نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 21-10-2012
السنة السادسة
العدد: 1878
الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (119)
الإدراك (80)
لجنة التراث النفسى الإسلامى (1 من ؟)
احترام واجب واعتذار مؤلم
تمهيد
توقفت – ولو مؤقتا – عن كتابة مقالى (السياسى) الأسبوعى لصحيفة يومية، فأتيح لنا يوم آخر من أيام الأسبوع أنا فى أشد الحاجة إليه لمواصلة الكتابة فى واجباتى الأساسية فى ما وصلنى من مهنتى وناسى، إلى من يهمه الأمر.
مقدمة:
أما الاحترام، فهو لكل هذه المبادرات والحماس والتعقيبات والحوارات التى تدفقت ترحيبا بهذه اللجنة الضرورية الهامة، “لجنة البحث والدراسة فى التراث النفسى العربإسلامى” أما الاعتذار المؤلم فهو عن عدم المشاركة فى المرحلة الحالية فى الحوار الجارى، والحماس المتزايد، وهو ما قد أنتهى إليه بعد عرض معاناتى فى محاولة الانتماء والحوار على نفس الخط السائد مع تجنب الاستدراج إلى ما لا أريد، أفعل ذلك وأنا أدعو لها بالتوفيق بكل معنى الكلمة، مع استمرارى فى تحديد خطوطى العريضة بالنسبة لهذه المسألة، لعلنا نلتقى فى نقطة ما، يوما ما، ولو فى “غيب” رائع يقينىّ مجهول.
وبعـد
إنطلاقا من نشرة الأسبوع الماضى التى أعلنت فيها فرحتى بهذه اللجنة جنبا إلى جنب مع مخاوفى التى تداخلت مع الفرحة وعددت بعضها فى تلك النشرة، وصلنى هذا الخطاب من شاب متحمس هو الابن د. محمد السعيد أبو حلاوة مدرس الصحة النفسية وعلم نفس الأطفال غير العاديين. كلية التربية جامعة دمنهور، ويبدو أن عنوان النشرة جذبه أكثر من التمعن فى معنى المخاوف وطبيعتها وضرورتها حيث كان العنوان “كلما زادت فرحتى زادت مخاوفى، أعدد المخاوف حتى أنقى فرحتى”، فكتب سيادته ما نصه بعنوان: ثم ماذا بعد؟!!!!! وكيف الخلاص من المخاوف؟ كتب يقول:
لا أعرف إلي أين تسير بي حياتي، فدائمًا كل فرحة مقترنة بلكن؟ ألا يمكن أن توجد حالة الفرحة كحالة انفعالية نقية هكذا بالمطلق من كل انفعال سلبي آخر؟ ألا يمكن أن يأتي يوم ننقى فرحتنا هذه من المخاوف؟ ألن يأتي يوم لا نردد فيه بعدالضحك بملء الفم ومن القلب جملة “اللهم اجعله خير؟” هل هذا الخوف من المستقبل ومن الممارسة جزء أصيل من تكويننا الثقافي؟ لما لا نعيد تأسيس بنية ثقافية نواتها ومدارتها التفاؤل والاستبشار الواقعي، ورجاء الخير؟ ألا يصلح أن يكون مفهوم “الرجاء” نواة الشخصية السوية؟ متى نندفع باتجاه المستقبل بروح وثابة متفاؤلة دونما ارتداء لجلباب التخوف والحذر والتهيب المعجز؟ لماذا لا نتعلم أن الحياة بلا أخطاء حياة غيرة جديرة بأن تعاش؟ لماذا لا نعتبر أن الأخطاء فرص للتعلم ونقطة انطلاق للتجويد؟ أستاذنا الجليل وعالمنا الفاضل إن لم نلجأ إليكم للوصف والتفسير فلمن نلجأ إذن؟ ننتظر من أستاذنا وفيلسوف التأصيل النفسي للظاهرة السيكولوجية البروفيسور يحيى الرخاوي تناولًا تحليلاً لهذه لظاهرة تعجيز الذات والهزيمة النفسية القابضة بتلابيبها على شبابنا في العالم العربي.
إلى أن نتلقى ردكم الكريم
تفضلوا بقبول أسمى آيات المنى وأرق تحياتى
د. محمد السعيد أبو حلاوة
وهكذا وصلنى أنه يطلب منى ردا محددا على ظاهرة تعجيز الذات والهزيمة النفسية القابضة بتلابيها على شبابنا فى العالم العربى؟ وعلى تصوره أن مخاوفى تتعلق باحتمالات الخطأ بشكل أساسى.
وأنا لا أعرف كيف وصله إعلان مخاوفى جنبا إلى جنب مع الاعتراف بفرحتى على أنه تناقض مرفوض، ربما فهم من العنوان “أنقى فرحتى” أن فرحتى لا تكون خالصة إلا إذا تخلصت من مخاوفى التى أعلنتها فى نهاية النشرة فى عشر نقاط، ثم كيف لم تصله دعوتى اللحوح لقبول التناقض وتحمل الغموض، وأن الفرحة الحقيقية لا تنفى الحزن ولا تستبعد المخاوف، وأن فرحة بلا مخاوف هى مثل الاستسلام لمفهوم النفس المطمئنة بدون “ادخلى فى عبادى”.
رجعت إلى قراءة المخاوف المحددة فلم أجد بها أية علاقة بتعجيز الذات أو تلويح بهزيمة نفسية، وعذرت الابن الشاب الصادق فى مشاعره وهو خائف على فرحتى (وربما فرحته)، وتعجبت لماذا يرفض هذا الاستطراد بـ “لكن” الذى يمكن أن يجلعنا أكثر موضوعية وأعمق فرحة وبالتالى أقدر فعلا.
دفعنى خطابه هذا أن أعود إلى المخاوف العشرة، فوجدت لزاما علىّ أن أفتح الملف كله، واستغرق ذلك منى يوما وبعض يوم، فزادت مخاوفى يا محمد دون أن تذهب فرحتى.
أنا أنتمى إلى هذه الأمة العربية المسلمة الطيبة، وهذا فضل من الله ليس لى يد فيه إلا محاولاتى أن أكون عند حسن ظن ربى بى، ومن هنا جاءت الفرحة بهذا التوجه، لعله خيرا، وأملت أن نكتشف فضل ربنا علينا لنتعهده، بأن نحمل أمانة ما نكتشف من كنوز غمرناها أو نسيناها أو لم نتعرف عليها أصلا فنوجهها إلى وجهتها الصحيحة لصالح كل الناس.
لأشرح لك مسئولية المسلم نحو كل الناس فى عصرنا هذا دعنى أشير بصراحة يا محمد إلى تعليق الأخ والابن والصديق جمال التركى صاحب الفضل فى كل ما نحن فيه ونحاوله الآن، ومن أبسطه وأقربه أن أتعرف عليك هكذا، “هنا والآن”، وأن يصلنى كل ما وصلنى من هذه المراجعة لهذا الملف من كل هؤلاء الزملاء وهى المراجعة التى أشرت إليها، وتصورت أنه لو لم توجد هذه الشبكة العربية النفسية، فكيف كنت سأعيش وأموت دون أن أدرى شيئا مما يجرى حولى من زملاء أفاضل وأصدقاء وأبناء وأخوة، يحملون مثل همى ويمارسون تخصصى، المهم جاء فى تعقيب د. جمال على تعقيب الابنة كريمة علاق ما يلى:
“أخشى ما أخشاه، هو ألا يدرك إنسان عصرنا (ليس الإنسان العربى فحسب أو المسلم فقط) أهمية ما يطرحه (اسمى) إلا بعد فوات الأوان”.
توقفت يا محمد عند التفاطه مسئوليتنا مفكرين مسلمين حاملين أمانة تعمير الأرض وتنوير البشر، ونحن نحاول حمل الأمانة إلى إنسان عصرنا مسلمين وغير مسلمين عربا وغير عرب، تعجبت كيف وصله تماما هكذا ما أحاوله، ونحاوله هذا الإنسان صاحب كل هذه الأفضال، فحمدت الله، ودعوت له ولنا بما تيسر، تقبل الله.
انطلاقا من هذا التعقيب، الذى تبع تعقيب الابنة د. كريمة علاق (أستاذة علم النفس جامعة مستغانم – الجزائر) زادت مسئوليتى أن أعلن أكثر فأكثر مخاوفى، وأنا أحاول أن أحيط بفرحتى وأن أذكرك يا محمد بما سمح لى حوارى مع الابن أ.د. إدريس الوزانى أن أعلنه يوما فى نشرة باكرة فيما يتعلق بموضوعنا “لجنة التراث الإسلامى العربى النفسى” قبل أن يبلغنى تكوين اللجنة، وكان من 22 نقطة أكتفى بذكر أول أربع نقاط.
أولاً: يستحيل أن نتميز “بما هو نحن” إلا انطلاقا من ثقافتنا الآن، حتى بعد أن تشوهت وكادت تصبح هجينا، فمازالت لغتنا العبقرية الحضارة صرحا شامخا، ومازالت أدياننا نورا هاديا، والثقافة تبنى على هذين العمودين أساسا.
ثانياً: حين أشير إلى عمودى الثقافة: اللغة والدين أعتمد على رأى ت. س. إليوت فى تفسير ماهية الثقافة، ولا أقصر الثقافة عليهما، وأنا لا أعنى دينا بذاته، ولا أستبعد العرف والعادات والتقاليد طبعا …الخ.
ثالثاً: أرى من اللازم أن ننتبه أننا حين نستلهم بعض نصوص الإسلام الحنيف علينا أن نحدد ابتداءً أننا لا نفسر هذه النصوص بالعلم، وخاصة العلم المؤسسى، وإنما نحن نتناولها لنتعامل معها كنموذج أو مثال لنوع من الحياة مختلف عن النوع المستورد المعروض علينا من ثقافة أخرى لها مالها وعليها وما عليها، كما أن نموذج الاسلام، حتى لو سمى أى علم باسمه، ليس جامعا مانعا إذ هو لا يستبعد أى دين آخر لم يتشوه بالوصاية عليه ولم يخنق بالتفسير والاحتكار والاختزال والاغتراب، ودينى وما بلغنى منه – ولو متحيزا- وهو “الاسلام” كان ومازال من أهم مصادر معارفى، وقد اعتبرته من أقل الأديان –فى حدود علمى- التى تعرضت للتحريف المبدئى، وإن كان التفسير الوصى قد خنقه وحل محل الكثير من أصوله وحال دون استلهام نصوصه، ومع ذلك فهو ليس مصدرى الأول لأننى أعلنت مرارا أن مصدرى الأول هو مرضاى.
رابعاً: الأرجح عندى أن تسمية ما يميزنا بأسماء دين بذاته: علم النفس الاسلامى أو الطب النفسى الاسلامى…الخ هو أمر معطِّل ويبتعد كثيرا أو قليلا عن ما نعنيه بالثقافة تحديداً، وإنما نحن بانطلاقنا من ديننا إنما نضيف إلى وسائل ومصادر معرفتنا بالنفس البشرية، كما تطورت بفضل الله، مصدرا أساسيا قد يسهم فى أن يكمل ما وصلنا، شرط ألا يكون مصدرا وصيا ولا ثانويا.
وبعـد
حين قارنت موقفى هذا بما وصلنى من الانطباع الأول عن هذه اللجنة، ثم تأكدت منه بعد الرجوع إلى ما لدى من تعقيبات وآراء، زادت مخاوفى يا محمد وهو ما قد أفصله غدّا وبعد غد
شكرا لمداخلتك،
وفقنا الله بفرحة رائعة حذرة مقدام