تعبير أريد له توضيحا : يقولون ….أن كلَّ شيء واحد، كما كان الصوفية يعبِّرون عن الأمر.

هربرت: أجل. هناك سمة خاصة في النظرية الكوانتية تُدعى “الترابُط الكوانتي”، وقد اكتُشِفَت هذه الخاصية بالضبط لدى اكتشاف النظرية الكوانتية. فلقد وُجِدَ أن التوصيف الكوانتي لغرضين، حين يتفاعل هذان الغرضان تفاعلاً وجيزًا، ثم يُفصَل فيما بينهما، فإنهما، في التوصيف على الأقل، لا ينفصلان؛ هناك نوع من الالتصاق الذي يربط فيما بينهما، بحيث إنهما يظلان مشدودين واحدهما إلى الآخر بحسب النظرية. إنهما لا ينفصلان أبدًا، مع أن التفاعل بينهم يكون قد توقف.

تعقيب محدود:

أليس هذا هو ما يحدث فى المجموعة العلاجية، وقد سبق أن أوضحتُ كيف نعيش خبرة انتهاء سنة العلاج الجمعى (حسب الاتفاق) بعد أن اعتدنا على اللقاء كل اسبوع لمدة 52 أسبوعا (تقريبا) وكيف أن ما جمعنا لا يمكن أن يفصلنا مهما تباعدت الأجساد، واستعملنا فى ذلك لغة إيمانية دينية(4) لا أود أن أكررها للأسباب التى تعرفونها. (نشرة 22-4-2013 الأساس فى العلاج الجمعى “علاقة هذا العلاج بالدين والإيمان كثقافة).

هربرت: النظرية الكوانتية  تقول إن …الأشياء الكبيرة ليست مصنوعة من أشياء صغيرة، بل هي مصنوعة من كيانات تنعدم صفاتها عندما لا تنظر إليها، لكنها تتواجد عندما تنظر إليها أنت..

تعقيب محدود:

إن تخليق الوعى البينشخصى من خلال العلاقة الأعمق، وكذلك تخليق الوعى الجمعى الذى يتشكل من تفاعل مجاميع الوعى الشخصى والبينشخص هو من أهم ما لاحظته خلال أكثر من أربعين سنة أمارس فيها العلاج الجمعى، وقد أشرت إلى ذلك أيضا فى نشرات سابقة عن تشكيل الوعى الجمعى أثناء العلاح،

ثم إن انعدام الصفات فى ذاتها، وظهورها أو تخليقها من خلال إرادة الوعى البينشخصى والوعى الجمعى النشط يرد فى كثير من أقوال المتصوفة مثل قول السهروردى “ان معرفة الشيء هي عين وجوده (أنظر بعد)، أما انعدام الصفات ثم تخليقها عند تفاعل الوعى مع الوعى، فهو معلومة تطمئننا إلى ما ذهبنا إليه من ضرورة احترام تراكم الخبرات المتناهية القِصَرِ والصّغَر مهما ضؤلت، طالما نحن مطمئنون إلى موضوعية الحركة وإيجابية التفاعل، مع احترام أجزاء الثوانى كزمان ومكان معا، وربما من فرط ضآلتها يفضِّل الكوانتيون والمتصوفة أن يزعموا اختفاءها لتتخلق من جديد، وهكذا

هربرت:….هناك نوعان من المعرفة يحصلها الناس عن أنفسهم: أحدهما المعرفة الشبييهة بالمعرفة الكومبيوترية، حيث يحصلون على معطيات (معلومات)، والآخر هو هذه التجربة التي نختبرها الآن بأنفسنا، وهذه ليست شبيهة بالمعرفة الكومبيوترية ، وليست معطيات.

ميشلوف: تقصد التجربة المباشرة، الخام.

هربرت:  أيًّا كان هذا الأمر…… ، فإن الناس قد يكونون قادرين على التشارُك في الوعي، أيًّا كان ذلك، ولكن ليس المعطيات. أي أنه قد توجد صلات وجدانية.

ميشلوف: تعاطف.

هربرت: …….، طيب، بما أن الفيزيائيين لا يعرفون الكثير حول الوعي، فإننا نبدأ بنماذج خامية جدًّا. فكان مفاد النموذج الأول أن للأشياء بواطن وظواهر. ظاهرك هو جسمانيتك أو ماديتك، وباطنك هو وعيك. وبالتالي نفترض أن لكلِّ شيء باطنًا وظاهرًا، صعودًا من الذرة إلى البشر.

تعقيب محدود:

عندى تحفظ على اعتبار الجسد ظاهر، والوعى باطن، مع احترامى الشديد لفكرة أن للذرة وعى كما للإنسان(5)،، فعندى أن الجسد “وعىُ متعيّن،”(6)، وثم تحفظ آخر على اعتبار الوعى باطن، فهو منظومات مشتملة للظاهر والباطن طول الوقت،

أما أن للذرات وعى، فقد امتد الحوار هكذا:

ميشلوف: أتعني أن الذرات يمكن لها أن تتحلَّى بالوعي؟

هربرت:… إنْ وُجِدَ أساس ميكانيكي كوانتي، فهو ينزل إلى ما هو حتى المستوى ما تحت الذري، إذن، وليس الخلايا العصبية وحسب.

تعقيب محدود:

وهذا يذكرنا بأن المخ، برغم عظمة وروعة دوره الإبداعى والتشكيلى إلا أنه ليس محتكر للوعى أو للإبداع دون غيره، وتكفى الإشارة هنا إلى ما سبق أن أوردناه عن الجسد وكيف أنه كيان مفكر مبدع،  Philosophy in the Flesh(7)، وأيضا يمكن الرجوع إلى مقالة “المعرفة‏ … ‏والجسد” كتابى شخصيا مراجعات فى لغات  المعرفة (8).

وبعد

ونؤجل الحديث المباشر عن المعرفة الشمولية إلى الأسبوع القادم، وهو ما طرحناه بالتفصيل بأسماء أخرى فى كل من ملف الإدراك (نشرة 23-10-2012 الإدراك: “الله .. الإنسان .. التطور .. الله”)، والوجدان (نشرة  5-1-2015 “عُـسْـر الاضطرابات الوجدانية: كمِّيا”)، وإلى درجة أقل الإرادة، وأيضا ناقشناه بشكل غير مباشر ونحن نناقش إبداع الشخص العادى، وإسهامات المستشرقة آن مارى شيمل عن التصوف الإسلامى (نشرة 1-10-2007: الصوفية والفطرة والتركيب البشرى “مستويات الوعى وأساطير المتصوفة”).

[1] – وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً

[2] –  د. نِكْ هربرت، هو فيزيائى، ومؤلِّف كتاب بعنوان الواقع الكوانتي، أما  جفرى ميشلوف فهو من علماء الباراسيكولوجى

[3] – غمغم فلانٌ تمتم ، تكلّم بغير وضوح، – فهو ممغمغ– لم يُبيِّن كلامَه ، قطّع الحروفَ وأصدر أصواتًا لا يفهمها الناس 

[4] – اضطررت أن أضعها فى الهامش فى آخر لحظة وهى “اجتمعوا عليه، وافترقوا عليه”

[5] – وهو غالبا الذى يسبح لله عز وجل

[6] -Concretized consciousness

[7] – Philosophy in the Flesh: the Embodied Mind and its Challenge to Western Thought. 

         By: George Lakoff – Copyright 1999

[8] – يحيى الرخاوى: “المعرفة‏.. ‏والجسد ” كتاب: “مراجعات فى لغات المعرفة” سلسلة أقرأ – دار المعارف 1997

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *